
20/03/2025 عربي

19/03/2025 عربي

18/03/2025 عربي

10/03/2025 عربي

03/03/2025 عربي

28/02/2025 عربي

"وصلتُ إلى منزلنا لأجده عبارة عن ركام، فبكيت كثيراً فوق أنقاضه. أكثر من 8 أشهر ونحن في خيمة، وكنت أمنّي النفس بأن نهاية الحرب ستكون نهاية النزوح، وختام حياة التشرد في الخيام، لكن كما ترى، فقد شرعنا في بناء خيمة أُخرى أمام ركام منزلنا، وهذا الحال ينطبق على جيراننا كافة، ومعظم منازل مدينة رفح. كان الاحتلال ينتقم منا بهدم المنازل، وقتل الحياة."
هكذا وصفت الشابة فداء خلف حال منزلها، وهي تعبّر عن حسرتها وحزنها، بعد رحلة مريرة من النزوح، بدأت خلالها قوات الاحتلال اجتياحاً برياً لمدينة رفح في 7 أيار/مايو 2024، ضمن حملة الإبادة الجماعية القائمة في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي هُجر في إثرها أكثر من مليون نازح من المدينة تجاه مدينة خان يونس، ومخيمات وسط القطاع، بسبب ارتكاب مجازر بشعة بحق النازحين، وقصف المخيمات المكتظة مباشرة بشتى أنواع الصواريخ المتشظية والحارقة.
وكان الدمار الهائل في المدينة هو صورة النصر التي أراد الاحتلال تصديرها، في إثر العملية البرية الأطول وقتاً خلال الحرب، ولم يكتفِ بما تقوم به قواته الهندسية من تفخيخ للمنازل وتفجيرها، بل أيضاً استعان بشركات إسرائيلية وأجنبية مختصة بمجال نسف البنى التحتية.
توجهنا إلى مدينة رفح التي أُعلنت مدينةً منكوبةً، لنرصد أوضاع المدينة عقب انتهاء الحرب، وكيف باتت أحوال سكانها الذين عادوا إلى مدينتهم، ومنذ اللحظة الأولى لإعلان وقف إطلاق النار في 19 كانون الثاني/يناير 2025، بدأت آلاف العائلات في العودة إلى المدينة، لكن جزءاً منها عاد إلى مناطق نزوحه السابقة، بسبب انتشار الصواريخ الحربية، ومخلفات الاحتلال غير المنفجرة، وحالة الدمار الهائلة في المنازل التي دُمر معظمها بين جزئيٍ وكليٍ، وصارت غير صالحة للسكن، إلى جانب انعدام الخدمات كالمياه والصرف الصحي والمراكز الطبية.
تصوير محمد النعامي، 13 فبراير/شباط 2025 (مدينة رفح/فلسطين)
دخلنا المدينة من جانبها الشمالي، ومع التعمق داخلها، كان يظهر حجم الدمار الهائل في الطرقات والمنازل والمدارس والمشافي وغيرها من المرافق، إلى جانب حرق قوات الاحتلال أعداداً كبيرة من المنازل.
ودمرت قوات الاحتلال 60% من منازل المدينة بالكامل، وهو ما يعادل 16,000 مبنى يحوي 35,000 وحدة سكنية تم تدميرها، وأخرجت 9 مراكز طبية عن الخدمة نتيجة القصف المباشر، منها 4 مستشفيات (مستشفى أبو يوسف النجار الرئيسي، ومستشفى الولادة، والمستشفى الميداني الإندونيسي، والمستشفى الكويتي).
كما أن 70% من شبكات الصرف الصحي تعرضت للتخريب بفعل العملية الإسرائيلية البرية، وهو ما حوّل المدينة إلى بيئة موبوءة بالأمراض والأوبئة، إلى جانب تدمير 15 بئر ماء من مجموع 24، وجرفت الآليات الإسرائيلية آلاف الدونمات الزراعية والأشجار والدفيئات، وتمت إبادتها بالكامل بحسب بيانات بلدية رفح.
وصادفنا مظاهر احتفالية لأهالي من المدينة بمناسبة انتهاء الحرب، والعودة إلى رفح، كما رصدنا عودة قوات الأمن التابعة لحكومة غزة بزيها الرسمي في الطرقات.
وعندما كنا نوجه الكاميرا تجاه سكان المدينة، كانوا يرفعون شارة النصر تلقائياً، وبعضهم يوجه عبارات تحدي إلى جيش الاحتلال ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، الذي كان قد تعهّد سابقاً بعدم انسحاب الاحتلال من القطاع.
وأقامت عدة عائلات بالطرقات بعد أن وجدت منازلها قد دُمرت، بينما نشط كثيرون في البحث عن جثامين الشهداء الذين استشهدوا وفُقدت عائلاتهم من دون أن يُعلَم مصيرها.
تصوير محمد النعامي، 13 فبراير/شباط 2025 (مدينة رفح/فلسطين)
وأمام منزلها المدمر، قابلنا السيدة أم إبراهيم اللوالحة، وروت لنا بحرقة تفاصيل فقدان نجلها الوحيد، قائلة: "قصف الاحتلال عدة منازل في محيط منزلنا، واشتد القصف المدفعي، فقررنا النزوح من رفح في اتجاه مواصي خان يونس، وبعد وصولنا، أمضينا أسبوعاً صعباً للغاية، وكانت إحدى المصاعب عدم تواجُد وسيلة طهي لدينا، فقرر ابني إبراهيم العودة إلى رفح وإحضار أنبوبة الغاز، وعلى الرغم من معارضتي، فقد خرج، وبعد قليل، عاد وهو يضحك طالباً من زوجته أن تعطيه بطاقته الشخصية، وقال لها: ’عشان لو استشهدت تعرفوا جثتي وتدفنوني‘، وكانت هذه الكلمات كالجمر في صدري، وأصررت على ألاّ يذهب، وبعد قليل، غافلني وخرج، وتأخر كثيراً، وعندما حل الظلام، جن جنوني، ولم أستطع النوم تلك الليلة، وكنا نأمل أن يكون قد أمضى ليلته عند أحد معارفه، ومرت الأيام ونحن لم نعرف عنه شيئاً."
وأضافت السيدة والدموع تملأ عينيها: "نشرنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوره، إن كان أحد قد تعرّف إليه، وراجعنا سجلات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية التي يتم تسريبها على أمل أن يكون قد اعتُقل عند قوات الاحتلال، ولم يستشهد، وكل يوم منذ فقدانه قبل 8 أشهر كنت أحافظ على بصيص من الأمل، وعندما عدنا، وصلت إلى مرحلة صرت أقارن فيها جماجم الشهداء في رفح بشكل رأس ابني، وحتى الآن لا أعرف عنه شيئاً."
وأوضحت أنها لا تبالي كثيراً بدمار منزلها، ولا بحياة الخيام، إنما فقط تريد معرفة مصير ابنها، وإن كان قد استشهد، فإنها تريد أن تدفنه وتزور قبره دائماً.
وخلال تجولنا في المدينة، لاحظنا مجموعات من الشبان تقوم بأعمال تطوعية، إذ شكّل نشطاء من مدينة رفح عدداً من اللجان التعاونية في مناطق متعددة في المدينة، بهدف تيسير أمور العائدين، ومنع عمليات النهب والسرقة، ومساندة الأهالي.
وكان الشاب محمد فرحان (33 عاماً)، وهو أحد سكان مدينة رفح، من أعضاء لجنة تعاونية مخصصة لتسهيل عودة النازحين وتدبير أمورهم، وانضم إليه عدد كبير من الشبان، وعملوا على تأمين منطقتهم في حي الشابورة من عصابات السرقة، وإدارة شؤون الأهالي العائدين.
تصوير محمد النعامي، 13 فبراير/شباط 2025 (مدينة رفح/فلسطين)
وقال محمد فرحان إن المواطنين يعودون بأعداد كبيرة على الرغم من الدمار الهائل الذي لحق بالمنطقة، ويقومون باستصلاح أي مكان للإقامة به، وإن لم يتمكنوا من ذلك، فإنهم يقومون بنصب خيامهم فوق الركام، كما شاعت دعوة المواطنين الذين لا تزال منازلهم قابلة للسكن عدداً من العائلات من الجيران إلى الإقامة معهم.
وأضاف في حديث معنا: "وصلنا إلى المنطقة بعد ساعات من انسحاب الاحتلال، وكان قد دمر معظم المنازل، بعضها بالكامل عبر النسف، وبعضها جزئياً، والأمر بالغ السوء، فقمنا بتشكيل مجموعات تحرس المنطقة من اللصوص، وكذلك مجموعات تؤمّن المياه للعائدين. وأيضاً قمنا بانتشال أعداد من الشهداء."
وكشف الشاب عن وجود انتهاكات غير أخلاقية مارسها الاحتلال في المنطقة، إذ عمل جنود الاحتلال على العبث بالملابس الداخلية للنساء، كتعليقها أمام المنازل، وكذلك رسم رسومات مسيئة، وغيرها من التصرفات الاستفزازية والتخريبية.
وتابع: "قام جنود الاحتلال بسرقة الأشياء الثمينة في المنازل، كالمجوهرات والأموال وأجهزة إلكترونية ثمينة، وكذلك قاموا بنشر الصور المخزنة في ألبومات خاصة للأفراح في الطرقات وألصقوها على الجدران، في سبيل هتك خصوصية العائلات في مجتمع مسلم محافظ. وعالجنا هذا الأمر بجمع كل الصور وإتلافها فوراً، وإزالة ما وضعه الجنود لاستفزاز الأهالي، مباشرة بعد انسحاب الاحتلال."
وشدد فرحان على أن مدينة رفح من أكثر مناطق القطاع دماراً وافتقاراً للخدمات، وحتى اللحظة، لم تحدث هناك أعمال صيانة لتأمين خدمات المياه والصرف الصحي وتوفير نقاط طبية، مناشداً المؤسسات الدولية بالتحرك لتهيئة المدينة بالحد الأدنى من مقومات الحياة.
المراجع
"رئيس بلدية رفح يعلن مدينته منكوبة ويعدد خسائرها". "الجزيرة نت". 19/1/2025.