جرت انتخابات السلطات المحلية في إسرائيل في تشرين الأول / أكتوبر 2018، حاملة كثيراً من المعاني على مستوى الهوية والسياسة. وتختلف هذه الانتخابات في المجتمع العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر، عنها في السلطات المحلية اليهودية، فهي تحمل في الثانية بعداً سياسياً حزبياً لا يمكن التقليل من شأنه، بينما تحمل في الأولى بعداً عصبياً أكثر منه سياسياً، على الرغم من أن البعد العصبي لا يخلو من معانٍ سياسية أيضاً.
جرت انتخابات السلطات المحلية في إسرائيل في تشرين الأول / أكتوبر 2018، حاملة كثيراً من المعاني على مستوى الهوية والسياسة. وتختلف هذه الانتخابات في المجتمع العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر، عنها في السلطات المحلية اليهودية، فهي تحمل في الثانية بعداً سياسياً حزبياً لا يمكن التقليل من شأنه، بينما تحمل في الأولى بعداً عصبياً أكثر منه سياسياً، على الرغم من أن البعد العصبي لا يخلو من معانٍ سياسية أيضاً. يُعتبر الحكم المحلي في إسرائيل من الأجهزة المهمة في الدولة، كونه الجهاز الخدماتي والتنظيمي الذي يعالج ويتابع قضايا الناس اليومية. لقد شُرّعت عشرات القوانين في إسرائيل لتحديد صلاحيات الحكم المحلي، إلاّ إنها أبقت المراقبة والمسؤولية عن تنفيذ بعض الصلاحيات في إطار الحكم المركزي، ذلك بأن الروح السائدة في إدارة شؤون الدولة الجديدة كانت روح الإدارة المركزية. وبدأ الحكم المحلي في إسرائيل عمله كـ "إدارة محلية" تشكل ذراعاً تنفيذية للحكم المركزي، ثم تطور ليصبح حكماً محلياً وليس مجرد إدارة محلية. وعلى المستوى السياسي، فإن الإدارة المحلية تنتج من عملية انتخابية، الأمر الذي يجعل السياسة المحلية مركّباً مهماً في المشهد السياسي الإسرائيلي. ويمكن القول إن للسياسة المحلية اليهودية أهمية أكبر مقارنة بالسياسة المحلية العربية، فحضور الأحزاب الصهيونية واليهودية كبير في السياسة المحلية، على خلاف واقع الأحزاب والحركات السياسية العربية. وفي انتخابات السلطات اليهودية، تحمل المنافسة الانتخابية صراعاً بين الأحزاب القُطرية، إذ تُعدّ السياسة المحلية مؤشراً مهماً إلى قوتها الانتخابية على المستوى القُطري، بينما يغيب تمثيل الأحزاب العربية في السياسة المحلية، لقناعة ترسخت، وهي قناعة صحيحة، بأن أنماط التصويت في السياسة المحلية، لا تحمل دلائل على أنماط التصويت وقرار الناخبين العرب في الانتخابات القُطرية (الكنيست)، وعلى حضور الأحزاب في السياسة القُطرية. قانون الانتخابات المحلية في سنة 1965، شُرّع قانون الانتخابات في السلطات المحلية، والذي نظّم عملية الانتخابات داخل مختلف البلدات. وقبل ذاك، كانت الانتخابات في الحكم المحلي تُجرى كالانتخابات القُطرية، أي بحسب الطريقة النسبية، فكان سكان البلدة ينتخبون أعضاء المجلس المحلي أو البلدي، والذين بدورهم ينتخبون رئيس المجلس بعد أن يشكل الأخير ائتلافاً بلدياً من خلال القوائم الفائزة. وفي سنة 1975، أُدخل تعديل مركزي وعميق على قانون الانتخابات في الحكم المحلي، نصّ على انتخاب الرئيس بشكل مباشر من السكان لا من أعضاء المجلس البلدي. وينص القانون على أن الرئيس هو المرشح الذي يحصل على 40% من الأصوات الصحيحة على الأقل في الجولة الأولى، إذا كان هنالك أكثر من مرشحَين، وعلى 50% + 1 في الجولة الثانية، بين مرشحَين حصلا على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى (إذا لم يحصل أحدهم على 40% في الجولة الأولى). وتجري الانتخابات منذ سنة 1978 بحسب القانون الجديد.[1] جاء هذا القانون لمصلحة أحزاب سياسية لم تستطع أن تقف، في الطريقة القديمة، أمام قوة القوائم المحلية التي أصبحت مؤثرة جداً في تركيبة الائتلاف البلدي، وفي انتخاب رئيس المجلس. وعلى غرار الانتخابات القُطرية (الذي أُلغي لاحقاً لفشله)، فإن سن قانون الانتخابات المباشرة لرئيس السلطة المحلية لم يؤدّ إلى إضعاف القوائم المحلية، وإنما زاد في قوتها بدرجة أكبر، الأمر الذي عزز قوة الأحزاب السياسية القُطرية اليهودية، والقوائم المحلية في الحكم المحلي العربي. بين انتخابات 2018 ودورات سابقة أُجريت الانتخابات المحلية، في السنة الماضية، في 251 مجلساً بلدياً في إسرائيل، منها 197 سلطة محلية، و54 مجلساً إقليمياً، وبلغ عدد الناخبين 6 ملايين و600,000 ناخب تقريباً، في حين وصلت نسبة التصويت العامة إلى نحو 60%، مشكّلة ارتفاعاً بمعدل 9 نقاط عن الانتخابات السابقة. والتجمعات الـ 44 الأولى التي سجلت أعلى نسب مشاركة في التصويت، كانت تجمعات عربية. للانتخابات المحلية في إسرائيل مميزات خاصة، أهمها كثرة القوائم المشاركة فيها، سواء للعضوية أو لرئاسة المجلس البلدي، ومعدل مشاركة متوسط في السلطات المحلية اليهودية، في مقابل معدل مشاركة مرتفع جداً في السلطات المحلية العربية. وفي المجمل، فإن معدل المشاركة في الانتخابات المحلية في إسرائيل هو أقل منه في الانتخابات البرلمانية. وإذا فحصنا الفرق بين العرب واليهود، فإننا سنجد الأمر معكوساً: معدل مشاركة الناخبين العرب في السياسة المحلية هو أعلى منه في الانتخابات البرلمانية، في حين أن الناخب اليهودي يشارك سياسياً بشكل أكبر في السياسة القُطرية، وسنأتي على تفسير ذلك لاحقاً. أمّا بالنسبة إلى كثرة المنافسين والقوائم، فقد تنافس في هذه الانتخابات 723 رجلاً وامرأة على رئاسة السلطة المحلية، بينما تنافس 5300 على التمثيل في المجلس المحلي. تؤثر بنية التصويت في السلطات المحلية، ولا سيّما في المجتمع العربي، في نتائج الانتخابات، وتخلق إشكاليات كبيرة في الإدارة المحلية، وخصوصاً بعد التعديل الذي أجراه الكنيست في سنة 1975، وعُمل به في انتخابات 1978، لجهة التصويت ببطاقتين: واحدة لرئيس السلطة المحلية، والأُخرى لعضوية المجلس البلدي. فقبل ذلك كان التصويت يتم ببطاقة واحدة لعضوية المجلس البلدي الذي كان ينتخب الرئيس من أعضائه، ولذلك حرصت القوائم على زيادة تمثيلها في العضوية كي تتمكن من حصول العضو الأول فيها على رئاسة السلطة. بعد إقرار التصويت ببطاقتين، بدأ التركيز على انتخابات الرئاسة، فكثرت القوائم وضعفت، سواء تلك التي تتنافس، أو التي تفوز بتمثيل في السلطة المحلية، وبالتالي صعب الأمر على الرئيس المنتخب بشكل مستقل في تشكيل الائتلاف البلدي. وتحولت هذه المسألة، على وجه التحديد، إلى معضلة حقيقية في السلطات المحلية العربية، الأمر الذي انعكس سلباً على إدارة السلطة في الجوانب كافة. الشكل رقم 1: نسبة التصويت بين انتخابات الكنيست والسلطات المحلية يوضح هذا الشكل معدلات المشاركة الانتخابية في السياسة المحلية والسياسة القُطرية، كما يوضح أن معدل المشاركة العامة (عرباً ويهوداً) في السياسة القُطرية، هو أعلى من معدل المشاركة في السياسة المحلية، على الرغم من ارتفاع معدل المشاركة في انتخابات 2018، بعشر نقاط عن المعدل في انتخابات 2013. ونظراً إلى طبيعة الحالة المدنية في التجمعات اليهودية، يغيب التجييش العائلي أو الجهوي أو الطائفي عن التصويت، ويمكن استثناء التجمعات الدينية من ذلك، والتي تخرج كمجموعات هوية للتصويت. من هنا، نجد أن تمثيل الأحزاب اليهودية المتدينة في السياسة المحلية، أكبر من تمثيلها في السياسة القُطرية. وفي المقابل، يختلف الوضع في السياسة المحلية العربية: فنسبة التصويت في البلدات العربية أعلى من معدل التصويت في الانتخابات السياسية القُطرية. تؤدي الأحزاب اليهودية دوراً كبيراً في الانتخابات المحلية. ففي انتخابات 2013، وصل تمثيل حركة شاس في السلطات المحلية إلى 150 عضواً؛ الليكود 135 عضواً؛ إسرائيل بيتنا 85 عضواً؛ حزب العمل 80 عضواً؛ يهدوت هتوراه 75 عضواً.[2] وفي انتخابات 2018، خاضت الأحزاب اليهودية الانتخابات المحلية بشكل مكثف، ففاز حزب العمل الذي يتمثل في السلطات المحلية في المركز، برئاسة السلطة المحلية في تل أبيب وبير السبع، كما فاز في حيفا، بينما تراجع تمثيل حركة شاس التي خسرت الانتخابات في بلدية بيت شيمش. أمّا الليكود فخسر رئاسة بلدية القدس، بعد فشل مرشحه للرئاسة، الوزير زئيف إلكين، في الوصول إلى الجولة الثانية، لكنه فاز في بلدية بيت شان التي تُعتبر معقلاً له. وتمثل الليكود أيضاً، بشكل كبير، في السلطات المحلية في الجنوب، غير أنه واجه في الانتخابات المحلية، المنافسين من حزب "كولانو" التابع لوزير المالية الحالي موشيه كحلون؛ إذ تنافس الحزبان على القواعد الاجتماعية نفسها، مع الإشارة إلى أن مرشحي حزب "كولانو" كانوا في السابق أعضاء، أو مرشحين من حزب الليكود.[3] تمثيل النساء في السياسة المحلية تميزت هذه الانتخابات بعدد النساء اللواتي تنافسن، وهو العدد الأكبر منذ بداية الانتخابات المحلية. فقد تنافست 58 امرأة، منهن عربية واحدة (كفر قرع)، على رئاسة السلطة المحلية، في مقابل 42 امرأة في الانتخابات السابقة، وفازت إحدى عشرة منهن برئاسة سلطات محلية، في مقابل ست نساء في انتخابات 2013. وكانت المفاجأة الكبيرة انتخاب رئيسة لمجلس بيت شيمش، إذ فازت امرأة متدينة في الانتخابات، علماً بأن أغلبية السكان هي من اليهود المتزمتين. جدول بالمرشحات والمرشحين في انتخابات 2018 رجال نساء المجمل رئاسة السلطة المحلية 665 58 723 عضوية المجلس البلدي 4003 1297 5300 في هذه الانتخابات، جرى انتخاب 18 امرأة عربية بين 700 مقعد في المجالس المحلية، وهو عدد قليل من مجمل عدد مقاعد السلطات المحلية في المجالس والبلديات العربية، لكنه التمثيل الأعلى منذ إجراء الانتخابات المحلية في المجتمع العربي. وعلى الرغم من التمثيل الضئيل للنساء في المجالس المحلية، وغياب مرشحات لرئاسة السلطة المحلية، فإن الوعي بأهمية تمثيل النساء في الحكم المحلي ازداد مقارنة بالدورات السابقة. وفي المجمل، أشارت دراسة قام بها مركز البحث والمعلومات التابع للكنيست، إلى أنه كلما كان وضع البلدة اقتصادياً واجتماعياً أفضل، كان هنالك تصويت أكبر لمصلحة مرشحات للرئاسة والعضوية. وكانت النتيجة الأبرز في الانتخابات على مستوى النساء، علاوة على مدينة بيت شيمش، فوزَ عينات كليش ـ روتم برئاسة بلدية حيفا. وتنتمي كليش ـ روتم إلى حزب العمل، وقد استطاعت التفوق على يونا ياهف، الرئيس الذي شغل هذا المنصب دورات متتالية.[4] مقارنة بانتخابات 2013، وبحسب معطيات مركز المعلومات والبحث التابع للكنيست، واستناداً إلى معطيات وزارة الداخلية، فقد تنافس في تلك الانتخابات (2018)، 17,673 رجلاً وامرأة ضمن قوائم العضوية والرئاسة، ووصلت نسبة النساء منهم إلى 20% (3557 مرشحة). وبين المرشحات، انتُخبت 324 امرأة كممثلات في المجلس البلدي، وثلاث نساء كرئيسات سلطات محلية.[5] التصويت في المجتمع العربي كان معدل المشاركة في السياسة المحلية في المجتمع العربي عالياً جداً، لأن التنافس على السلطة المحلية يتعدى كونه تنافساً على تقديم الخدمات، إلى تنافس بين العصبيات المتعددة، فضلاً عن أن حضور الأحزاب السياسية العربية في السياسة المحلية ضعيف، والنتائج التي تحققها هذه الأحزاب متواضعة مقارنة بالقوائم المحلية، أو بتمثيلها في السياسة القُطرية. الجدول رقم 1: نسبة التصويت في مدن عربية مختارة المدينة أصحاب حق الاقتراع نسبة التصويت أم الفحم 35,857 74,25 الناصرة 58,813 81,69 راهط 33,901 84,86 شفا عمرو 29,226 78,39 سخنين 21,514 93,28 كفر قاسم 15,310 91,90 كفر كنّا 14,694 93,02 طمرة 22,846 91,05 الطيرة 18,675 85,89 المصدر: موقع وزارة الداخلية الإسرائيلية، في الرابط الإلكتروني التالي: https://boharim.org.il/ توضح النتائج في هذا الجدول أن نسبة المشاركة في المدن العربية عالية جداً، وهذا إنما يدل على قوة التجنيد للتصويت داخل البلدات العربية وفي المدن الكبيرة على حد سواء، بينما يبيّن الجدول رقم 2 أدناه، أن نسبة التصويت في المدن اليهودية متدنية، وهو ما يدل على أن التنافس في السلطات المحلية اليهودية يقوم، في الأساس، على تقديم برامج بلدية وتحسين جودة الحياة. أمّا في المقلب الآخر، ومع أن التنافس في الانتخابات المحلية في المجتمع العربي يقوم على برامج، فإنه يعتمد على عصبيات تقوم بتجنيد الجماعات المتنوعة، مثل العائلات، أو المناطق في المدينة أو البلدة، كما أن الانتخابات تكون عادة على المكانة والوجاهة والزعامة، ولذلك فإن القدرة على تجنيد الناس لهذا النوع من التنافس (الصراع) تكون أكبر. الجدول رقم 2: نسبة التصويت في مدن يهودية مركزية المدينة عدد الذين صوتوا نسبة التصويت بير السبع 83,436 50,02 تل أبيب 203,018 46,12 حيفا 125,333 48,85 القدس 254,326 39,86 أشدود 121,245 66,26 أشكلون 64,846 56,50 رمات غان 64,527 48,78 المصدر: موقع وزارة الداخلية الإسرائيلية، في الرابط الإلكتروني التالي: https://boharim.org.il/ تبيّن النتائج أن أنماط التصويت المحلي لا تنعكس على أنماط التصويت القُطرية، والعكس صحيح. وهذا التمايز بين أنماط التصويت يعود إلى عاملين: الأول، أن طبيعة الحكم المحلي هي طبيعة خدماتيه حياتية في الأساس، وقرار التصويت أو المشاركة السياسية فيها يكون، في الغالب، بعيداً عن الاعتبارات السياسية الأيديولوجية؛ الثاني، أن الحكم المحلي لا يزال تابعاً للحكم المركزي، سواء على مستوى الميزانيات، أو على مستوى الصلاحية التي بيد وزير الداخلية، والتي تشمل الإطاحة برئيس سلطة محلية، أو إعادة الانتخابات. مواقف الأحزاب العربية من نتائج الانتخابات تحظى الأحزاب العربية البرلمانية بنسبة تأييد أقل في الانتخابات المحلية، مقارنة بالانتخابات القُطرية، ويعود ذلك ـ مثلما ذكرنا ـ إلى قوة الجذب للمبنى الاجتماعي التقليدي المتمثل في القوائم العائلية أو المحلية المرتبطة بها. فهذه القوائم لا تعمل على المستوى السياسي القُطري ولا تشارك في انتخابات الكنيست، بل تحمل أجندات محلية فقط، وتدفع مؤيديها إلى التصويت لها، حتى في مواجهة الأحزاب العربية في البرلمان وخارجه. وكان سبب غياب القوائم المحلية والعائلية عن الانتخابات القُطرية مع بداية الثمانينيات، التحولاتِ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مر بها المجتمع العربي، الأمر الذي أدى إلى تعزيز قوة الأحزاب العربية البرلمانية في السياسة القُطرية. وقد ساهم الحضور المكثف للقوائم المحلية المستقلة (حمائلية وغير حمائلية)، في الساحة المحلية، في منع إفراز قيادة سياسية قُطرية قادمة من الحكم المحلي، مثلما كان في الماضي، بينما القوائم المحلية اليوم لا تستطيع إنتاج قيادات سياسية للعمل القُطري.[6] وفي الدورات السابقة، يمكن القول إن قطيعة شبه كاملة وقعت بين السياسة المحلية والسياسة القُطرية في المجتمع العربي: ففي الماضي كانت السياسة المحلية أحد مصادر إنتاج القيادات السياسية على المستوى القُطري، غير أن هذا الدور تراجع في العقدين الماضيين. في انتخابات 2018، خسرت الأحزاب رئاسة بلدية شفا عمرو لمصلحة عرسان ياسين، كما خسرتها في الناصرة، لمصلحة الرئيس الحالي علي سلام. واستعادت الجبهة (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) قوتها في سخنين ودير حنا وعرابة التي أحدثت فيها انقلابات، وكذلك في عيلبون، غير أنها خسرت إكسال ويافة الناصرة التي فاز فيها ماهر خليلية المحسوب على التجمع (التجمع الوطني الديمقراطي). وفي جلجولية أيضاً، فاز درويش رابي الذي ترشح في قائمة غير حزبية، لكنه محسوب على الجبهة. أمّا الحركة الإسلامية، فحافظت على رئاسة بلدية كفر قاسم، واستعادت الرئاسة في رهط، بينما ينتمي باقي الرؤساء المنتخبين إلى تحالفات محلية مستقلة عن الأحزاب. لقد شكلت انتخابات 2018، أكبر تراجع لتمثيل الأحزاب في السياسة المحلية. غير أن هناك قراءة مغايرة لهذا التراجع لا تعتبر أن ما جرى أمر مقلق. يقول الأمين العام للتجمع إمطانس شحادة: ما حصل لا يُعتبر فشلاً للأحزاب السياسية في الانتخابات المحلية، إنما هناك إخفاقات في بعض المناطق. وفي نفس الوقت لا أعتبر أن هناك إنجازات، ولا أرى أي تراجع مقلق. وعلى سبيل المثال، نافست قوائم للتجمع في بعض البلدات ولم تتجاوز نسبة الحسم بفارق أصوات قليلة مثل الطيرة والناصرة، لكن في المجمل فإن النتائج لا بأس بها حيث تمثلت قوائم التجمع وقوائم تحالفية أُخرى شارك فيها التجمع في عدة بلدات مثل يافا واللد وكابول وجديدة المكر ومجد الكروم ويافة الناصرة وترشيحا ونتسيرت عيليت وأم الفحم والرملة وكفر كنّا مع قوى سياسية أُخرى مثل الجبهة والحركة الإسلامية، وساهمنا كذلك بتعزيز التمثيل النسائي في السلطات المحلية.[7] وأضاف شحادة، أن "هناك ضرورة لإعادة النظر في استراتيجية خوض انتخابات السلطات المحلية، وهذا لا يعني خوض أو عدم خوض الانتخابات، وإنما توفير أدوات وآليات وطريقة وأسلوب خوض الانتخابات، فالأحزاب يجب أن تكون في انتخابات السلطات المحلية، وهي لا تقل أهمية عن انتخابات الكنيست."[8] أمّا الجبهة، صاحبة التاريخ الأبرز في السياسة المحلية، فعقّب سكرتيرها العام منصور دهامشة على نتائج الانتخابات بالقول: الجبهة حققت إنجازاً غير مسبوق وفقاً لنتائج انتخابات السلطات المحلية، خاصة في منطقة البطوف، وشهدنا عودة للعمل السياسي وتمثيلاً للأحزاب في كثير من البلدات. ونحن نسعى إلى توسيع هذا الإنجاز في سائر البلدات، وعلى الأحزاب أن تأخذ دورها بشكل طبيعي في العمل السياسي المحلي لتعود إلى مكانتها الطبيعية التي تستحقها.[9] وأضاف دهامشة، أن "هناك ضرورة لعودة الدور الحزبي وبناء تحالفات ما بين الأحزاب السياسية الفاعلة على الساحة، لأنه الرد الطبيعي على سياسة اليمين الفاشي، والرد على الحكومة اليمينية برئاسة نتنياهو التي تزداد يوماً بعد يوم عنصرية وفاشية وعدائية تجاه الجماهير العربية، لذلك فإن الجبهة ستستمر في وضع الأولوية من أجل بناء تحالفات لمواجهة هذه السياسة، ولكي تكون بديلاً للقوائم العائلية."[10] أمّا الحركة الإسلامية التي تخوض الانتخابات البرلمانية، فقد عقّب نائب رئيسها منصور عباس على نتائج الانتخابات، قائلاً: الحركة الإسلامية ضاعفت قوتها على مستوى قوائم الرئاسة والعضوية، وهي عودة ميمونة بعد غياب نحو 10 سنوات عن الدور المحلي، وخاصة في منطقة المثلث والنقب، وتمثيل على مستوى قوائم العضوية في الجليل.[11] وعن الدور الحزبي في السلطات المحلية، أضاف أن "الحركة الإسلامية والقائمة العربية الموحدة، بعد 10 سنوات من إهمال انتخابات السلطات المحلية، كان لها الدور الطيب هذه المرة، واستطاعت أن تعيد لنفسها التمثيل ومضاعفته في أكثر من موقع. لسنا في حالة صراع مع الظاهرة العائلية، بل نحن مع ترشيد الظاهرة الفئوية لأنه موروث اجتماعي وثقافي عمره قرون طويلة، والحركة الإسلامية عازمة على ممارسة دور فاعل على مستوى السلطات المحلية. هذه المرة كانت محاولة العودة، وهي محاولة موفقة وسنواصل هذه المحاولة."[12] في المقابل، حققت الأحزاب، في البلدات الساحلية والمختلطة، إنجازات عبر خوضها الانتخابات في قوائم مشتركة أو في قائمتين، علماً بأن القوائم العائلية غائبة في هذه البلدات. وأوصلت قائمة الوحدوية، النداء العربي ـ اللداوية ـ النهضة، 6 أعضاء، وهي في مقدمة القوائم في البلدية، و4 أعضاء للقائمتين العربيتين في الرملة، و5 أعضاء للقائمتين العربيتين في عكا، لكنها أخفقت في تحقيق الوحدة في حيفا، ليتراجع التمثيل العربي مقعداً، وينحصر بمقعدين للجبهة بعد خسارة التجمع مقعده. وفي يافا، فازت قائمة يافا بمقعد. وفي نتسيرت عيليت فازت القائمة المشتركة بثلاثة مقاعد بدلاً من اثنين في الانتخابات السابقة.[13] خاتمة بين اليومي والسياسي للسياسة المحلية في إسرائيل دور مؤثر في حضور الأحزاب القُطرية، وتشكل بالنسبة إلى الأحزاب اليهودية رافعة للسياسة القُطرية، بينما حضور الأحزاب العربية في السياسة المحلية ضعيف، وآخذ في التآكل بسبب قوة البنى الاجتماعية العربية، وغياب خطاب سياسي يربط بين السياسي واليومي، وبين القُطري والمحلي. لذلك، فإن الأحزاب لا تصارع على دور مؤثر في السياسة المحلية، كما أن تمثيلها ضعيف جداً، مع بعض الاستثناءات: ففي مدينة الناصرة (معقل الجبهة السابق)، تخلت جبهة الناصرة، لأول مرة، عن طرح مرشح للرئاسة، إذ انسحب مرشحها، كما أنها، في المقابل، دعمت مرشحاً مستقلاً حظي بدعم الجبهة والتجمع أيضاً، لكنه لم يستطع الفوز على الرئيس الحالي علي سلام. وهذا الأخير قدم نموذجاً يستحق الدراسة في السياسة المحلية، فعلاوة على فوزه الكبير بالرئاسة، استطاعت قائمته الحصول على 12 مقعداً (من أصل 19) في المجلس البلدي. ويمكن تقسيم الانتخابات المحلية في المجتمع العربي إلى ثلاثة نماذج: الأول في القرى والبلدات العربية الصغيرة والمتوسطة حيث الاستقطاب العائلي والجهوي كبير جداً، وحضور الأحزاب فيها ضعيف، والتنافس فيها ما زال يأخذ بُعداً عصبياً باعتبار السلطة حالة من "المحترمية"، وحيث لا تزال تسيطر عليها قيم التغلب والعصبية. النموذج الثاني هو في المدن العربية حيث تميزت الانتخابات السابقة بحالة من التسييس، وحيث كان حضور الأحزاب فيها كبيراً مقارنة بالبلدات والقرى العربية الصغيرة والمتوسطة. إلاّ إن الأحزاب بدأت تتراجع إلى مربع النموذج الأول، والذي يتمثل في تراجع دورها وتمثيلها، وصعود القوائم المحلية المستقلة، وفوز مرشحين مستقلين، وحضور مظاهر العصبية والتغلب في الانتخابات، مثلما رأينا في الناصرة. أمّا النموذج الثالث فهو في المدن المختلطة حيث حضور الأحزاب والحركات السياسية كبير. فقد تشكّلت القوائم العربية، هناك، على أسس من المهنية والخطاب الخدماتي العقلاني، وغابت عنها العصبيات، ذلك بأن البنى التقليدية في هذه المدن غائبة (مثل حيفا ونتسيرت عيليت)، أو أنها ضعيفة. أمّا انتخابات السلطات المحلية اليهودية، فاتسمت بحضور العامل السياسي إلى جانب الحياتي، وكان التنافس فيها، بين الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة، قائماً على تقديم الخدمات، بينما يتمثل البعد السياسي في حضور الأحزاب، حيث الرابط بين القُطري والمحلي في السياسة المحلية اليهودية كبير. لذلك، تتجند الأحزاب لإنجاح مرشحيها في السياسة المحلية مادياً وسياسياً، فضلاً عن أن نتائجها في السياسة المحلية تؤشر إلى جهوزيتها الشعبية والتنظيمية للانتخابات القُطرية، وهو الأمر الغائب في السياسة المحلية العربية. [1] مهند مصطفى، "الانتخابات المحلية في إسرائيل 2008 ما بين السياسي واليومي"، "قضايا إسرائيلية"، العدد 31 ـ 32 (2008)، ص 9 ـ 18، في الرابط الإلكتروني التالي: https://goo.gl/HpUEw7 [2] غلعاد ملئاخ، "قوة الأحزاب المتدينة الحريدية"، "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، 23/ 10 / 2018، في الرابط الإلكتروني: https://www.idi.org.il/parliaments/24572/24578 [3] لم نتمكن من الحصول على النتائج الدقيقة للأحزاب، ذلك بأن الأحزاب، وحتى كتابة هذه المقالة، لم تنشر النتائج الدقيقة لتمثيلها في الحكم المحلي، سواء على مستوى العضوية أو الرئاسة. [4] لي يرون، "نعم سيدي، رئيسة السلطة"، "هآرتس"، 1 / 11 / 2018، ص 3. [5] طال كرمون، "زمن السياسة النسوية"، "دافار ريشون"، 12 / 10 / 2018، في الرابط الإلكتروني التالي: https://www.davar1.co.il/152819/ [6] أسعد غانم ومهند مصطفى، "الفلسطينيون في إسرائيل: سياسات الأقلية الأصلية في الدولة الإثنية" (رام الله: مركز مدار، 2009). [7] عمر دلاشة، كيف تقرأ الأحزاب السياسية نتائج الانتخابات المحلية، موقع عرب 48، 2\11\2018، انظر الرابط الإلكتروني التالي: goo.gl/fM3onC [8] المصدر نفسه. [9] المصدر نفسه. [10] المصدر نفسه. [11] المصدر نفسه. [12] المصدر نفسه. [13] المصدر نفسه.