
18/04/2025 إنكليزي

17/04/2025 عربي

16/04/2025 عربي

10/04/2025 إنكليزي

10/04/2025 عربي

09/04/2025 عربي

08/04/2025 إنكليزي

08/04/2025 عربي

لطالما رفعت الولايات المتحدة شعار الدفاع عن حقوق الإنسان كأحد أسس سياستها الخارجية، ووضعت آليات قانونية لضمان عدم تقديم المساعدات إلى القوات الأجنبية المتورطة في انتهاكات إنسانية، ومن أبرز هذه الآليات قانون "ليهي"، الذي يفرض قيوداً واضحة على تقديم الدعم العسكري إلى أي جهة يَثْبُت تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان، إلاّ إن تطبيقه ظل محل جدل، إذ كشفت سياسات المساعدات الأميركية عن نمط من ازدواجية المعايير، وخصوصاً في الحالات التي تتداخل فيها المصالح الاستراتيجية والسياسية.
وفي ظل استمرار الدعم العسكري الأميركي الواسع للاحتلال المتهم بارتكاب إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، وفي الوقت الذي تناشد فيه مؤسسات حقوقية، كهيومن رايتس ووتش، بضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمنع الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة،[1] تتجدد التساؤلات بشأن مدى التزام واشنطن مبادئها المعلنة، ومدى فاعلية قانون "ليهي" كأداة رقابية حقيقية، أم أنه مجرد غطاء قانوني يُطبَّق بانتقائية تخدم المصالح الأميركية أولاً. وهذا التقرير يتناول أوجه التناقض في تطبيق القانون، ويسلط الضوء على انعكاسات هذه الازدواجية في صدقية السياسة الخارجية الأميركية.
ما هو قانون ليهي؟
يُعتبر قانون ليهي أحد القوانين الأميركية التي تحظر تقديم المساعدات إلى القوات الأمنية الأجنبية في حال وجود معلومات موثوقة تفيد بارتكابها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وبموجب هذا القانون، يتعين على الحكومة الأميركية التحقق من خلفية الجهات المستفيدة من المساعدات قبل تقديمها، لضمان عدم تورطها في انتهاكات كهذه. وتعود جذور هذا القانون إلى التعديلات التي اقترحها السيناتور باتريك ليهي خلال التسعينيات، والتي سبقتها تشريعات أُقرت في السبعينيات بهدف منع تقديم المساعدات الأمنية الأميركية إلى الحكومات التي تملك سجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان.[2] وبصورة عامة، يفرض هذا القانون قيوداً على المساعدات الأمنية التي تمولها وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان. ولا يزال القانون محل اهتمام مستمر من جانب الكونغرس، إذ يخضع للمراجعة والتعديل لضمان فاعليته في تنفيذ السياسات المرتبطة به.
ويعود هذا القرار إلى الأذهان بعد أن أعلن ترامب، في شباط/فبراير 2025، صفقة أسلحة مع إسرائيل بلغت قيمتها 7 مليارات دولار، متجاوزاً عملية المراجعة التقليدية في الكونغرس.[3] وعلى الرغم من القيود التي يفرضها قانون "ليهي" على تقديم المساعدات الأمنية إلى القوات الأجنبية المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، فقد مضت إدارة ترامب قُدُماً في إتمام هذه الصفقة، متجاهلة الآليات الرقابية لضمان الامتثال لمعايير حقوق الإنسان. ويعكس هذا التوجه سعي الإدارة لإعادة صوغ سياسات الدعم العسكري، في سياق أوسع من التعديلات التي تستهدف إعادة تحديد أولويات السياسة الخارجية الأميركية.
المساعدات الأميركية لإسرائيل
تُعد إسرائيل أكبر متلقٍ تراكمي للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، إذ قدّمت الإدارات الأميركية المتعاقبة دعماً يعكس التزام الولايات المتحدة أمنَ إسرائيل وأهدافها الاستراتيجية المشتركة في الشرق الأوسط؛ فمنذ سنة 1946 وحتى الآن، بلغ إجمالي المساعدات الأميركية لإسرائيل، بما في ذلك تمويل الدفاع الصاروخي المقدّم من وزارة الدفاع الأميركية، 260 مليار دولار. وفي سنة 2016، وقّعت الحكومتان الأميركية والإسرائيلية مذكرة تفاهم خاصة بالمساعدات العسكرية تغطي الفترة من السنة المالية 2019 إلى 2028. وبموجب هذه المذكرة، فقد تعهدت الولايات المتحدة الأميركية - رهن موافقة الكونغرس - بتقديم 38 مليار دولار كمساعدات عسكرية، تشمل 33 مليار دولار كمِنَح ضمن برنامج التمويل العسكري الخارجي (FMF)، و5 مليارات دولار مخصصة لبرامج الدفاع الصاروخي. وخلال سنة 2023، خصص الكونغرس الأميركي 3.8 مليار دولار لإسرائيل كتمويل عسكري ودفاع صاروخي، ضمن قانون الاعتمادات الموحدة للسنة المالية، كما أضاف 98.58 مليون دولار لتمويل برامج دفاعية وغير دفاعية أُخرى.[4]
المساعدات الأميركية لفلسطين
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قدّمت الولايات المتحدة الأميركية نحو 2.1 مليار دولار كمساعدات إنسانية إلى قطاع غزة،[5] ومع ذلك، فإنه لم يكن هذا المبلغ كافياً لتلبية الحاجات الإنسانية لسكان غزة في ظل الدمار الواسع، وتصاعُد انعدام الأمن الغذائي، وتدهوُر الأوضاع المعيشية. كما تعكس هذه الأرقام حجم التباين بين المساعدات المقدمة إلى الفلسطينيين مقارنة بتلك التي تلقتها إسرائيل خلال فترة الحرب.
وقدّمت الولايات المتحدة الأميركية إلى فلسطين مساعدات عبر الأونروا، قُدّرت بنحو 7.3 مليار دولار خلال الفترة 1950 – 2024.[6] أمّا ما قدّمته عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) في الفترة 1994 – 2023، فقد بلغ نحو مليارَي دولار،[7] وهو ما يعني أن المبلغ الكلّي للمساعدات الأميركية حتى نهاية سنة 2024 بلغ ما يقارب 11.4 مليار دولار.
ازدواجية المعايير الأميركية
تُعَدّ الولايات المتحدة أكبر مزود للمساعدات عالمياً، إذ تخصص نحو 1% من ميزانيتها الفدرالية لهذا الغرض. ومع ذلك، فإن عودة دونالد ترامب إلى السلطة يمكن أن تؤدي إلى تعليق غير محدد لهذه المساعدات المالية الموجهة إلى العديد من الدول، وهو ما يمكن أن يفاقم الأزمات الإنسانية، وخصوصاً في الحالات الحرجة كغزة، حيث تعتمد جهود إغاثية وجهود إعادة إعمار كثيرة على الدعم والمساعدات الخارجية.
وبعد ساعات من توليه منصبه في 20 كانون الثاني/يناير 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجميداً فورياً لمدة 90 يوماً لجميع المساعدات الخارجية الأميركية، بما في ذلك أكثر من 40 مليار دولار كانت مخصصة للمشاريع الإنمائية عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، بحسب ما جاء في صحيفة "الغارديان" البريطانية.[8] وفي إطار تنفيذ هذا القرار، أُصدرت مذكرة داخلية تأمر بوقف معظم المساعدات، باستثناء التمويل العسكري لإسرائيل، لِيَصدُر بعد ذلك بيان للخارجية الأميركية يبرر هذه الخطوة بأنها تأتي لضمان فاعلية المساعدات واتساقها مع سياستها الخارجية، ويشدد على أن الولايات المتحدة "لن توزع الأموال بصورة عمياء" من دون تحقيق فائدة ملموسة للشعب الأميركي، معتبراً أن هذا الإجراء "ضرورة أخلاقية".[9]
لكن على الرغم من هذا التجميد المفاجئ للمساعدات، فإن ترامب كان حريصاً على عدم قطع تلك المقدَّمة إلى إسرائيل خلال الـ 90 يوماً، من دون الأخذ بعين الاعتبار الحاجة الملحة إلى المساعدة الإنسانية في قطاع غزة، ومن دون الاكتراث بما ينص عليه قانون "ليهي" من الامتناع من تقديم مساعدات إلى جهات ترتكب جرائم حرب، ضارباً بعرض الحائط الدعاوى القضائية المرفوعة ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية من جانب عدة دول. ولعل المساعدات الأميركية المقدَّمة إلى إسرائيل، والتي تعادل نحو 23 ضعف ما تم تقديمه إلى فلسطين منذ النكبة، هي صورة مبسطة لازدواجية المعايير الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، وكأنها تقدّم طوق النجاة بيد، وتفتح باب جهنم باليد الأُخرى!
[1] "غزة: ’محكمة العدل الدولية‘ تأمر إسرائيل بمنع الإبادة الجماعية"، هيومن رايتس ووتش، 26/1/2024.
[2] “Introduction to Leahy Vetting Policy”, Department of State.
[3] "’صدمة‘ في الكونغرس جراء إعلان ترامب عن صفقة أسلحة لإسرائيل"، "سي إن إن بالعربية"، 8/2/2025.
[4] “U.S. Foreign Aid to Israel (RL33222)”, Congressional Research Service (CRS), Version 48, P1, 1/3/2023.
[5] https://palestinianaffairs.state.gov/ar/الوكالة-الأمريكية-للتنمية-الدولية-تق/
[6] “UN Relief and Works Agency for Palestine Refugees in the Near East (UNRWA): Background and U.S. Funding Trends”, Congressional Research Service (CRS), P1, 17/1/2025.
[7] “U.S. Foreign Assistance By Country: West Bank and Gaza – 2023 – Obligations – U.S. Agency for International Development”, Foreign Assistance.gov, data last update in 19/12/2024.
[8] Karen McVeigh, “How will Trump and Musk’s freeze on US Aid affect millions around the world?”, The Guardian, 20/2/2025.
[9] Tammy Bruce, “Implementing the President’s Executive Order on Reevaluating and Realigning United States Foreign Aid”, U.S Department of State, 26/1/2025.