العدوان الإسرائيلي على غزة: الأسباب والنتائج والتداعيات
نبذة مختصرة: 

جاء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة يومَي 4 - 5 أيار / مايو، ليكون الأكثر قسوة ودموية، نظراً إلى معطياته الميدانية الخاصة بأعداد الشهداء والجرحى من جهة، والقوة النارية المستخدمة من جهة أُخرى، وتجاوز إسرائيل لحاجز التردد المتعلق بالاغتيالات من جهة ثالثة. هذا العدوان الإسرائيلي القصير زمنياً، والكثيف نارياً، هو العاشر من نوعه منذ انطلاق مسيرات العودة في آذار / مارس 2018، ويمكن اعتباره قفزة نوعية في الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع الذي ما إن يضع عدوان ما أوزاره، حتى يستعد الفلسطينيون فيه ويتحضّروا له. ويبدو من الصعب النظر إلى العدوان الأخير على غزة بمعزل عن جملة من التطورات السياسية: الفلسطينية والإسرائيلية والإقليمية، والتي تجلت جميعها بصورة لا تخطئها العين، تاركة آثارها الواضحة بعد انتهاء العدوان.

النص الكامل: 

  جاء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة يومَي 4 - 5 أيار / مايو، ليكون الأكثر قسوة ودموية، نظراً إلى معطياته الميدانية الخاصة بأعداد الشهداء والجرحى من جهة، والقوة النارية المستخدمة من جهة أُخرى، وتجاوز إسرائيل لحاجز التردد المتعلق بالاغتيالات من جهة ثالثة. هذا العدوان الإسرائيلي القصير زمنياً، والكثيف نارياً، هو العاشر من نوعه منذ انطلاق مسيرات العودة في آذار / مارس 2018، ويمكن اعتباره قفزة نوعية في الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع الذي ما إن يضع عدوان ما أوزاره، حتى يستعد الفلسطينيون فيه ويتحضّروا له. ويبدو من الصعب النظر إلى العدوان الأخير على غزة بمعزل عن جملة من التطورات السياسية: الفلسطينية والإسرائيلية والإقليمية، والتي تجلت جميعها بصورة لا تخطئها العين، تاركة آثارها الواضحة بعد انتهاء العدوان.   أولاً: أسباب المواجهة تكاد الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية تُجمع، على الرغم من الاختلاف الواسع في نظرتها إلى الأمور، على أن ما يحدث في قطاع غزة منذ انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار، إنما هو إدارة للموقف الميداني والأمني، في ظل انعدام الأفق الواضح أمام إيجاد حلول جذرية للأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع المحاصر. وفي ظل هذه القناعة المتزايدة جاء العدوان الأخير الذي تمثلت أسبابه المباشرة الفورية في أمرين مهمين: استمرار الاحتلال الإسرائيلي في إطلاق النار المباشر بهدف القتل على المتظاهرين السلميين على حدود قطاع غزة، الأمر الذي تسبّب بسقوط شهداء وجرحى يوم الجمعة الموافق فيه 3 أيار / مايو، على الرغم من أنهم لم يشكلوا خطراً على حياة الجنود الإسرائيليين، كما أنه لم يغلب على مسيرات يوم الجمعة ذاك وسائل المقاومة الخشنة، بل إنها على العكس، كانت مسيرات سلمية هادئة، مثلما جرت العادة في أيام الجُمَع السابقة. هذا التساهل الإسرائيلي في إطلاق النار لقتل وإصابة واستهداف متظاهرين سلميين، شكّل عاملاً ضاغطاً على قوى المقاومة التي لم تستطع أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الاستهتار الإسرائيلي. التلكؤ الإسرائيلي الواضح في تطبيق ما تم الالتزام به في التفاهمات الإنسانية في تشرين الأول / أكتوبر 2018، بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي برعاية مصر وقطر والأمم المتحدة، الأمر الذي جعل الفلسطينيين رهائن المزاج الإسرائيلي، وأوصل الأوضاع المعيشية في القطاع إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور والمعاناة. وكان تقرير صادر عن الأونروا في 13 أيار / مايو، قد حذّر من أن أكثر من مليون فلسطيني في قطاع غزة، يشكلون أكثر من نصف عدد سكانه، ربما لا يكون لديهم بعد فترة طعام كافٍ. هذان الحدثان شكّلا الصاعق الذي فجر المواجهة الأخيرة، وسيبقيان دائمي الاشتعال في الفترة المقبلة، إلاّ إذا حدثت مستجدات جوهرية على بيئة الصراع الجارية في القطاع، الأمر الذي يشكل فرصة لتسليط الضوء على عوامل أُخرى غير مباشرة ساهمت في اندلاع العدوان الأخير. شعر الفلسطينيون، ولا سيما فصائل المقاومة، بخيبة أمل كبيرة، بسبب ما اعتقدوا أنها خديعة إسرائيلية تمكنت منهم، وتتعلق بانقضاء الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة في 9 نيسان / أبريل، بهدوء نسبي، على أمل بأن يفي بنيامين نتنياهو بوعوده للوسطاء المصريين بتطبيق التفاهمات في اليوم التالي لانتهاء الموسم الانتخابي، شرط أن تشهد حدود غزة هدوءاً أمنياً لا يؤثر في فرصه الانتخابية، فكان له ما أراد، لكنه نكث بوعوده، وأخلفها، وتراجع عن تعهداته. في جولة العدوان الأخيرة، رأى الفلسطينيون أن ثمة فرصة أُخرى سانحة لا بد لهم من استغلالها إيجابياً، وتتمثل في إحياء إسرائيل احتفالات ما تسميه استقلالها، والذي يتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية، إلى جانب تنظيم مهرجان الأغنية الأوروبية "اليوروفيجن"، وهو حدث فني عالمي تستفيد منه إسرائيل سياسياً واقتصادياً وسياحياً. اعتقد الفلسطينيون خلال التصعيد الأخير أن هذه الأحداث والفاعليات ربما تكون فرصة لا تتكرر كثيراً لانتزاع موافقة إسرائيلية على تطبيق التفاهمات الإنسانية المتفق عليها، بسبب الرغبة الإسرائيلية الجامحة في تمرير هذه الاحتفالات من دون أي تعكير أمني، وهو ما تمثل في استئناف العمل بتلك التفاهمات في اليوم التالي لانتهاء العدوان الأخير.   ثانياً: النتائج الميدانية لم يتجاوز المدى الزمني للعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ثماني وأربعين ساعة، لكنه حمل في طياته نتائج كثيرة وآثاراً متعددة، على مختلف الصعد، وفي شتى المجالات، يمكن رصدها في النقاط التالية: التبعات العسكرية: بدا واضحاً أن المقاومة الفلسطينية حازت قدرات عسكرية وقتالية نوعية استخدمت بعضها للمرة الأولى، كمّاً ونوعاً، الأمر الذي تجلى في حجم الدمار الكبير في المستعمرات الجنوبية المسماة "غلاف غزة"، وصولاً إلى مدينتَي أسدود والمجدل المحتلتين، اللتين تضررتا بصورة كبيرة وفق ما بثته قنوات التلفزة الإسرائيلية. هذه الآثار تحمل إشارة إسرائيلية مقلقة إلى ما قد تكون عليه طبيعة المواجهة العسكرية المقبلة، ولا سيما كونها مواجهة شاملة وواسعة، من حيث حيازة واستخدام المقاومة الفلسطينية قدرات متقدمة جداً، كفيلة بإحداث أضرار ودمار كبيرين في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، الأمر الذي يؤخذ في الحسبان لدى دوائر صنع القرار الإسرائيلي في حال أرادت الذهاب إلى خيار الحسم العسكري مع غزة. بلغة الأرقام، نحن أمام كثافة صاروخية فلسطينية غير مسبوقة، إذ بلغت أعداد صواريخ المقاومة خلال 42 ساعة قتال نحو 700 صاروخ، بمعدل 416 صاروخاً في اليوم الواحد، وهو 4 أضعاف كثافة صواريخ حزب الله في حرب 2006، وتساوي 15% ممّا أطلقته المقاومة في 51 يوماً في سنة 2014. استمراراً للنتائج العسكرية، شرعت إسرائيل في إقامة جدار خرساني في المنطقة المكشوفة على السياج الأمني شمالي قطاع غزة، بعد نجاح المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عملية نوعية باستخدام صاروخ "كورنيت" موجه استهدف سيارة عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال جولة التصعيد الأخيرة. وتبلغ تكلفة إقامة الجدار المدمج بتقنيات ذكية قرابة 27 مليون دولار، وسيتم بناؤه على طول مسارات السكة الحديد، لحماية القطار الذي يسير في المنطقة المكشوفة من جهة قطاع غزة، من الاستهداف في أي جولة تصعيد مقبلة. على الصعيد العسكري الفلسطيني، يمكن القول إن إسرائيل تجاوزت حاجز التردد الذي كان يرافقها خلال جولات التصعيد التسع السابقة منذ آذار / مارس 2018، والمتعلق بتنفيذ اغتيالات موجهة ومركزة ومقصودة. فقد أطلقت طائراتها صواريخها في اتجاه عدد من المقاومين في وضح النهار، وتبيّن لاحقاً أنهم من الكوادر الميدانية الفاعلة والحساسة في فصائل المقاومة، الأمر الذي يجعل الفلسطينيين في حالة حذر إضافي من مغبة بدء العدوان المقبل بالاغتيالات. الآثار السياسية: أسفرت المواجهة الأخيرة عن نشوب حرب على شكل تبادل الاتهامات داخل الأوساط الإسرائيلية، سواء بين المستويين السياسي والعسكري، أو بين الائتلاف والمعارضة، واتفق معظمها على أن الفلسطينيين نجحوا في ابتزاز إسرائيل، من خلال استغلال التوقيت الحرج في اندلاع هذه المواجهة من جهة، وتوسيع رقعة الصواريخ من جهة أُخرى، وعدم قدرة القبة الحديدية على صدّ القذائف الفلسطينية بصورة كاملة من جهة ثالثة. ولعل تزامن اندلاع العدوان الأخير على غزة مع مشاورات نتنياهو لتشكيل حكومته الخامسة لم يصبّ في مصلحته، على اعتبار أنه اجتهد في اتفاقاته الائتلافية التي هي في قيد التشكل مع أحزاب اليمين على ترحيل ملف غزة، وإرجاء البتّ فيه، في مقابل الاهتمام بقضايا داخلية ومالية للأحزاب المشاركة. غير أن انفجار المواجهة الأخيرة مع غزة منح خصوم نتنياهو الحاليين، وشركاءه المفترضين من أمثال أفيغدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا، ووزير الدفاع السابق، والمتطلع إلى استعادة هذه الوزارة، ذريعة جديدة لابتزازه مجدداً، فقد أعلن ليبرمان أن أحد شروط انضمامه إلى ائتلاف اليمين هو أن يتم إخضاع غزة بالقوة العسكرية، وصولاً إلى إنهاء سلطة "حماس". وهنا ثمة ملاحظة سياسية لا بد من إيرادها، وتتمثل في وجود تبنٍّ غربي للرواية الإسرائيلية بشأن العدوان الأخير. ونحن لن نتكلم على الموقف الأميركي الذي منح إسرائيل حق الدفاع عن النفس بلا تحفظ، على لسان الرئيس دونالد ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو، وإنما عن خروج مواقف كانت متوازنة في مواجهات سابقة، وتغيرت الآن، وهي بحاجة إلى قراءة فلسطينية لمعرفة سبب تغيرها، ولا سيما ألمانيا والاتحاد الأوروبي. أمّا على الصعيد الفلسطيني، فإن الفلسطينيين في هذا العدوان عززوا وجود غرفة العمليات المشتركة الخاصة بفصائل المقاومة، والتي أدت مكوناتها كلها دورها في هذا العدوان بما لديها من قدرات وإمكانات، وهي تدل على شكل متقدم في أداء المقاومة يعبّر عن وحدة الخطاب السياسي والسلوك الميداني. سياسياً أيضاً، أسفرت الجولة الأخيرة عن زيادة ملحوظة في النفوذ القطري داخل الأراضي الفلسطينية، تمثلت في تقديمها المنحة المالية السخية للضفة الغربية وقطاع غزة معاً بقيمة 480 مليون دولار، بعد أن كانت مساعداتها خلال الأعوام الماضية متركزة على قطاع غزة، الأمر الذي ربما يشير إلى إمكان أن تشهد خريطة التحالفات الفلسطينية الرسمية إعادة تموضع في المنطقة، بعد الاستجابة القطرية الحصرية لمناشدة السلطة الفلسطينية إنقاذها من أزمتها المالية الخانقة. النتائج الاقتصادية: على الرغم من أن الموقف الرسمي الإسرائيلي يقضي بأنه "عندما تطلق المدافع النار، لا نكترث بالمال"، فإن المسؤولين في وزارتَي المال والدفاع يعرفون جيداً أن أي جولة عسكرية تتحول في نهاية الأمر إلى قضية اقتصادية، وأن استمرار العدوان الأخير على غزة كان من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً بالسياحة الإسرائيلية، وصورتها في العالم، في حال إلغاء مهرجان اليوروفيجن. كما قرر وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتس، وقف ضخّ الغاز الطبيعي من حقل "تمار"، والانتقال إلى استخدام مصادر طاقة أُخرى. وساهم توقيت العدوان في التأثير في قضية الميزانية الحكومية، فبينما يُتوقع إجراء تقليصات في ميزانيات الوزارات، نجد أن الجيش الإسرائيلي طالب بزيادة ميزانية الأمن بعشرة مليارات شيكل. وتمثلت النتائج الاقتصادية الإسرائيلية المباشرة للعدوان على غزة في: توقف الإنتاج؛ التغيب عن العمل في بعض المرافق؛ تراجع السياحة والإقبال على المطاعم وأماكن الترفيه؛ المسّ بالنشاط الاقتصادي اليومي بسبب توقف العمل لدى انطلاق صافرات الإنذار.   ثالثاً: التداعيات المستقبلية وضع العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة أوزاره بصورة موقتة؛ صحيح أن دوي المدافع وهدير الطائرات وأزيز الرصاص هدأت وتراجعت، وبدا ما جرى كأنه مناورة بالنيران الحية بين المقاومة والاحتلال، إلاّ إن هناك توافقاً فلسطينياً - إسرائيلياً يزداد مع مرور الوقت، على أن الأمر لا يعدو كونه استراحة محارب، أو فرصة لالتقاط الأنفاس. لم يحقق الجانبان تطلعاتهما من هذه الجولة الدامية: فإسرائيل خرجت منها وهي تشعر بحالة عجز حقيقي عن كسر إرادة الفلسطينيين، على الرغم من أنها أوجعتهم، ونجحت في جباية أثمان باهظة منهم، بشرية واقتصادية، لكنهم في المقابل وجهوا إليها ضربات مؤلمة: كمّية ونوعية، جاءت نتيجتها متمثلة في مشاهد الدمار وسقوط القتلى والجرحى، واحتجاز مئات الآلاف من الإسرائيليين في الملاجىء. وعلى الرغم من أن قطاع غزة شهد خلال فترة لم تتجاوز عاماً واحداً، تسع جولات عدوانية إسرائيلية، فإن الجولة العاشرة الأخيرة بصورة خاصة، حظيت بكثير من النقاشات والمداولات الفلسطينية والإسرائيلية، فقد بدا كما لو أن الطرفين يحثّان الخطى استعداداً لجولة تصعيد مقبلة لن تكون الحادية عشرة، بل ربما تكون الأخيرة فعلياً، سواء في اتجاه الحسم العسكري النهائي، المكلف عليهما من جميع النواحي، أو نحو إبرام تسوية طويلة الأمد. ومن الجدير ذكره أن جملة من الأحداث يتزامن بعضها مع بعض في وقت واحد، وربما تكون ذات صلة مباشرة بالعدوان الأخير على غزة كأحد تداعياته المستقبلية المباشرة، وهي على النحو التالي: تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة: ليس سراً أن نتنياهو الذي نجح في تمرير الانتخابات بهدوء أمني، وفي تحقيق الهدوء ذاته خلال مهرجان "اليوروفيجن"، كان يسعى لاستمرار الهدوء إلى حين إعلان حكومته الخامسة. إعلان صفقة القرن: في الوقت الذي كان يُعدّ هذا التقرير، كانت تتزايد المؤشرات إلى اقتراب موعد إعلان صفقة القرن بعد شهر رمضان، أي في أوائل أو أواسط حزيران / يونيو. ولعل الصفقة بحاجة إلى هدوء أمني في غزة بالذات لا يعكر صفو أجوائها، وفي ظل الوساطة الناجحة التي تقوم بها مصر وقطر والأمم المتحدة، فإن هذه الأطراف ربما تستطيع انتزاع تهدئة أمنية من المقاومة في غزة، إلى حين إعلان هذه الصفقة، من دون معارضتها من الناحية العملية العسكرية، ومحاولة عرقلتها. وليس بالضرورة أن تمنح فصائل المقاومة أولئك الوسطاء شيكاً على بياض باستمرار الهدوء الأمني في غزة، وخصوصاً إذا لم تلتزم إسرائيل بالتفاهمات المتفق عليها، الأمر الذي يجعل إعلان صفقة القرن محاطاً بمخاطر أساسية من جبهة غزة. التوتر في منطقة الخليج: في هذا الوقت أيضاً، يزداد التوتر الأمني والميداني بين إيران من جانب، والولايات المتحدة وبعض دول الخليج من جانب آخر. ومع أن الجبهة الفلسطينية، وتحديداً غزة، تبدو بعيدة جغرافياً عن منطقة الخليج، إلاّ إن التقديرات تتزايد بأنها ستتأثر بصورة أو بأُخرى بهذا التوتر. فإسرائيل تزعم أن إيران التي تعاني حصاراً محكماً، وتهديدات جدية بتوجيه ضربة عسكرية إليها، قد تستعين بحلفائها في المنطقة، ومنهم فصائل المقاومة الفلسطينية من أجل إشغال إسرائيل، والعمل على إشعال جبهة غزة لتصدير أزمتها بعيداً عن أراضيها. صحيح أننا غير ملزمين بالتسليم بالتقدير الإسرائيلي، إلاّ إن تدحرج الأمور في المنطقة قد يجعل غزة في عين العاصفة، سواء بمبادرة إسرائيلية لمباغتة المقاومة على حين غرة فيها، أو بسبب رغبة إيران في البحث عن طوق نجاة من تهديد أميركي يوشك أن يدخل حيز التنفيذ. أخيراً، انقضت جولة العدوان الأخيرة في غزة موقتاً، وما زال الجانبان، الفلسطيني والإسرائيلي، يستخلصان الدروس والعبر منها على مختلف الصعد، وسط ترقّبهما كيف ستسير الأمور، ولا سيما التزام إسرائيل بالتفاهمات الإنسانية، وهي المسألة الأساسية التي ستحدد شكل العلاقة المقبلة مع غزة: عدوان جديد أم تسوية دائمة.