عدة أسباب قادت إلى تقديم الانتخابات العامة في إسرائيل، وتنوعت بين ما هو سياسي عام، وصراع على القيادة ـ وخصوصاً لدى أحزاب اليمين، وما هو شخصي؛ لكن لا يبدو أن هناك مراهنات حقيقية على تغيّر في خريطة الحكم، إذ لا يزال اليمين هو المرشح بقوة لتولّي الحكومة المقبلة، ونتنياهو هو الشخص الأكثر ترجيحاً للبقاء على رأس تلك الحكومة، ما لم يحدث تغيّر في مزاج الناخب الإسرائيلي.
عدة أسباب قادت إلى تقديم الانتخابات العامة في إسرائيل، وتنوعت بين ما هو سياسي عام، وصراع على القيادة ـ وخصوصاً لدى أحزاب اليمين، وما هو شخصي؛ لكن لا يبدو أن هناك مراهنات حقيقية على تغيّر في خريطة الحكم، إذ لا يزال اليمين هو المرشح بقوة لتولّي الحكومة المقبلة، ونتنياهو هو الشخص الأكثر ترجيحاً للبقاء على رأس تلك الحكومة، ما لم يحدث تغيّر في مزاج الناخب الإسرائيلي. في الأسبوع الأخير من السنة الماضية أعلن بنيامين نتنياهو قراره تقديم موعد الانتخابات البرلمانية للكنيست الـ 21، والتي من المفروض إجراؤها في تشرين الثاني / نوفمبر 2019، إلى 9 نيسان / أبريل بسبب تعقيدات التصويت على قانون تسوية خدمة المتدينين في الجيش الإسرائيلي، بعد أن كان حزب "يسرائيل بيتينو" برئاسة أفيغدور ليبرمان قد انسحب من الحكومة بسبب عدم سيرها بالحسم ضد "حماس" خلال المواجهات في غزة، وشعور ليبرمان بأن "مواقفه المتزنة" في وزارة الأمن، أفقدته جمهوره الذي تعوّد على أسلوبه اليميني الفظ. كما أن إعلان تقديم موعد الانتخابات أتى بعد تعاظم التسريبات بشأن إمكان تقديم نتنياهو إلى المحكمة بسبب تورطه في شبهات فساد شخصي أو لبعض مقربيه، الأمر الذي فتح شهية وراثة نتنياهو في "الليكود". ومثلما هي الحال في جميع الانتخابات الإسرائيلية منذ تراجع الحزبين الكبيرين (الليكود والعمل) بعد تعديل قانون الانتخابات في سنة 1996، فإن أحزاباً جديدة لا بد من أن تنشأ قبل أي انتخابات، وتغدو مهدِّدة للبنى السياسية التقليدية، على غرار نشوء حزب شينوي برئاسة طومي لبيد في انتخابات 1999، ثم تأسيس حزبَي يش عتيد وحزب كولانو لاحقاً، والآن حزب حوسن ليسرائيل. فإلى أي مدى يهدد هذا التطور استمرار حكومة اليمين؟ وفي سياق هذه المعالجة، لا بد من التطرق إلى المشكلات في القائمة المشتركة، والتي أدت إلى تفكيكها وإجهاض تجربتها القصيرة، وإعادة التنظيم بحسب قوائم منفردة تتنافس على أصوات الناخبين العرب. نتنياهو "الملك" ممّا لا شك فيه، أن نتنياهو هو الشخصية الأقوى في اليمين خلال العقد الأخير، وربما يكون الأهم تاريخياً في إسرائيل بعد بن ـ غوريون، فهو يُمسك بزمام السلطة من خلال زعامته لليكود ولمجمل كتلة اليمين، وقد تكون الصفة الأكثر تعبيراً، هي "ملك إسرائيل" التي أطلقهاعليه أعضاء حزبه "الليكود"؛ لكن في مقابل هذا التبجيل، فإن تهم بالفساد تلاحق نتنياهو وتهدد مستقبله السياسي، فضلاً عن معاركه الداخلية لتصفية منافسيه داخل كتلة اليمين والليكود نفسه، والتي تجلت في قوائم تصفية وزعها مقرّبوه قبل الانتخابات الداخلية الأخيرة في الليكود في 5 شباط / فبراير 2019، وتُعمّده على رأس القيادة، لكن تزيد في الوقت نفسه، إمكان توحّد منافسيه خارج حزبه، وإن كان هؤلاء سيبقون بأغلبيتهم ضمن تحالف اليمين الأكثر تطرفاً. لقد تمكّن اليمين الإسرائيلي من الهيمنة على الساحة السياسية الإسرائيلية بعد عقدين ونصف عقد من التأرجح بين اليمين واليسار (1984 ـ 2009)، وقاده نتنياهو إلى سلطة مطلقة، في إطار "منظومة الكتلة المهيمنة"،* لليمين الإسرائيلي الذي فاز تباعاً بالانتخابات منذ سنة 2009، بزعامة حزب الليكود. وتتمثل هيمنة اليمين المتطرف في إسرائيل، في الابتعاد عن خط التسوية السياسية مع الشعب الفلسطيني، والسير في اتجاه تقويض الأسس الديمقراطية للنظام السياسي الإسرائيلي، عبر محاولة فرض خطابه على جميع مؤسسات الدولة، بينما المعسكر المنافس يعيش أزمة عميقة. يشكل الليكود العمود الفقري لليمين الإسرائيلي وائتلافه، وهو يعمّق مركزيته تباعاً منذ سنة 2009. ففي انتخابات 2013 حصل الليكود على 19 مقعداً (31 مقعداً بتحالف مع ليبرمان) وكان طرفاً ضعيفاً في الحكومة على الرغم من أنه كان يقودها، وفي انتخابات 2015 حصل على 30 مقعداً متجاوزاً محاولات شخصيات أمنية معتبَرة ضرب شخصية نتنياهو كرجل أمن، وضرب حكومته وشخصه من الزاوية الاقتصادية والاجتماعية على خلفية تقارير نشرها مراقب الدولة آنذاك. لكن الليكود استطاع أن يحقق نجاحاً باهراً خلافاً للاستطلاعات التي أُجريت خلال الحملة الانتخابية وتوقعت حصوله على ما يتراوح بين 22 و24 مقعداً. حسم نتنياهو المعركة عند إدلائه إلى الإعلام بموقفَين: الأول تصريحه بشأن معارضته إقامة دولة فلسطينية، والذي ساهم في أن يحصل الليكود على أربعة مقاعد من حلفائه على يمين حزبه، والثاني نشره تسجيلاً له يوم الانتخابات يدعو فيه قواعد اليمين النائمة إلى الخروج للتصويت، لأن المواطنين العرب "يتوافدون" إلى صناديق الاقتراع. استفز نتنياهو بهذا التسجيل قواعد الليكود التي خرجت آنذاك للتصويت بكثافة، ويُقدَّر بأنه أضاف بهذا ثلاثة مقاعد أُخرى إلى حزبه. نتائج الانتخابات بين سنتَي 2009 و2015 تبيّن أن الحزب الوحيد الموجود بقوة في جميع طبقات الشعب في إسرائيل ـ عدا المواطنين العرب والمتدينين اليهود ـ هو حزب الليكود. فبينما يتفاوت التأييد للأحزاب الأُخرى في قطاعات متنوعة من الشارع اليهودي في إسرائيل، فإن الليكود هو الحزب الوحيد المتغلغل في القطاعات كافة. خلاصة الأمر أن المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي خلال العقد الأخير يفيد بأن نتنياهو يقف على رأس كتلة سياسية حزبية مهيمنة في الليكود، ويساعده في تبوّؤ هذا المشهد، كما أن تشكيل الحكومة بات يتبلور قبل موعد الانتخابات، وخصوصاً في معسكر اليمين المكون من: الليكود؛ كولانو؛ يسرائيل بيتينو؛ يهدوت هتوراه؛ شاس؛ البيت اليهودي. فهذه الأحزاب متوافقة أيديولوجياً وسياسياً وحتى طبقياً، وكل حزب داخل المعسكر يحاول أن يستقطب قواعد هذا المعسكر إلى صفوفه، من خلال تكتيكات انتخابية وسياسية متعددة. بدأ نتنياهو بترتيب عودته إلى الحكم، ومع تقديم القوائم للانتخابات المقبلة، قام بالضغط على أحزاب اليمين كي تتوحد، وخصوصاً من أجل تشكيل قائمة "اتحاد أحزاب اليمين" التي تتكون من بقايا حزب "البيت اليهودي" (الذي انشق عنه نفتالي بينت وأييلت شاكيد، وأسسا حزب "اليمين الجديد")، وحزب "الاتحاد القومي" برئاسة سموتريتش، وحزب "عوتسماه يهوديت" (قوة / سطوة يهودية) الذي يضم ثلة من تلاميذ الحاخام العنصري مئير كهانا بقيادة المحامي بن غبير ويتشكل داعموه من بقايا حركة كاخ العنصرية، وبعض المنظمين الجدد من غلاة التطرف والعداء للفلسطينيين. هذه القائمة تشكلت بضغط كبير من نتنياهو، وبعد تقديمه إغراءات أُخرى لأعضائها، مثل إعطاء كرسي مضمون في قائمة الليكود لأحد أعضاء المجموعات المتطرفة، ووعوده لهم بوزارات مركزية في حال نجاحه في الانتخابات وتأليفه بعدها. وفي مقابل احتساب إيجابية قوة نتنياهو وسيطرته على حزبه ومعسكر اليمين، فإنه يواجه عقبات سلبية، إذ إنه يقع ضمن دائرة شك المنظومة القضائية في إسرائيل في شبهة تورطه في ملفات، فضلاً عن وجود عداوات له تسبّب هو بها من خلال التكتيكات "التصفوية" التي قام بها ضد مناوئيه في الليكود. وتفيد التقارير الصحافية بشأن شبهات الفساد بأن هنالك تحقيقات جدية ضد نتنياهو فيما يُعرف بملفات 1000 و2000 و4000، والتي تدور حول تلقّيه نتنياهو رشاوى من رجال أعمال يهود في مقابل مساعدتهم في الحصول على إعفاءات أو تخفيضات ضريبية، فضلاً عن قضايا رشاوى واحتيال لمقربين منه في قضية شراء غواصات ألمانية، وتورط قريب له في الحصول على أموال في مقابل تسهيلات. كما أن نتنياهو مشتبه به في تقديم تسهيلات لصحيفة "يديعوت أحرونوت" وصاحبها موزس في مقابل نشرها تقارير إيجابية عن عمله ونشاطاته. وفي تلك القضايا كلها، هنالك شهادات مشفوعة بالقسم قد تربك نتنياهو في المحكمة، وربما تؤدي إلى إجراءات عقابية تصل إلى الحبس أو الغرامات المالية على الأقل. تكمن مخاوف نتنياهو في أن يتم تقديم ملفات شبهات بفساد إدارته إلى المحكمة قبل الانتخابات، ويسعى جاهداً لتبرئة نفسه، بما في ذلك اتهام المستشار القضائي للحكومة مندلبليت الذي عيّنه نتنياهو نفسه، بأنه ينفّذ أجندة اليسار الذي يضغط عليه لتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، من خلال الملاحقة السياسية، أو من خلال التظاهر في مقابل منزل مندلبليت بشكل متواصل ولأيام طويلة، من أجل تقديم نتنياهو إلى المحكمة. وطبعاً، يرفض مندلبليت هذه التهم، ويدّعي دوماً ـ مباشرة أو من خلال موظفين مركزيين في مكتبه ـ أن القضية تتبع لإجراءات قضائية بحته، وأن قرار مقاضاة نتنياهو سيكون مبنياً على قرائن ملموسة. لا يوجد في إسرائيل ما يُلزم رئيس الحكومة بالتنحي عن منصبه في حال تقديمه إلى المحكمة ـ مثلما هي الحال بالنسبة إلى الوزراء ـ غير أن التجربة السابقة تفيد بإمكان حدوث ذلك، مثلما جرى مع رابين في سنة 1976، ومع أولمرت في سنة 2009. ومع أن هذا الأمر يضع نتنياهو في مأزق قانوني جدي، إلاّ إنه من الناحية الشعبية يبدو أنه لن يؤثر في شعبيته أو نفوذ حزبه، بل ربما سيؤدي إلى تمسّك قاعدته الشعبية به، كون الناخب الإسرائيلي لا يتوقف كثيراً أمام نظافة الإدارة العامة، بقدر اهتمامه بالهوية والموقف من حل القضية الفلسطينية والعداء للنخب الأشكنازية التي مثلت قيادة أحزاب الوسط واليسار، ولا تزال في أذهان كثيرين، مرتبطة بدعم ما يسمى "معسكر السلام" في إسرائيل. وفي مواجهة منافسيه في الليكود، فإن نتنياهو استخدم طرقاً غير سوية لضمان إحكام سيطرته على الحزب، فقد قام مع مقربين منه، قبل الانتخابات الداخلية في الليكود التي جرت في 5 شباط / فبراير 2019، بتحضير "قوائم تصفية" لبعض المرشحين، وعلى رأسهم وزير التعليم السابق جدعون ساعر الذي يُعتقد أنه كان سينافس نتنياهو على قياد الحزب. وذهب نتنياهو بعيداً عندما نشر قبل يومين من الانتخابات التمهيدية، مشهداً مصوراً يُظهر أن ساعر يعمل على إزاحته من الحلبة السياسية ليتمكن من رئاسة الليكود ورئاسة الحكومة في إسرائيل. ومع أن نتائج الانتخابات الداخلية أتت مخيبة لآمال نتنياهو، إلاّ إن ممارسته هذه كشفت عن عدم نزاهة تثير الشك في الرجل وفي استعداده للخوض في أعمال "مافيوية" من أجل تحقيق مصالحة الخاصة وتحصين مكانته. غني بين فقراء في نهاية كانون الثاني / يناير 2019، وبعد تردد طويل، أعلن رئيس أركان الجيش السابق بيني غانس إقامة حزبه "حوسن ليسرائيل" (مناعة لإسرائيل)، مشكّلاً قائمة مشتركة مع حزب "الحركة القومية ـ الرسمية" (تيلم) الذي أسسه القائد السابق الآخر للجيش، موشيه يعلون. ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فإن القائمة ـ وعلى الرغم من أنها لم تكن قد عرضت جميع أسماء مرشحيها بعد ـ ستحصل على أكثر من عشرين مقعداً، الأمر الذي يضع ائتلاف نتنياهو في خطر، أولاً إذا ما تُرجمت الاستطلاعات إلى مقاعد في يوم الانتخابات، ثم في حالة تشكيل تحالف بين الوسط واليسار (أي الحزب الجديد مع حزب يش عتيد برئاسة لبيد، وحزب العمل، وحزب ميرتس، وبدعم القائمة المشتركة أو الأحزاب العربية)، فضلاً عمّا قد يتأسس على إمكان تقديم ملف نتنياهو في قضية الفساد إلى المحكمة، مثلاً احتمال امتناع مكونات في الحكومة الحالية، وخصوصاً حزب كولانو برئاسة موشيه كحلون، من دعم ترشيح نتنياهو لرئاسة الحكومة، ودعم ترشيح غانس بدلاً منه. السؤال المطروح الآن هو، من أين يأتي هذا الدعم لحزب غانس الجديد؟ وهل يمثل بديلاً سياسياً حقيقياً من اليمين وائتلافه المسيطر (المدعوم من أغلبية ثابته في الشارع الإسرائيلي) على الحكم منذ سنة 2009؟ إن بقاء اليسار والوسط في المعارضة وإخفاقاتهما التاريخية، أديا إلى تراجع الدعم لهما، وإلى تخبّط في برامجهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن غياب الشخصية القيادية التي يمكنها أن تعزز واقع هذا التحالف وموقعه الشعبي. ربما يمتلك بيني غانس القدرة على احتلال موقع القائد الكريزماتي المفقود، فهو رئيس أركان سابق، وبالتالي يمتلك قدرة على التعامل مع التحديات الأمنية، وهو يقود المساعي لخلق اصطفاف جديد بمواجهة نتنياهو ومعسكره، الأمر الذي يؤهله لاستقطاب ناخبي اليسار والوسط الذين يبحثون عن ائتلاف جديد يعيد إليهم الاعتبار ويعيدهم إلى السلطة. إن الدعم لحزب غانس الجديد يأتي من قواعد أحزاب اليسار والوسط الأُخرى، لكنه لا يؤثر تقريباً في قواعد الليكود أو أحزاب الائتلاف الحكومي اليميني في إسرائيل. غير أنه إذا تمكن من إنشاء ائتلاف من الوسط واليسار، فإنه قد يحصل على ما يتراوح بين 24 و25 مقعداً، تأتيه من قواعد يش عتيد وحزب العمل. إلاّ إنه على الرغم من إمكان حصول غانس وائتلافه من الوسط واليسار على 40 مقعداً، فإن ذلك لا يكفي لإقصاء نتنياهو ومعسكر اليمين، وتأليف الحكومة المقبلة. هذه التقديرات والتحليلات كلها هي قبل قيام الائتلاف الحزبي الجديد بعرض برنامج تفصيلي، وقبل الدخول في معمعة الانتخابات والدعاية الانتخابية، لكن استناداً إلى تجارب الماضي، فإن نجوم الجيش الملتحقين بالعمل السياسي لم تأتِ نجوميتهم بالنتائج المرجوة، وقد حدث هذا مع موشيه ديان وعيزر وايزمن وأمنون ليبكين ـ شاحك وإيهود باراك، وغيرهم، إذ إن كثيرين من الناخبين يعودون إلى قواعدهم مع اقتراب الانتخابات، الأمر الذي يدعو إلى التريث قليلاً قبل الوصول إلى استنتاجات حاسمة. القائمة المشتركة: تجربة أُجهضت بينما باتت الانتخابات قاب قوسين أو أدنى، فإن الأحزاب العربية وناشطين كثيرين لا يزالون منهمكين في ترتيبات تتعلق بالقوائم وتركيبها، وخصوصاً في جهود إنقاذ القائمة المشتركة، وإرجاعها كقائمة واحدة، بعدما أعلن أحمد الطيبي انسحاب حزبه من القائمة لخلافات شخصية مع مركبات في القائمة، ولاعتقاده أن حزبه غُبن حقه في سنة 2015 عند تأسيس القائمة. كانت القائمة المشتركة قد تكونت بعد إعلان تقديم موعد الانتخابات الإسرائيلية في أوائل كانون الأول / ديسمبر 2014، وسط توجه الأحزاب البرلمانية المُمثِّلة للفلسطينيين في إسرائيل إلى توحيد الجهود لخوض الانتخابات التي أُجريت في 17 آذار / مارس 2015، في أعقاب رفع نسبة الحسم. وتكللت المساعي بتشكيل قائمة مشتركة من أربعة أحزاب هي: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي حصلت في انتخابات 2013 على أربعة مقاعد؛ "الحركة الإسلامية الجنوبية" التي تخوض الانتخابات منذ سنة 1996 في إثر انشقاق "الحركة الإسلامية" إلى حركتَين: جنوبية وشمالية؛ حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي أُنشىء في أواسط تسعينيات القرن الماضي وسط نقاش المساواة والمواطنة في إسرائيل، وفي إثر توقيع اتفاق اوسلو، وحصل في انتخابات 2013 على ثلاثة مقاعد؛ الحركة العربية للتغيير بقيادة النائب أحمد الطيبي الذي خاض الانتخابات بتحالف مع "الحركة الإسلامية الجنوبية"، وحصلا معاً في انتخابات 2013 على أربعة مقاعد. خاضت القائمة المشتركة الانتخابات في سنة 2015، وحصلت على 13 مقعداً في الكنيست، وهو عدد مقاعد غير مسبوق من حيث تمثيل الأحزاب العربية في الكنيست، ويفوق عدد الممثلين العرب عن الأحزاب التي شكلت القائمة في الكنيست السابقة بعضوين. وسبق إنشاء القائمة المشتركة وما بعده، نقاش عميق بشأن معنى وجدوى تشكيل قائمة مشتركة للأحزاب التي تمثل الفلسطينيين في إسرائيل في البرلمان الإسرائيلي. إن القائمة المشتركة لم تكن إنجازاً انتخابياً في الأساس، وذلك على الرغم من حصولها على 13 مقعداً في البرلمان الإسرائيلي (ثالث أكبر قائمة في الكنيست)، وإنما تركّز إنجازها في تشكيلها بحد ذاته في ظل الانقسام والتشرذم الذي ساد المشهد السياسي العربي خلال العقدين الاخيرين. ومع ذلك، فإن تشكيلها فرض عليها تحدياً داخلياً أمام الجمهور الفلسطيني في إسرائيل، أكبر من تحديها أمام النظام الإسرائيلي وحكومته، وخصوصاً فيما يتعلق بتحدي تنظيم المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، وبناء مؤسساته الوطنية وقيادة العمل الجماهيري والنضال الشعبي، وعدم الاكتفاء بالعمل البرلماني التقليدي، كما أنها شكلت نموذجاً للوحدة لدى النخب بين الفلسطينيين في الضفة الغربية والشتات كنموذج يمكن الاحتذاء به لإنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية بين حركتَي "حماس" و"فتح". هذه التوقعات التي تجاوزت حدود المواطنة الإسرائيلية فرضت على القائمة المشتركة نهجاً وسلوكاً سياسيين يطمحان إلى الاستجابة لهذه التوقعات، منها استمرار وحدة القائمة في البرلمان وعدم تفككها، وتحسين الأداء البرلماني مقارنة بالأداء السابق لمركباتها، وقدرتها على قيادة النضال الشعبي وبناء المؤسسات الوطنية القطرية، وزيادة ثقة الناس بالعمل السياسي. ومع إعلان بعض مركبات القائمة المشتركة مغادرتها لتشكيل قوائم حزبية، فإن إجهاض تجربة تلك القائمة يبدو أمراً واقعاً، وخصوصاً أن القوائم الانتخابية كان يجب أن تقدم إلى لجنة الانتخابات المركزية قبل 22 شباط / فبراير، الأمر الذي قوّض إمكان إنقاذ القائمة المشتركة التي كان يجب أن يُنظر إليها على أنها جزء من مشروع سياسي أوسع لتنظيم الفلسطينيين في إسرائيل. لقد مثلت مسألة إنشاء القائمة المشتركة ذروة مهمة ونقطة ضوء مشعة كان من الواجب استغلالها، من أجل الانطلاق بعد الإنجاز الانتخابي في سنة 2015، إلى بناء مشروع عمل سياسي جماعي فلسطيني في إسرائيل يتعدى الشعارات الانتخابية، وكان من المفروض تجنيد طاقات شعبنا لأجل رفد هذا المشروع بدعم مهني مدروس يتكىء على تجربة طويلة لأعداد كبيرة من أبناء شعبنا. وطبعاً كان يمكن عمل الكثير، لولا الانشغال الذي استحوذ على اهتمام مركباتها لترتيب مقاعد الأحزاب في القائمة، والاستنزاف الذي أصاب القائمة ومكانتها بعد أزمة التناوب، وربما قضايا أُخرى ليس لها علاقة بمصالح شعبنا ومجتمعنا. لم تستطع قيادات القائمة المشتركة تحويل الإنجاز الانتخابي إلى تأسيس عمل جماعي وطني، وبناء برنامج سياسي للفلسطينيين في إسرائيل، وصولاً إلى تحقيق ولو جزء ممّا يجب تحقيقه. ولم يتم عملياً، سوى إنشاء القائمة المشتركة والإنجاز الانتخابي، والإنجاز الرمزي والسياسي الذي شد انتباه العالم بأسره، لكن تجربة تلك القائمة لم تُعطَ حقها مثلما يجب، ولم يتم تجاوز إنجاز التأسيس (أي تشكيل القائمة) إلى فعل التغيير. هنالك عدة تفسيرات لانهيار القائمة المشتركة، منها ما ذكرناه من فشل في أدائها، ومنها: تمسّك بعض القيادات بالشكليات عبر إبراز أهميتها ووزنها ونجوميتها؛ تعمّد بعض قيادات الأحزاب العربية البحث عن طريق لإرضاء توقعات الشارع اليهودي، أو على الأقل أجزاء منه وجزء من مؤسساته، بمطالبتها القيادات "المتزنة" بالفصل بين "القائمة العربية للتغيير"، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي تُعتبر متزنة وقابلة للتعاون في هذا السياق، وكذلك الفصل بين "التجمع الوطني"، و"الحركة الإسلامية" التي تُتهم بالتطرف وعدم القبول بالتعاون المرن مع اليسار الاسرائيلي. الخلاصة أنه تم إجهاض القائمة المشتركة التي كان من المتوقع حصولها متحدةً على دعم أقوى من دعم تناله القوائم المنفصلة، وربما سيحدث تردٍّ كبير في تمثيل الفلسطينيين في إسرائيل في الكنيست، إذا فشلت إحدى القوائم في اجتياز نسبة الحسم... وبالتالي سيشكل هذا الانفصال نقطة جدية في مساعي اليمين الليكودي المعزز بقوى أكثر عنصرية وفاشية منه، للعودة إلى الحكم وفي حالة متقدمة من الراحة النسبية. خاتمة بحسب سجل لجنة الانتخابات المركزية، فإنه تم تقديم قوائم لـ 47 حزباً أو تكتلات حزبية، يبدو الآن أن ما يتراوح بين 13 و14 منهم، سيكون لها حظوظ في اجتياز نسبة الحسم التي تصل إلى 3,25% من الأصوات الصحيحة (تقريباً 150,000 صوت). وحتى الآن لا تظهر بوادر تغيير جدي في التركيبة السياسية الحزبية في إسرائيل على الرغم من كل ما يقال عن قوة غانس، واحتمالات فتح ملفات فساد في وجه نتيناهو. التغيير ممكن إذا تضافرت عدة عوامل أهمها: تنظيم الوسط واليسار الإسرائيلي لصفوفهما؛ تقديم نتنياهو إلى القضاء، وربما اندلاع خلافات داخل الصف الثاني من قيادات الليكود؛ نجاح القوائم العربية في الوصول إلى ما يتراوح بين 14 و15 مقعداً... هذا كله ممكن أن يحدث، وربما يقود إلى تشكيل ائتلاف حكومي مختلف، ولو قليلا، بعد انتخابات نيسان / أبريل 2019. طبعاً، وعلى الأغلب، فإن ذلك لن يؤدي إلى تغيير جذري في السياسات تجاه القضية الفلسطينية، لكنه قد يؤدي إلى اختلال في سيطرة اليمين وائتلافه، وربما يفتح المجال أمام تغييرات مستقبلية لواقع إسرائيلي أقل سوءاً. * As'ad Ghanem, Mohanad Mostafa & Salim Brake (2019), Israel in the Post Oslo Era: Prospects for Conflict and Reconciliation with the Palestinians (London: Routledge).