ترجمة: سونيلا موباي
في مساهمتها ضمن سلسلة المنشورات "نحو دراسة جماعية في أزمنة الطوارئ" على موقع "L'Internationale"، تختار لنا المترجمة والكاتبة رنا عيسى مجموعة من القصائد الفلسطينية التي آثرت أن تتصدرها قصائد لشعراء يعيشون ويعملون في فلسطين المحتلة. وفي هذه المختارات، تنقلت عيسى بين سياقات زمنية عديدة بدءاً من الأربعينيات، مروراً بفترة النكبة، ومن ثم السبعينيات، وصولاً إلى قصائد شعراء يكتبون لنا من غزة في يومنا هذا.
لقد حرص الفلسطينيون منذ الأيام الأولى لتهجيرهم على تدوين قضيتهم شِعراً، فلطالما اصطلح العرب على اعتبار الشِعر ديواناً لهم، أي سجلّاً تاريخياً، وذلك قبل ظهور الإسلام بزمن طويل. وخلافاً لعِلم التأريخ - وهو كذلك لون من الكتابة اشتُهر به العرب - يُعد الشعر وسيلة تذكُّر، إذ يحفر نفسه في وعي الناس، ويدوّن حال وجدانهم، ويعيد تشكيله أحياناً. والشعراء الفلسطينيون العرب ليسوا استثناءً، فقد استلهموا التراث الشِعري عبر مساحات جغرافية شاسعة في وقت سبق المشروع الصهيوني بعهود. وقد كتب الفلسطينيون شعراً مقاوِماً، كتدوين تاريخي، وكوسيلة احتجاج ضد القمع، فهُم لم يتعلموا الشعر ويحفظوه فحسب، بل أيضاً كتبوه. وفي الشعر، يطور الفلسطينيون مخيلتهم السياسية ويغذونها كما يحافظون على روحهم الجماعية.
وتعكس القصائد التي اخترتُها هذه الجوانب في الشعر الفلسطيني، في تجاوُب مباشر مع الإبادة المستمرة التي يعيشها الفلسطينيون. ولا أزعم بهذا الاختيار أني أقدّم مجموعة مرجعية ممثلة للشعر الفلسطيني أو لإرث الكتابات الوافر عن فلسطين بأقلام غير الفلسطينيين؛ إذ لا تشمل هذه المختارات أصواتاً مهمة في الشتات الفلسطيني، كما لا تشمل شعراء غير فلسطينيين كباراً كتبوا عن فلسطين بالعربية أو بلغات أُخرى. لقد قررتُ هنا أن أسلط الضوء على شعراء يكتبون من داخل الأرض المحتلة، لأوجّه تحية تضامُن متواضعة إلى النضالات التاريخية والمستمرة من أجل الأرض. والاستثناء الوحيد لذلك قصيدة كمال ناصر، الذي اغتالته إسرائيل في منفاه البيروتي سنة 1973. وعبر قصيدته هذه، أنوّه إلى حاجتنا إلى التعمق في التاريخ عند الحديث عن فلسطين، فاستهداف المستعمرين (سواء أكانوا بريطانيين أم إسرائيليين) للشعراء بالسجن والاغتيال هو جزء من الإرث الفلسطيني، والذي يعود إلى سَجن السلطات البريطانية الشاعر نوح إبراهيم عدة مرات بسبب أشعاره، قبل أن يستشهد في ساحة المعركة سنة 1938. فالشعراء أيضاً يُقتلون في المعارك في بعض الأحيان، وهذا كان مصير الشاعر عبد الرحيم محمود الذي استشهد في عام النكبة. كما يشمل هذا الإرث شعراء آخرين أكثر شهرة، كمحمود درويش، وتوفيق زياد، وناصر أبو سرور، ودارين طاطور (المدرجة ضمن هذه المختارات) وغيرهم كثيرين. لكن ثمة شعراء آخرون يموتون كضحايا مدنيين لآلة العنف الإسرائيلية، والتي تسعى بصورة خاصة إلى استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية. لقد فُجعنا خلال هذه الحرب بفقدان الشاعرة الغزّية هبة أبو ندى التي استشهدت في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وقد أدرجتُ هنا قصيدة لها تسائل فيها المفهوم الفلسطيني السائد عن الشِعر بصفته وسيلة نضال فاعلة. وإلى جانبها، ننعى ثلاثة عشر شاعراً وشاعرة[1] استشهدوا منذ بداية هذه الحرب على غزة، كما نستذكر شعراء وشاعرات آخرين فقدناهم بلا شك، إلاّ إن مصيرهم يبقى مجهولاً كونهم لم يحسبوا في عداد الشهداء بعد. ولم يُستهدف هؤلاء لكونهم شعراء، إنما لمجرد كونهم فلسطينيين من غزة.
هبة أبو الندى
تعرفتُ على أشعار هبة أبو الندى بفضل جهود زميلتي هدى فخر الدين عالمة الشِعر والأستاذة المشاركة في الأدب والنقد العربي في جامعة پنسلڤانيا في الولايات المتحدة، والتي بادرت بعد بدء الإبادة إلى ترجمة قصائد لعدة شعراء فلسطينيين إلى الإنكليزية، وتُعد أبو ندى من أبرزهم. كانت هبة روائية وشاعرة، وحازت على عدة جوائز، وما زالت روايتها "الأكسجين ليس للموتى" تنتظر الترجمة.
لقد حزّ في نفسي أني لم أتعرف على تجربة هذه المبدعة الموهوبة إلاّ عند استشهادها جرّاء غارة جوية إسرائيلية على خان يونس في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وكان ذلك قبل عيد ميلاد ابنتي بخمسة أيام فقط. لم نحتفل بأي مناسبة منذ بدء هذه الإبادة الجماعية، فالمجزرة مستمرة بوتيرة جنونية والأسى ساحق، وعليه يستحيل أن نتلمس فرحاً ذا معنى ولو لبرهة. الويل لنا، نحن الذين لا نتعرف إلى شعرائنا إلاّ عند رحيلهم في إبادة جماعية. كيف نتعافى من فاجعة فظيعة كهذه؟
بين عدة قصائد ترجمتها فخر الدين، قررتُ إدراج هذه القصيدة كونها تتحدى القارئ المتراخي الذي يكتفي بالاحتجاج على الإبادة عبر الشعر براديكاليته الممكنة، فالشعر بحد ذاته ليس وسيلة مقاومة فاعلة، إنما يستمد إمكاناته الثورية من الشارع ومن شجاعة المقموعين.
شِدّي حيلك يا بلد
يا وَحْدَنا
ربح الجميعُ حروبَهم
وتُركتَ أنت أمام وَحلكَ؟ عارياً
لا شِعرَ يا درويش سوف يعيد ما خسرَ الوحيدُ
وما فَقدْ
***
يا وحدنا
هذا زمانٌ جاهلي آخَر
لُعن الذي في الحرب فرّقَنا به
وعلى جنازتكَ اتّحدْ
***
يا وحدنا
الأرضُ سوق حرة
وبلادُك الكبرى
مزادٌ معتمَدْ
***
يا وحدنا
هذا زمانٌ جاهلي
لن يساندَنا أحدْ
***
يا وحدنا
فامسحْ قصائدَك القديمة والجديدة
والبُكا
"وشدّي حيلك يا بلدْ"
نجوان درويش
أقدّر الصداقة التي تربطني بالشاعر المقدسي نجوان درويش منذ أكثر من عقد، فنجوان أحد بضعة مبدعين فلسطينيين توطدت صداقتي معهم بعد أن قررت مغادرة لبنان إلى منفاي الطوعي في النرويج. فعلاوة على سفك دمائنا المستمر، فإن أحد القواسم المشتركة التي تجمعنا كفلسطينيين هي القيود على حركتنا وقدرتنا على اللقاء والتعارف، وتؤثر هذه القيود فينا على الصعيد الاجتماعي والثقافي وكذلك الشخصي، فكوني لاجئة فلسطينية، لطالما انتابني الشعور باليُتم منذ صغري في ظل غياب أفراد عائلة أمي الذين تشتتوا وتشردوا واعتُقلوا وأصيبوا بالجنون أو قتلوا قبل أن أولد.
لذلك، وبعد وصولي إلى المنفى، أصبحت فرصة لقاء فلسطينيين آخرين لا تقدَر بثمن، وعندما التقيت نجوان، كان شاعراً صاعداً، أمّا اليوم، فهو أحد أبرز الأصوات الأدبية الفلسطينية. وبالإضافة إلى إصداره عدة مجموعات شعرية حازت على عدة جوائز، فإنه يشغل منصب محرر الصفحة الثقافية في موقع "العربي الجديد"، كما ينشط في الإعداد لمهرجانات ومشاريع ثقافية وفنية فلسطينية وعربية، مع اهتمام دؤوب بتقديم الأصوات الأدبية الفلسطينية الصاعدة. وقد تُرجمت أعماله إلى أكثر من عشرين لغة على يد أكثر من مترجمـ/ة، وكان أبرزهم المترجم المصري - الأميركي كريم أبو زيد، الحائز على عدة جوائز، والذي تعاون مع نجوان على ترجمة عدة دواوين له إلى الإنكليزية. وتلتقط القصيدة التي أدرجتُها أدناه ذلك الخوف من الإبادة، وهو خوف فلسطيني بامتياز، وشعور أصبح لا يفارقنا. كتب نجوان هذه القصيدة منذ نحو 12 عاماً، أي قبل الإبادة التي نشهدها الآن في غزة بزمن طويل، وقد اخترتُها لطريقة تصويرها معيشة الإنسان الفلسطيني في القدس والضفة الغربية.
فوبيا
سَيَطرُدونني مِن المدينةِ قبلَ هبوطِ الليل
يقولونَ إِنّي لَم أدفعْ لهم فاتورةَ الهواء
ولم أَدفع أُجرةَ الضّوء.
سَيطرُدونني من المدينةِ قبلَ حلولِ المساء
يقولون إِنّي لم أدفع أُجرةَ الشّمس ولا مُستحقّات الغيوم.
سَيطردونني من المدينةِ قبل شروق الشّمس
لأنّني أَمْعَنتُ في مناكفة الليل ولم أرْفَع مَدائحي للنجوم
سيطردونني من المدينة قبل نُزولي مِنَ الرَّحْم
لأَنّي ظَلَلْتُ طِوالَ سبْعةِ أَشهرٍ أَترَبَّصُ بالوجودِ وأَكتُبُ الشِّعر
سيطردونني من الوجود لأنّني مُنحازٌ إِلى العَدَم
وسيطردونني من العدمِ لأنّني على صِلةٍ مشبوهةٍ بالوجود
سيطردونني من الوجود والعدم لأنّني وليدُ الصَّيرورة
سَيَطرُدونني.
(أين بقيّتي؟ لقد تهشّمتْ وتطايرت شظاياها. صورة بعدسة مصعب أبو توهة)
مصعب أبو توهة
علمتُ بالشاعر الغزّي مصعب أبو توهة وبمكتبة إدوارد سعيد في مدينة غزة عن طريق صديقتي الشاعرة والمترجمة الأميركية مارلين هاكر. لكن الأمر تطلّب رحلة إلى نيويورك في بداية السنة الفائتة للاطلاع على قصائده، وقد عثرت خلالها على مجموعته "أشياء قد تجدها مخبأة في أذني" الصادرة سنة 2022 عن منشورات سيتي لايتس في مكتبة Unnameable في بروكلين. اشتريت الكتاب فوراً، على الرغم من تشكيكي في أن الشعر الذي يتناول الحرب، يُزج به عادةً إلى دائرة الضوء لأغراض تجارية، لكن سرعان ما تبيّن لي أن هذا الكتاب من أغنى التجارب الشِعرية التي مرت عليّ منذ زمن طويل.
درس الشاعر أبو توهة في جامعات مرموقة في الولايات المتحدة، وهو يكتب بالإنكليزية، وعاد ليعيش في غزة حتى اندلعت هذه الحرب، حين قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية بخطفه، ثم أطلقت سراحه بفضل ضغوط المجتمع الدولي، ولجأ بعد ذلك مع عائلته إلى مصر. [2]
قرأتُ قصائد من هذا الكتاب لشريكتي، وأهديت نسختي إلى كاتبة، وهي صديقة عزيزة لي في نيويورك. واشتريت نسخة أُخرى لآخذها معي عند عودتي إلى أوسلو كي أقرأها مع ابنتي. وقد اخترت ضمن قصائد المجموعة القصيدة أدناه "صلاة الأرض الواحدة" إجلالاً لجميع الشعراء الذين يسخّرون أصواتهم وأقلامهم نصرةً لفلسطين، كأودري لورد.
استلهم أبو توهة قصيدته من قصيدة لورد "صلاة البقاء"، بل أيضاً يمكن القول إن قصيدته هذه تقسيمة على نغم تلك الصلاة. وينبغي أن أذكر أنني كنت قبل بضعة أعوام قد ترجمتُ "صلاة البقاء" إلى العربية، في مناسبة اغتيال المفكر والناشر اللبناني لقمان سليم في جنوب لبنان.
وفي إحالته إلى لورد، يستجوب أبو توهة البيت الشهير التي اختتمت به الشاعرة الأفريقية - الأميركية الكويرية قصيدتها "ونحن نتذكر/أنه لم يكن مقدّراً لنا أن نبقى"، فيعمّقه بملاحظة قيّمة بشأن التعامل مع الرقابة. فكما يشير، نحن لم نسكت في وجه الرقابة، إنما تم إسكاتنا، إذ عمد المتواطئون إلى كمّ أفواهنا لأنهم تخلوا عن قابليتهم للاستماع.
صلاة الأرض الواحدة
(على خطى أودري لورد)
إلى سكان الطرف الآخر:
إننا نراكم
نرى المطر
عند هطوله على حقولكم(نا) وعلى وِديانكم(نا)
وعند انزلاقه على أسطح بيوتكم "العصرية"
(المشيّدة فوق بيوتنا)
***
هلّا خلعتم نظاراتكم الشمسية، فنظرتم إلينا
لتنظروا كيف فاضت طرقاتنا بالمطر،
كيف اخترقت الزخة مظلاتِ الأطفال كالشوك
وهم يشقّون الطريق إلى المدرسة؟
الأشجار التي ترونها
سقتْها دموعنا.
إنها لا تثمر شيئاً.
الورود تكتسي بحمرة دمائنا
وتفوح برائحة الموت.
***
ليس النهر الذي يفصلنا عنكم
سوى سراب صنعتموه
عندما هجّرتمونا.
***
إنها لأرضٌ واحدة!
***
أمّا أنتم
الرابضون على الطرف الآخر
كم تطيلون الوقوف هناك
وأنتم تقنصوننا وتبصقون علينا
مطوّقين بالكراهية؟
هل ستبقون على نظاراتكم السوداء
حتى لا تعودوا قادرين على وضعها جانباً؟
***
قريباً
لن نعود موجودين هنا
لتتفرجوا علينا
إن غمزتم أم لم تغمزوا
إن قويتم على الوقوف أم لم تقووا
لن يعود يفرق
لن تعبروا ذلك النهر
لسلب مزيد من الأراضي
لأنكم ستختفون داخل سرابكم
فلا يمكنكم أن تشيّدوا مستعمرة جديدة
فوق قبورنا.
***
وعظامنا ستواصل النمو
بعد مماتنا
لتصل جذور شجر الزيتون والبرتقال
وتلتفّ بها
لتستحمّ في بحر يافا العذب.
سنولد من جديد يوماً
حين لا تعودون موجودين
فهذه الأرض تعرفنا. إنها أمّنا.
وإذ نموت، فتلك مجرد استراحة في رحمها
حتى ينجلي الظلام.
***
أيها الذين لم تعودوا هنا
هنا، منذ الأزل نحن باقون
كنا نحكي ولا نزال
لكنكم لا تبالون
كمال ناصر
كان كمال ناصر يردد أنه يخشى حمل السلاح في نضاله من أجل فلسطين، وكان القلم سلاحه المفضل. وُلد ناصر سنة 1924 في غزة، ونشأ في بيرزيت قرب مدينة رام الله، وتخرّج من الجامعة الأميركية في بيروت، وعمل في بادئ الأمر مدرّساً للّغة العربية، ثم محامياً، قبل أن يتفرغ للصحافة والنضال السياسي.
وقد انتُخب عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وترأّس دائرة الإعلام فيها، حتى أصبح المتحدث الرسمي باسم المنظمة سنة 1969، ولُقب بـ "ضمير الثورة الفلسطينية"، واستُشهد في 10 أبريل/نيسان 1973، في شارع فردان في بيروت، في عملية استهدفه فيها الموساد. وكان إيهود باراك، الذي أصبح رئيس وزراء إسرائيل سنة 1999، قائد فرقة الاغتيال التي نفذت العملية.
وفي قصيدة "الضوء الأخضر" التي اخترتُها له وقمتُ بترجمتها إلى الإنكليزية، يصور لنا ناصر الصمت المروع الذي يعقب عاصفة أبادت مدينة لا اسم لها. وعلى غير عادته، ذيّل الشاعر قصيدته بتاريخ، وهو ما دفعني إلى البحث فيما إذا وقعت مجزرة من المجازر الأقل شهرة في تاريخ كهذا، لكن سُدى. هل كان يحيل إلى ما شهده من مذابح وإبادة بحق المدن الفلسطينية سنة 1948؟ أم كان يستقرئ حاضرنا فيستبصر بالمستقبل، حيث سيستحيل مسقط رأسه مدينةَ أموات؟
الضوء الأخضر
وسرتُ في مدينة الأموات
أدوس فوق ظلّي
أسائل الخرائبَ القتيلةَ الحياة
عن وطني وأهلي
فهالَني السكوتُ والسبات
وهالني والشحوب مدّ ظلّه، كأنه الرفات…
يضمُّني
يلفّني … إذا مشيت في مدينة الأموات
***
لم أجئ لأمنحَ الحياة،
مدينتي، ولم أجئ لأجمع الشتات
الجولة الكبرى هوت
في ملعب الفوات
لأُضرم الحياةَ في البركان
بأنني سأنثني أعود لا يقبلني أحد
وعُدتُ من مدينتي مدينة الضلال والجحود
قلبي على أشلائها، وكبرها الموؤود
لأسمع بالرؤى في داخلي تفلسفَ الزوال والوجود
ماذا أردتَ أن تكون…؟ ماذا أردتَ أن تكون؟
فردّد الصدى في داخلي… أردتُ أن أكون…أردت أن أكون
ماذا أردت أن تكون؟
تريد أن تمزّق الجليد…تريد أن تحيا كما تريد
وعُدتُ أسمع الصدى في داخلي يصيحُ في جنون
هل أنت ما تريد؟ هل كنتَ ما تريد؟
وكنت لا أدري بأنني لها أعود…إلى مدينتي أعود…
13/10/1965
دارين طاطور
وُلدت دارين طاطور في الناصرة، واعتُقلت في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2015 على خلفية كتابتها هذه القصيدة المدرجة أدناه، إذ وُجهت إليها تهم التحريض على العنف ودعم منظمة إرهابية. وأمضت ثلاثة أعوام بين الاعتقال الإداري والإقامة الجبرية، حتى أُفرج عنها أخيراً نتيجة ضغوط المجتمع الدولي.
وكانت قضية النيابة العامة الإسرائيلية مبنيةً على أسس منافية للمنطق، هدفها التشكيك في طاطور بصفتها شاعرة، وجندت في سبيل ذلك ثلّة من أساتذة الأدب. ولعل هذه المحاكمة هي ما أوحى إلى الشاعرة الفلسطينية - الأميركية نور هندي كتابة قصيدتها الشهيرة “ أ**ي في محاضرتك عن الحرفة، شعبي يُباد."
وكالعديد من القوى الاستعمارية على غرارها، تخشى هذه الدولة حق الشعوب في الدفاع عن نفسها؛ إذ يساوي الإقرار بهذا الحق إقراراً بالأوضاع التي تؤدي بتلك الشعوب إلى المقاومة. وجليٌّ أن المجتمع الإسرائيلي تجاوز الحد بتطرّفه إلى درجة أنه أصبح عاجزاً عن هكذا إقرار، وهو ما لا يترك للفلسطينيين خياراً سوى مواصلة المقاومة، لأننا بهذا الفعل، وإن كانت مخاطرة بالنفس، نعود ونلتحم مع أنفسنا، فنعود فلسطينيين من جديد عبر المقاومة، وشعباً يرفض بنى القمع التي تصنع منا ضحايا.
وقام طارق الحيدر، وهو بدوره شاعر ومبدع، بترجمة هذه القصيدة إلى الإنكليزية تضامناً مع طاطور في محنتها، وشكلت بادرته فعل نضال أدبي تعهّد بتخليص "واحدة منّا" من براثن المعتدين. يمكنكم الاستماع إلى القصيدة بصوت الشاعرة هنا.
قاوِمْ يا شعبي قاومهُمْ
قاومْ يا شعبي قاوِمْهُمْ
في قُدْسي ضمَّدتُ جِراحي
وبثثْتُ هُمومي للهِ
وَحَمَلْتُ الروحَ عَلى كَفِّي
من أجلِ فِلَسْطينَ العربيّة
لن أَرضى بالحَلِّ السِّلمي
لَنْ أُنْزلَ أبداً راياتي
حَتَّى أُنْزِلَهُمْ مِنْ وَطَني
أُرْكِعَهُمْ لِزَمانٍ آتي
قاوِمْهُمْ يا شَعْبي قاوِم
قاوِمْ أَطْماعَ الـمُسْتَوْطِن
وَاتْبَعْ قافِلَةَ الشُّهَداءِ
مَزِّقْ دُسْتوراً مِنْ عار
قَدْ حَمَلَ الذُّلَّ القَهَّار
أَوْقَفَنا عَنْ رَدِّ الحَقِّ
***
قاوِمْهم يا شعبي قاومْ
حَرَقوا الأطفالَ بلا ذنْبٍ
وَهَديل قَنَصوها علناً
قتلوها في وَضَحِ نهارٍ
قاوِمْهم يا شعبي قاوِم
قاومْ أَخباثَ الـمستعرِب
لا تُصْغِ السمْعَ لأَذنابٍ
رَبَطونا بالوَهْمِ السِّلْمي
لا تَرْهَبْ أَلْسُنَ "مِرْكافا"
إِنَّ الحَقَّ بِقَلْبِكَ أَقْوى
ما دُمْتَ تُقاوِمُ في وَطَنٍ
عاشَ الغَزَواتِ وَما كَلَّ
فَعَلِيٌّ نادى مِنْ قَبْرِه
قاوِمْ يا شَعْبي يا ثائِر
وَاكْتُبْني نَثْراً في النَّدِّ
قَدْ صِرْتَ الرَّدَّ لِأَشْلائي
قاوِمْ يا شَعْبي قاوِمْهُمْ
[1] ارتفع هذا العدد إلى 45 منذ كتابة هذه المساهمة.
[2] انتقل أبو توهة منذ نشر هذه المساهمة مع عائلته إلى نيويورك حيث لا يزال يقيم حتى اليوم.