تساؤلات بشأن الانسحاب الإسرائيلي من لبنان ومصير وقف إطلاق النار
التاريخ: 
06/02/2025
المؤلف: 

لم تتمكن إسرائيل من تحقيق الهدف المركزي الذي وضعته لحربها، سواء في غزة، أو في لبنان، ولم تنجح في القضاء، عسكرياً، على حزب الله في لبنان، على الرغم من الضربات المؤلمة التي وجّهتها إليه، كذلك، لم تتمكن من القضاء على السلطة السياسية لحركة "حماس" في قطاع غزة، ولا حتى على وجودها العسكري، حسبما ظهر جلياً في قطاع غزة خلال عملية تبادُل الأسرى بين إسرائيل و"حماس". وفي ضوء إصرار المسؤولين في إسرائيل على القضاء قضاءً مبرماً على القدرات العسكرية لحركة "حماس" في غزة، وعلى ضرورة نزع سلاح حزب الله في منطقة جنوب نهر الليطاني وشماله، تُطرح الشكوك والتساؤلات بشأن مصير المرحلة الثانية من صفقة المخطوفين بين إسرائيل و"حماس" في غزة، ومصير وقف إطلاق النار في لبنان أيضاً.

 في السياق اللبناني، يُطرح اليوم السؤال التالي: هل تنوي إسرائيل سحب قواتها العسكرية من القرى الجنوبية اللبنانية المحاذية للسياج الحدودي، لدى انتهاء المهلة المحددة لوقف إطلاق النار في لبنان، والتي مُددت حتى 18 شباط/فبراير الحالي، ويجب أن يعقبها انسحاب الجيش الإسرائيلي؟ وما دقة وصحة المعلومات التي تتحدث عن إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بوجود عسكري لها، بعد الانسحاب، في خمس نقاط في داخل الأراضي اللبنانية، والتي تُعتبر مهمة للمحافظة على الأمن في مستعمراتها؟ وهل ستتمكن إسرائيل حتى شهر آذار/مارس المقبل، الذي حددته كموعد لعودة المستوطنين الإسرائيليين إلى منازلهم، من تأمين العودة الآمنة التي وعدتهم بها؟

 استغلال وقف إطلاق النار لتحقيق ما لم يتحقق في القتال

الراهن حتى الآن، أن إسرائيل تسعى لاستغلال تمديد وقف إطلاق النار من أجل تحقيق ما لم تنجح في تحقيقه خلال المواجهات العسكرية مع حزب الله، وهو:

  1. اختبار مدى قدرة الجيش اللبناني على  إجبار حزب الله على سحب عناصره من المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني، ونزع سلاحه وتفكيك قواعده، وتراقب كل ما يقوم به الحزب عن كثب، وتتحرك عسكرياً ضد أيّ تحرّك تعتبره مشبوهاً، وهي تعتمد اعتماداً كاملاً على الدور الأساسي الذي تقوم به الولايات المتحدة في لجنة الرقابة على وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، من أجل التأكد من تطبيق القرار بكل مندرجاته. ويبدو واضحاً أن هذه الفترة هي بمثابة اختبار إسرائيلي لقدرة الجيش اللبناني على القيام بالمهمة الموكلة إليه.

  2. تستغل إسرائيل فترة وقف النار لكي تختبر أيضاً هامش حرية العمل التي منحها إياها اتفاق وقف إطلاق النار، وكذلك تطبيق القرار 1701، ولا سيما الملحق الذي منحت فيه الولايات المتحدة إسرائيل حرية العمل ضد أيّ خرق للاتفاق يقوم به حزب الله، ولا ينجح الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في صدّه. وتختبر أيضاً ردات فعل حزب الله على تحركاتها. وتتذرع بذرائع شتى من أجل الاستمرار في احتلال قرى في الجنوب اللبناني، بحجة القضاء على قواعد ومنشآت عسكرية تابعة للحزب هناك.

  3. تنطلق فرضية العمل الإسرائيلية من أن حزب الله يتظاهر حالياً بأنه يلتزم الاتفاق، لكنه فعلياً، يستغل فترة وقف القتال من أجل ترميم قواه العسكرية وتنظيم صفوفه، وأنه عاجلاً أم آجلاً، سيحاول  التسلل مجدداً  إلى جنوب الليطاني تحت ستار عودة سكان القرى في الجنوب. وهي لا تريد تكرار الخطأ الذي ارتكبته بعد انتهاء حرب تموز/يوليو 2006 وصدور القرار 1701، عندما انسحبت من الجنوب من دون ضمانات تمنع عودة حزب الله من جديد إلى هناك. وهي لا تعوّل كثيراً على أيّ طرف آخر غير نفسها، وتعتبر أن مهمتها الأساسية تتركز الآن على منع عودة  تمركُز الحزب بالقرب من حدودها من جديد، والسبيل إلى ذلك، بحسب قول الخبيرة في موضوع لبنان وحزب الله أورنا مزراحي، سيكون من خلال "الرد على أيّ خرق يقوم به الحزب بصورة مباشرة، حسبما يتيح لها الاتفاق، وهذا أمر ضروري بالنسبة إلى إسرائيل، لكنه قد يخلق توترات أمنية على طول الحدود"[1]

  4. تراقب إسرائيل التموضع الجديد لحزب الله في لبنان عن كثب، وخصوصاً في ضوء التغييرات الدراماتيكية التي طرأت على محور المقاومة، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سورية وتراجُع النفوذ الإيراني هناك.[2] وتتابع تغيّر الوضع على الحدود السورية اللبنانية التي كانت الممر الأساسي للسلاح إلى حزب الله، وهي تقوم، من حين إلى آخر، بقصف ممرات التهريب لمنع تسلُّح الحزب من جديد. وفي الوضع الحالي، ترجّح  تقديرات الخبراء العسكريين في إسرائيل أن حزب الله لا يرغب في المواجهة العسكرية مع إسرائيل حالياً، وأنه وفق بعض الخبراء الإسرائيليين، يمرّ بعملية إعادة فحص للذات لفهم "أسباب هزيمته أمام الجيش الإسرائيلي."[3]

    ويبدو أنه على الرغم من التهديدات التي كررها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم لإسرائيل، ورفضه فكرة تأجيل موعد الانسحاب، فإن رأي المراقبين الإسرائيليين أن هذا لن يؤدي إلى تغيير سياسة "الاحتواء" التي يمارسها الحزب حتى الآن. لكن الإسرائيليين رصدوا أساليب جديدة يعتمدها الحزب في المواجهات المقبلة غير المسلحة مع الوجود العسكري الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، مثل مسيرات العودة للمواطنين اللبنانيين من سكان القرى الجنوبية المحتلة الذين أطلق الجيش الإسرائيلي النار عليهم، وقتل أكثر من 24 مواطناً لبنانياً، وأصاب عشرات آخرين.

  5. تدرك إسرائيل أن استمرار وجودها العسكري في البلدات الجنوبية اللبنانية وقتاً غير محدود، سيتحول بالتأكيد الى ذريعة سيستخدمها حزب الله للتمسك بسلاحه، وعودة  عمليات المقاومة مجدداً، وهو ما يذكّر بالوضع الذي كان سائداً قبل الانسحاب الإسرائيلي في سنة 2000. وبذلك، تكون إسرائيل قد أجهضت بنفسها اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه، على الرغم من تحفظات أحزاب اليمين الإسرائيلي وسكان مستعمراتها الشمالية، وأحرجت الجيش اللبناني والحكم الجديد في لبنان، وتحولت إلى عنصر أساسي في عدم الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان كله.

الوضع اللبناني في ظل إدارة دونالد ترامب

 من المرجح أن يشهد الملف اللبناني، من الآن فصاعداً، تعاملاً مختلفاً مع إدارة الرئيس دونالد ترامب. ومن المعلوم أن هذا الملف انتقل من عهدة عاموس هوكشتاين، الموفد الخاص لإدارة جو بايدن، والذي كان وراء اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في سنة 2022، وهو الذي  أشرف على الاتفاق الأخير على وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، وعلى آليات تطبيق القرار 1701، إلى عهدة المسؤولة الجديدة عن الملف مورغان أورتاغوس التي تعرف المنطقة جيداً، وعملت ناطقة بلسان الخارجية الأميركية خلال ولاية مايك بومبيو، على مدى سنوات، وتُعتبر من كبار المؤيدين لإسرائيل. والتخوف الأكبر، حالياً، أن تتمكن إسرائيل من إقناع إدارة ترامب بأهمية احتفاظها بوجود عسكري ضمن منطقة فاصلة في الجنوب اللبناني، والآن، تحاول الحصول على موافقة أميركية على الاستمرار في احتفاظها بالمنطقة الفاصلة التي احتلتها داخل الأراضي السورية حتى استقرار النظام الجديد، وتوضح صورة التهديدات والمخاطر.[4]

 حتى الآن، وقبل أقلّ من أسبوعين من موعد تمديد وقف النار، تبدو الصورة غير واضحة. لكن أيّ تلكؤ إسرائيلي في تنفيذ الانسحاب من الجنوب اللبناني، سيؤدي حتماً إلى تدهور الأوضاع الأمنية في لبنان. 

 

[1]- أورنا مزراحي، "التغييرات السياسية في لبنان- التحديات بالنسبة إلى إسرائيل"، "مباط عال"، العدد 1942 ، 29 كانون الثاني/يناير 2025. 

[2]- لمزيد من التفاصيل في هذا الشأن، يمكن العودة إلى  مقالة تسفي برئيل على الرابط الإلكتروني

[3]- رفائيل بوخنيك-حن، "الفحص الذاتي لحزب الله هو تعبير عن هزيمته أمام الجيش الإسرائيلي"، مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية، 30 /1/2025. 

[4]- لمزيد من التفاصيل، يمكن العودة إلى الرابط الإلكتروني.

 

عن المؤلف: 

رندة حيدر: محررة نشرة "مختارات من الصحف العبرية" التي تصدر يومياً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية. ساهمت في تحرير عدد من الكتب الصادرة عن المؤسسة.

أنقاض المباني المدمرة في بيت لاهيا، 15 مارس/آذار 2025، شمال قطاع غزة/فلسطين المحتلة. (تصوير سعيد جراس /الشرق الأوسط/ عبر Getty Images)
جواد العقاد