
20/03/2025 عربي

19/03/2025 عربي

18/03/2025 عربي

10/03/2025 عربي

03/03/2025 عربي

28/02/2025 عربي

أثارت تصريحات ترامب ردات فعل دولية وإقليمية رافضة لفكرة التهجير، لعل من أبرزها خشية الدول العربية، بصورة خاصة، أن تتحمل وزر تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما ستكون له تبعات داخلية خطِرة، والخوف من تحولها إلى قواعد ارتكاز للمقاومة الفلسطينية كما حدث عقب نكبة 1948، الأمر الذي يمكن أن يُدْخِلَها حروباً وصراعات داخلية، أو يعيدها إلى مربع المواجهة مع إسرائيل.
وبعيداً عن السجالات السياسية والصخب الإعلامي المرافق لطرح التهجير كخطة عمل ومستقبل لقطاع غزة، فكرتُ، أنا الغزية، التي تقيم خارج بلدها منذ أعوام للضرورة لا كخيار، وتتشوق إلى العودة متى تسنح الأوضاع، في أن أعود إلى أهل غزة وأسألهم عن رأيهم بشأن ما يقال ويناقَش في مصيرهم. ولذلك، فقد توجهت إلى ثلة من الصحافيين والنشطاء الموجودين في غزة وعايشوا كل فصول الإبادة فيها، بحكم عملي كإعلامية، وطرحت عليهم السؤال التالي: "ماذا يريد أهل غزة؟ هل يرفضون التهجير، أم حقاً يريدون الخروج من ’الجحيم‘ كما وصفه ترامب؟"
لو ضربونا بالنووي لن نهاجر
تروي يسرى العكلوك، صحافية وزوجة شهيد فقدت منزلها خلال الحرب، عبر عملها الصحافي وشهادتها الشخصية: "عندما تحدثتُ إلى الناس الذين نزحوا وعادوا، سمعتُ جملة واحدة تتكرر: ’لو ضربونا بالنووي، لن نتحرك شبراً واحداً.‘ المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين. من خرج سابقاً صدّق أن هناك أماكن آمنة، لكنه اكتشف أن كل ما قيل كان خدعة، وأن الخروج لم يكن حماية إنما مأساة أُخرى. كثيرون تعرضوا للاستهداف في أماكن النزوح، بينما مَن بقوا في بيوتهم ربما كانوا أكثر أماناً."
تتفق فاطمة عبد الله، صحافية وزوجة شهيد فقدت منزلها في شمال غزة، مع ما تقوله يسرى، التي ترى أن خطة التهجير التي طرحها ترامب كانت فاشلة حتى قبل أن تبدأ، لأن الرد الحقيقي عليها جاء من داخل غزة نفسها، من الناس الذين عاشوا التجربة واختاروا العودة على الرغم من كل الأوضاع القاسية: "مشهد عودة الناس من الجنوب إلى الشمال كان الجواب القاطع على هذه الخطة. نحن شعب لم يترك أرضه حتى في ذروة الحرب والموت. بالعكس، إن الذين اضطروا إلى النزوح إلى الجنوب لم يكونوا ينتظرون شيئاً أكثر من اللحظة التي يعودون فيها إلى الشمال. لم يكن هناك تردد، ولم يكن هناك انتظار لمساعدات، إنما كان هناك شوق للعودة. وهذا أكبر دليل على أن فكرة التهجير التي يروجون لها لا مكان لها في وعي أهل غزة."
وتؤكد فاطمة أن تجربة النزوح خلال الحرب الأخيرة غيرت كثيراً من نظرة الفلسطينيين إلى مسألة الخروج من غزة، وأنه في أي تصعيد قادم لن تتكرر تجربة النزوح بالطريقة نفسها: "اليوم، بعد الذي رأيناه، أستطيع أن أقول إن أي جولة تصعيدية قادمة لن تدفع الناس إلى الخروج من بيوتهم كما حدث هذه المرة، فقد باتوا أكثر وعياً بأن الأمان المزعوم الذي يروج له الاحتلال مجرد وهم، وأن الخروج يعني الوقوع في فخ التهجير المتدرج. نحن أصحاب الأرض، وهذه قناعة لا تتغير، مهما تكن التضحيات المطلوبة للبقاء."
وإلى جانب هذا الاعتبار في رفض التهجير أو الهجرة، فإن يسرى العكلوك تضيف بُعداً آخر عبّرت عنه بقولها: "غزة في حاجة إلى أبنائها." وتضيف أن حرب الإبادة عمقت ارتباط الناس بغزة أكثر من أي وقت مضى، وجعلتهم يشعرون بالخوف من فقدها.
وتقول: "ربما أكون في حاجة إلى السفر للعلاج، أو تغيير الجو، لكن الفكرة باتت مخيفة. الحرب علّقتنا بغزة أكثر، وجعلتنا نشعر وكأنها قطعة منا. نحن لسنا مجرد سكان في هذه الأرض، إنما نحن جزء من روحها، نشعر بوجعها وقهرها، وتركها في هذا الوضع المأساوي أصعب مما يتخيله أحد. غزة تحتاج إلى التعافي بنا، لا أن نتركها تُستنزف وحدها. إذا خرج الجميع، من سيبقى لها؟ كنت أظن أنني وحدي أفكر بهذه الطريقة، لكن كل مَن تحدثتُ إليهم قالوا الشيء ذاته. الحرب علّقتنا بغزة أكثر مما كنا نتخيل. مَن يراها بهذا الوضع، لا يستطيع ترْكها، ليس لأنها مثالية، إنما لأنها تحتاج إلينا كما نحتاج إليها. "
رواية أُخرى، لا تختلف في جوهرها عن رواية يسرى، أفادت بها ضحى الصيفي، صحافية وزوجة أسير محرر فقدت منزلها خلال الحرب، إلى جانب منازل عائلتها وأقاربها، وأصبحت تعيش في وضع إنساني قاسٍ بلا مأوى ولا مقومات حياة، ومع ذلك، فإنها تؤكد أن الخيار الوحيد الذي لم تفكر فيه ولو للحظة هو مغادرة غزة نهائياً، مهما تكن الإغراءات: "لقد خضتُ كل الحروب، وفقدتُ منزلي ومنزل عائلتي، وإخوتي وأخواتي شُردوا، وأصبحنا جميعاً بلا مأوى. عرضت علينا الولايات المتحدة وغيرها من الدول فكرة الهجرة، لكنني أقول لهم بكل وضوح: ’حتى لو دفعتم إلينا جميع التكاليف، وتكفلت أفضل دولة في العالم بحياتنا، وأمّنت لنا مستقبلاً رغيداً، لن نترك غزة.‘ هذه الأرض ليست مجرد مكان نعيش فيه، بل هي أيضاً جزء منا، ومن دمنا وأرواحنا. "
وتضيف: "نحن لا نبقى هنا لأننا لا نجد بديلاً، إنما لأننا نحب غزة وننتمي إليها. لقد عشنا فيها بحلوها ومرها، وواجهنا الأوقات الصعبة ولم نغادر، فكيف نتركها الآن؟ غزة ليست مجرد مدينة، إنها هوية، وحياة، وتاريخ محفور في وعينا. حتى لو وفروا لنا كل سبل العيش في أماكن أُخرى، وعرضوا علينا نيويورك بكل ما فيها، فلن نقبل العيش هناك، وسنبقى هنا، في المكان الذي وُلدنا فيه، وشربنا من مائه، وتنفسنا هواءه، وأُطعمنا من خيراته، وروينا ترابه بدماء أحبابنا. "
بالنسبة إلى ضحى، فإن فكرة الانتماء إلى غزة أعمق من مجرد السكن فيها، إنها ارتباط وجداني لا يمكن استبداله بأي رفاه أو استقرار خارجي: "ربما تكون الحياة هنا قاسية، لكننا ننتمي إلى هذا المكان، ولا ننتمي إلى أي مكان آخر. هذه الأرض ليست مجرد جغرافيا، إنها جزء من كياننا، والرحيل عنها يعني فقدان جزء من أنفسنا. لهذا، سنبقى، وسنواصل الحياة هنا مهما تبلغ التحديات، لأن غزة ليست فقط وطننا، بل أيضاً روحنا. "
وتؤكد فاطمة عبد الله الفكرة نفسها بشأن حجم الدمار الهائل الذي تعيشه غزة اليوم، إذ لم تعد الحياة كما كانت، ولم يبقَ فيها أي من المقومات الأساسية، ومع ذلك، فإن الناس يرفضون مغادرتها: "غزة اليوم في وضع صعب جداً؛ دمار كبير لا يوصف، وبلا ماء، ولا كهرباء، ولا منازل، ولا شيء هنا يصلح للحياة. ومع ذلك، فإن الناس ينصبون خيامهم فوق الركام ويحاولون أن يبدأوا من جديد، ويصنعوا الحياة من العدم. كل العالم خذلنا، لكننا لن نتوجه إليه، ولن نترك أرضنا، وسنبقى متشبثين بها مهما يكن الثمن. "
وتضيف: "الناس هنا يعرفون أن أحداً لن يدافع عن حقهم في البقاء إلاّ هم أنفسهم. لن نرحل، ولن نعطي الاحتلال فرصة ليمحو وجودنا من هذه الأرض. التهجير ليس خياراً لنا، والبقاء هو المعركة التي نخوضها يومياً، ليس فقط من أجل أنفسنا، بل أيضاً من أجل مستقبل غزة كلها. "
وتعكس هذه الشهادات رفضاً واسعاً لفكرة التهجير، لأن الفلسطينيين يعرفون جيداً أن القبول بالخروج من غزة اليوم، تحت أي مبرر، يعني إغلاق ملف القضية الفلسطينية بالكامل، وتحويلها من قضية تحرر وطني إلى مجرد أزمة إنسانية تبحث عن حلول إغاثية. كما يدرك الفلسطينيون، وخصوصاً أهل غزة الذين تبلغ نسبة اللاجئين بينهم أكثر من 70%، أن أي خروج "موقت" يمكن أن يصبح نهائياً، كما حدث بعد نكبة 1948، حين خرج اللاجئون قسراً من مدنهم وقراهم بوعود كاذبة بأنهم سيعودون قريباً. لكن بعد أكثر من سبعة عقود، لا يزال ملايين الفلسطينيين مشردين في المنافي والمخيمات.
الناس في حاجة إلى شفاء نفسي
على الرغم من تأكيد أصحاب الشهادات التي ترد هنا رفضَ فكرة الهجرة، فإن هناك رغبة شديدة لديهم في السفر كاستراحة وعلاج نفسي من آثار الحرب والدمار اللذَين عانوا جرّاءهما على مدار 15 شهراً.
وتقول يسرى العكلوك: "أنا، كأي شخص آخر، أتمنى السفر، وأن أرى الطبيعة والبحيرات، وأن أشعر بالأمان، وأشتم هواءً نقياً بعيداً عن رائحة الدمار، وأريد أن أرى لوناً غير لون الركام الرمادي، وأرى مبانيَ جميلة غير مهدمة. حتى أطفالي، كل ما يعرفونه هو القصف والدمار والتشريد، وأتمنى أن آخذهم إلى مكان يرون فيه الحياة بصورة مختلفة. كل أهل غزة يريدون السفر، لكن كل فلسطيني، مهما تكن رغبته في السفر، فإنه يقرنها فوراً بجملة واحدة، لكن ليس للهجرة."
وفي هذا الصدد، تتحدث هالة شحادة عن تجربتها الشخصية وسط الحرب، والسبب الذي يدفعها إلى التفكير في السفر هو حاجتها إلى استعادة طاقتها والابتعاد قليلاً عن مشاهد الدمار. إذ ترى أن الحرب "استنزفت الجميع على كل المستويات": "لو كنت صاحبة القرار، وكان السفر خياراً في يدي، كنت سأخرج لأغير الأجواء، وأشحن طاقتي بعد كل هذه المآسي، لكن بشرط واحد فقط: أن أعود متى شئت. أنا لا أبحث عن الهجرة، إنما عن استراحة قصيرة أستعيد فيها نفسي قبل أن أعود إلى المكان الذي أنتمي إليه. لذلك، ضعي تحت كلمة ’أعود‘ مليون خط، لأن العودة هي جوهر الفكرة، وهي الحد الفاصل بين السفر والهجرة. "
التهجير بوسائل غير مباشرة: "الهجرة الطوعية"
على الرغم من هذا الصمود، ومع إدراك الاحتلال أن الفلسطينيين متشبثون بأرضهم، فإنه يحاول فرض التهجير بأساليب غير مباشرة، عبر إنشاء واقع يستحيل العيش فيه، بحيث يبدو الخروج خياراً شخصياً وليس تهجيراً ممنهجاً. ومع أن الشهادات التي استمعت إليها تفيد، بالمجمل، بأن الناس رافضون لفكرة الهجرة، فإن التدمير الممنهج لكل مقومات الحياة في القطاع الذي انتهجته قوات الاحتلال خلال حرب الإبادة يدفع نسبة من الناس إلى التفكير في موضوع الهجرة؛ إذ لم يكتفِ الاحتلال بتجويع غزة، بل أيضاً عمد إلى تدمير كل ما يجعل الحياة ممكنة.
في هذا السياق يقول سامي، أب فلسطيني خسر منزله وعمله بسبب الحرب، إنه يفكر في الهجرة لأنه لم يعد يرى مستقبله في غزة: "أنا لست ضد الصمود، لكن ماذا أفعل؟ لا بيت، ولا عمل، ولا مستقبل. إذا بقيت هنا، سأموت ببطء. أعلم أن الهجرة تعني الغياب وربما عدم العودة، لكن أحياناً لا يكون هناك خيار آخر. "
وتنقل يسرى العكلوك ما سمعته من الناس في غزة عن الضغط الحياتي الذي يتعرضون له:
"كثير من الناس هنا لم يكونوا يفكرون في الخروج أبداً، لكن عندما تنعدم الحياة تماماً، ويصبح من المستحيل تأمين قوت يومك أو حتى إيجاد مكان للنوم، يبدأ البعض في التفكير: إلى متى سنظل نعيش هكذا؟ إسرائيل لا تطلب منا الرحيل مباشرة، لكنها تجعل الحياة هنا مستحيلة، بحيث يبدو الخروج وكأنه قرار شخصي، لكنه في الواقع إجبار غير مباشر. "
وتضيف أن الاحتلال بعدما فشل في التهجير القسري المباشر، بات ينفذ استراتيجيا ضغط ممنهجة لدفع الفلسطينيين إلى ما يُسمى بـ "الهجرة الطوعية"، مستخدماً الحصار والتجويع وعرقلة إعادة الإعمار كأسلحة حرب صامتة: "اليوم، لا يُقال لك ’اخرج‘ علناً، إنما يُنشأ واقع يستحيل العيش فيه؛ بلا ماء، ولا كهرباء، ولا مدارس، ولا وظائف، ولا بيوت، ولا أمل. يجد الإنسان نفسه أمام خيارين؛ إمّا أن يبدأ من الصفر وسط ركام بلد دُمر ولا توجد ضمانات لإعادة بنائه، وإمّا أن يجرب أن يبدأ من جديد في مكان آخر. يريدونك أن تصل إلى قناعة بأنه لا يوجد مستقبل لك هنا، وأن الخروج هو الحل الوحيد." وهذا الأمر يمتد زمنياً إلى ما بعد وقف إطلاق النار كما يدرك الناس في القطاع.
ومن جانبها، تصف الصحافية ضحى الصيفي كيف أن الحياة أصبحت عبئاً ثقيلاً على الجميع، قائلة:
"نحن نريد البقاء، لكن الحياة باتت معاناة يومية. لا توجد كهرباء، ولا ماء نظيف، ولا دواء، ولا شيء. حتى الأماكن التي كانت تُعتبر صالحة للسكن أصبحت لا تطاق. هناك مَن بدأ يفكر: ’هل البقاء هنا بات ضرباً من الجنون؟‘"
وتتحدث فاطمة عبد الله عن هذا الواقع بمرارة: "غزة اليوم ليست كما كانت قبل الحرب؛ إذ لم يعد هناك مكان يصلح للعيش؛ فالناس يعيشون بين الأنقاض، في العراء، بلا كهرباء ولا ماء، ومع ذلك لم يغادروا. الاحتلال يراهن على أن هذا الوضع سيدفعنا إلى الاستسلام والمغادرة."
وتعبّر هالة شحادة، صحافية وزوجة شهيد فقدت منزلها بالكامل في شمال غزة، عن هذه النقطة قائلة: "حين تدمَر مدينتك، وتُترك بلا بيت، ولا عمل، ولا ماء، ولا مستقبل لأولادك، يصبح من السهل أن تفكر في الذهاب إلى أي مكان آخر. الاحتلال لا يطلب منك الرحيل علناً، لكنه يجعل حياتك هنا مستحيلة، بحيث يكون الخروج هو الحل الوحيد أمامك."
لكن حتى مع هذا الضغط، فهناك وعي متزايد بأن كل تأخير في إعادة الإعمار، وكل عرقلة للمساعدات، ليست مجرد تداعيات للحرب، بل أيضاً جزء من خطة واضحة لإجبار الناس على الهجرة، وبصورة عامة، فإن مجمل الشهادات التي استمعت إليها يؤكد أصحابها أن الناس مدركون لهذه الغاية، ويصرون على أنهم سيرفضون اقتلاعهم من أرضهم.
وتقول هالة شحادة، على سبيل المثال: "الحرب كانت قاسية، أنهكتنا، ولم تترك لنا أي فرصة للتنفس، لكنها لم تجعلني أفكر ولو للحظة في الهجرة كحل دائم. كيف يمكنني أن أترك كل شيء؟ أهلي، وأصدقائي، والمكان الذي عشت فيه طفولتي، وكل تفاصيل حياتي محفورة هنا. لا يمكنني أن أهاجر وأنا أعلم أن ما يحدث ليس مجرد صدفة، إنما هو مخطط يُراد به اقتلاعنا من هذه الأرض، وإجبارنا على مغادرتها بلا عودة. "
أمّا فاطمة عبد الله، فترى أن الرهان الإسرائيلي على انهيار غزة من الداخل سيفشل كما فشلت كل مشاريع الاقتلاع السابقة، موضحة: "الناس التي فقدت منازلها لا تزال هنا، على الرغم من كل شيء. الاحتلال كان يعتقد أن الدمار سيدفع الناس إلى الخروج، لكنه وجدهم ينصبون خيامهم فوق ركام بيوتهم. غزة ليست مجرد مكان، فهي جزء من كياننا، والخروج منها ليس مجرد تغيير موقع، بل أيضاً تغيير هوية بالكامل. "
كيف يمكن إحباط مخطط التهجير؟
تثبت التجربة التاريخية أن مشاريع التهجير لا تنجح عندما يكون هناك رفض فلسطيني قاطع لها واصطفاف إقيليمي داعم للقضية الفلسطينية، وهذا ما حدث في محطات سابقة. واليوم، على الرغم من تصاعد الضغط العسكري والاقتصادي المترافق مع انعدام مقومات الحياة كافة، تبقى فرصة إحباط هذه المخططات قائمة، لكنها مرهونة بإرادة الفلسطينيين في التمسك بأرضهم ومواجهة السياسات التي تحاول دفعهم إلى الخروج. لكن هذه الإرادة ليست مسألة نظرية فقط، بل أيضاً هي تعبير عن واقع مادي يجب أن يكون موجوداً يعين الناس على التشبث بأرضهم.
ومن شهادات أهل غزة، فإن الصمود لا يعني مجرد الرفض العاطفي، بل أيضاً يرتبط بعوامل حيوية يحتاج إليها الناس للاستمرار في أرضهم. الفلسطينيون في غزة لا يريدون مجرد البقاء، بل أيضاً حياة كريمة، وإعادة إعمار من دون شروط، ووقفاً للعدوان المستمر، وضمانات لعدم استخدام المعابر والمساعدات كورقة ضغط لإجبارهم على المغادرة.
تتحدث ضحى الصيفي عن تحديات الحياة اليومية التي تجعل البقاء في غزة صراعاً مستمراً قائلة:
"لا نريد أن نبقى تحت الأنقاض. نريد أن نعيش في بيوت، وأن نتنفس، ونجد الغذاء والدواء من دون إذلال." وتؤكد هالة شحادة هذا المفهوم قائلة: "نحن لا نعيش على الشعارات، نحن نعيش في واقع صعب."