نوع الخبر: 
افتتاح أعمال المنتدى السنوي لفلسطين بدورته الثالثة في الدوحة
التاريخ: 
26/01/2025

انطلقت صباح السبت، 25 كانون الثاني/ يناير 2025، في العاصمة القطرية الدوحة، أعمال الدورة الثالثة من "المنتدى السنوي لفلسطين"، الذي ينظمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" و"مؤسسة الدراسات الفلسطينية" سنوياً. حضر الافتتاح الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني، وزير الثقافة، والسيدة مريم بنت علي بن ناصر المسند، وزيرة الدولة للتعاون الدولي، والدكتور محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي، وزير الدولة في وزارة الخارجية، بالإضافة إلى عدد من السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية في قطر.

افتتحت أعمال المنتدى آيات حمدان، الباحثة ومنسقة المنتدى في المركز العربي، مشيرة إلى أهمية انعقاد الدورة الحالية في ظل الظروف السياسية المعقدة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. وأوضحت أن اللجنة العلمية للمنتدى تلقت 560 مقترحاً بحثياً، تم قبول 220 منها، تشمل أكثر من 90 ورقة بحثية موزعة على جلسات المنتدى. كما أشارت إلى أن العدوان الإسرائيلي المستمر حال دون مشاركة بعض الباحثين من قطاع غزة والضفة الغربية.

وقدمت حمدان كلاً من الدكتور طارق متري، رئيس مجلس أمناء "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، لإلقاء الكلمة الافتتاحية، والدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لإلقاء المحاضرة الافتتاحية.

 

 

المخاوف لم تنحسر

في كلمته الافتتاحية، أكد الدكتور طارق متري أهمية هذا اللقاء لتعزيز الحوار بين الفكر البحثي وتحمل المسؤولية، مشيراً إلى أن المنتدى يُعقد بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي ساهمت قطر في تحقيقه. ومع ذلك، أشار متري إلى المخاوف التي لم تتبدد في غزة ولا في الضفة الغربية، لأن العدوان الإسرائيلي لم ينحسر. وقال متري: "من حقنا الخشية من أن ما أخذته الحكومة الأميركية من يد إسرائيل في قطاع غزة، تعطيها إيّاه عبر إطلاق يدها الأُخرى في الضفة الغربية"، وخلُص إلى إنه "لم يعد ممكناً حجب الشعب الفلسطيني عن حقل رؤية العالم، ولم يعد الصراع محلياً يمكن تجاهله أو استخدامه كلازمة عقيمة في الخطابات التي لا تفضي إلى أي شيء." واستعرض دور مؤسسة الدراسات الفلسطينية في توثيق حرب الإبادة الإسرائيلية وتداعياتها على قطاعات التعليم والصحة والثقافة والزراعة والأسرى والضفة الغربية، والجهد الذي بذلته في البحث وفي نشر أوراق سياسات تناولت مختلف جوانب حرب الإبادة.

ثلاثة عناصر رئيسية للإبادة الجماعية

من جهته، حدد المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة ثلاثة عناصر رئيسية لا يجوز تجاهل تأثيرها في تشكّل نية الإبادة الجماعية في الحالة الإسرائيلية. وأضاف أنه "يمكن بسهولة فحص العلاقة بينها وبين تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الداعية إلى الإبادة، والتصرفات والجرائم الواسعة النطاق خلال الحرب." وأوضح أن العناصر الثلاثة هي: 1. العنصرية والنظرة الفوقية للسكان الأصليين كمجموع (ازدراء ثقافتهم، والاستخفاف بهم، وإنكار وجودهم كشعب وكأفراد)، بما يجعل من الممكن التعايش مع الحلول محلهم بعد طردهم، وتقبُّل واقعٍ من قبيل تجميعهم في منعزلات محاصرة مثل غزة؛ 2. تبرير الانتقام الجماعي منهم لأنهم ليسوا أفراداً أو تنظيمات ولا شعباً، بل هم جماعات متخلفة يجب معاقبتها جماعياً؛ 3. الشعور الإسرائيلي الدائم بعدم الأمان، الكامن في الوعي واللاوعي، والناجم عن الجمع بين القناعة الدفينة باستحالة تقبّل السكان الأصليين للمستوطنين وكيانهم السياسي من جهة، والآراء المسبقة عنهم من جهة أُخرى، إذ يصعب قيادة الناس إلى تنفيذ جرائم واسعة النطاق أو التواطؤ معها والسكوت عنها من دون شيطنة الآخر و/ أو نزع صفة الإنسانية عنه.

وأضاف الدكتور عزمي بشارة أن "توفر العناصر الثلاثة أعلاه في الثقافة السائدة يكفي للدلالة على أن تصريحات القادة الإسرائيليين ليست مجرد فلتات غضب، بل تعبّر عن نية حقيقية للإبادة."

نتائج ترتبت على فعل المقاومة وحرب الإبادة

ثم انتقل الدكتور عزمي بشارة إلى الحديث عن نتائج ما حدث، مشيراً إلى "إعادة جدولة القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية والإقليمية بعد تهميشها طويلاً، والإلحاح على ضرورة الاستفادة من هذه العودة؛ فالحرب ليست مجدية في حالة فلسطين، إذ لا ينتهي الصراع إلاّ بإبادة كاملة للشعب الفلسطيني أو بحل عادل. وإسرائيل لا يمكنها شنّ حرب أكثر همجية من الحرب الأخيرة التي بانت حدودها، فلا بدّ إذاً من طرح قضية فلسطين مجدداً"، وأضاف "أن المستعمرين واجهوا مراراً في التاريخ الحديث مأزق ʾإمّا... وإمّاʿ، وذلك حين تجلىّ تفوقهم العسكري، وبانت حدوده في الوقت ذاته." وقال: "توصيفنا لمواجهة إسرائيل هذا المأزق هو عبارة عن استنتاج منطقي من التجربة التاريخية، وليس حتمية تاريخية. فعهدُنا بالنظام الرسمي العربي هو التغلب على أي منطق، ونأمل ألاّ تجد الولايات المتحدة من العرب والفلسطينيين مَن يعينون إسرائيل على إيجاد مخارج من مأزقها من دون حل لقضية فلسطين"، وتابع: "لا أريد أن أصف مأزق إسرائيل هذا بالإنجاز، فهو نتيجة مترتبة على جدلية الصراع الدائم بين حق القوة وقوة الحق، وهي لا تخرج بنفسها من نطاق الممكن إلى الواقع من دون إرادات سياسية واعية تعيد طرح قضية فلسطين على جدول الأعمال الدولي، ولا تمنح إسرائيل، والولايات المتحدة من خلفها، مهرباً من مواجهة المأزق التاريخي للاستعمار."

في المقابل، أكد الدكتور عزمي بشارة أن هناك حاجة ملحّة إلى موقف فلسطيني يضع العالم أمام خيارات واضحة: "إمّا التوجه إلى حل عادل وإمّا استمرار المأزق"، وأضاف أن هذا "الموقف الموحد غير قائم حالياً؛ ما يتيح المجال لإسرائيل المناورة دولياً وإقليمياً وفلسطينياً لاستبدال حرجها بحرج فلسطيني: فإمّا إدارة محلية بمشاركة عربية موثوقة إسرائيلياً تحت إشراف أمني إسرائيلي، وإمّا أن تتواصل الكارثة في غزة مع منع إعادة الإعمار للحثّ على الهجرة؛ وكأن الاختيار بين السيّئ والأسوأ قدر مقدور للفلسطينيين. ويساهم في تحويل المأزق الإسرائيلي إلى مأزق فلسطيني مَن يستعجل إصدار البيانات برفض لجنة الإسناد الفلسطينية، ثم الإعراب عن الاستعداد لإدارة قطاع غزة حال وقف إطلاق النار من خارج أي توافق فلسطيني."

دولياً وإقليمياً

وتوقف الدكتور عزمي بشارة عند الأوضاع الدولية والإقليمية، فقال إن "أول ما يلفت الانتباه على المستوى الدولي هو تميّز الموقف الأميركي وبروز عناصره الأيديولوجية التي تتجاوز مجرد انعكاس المصالح الاقتصادية أو الجيو-استراتيجية." وأضاف "لقد بالغت الولايات المتحدة في تبنّي الرواية الإسرائيلية لما جرى في 7 أكتوبر، وكانت مستعدة لتبنّي استخدام إسرائيل المحرقة النازية أداتياً وتعريفات باطلة لمعاداة السامية وزجّها في الحملة السياسية ضد كل من عارض الحرب العدوانية والدعم المطلق الذي حظيت به إسرائيل. وارتسمت صورة مزرية للإدارة الأميركية السابقة بسبب استعدادها غير المحدود لترديد الأكاذيب الإسرائيلية وتبرير الجرائم والتنكّر لخطاب حقوق الإنسان وتقزيمه في مقابل عملقة ʾحق إسرائيل في الدفاع عن نفسهاʿ (مع أن حروب الاحتلال لا تعد دفاعاً عن النفس) وكأن الصراع بدأ يوم 7 أكتوبر، وكأن الدفاع عن النفس يبرر الدوس على جميع القيم وارتكاب إبادة جماعية." كما أكد أن الولايات المتحدة والدول الغربية التي تضامنت مع إسرائيل لن تراجع سياساتها بدافع تأنيب الضمير، مبيناً أن هذا "ما ينصح به اللوبي الإسرائيلي القوي في واشنطن، وحجّته هي أن النهج الإسرائيلي أثبت نفسه، وأن إسرائيل أحسنت صنعاً في صمّ أذنيها عن النصائح الأميركية خلف الأبواب المغلقة بشأن طريقة خوضها الحرب في قطاع غزة." وتابع أنه "فيما يتعلق بلبنان، اقتنعت الولايات المتحدة بالمنطق الإسرائيلي في تحويل قواعد الاشتباك إلى حرب شاملة ونهجها في الإصرار على إخراج لبنان من دائرة النفوذ الإيراني بعد غزة، والمقصود (بحسب اللوبي الإسرائيلي وحلفائه) هو أن عدم الانصياع الإسرائيلي للتردد الأميركي الناجم عن أخذ مصالح أُخرى في المنطقة غير مصلحة إسرائيل في الاعتبار كان عين الصواب، وأن ثمة نُظماً عربية أميَل إلى هذا الحزم الاستعماري، سواء أكان أميركياً في العراق في عام 2003، أم إسرائيلياً في فلسطين ولبنان." لكن في مقابل ذلك "كسبت قضية فلسطين أصدقاءَ جدداً في الغرب، وتحديداً على المستوى الشعبي، وأصبحت بعض الحكومات أكثر جذرية في نقد إسرائيل"، ملاحظاً أن هذا المكسب على أهميته "لا يتحول إلى عامل سياسي مؤثر من دون استراتيجية فلسطينية للاستثمار فيه، وخطاب سياسي فلسطيني وطني ديمقراطي قادر على ذلك."

وعلى الصعيد الإقليمي، اعتبر الدكتور عزمي بشارة أن "هذه الحرب أحرجت النظام الرسمي العربي، أولاً، بسبب مشاعر التضامن الواسعة مع الشعب الفلسطيني على مستوى الرأي العام في جميع البلدان العربية، وانتشار الإحباط من المواقف الرسمية العربية، والغضب على حلفاء هذه الأنظمة الدوليين، ولا سيّما الولايات المتحدة التي دعمت الحرب الإسرائيلية على نحو مطلق؛ وثانياً، بسبب استمرار الحرب طوال هذه المدة من دون أن تتمكن إسرائيل من القضاء على المقاومة الفلسطينية أو من تحرير الرهائن بالقوة." وقال: "صحيح أن الرأي العام العربي أيضاً عاجز وغير فاعل ومتسمر أمام الشاشات الكبيرة والصغيرة، وتستهلكه وتستنزف مشاعره وسائل التواصل الاجتماعي وترهاتها التي تمحو الفرق بين عرض القضية واستعراض النرجسية الشخصية، لكن حالة الغضب والاحتقان الشعبي غير قابلة للتجاهل؛ لذلك عُقِدَت مؤتمرات على المستوى الرسمي أُلقيت فيها خطابات واتُخذت قرارات جيدة ليست للتنفيذ." وأضاف: "على الرغم من الحرج، استشعر النظام الرسمي العربي باعثَين دفعاه إلى ʾالصمودʿ في وجه الغضب الشعبي، هما: أولاً، الحزم الإسرائيلي والإصرار على مواصلة الحرب حتى النهاية، بما في ذلك في لبنان. وثانياً، عدم تزعزع الدعم الأميركي لإسرائيل."

خلاصة

في ختام كلمته، أكد الدكتور عزمي بشارة أن "العامل الأول للتصدي لهذه الصيرورة، هو العامل الفلسطيني انطلاقاً من إعادة النظر في استراتيجية المقاومة، من دون التخلي عن مقاومة الاحتلال ونظام الفصل العنصري، وابتداع أدوات نضالية جديدة، وخطاب سياسي جديد ديمقراطي يواكب التطور داخل المجتمع الفلسطيني وأجياله الجديدة الصاعدة، وينسجم مع الأوساط الدولية المتعاطفة مع قضية فلسطين ويتمسك بالعدالة المتمثلة في التحرر من الاحتلال." وختم قائلاً: "من دون ذلك، فإنني أرى حالياً نفقاً ولا أرى الضوء في نهايته؛ وعلينا، كعرب وفلسطينيين، أن نضيء طريقنا نحو المخرج بأنفسنا."

news Image: