انتهت الحرب الثالثة بين لبنان وإسرائيل، وعاد النازحون إلى بيوتهم في قرى الجنوب والبقاع وأحياء الضاحية الجنوبية لبيروت، ليجدوا دماراً لم يروا مثله من قبل، وفاتورة باهظة من الأكلاف البشرية والمادية والبُنيوية، وذلك بعد عام ونيّف من العمليات العسكرية التي بدأت في غزة واتسعت إلى لبنان، والتي لم يشهد الشرق الأوسط مثيلاً لها، وليجد لبنان نفسه أمام أسئلة مصيرية تحتاج إلى الإجابة عنها.
توقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، وانطلق السيل الكبير للأسئلة الكبرى: أي مستقبل للبنان بعد انتهاء الحرب؟ أي مستقبل لحزب الله، وكيف سيواجه تحدي إبعاده عن الخطوط الأمامية للمواجهة بعد فقدانه زعيمه الرمز السيد حسن نصر الله ومعظم قادته؟ كيف سيتعامل مع مسألة المقاومة، القضية الأساسية التي نشأ من أجلها، في ظل بقاء الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الأراضي اللبنانية؟ ماذا عن محور المقاومة ووحدة الساحات التي ساهم في إطلاقها؟ ماذا عن علاقته بالجيش اللبناني المولج محلياً ودولياً مهمة حفظ الأمن على الحدود وفي الداخل؟ كيف سينظر إلى قضية إعادة بناء الدولة والمؤسسات، وأين سيكون تموضعه في اللعبة السياسية المحلية؟
أبعد من الـ 1701
هدأت الجبهات بعد التوصل برعاية أميركية إلى اتفاق دولي ينصّ على تطبيق القرار 1701 الصادر بعد حرب تموز / يوليو 2006 بحذافيره، لكنه في الواقع تضمّن إضافات غيرت في الشكل والمضمون، أملاها الأميركي بالتنسيق مع الإسرائيلي، وهذا ما جعله فعلياً اتفاقاً جديداً مختلفاً عن سابقه. ومن أبرز هذه الإضافات كان توسيع لجنة المراقبة والإشراف على تطبيق الاتفاق لتصبح خماسية برئاسة جنرال أميركي رئيساً لها، ومعاوناً فرنسياً، إلى جانب لبنان وإسرائيل وقوات حفظ السلام الدولية "اليونيفيل"، وهو ما يعني وجود حوكمة دولية على التنفيذ ستُدخِل لبنان في مرحلة جديدة مختلفة عمّا سبق. وعليه، فإن هذه اللجنة الدولية ستكون محورية، كونها تتمتع بحضور غربي عسكري ودبلوماسي وازن، وإشراف مباشر يمثل التزاماً دولياً فعلياً حيال لبنان، الأمر الذي سيوصف بأنه نوع من الوصاية الدولية على لبنان، أو الرقابة الدولية عليه.
المؤسسات الدستورية والجيش
أول محطة ما بعد وقف الحرب ستكون انتخاب رئيس جديد للجمهورية في 9 كانون الثاني / يناير المقبل، المدخل لاستعادة لبنان الثقة الدولية، تمهيداً لتوطيد الاستقرار واستعادة السيادة وإطلاق ورشة الإصلاحات والحوار الوطني.
وقد بدأ فعلا البحث السياسي الجدي في الملف الرئاسي مع بلورة مواصفات المرشح الأفضل والمقبول، والتي تكمن في التوافق على شخصية لا تشكل تحدياً أو استفزازاً لأي من المجموعتين السياسيتين المتخاصمتين: "الثنائي الشيعي" وحلفائه من جهة، والمعارضة على تعدد ممثليها من جهة أُخرى.
وإذا كان الأمين العام الجديد لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أكد الالتزام بانتخاب رئيس للجمهورية وفق الأطر الدستورية، بمعنى أنه لن يعطّل النصاب، وبما أن هذا الاستحقاق الانتخابي سيكون، بالنسبة إلى رعاة الاتفاق الدوليين، جزءاً لا يتجزأ من مكوناته، في سياق مشروع إعادة إنتاج هياكل الدولة ومؤسساتها، فإن اسم الرئيس المقبل لن يكون بالضرورة متوافقاً مع رغبات الحزب ومشيئته، فهل سيقبل بما هو مطروح؟
أمّا الاستحقاق الثاني المهم، فهو تشكيل الحكومة المقبلة وبيانها الوزاري، وما إذا كانت حكومة تكنوقراط تستبعد وجود قوى سياسية من بينها الحزب، أم حكومة سياسية تضم الحزب، وما إذا كان "الثنائي" سيصرّ على التمسك بشرط الثلث الضامن مثلما كان يحدث في الأعوام الأخيرة، وعلى تضمين البيان الوزاري الإشارة إلى المقاومة كقوة شرعية معترف بها.
والأهم من ذلك كله، هو العلاقة مع الجيش اللبناني المكلّف بحسب الاتفاق بالانتشار جنوبي الليطاني، ونزع سلاح الحزب والإشراف على أمن الأهالي في البيئة الجنوبية الموالية للحزب، وضبط المعابر الحدودية الشرعية وإغلاق غير الشرعية منها لمنع تدفّق السلاح.
ومن شأن الطبيعة التي ستتخذها هذه العلاقة المحورية أن تحدد مدى التزام الحزب بمندرجات الاتفاق ومسار السلم الأهلي في لبنان. وإذا كانت الولايات المتحدة تراهن على جعل الجيش الذي درّبته وتعمل على تجهيزه ودعمه مع فرنسا، نداً للحزب في اللعبة الداخلية، وتسعى إسرائيل لزجّه في مواجهة مع الحزب وبيئته عبر التشديد على الإجراءات الرقابية، فإن الأمين العام للحزب شدّد في خطابه الأخير على متانة العلاقة مع الجيش وقائده، كما شارك نواب الحزب في التمديد لولايته على عكس ما فعلوا في جلسة التمديد السابق. وفي المقابل، فإن قيادة الجيش ترفض الانجرار إلى أي مواجهة مع بيئة الحزب، إدراكاً منها أن ذلك قد يجر البلد إلى فتنة، ويدفع بالمؤسسة العسكرية إلى الانقسام، ولذا، فإنها تشدد على أهمية التعاون بين الطرفين. والأهم في هذا الإطار هو إجماع الأفرقاء اللبنانيين، ولا سيما الحزب، على صوغ استراتيجيا دفاعية يتوافق عليها الجميع وتريح اللبنانيين.
هذان الاستحقاقان، أي علاقة الحزب بالجيش، وإعادة بناء المؤسسات الدستورية، يصيران محوريّين، وخصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة والخطرة والمفصلية التي تمر بها المنطقة في ظل الأجواء الدولية والإقليمية التي توحي بتحولات وتسويات مرتقبة تترافق مع التطورات المتسارعة في سورية، والمعطيات الجديدة التي باتت ترتسم في حرب أوكرانيا مع اقتراب موعد دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
حزب الله وسؤال الحضور في الطائفة
أمّا على الصعيد الداخلي للحزب، فلا شك في أن الحرب شكلت انتكاسة كبرى له بعدما خسر قائده الرمز السيد حسن نصر الله الذي ترك في العقود الثلاثة الماضية، بصماته الواضحة في المسار السياسي الداخلي اللبناني كله، وحتى الإقليمي، كما خسر رهطاً كبيراً من قادته الكبار، وأفواجاً من ناشطيه ومقاتليه وجسمه التنظيمي والعسكري والإداري، وتعرضت منابعه المالية الوافرة للنكسات. وفقد الحزب أيضاً جزءاً كبيراً من ترسانته العسكرية ومخزون صواريخه التي راكمها طوال أعوام طويلة، لكن ذلك لم يحل دون أن يُظهر مقاتلوه في الميدان صموداً استثنائياً ومهارة عالية في القتال وقدرة على القيادة والتواصل في مواجهة النكسات الكبيرة التي أصابته، فضلاً عن أن مناسبة تشييع زعيمه والقادة ستكون محطة بارزة لتأكيد زخمه الشعبي والتفاف بيئته حوله، على الرغم من مصابها وأوجاعها. والحزب سيحرص على تقديم نفسه كـ "منتصر" في مواجهة يَعتبر أنها كانت تهدف إلى اقتلاعه من جذوره وتصفيته، فهو يخشى أن الإقرار بالهزيمة يعني أن أعداءه وخصومه كلهم، وحتى بعض حلفائه، سينقضّون عليه مرة واحدة.
إن الدور ذا الأوجه المتعددة، والذي يضطلع به الحزب، بما في ذلك حضوره السياسي وسيطرته على شبكات الرعاية الاجتماعية، أمور توفر له حاجزاً ضد الانهيار. فعلى النقيض من الجماعات والتنظيمات الأصغر حجماً، والتي تتفكك عندما تفقد قادتها، فإن حزب الله متأصل في المجتمع اللبناني، الأمر الذي يجعل بقاءه أكثر ترجيحاً، ولا سيما أن التنظيم يستمد قدرته على الصمود إلى حد كبير من جذوره الأيديولوجية العميقة، وبُنيته الواسعة والدعم الواسع النطاق من البيئة الشيعية في العالم. ومع أن خسارته قيادته العليا هي خسارة هائلة، إلّا إنها ليست بالضرورة وجودية.
وثمة سبب آخر سيُبقي حزب الله حاضراً بقوة على الساحتين اللبنانية والإقليمية في المستقبل المنظور، وهو يتعلق بالبُنية الطائفية اللبنانية. فالحزب ليس مجرد ذراع وامتداد لإيران، مثلما يصوره خصومه، بل إنه يشكل في العمق أيضاً نقلة نوعية في الوعي الاجتماعي للشيعة اللبنانيين مختلفة عمّا كان سائداً قبل عقود، وخصوصاً بعد تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، إذ برز كنوع جديد من "حركات التحرر الوطني" يعادي الاحتلال والاستعمار ويطالب بالعدالة للمستضعفين وبحصة أكبر للطائفة في صيغة الحكم اللبنانية تتلاءم مع حجمهم وتضحياتهم، الأمر الذي دفع بالشيعة في لبنان إلى الالتفاف حوله على الرغم من خسائرهم الباهظة بعد عدة حروب شارك فيها.
تحديات الداخل المتربص
أمّا وقد وجهت إسرائيل ضرباتها إلى الحزب، فإن المستعجلين إلى محاولة جني الثمار السياسية وإخراج هذه القوة الشيعية المهمة من المعادلة اللبنانية سيرتكبون خطأ فادحاً، ذلك بأنه ليس في الأفق مَن سيحل مكان الحزب في حمل هاجس المكانة والوضع الاستثنائي الذي يحتله الشيعة اليوم في لبنان.
ومع ذلك، سيجد حزب الله الخارج من أشرس حرب يخوضها، نفسه أمام أكبر تحدٍّ في تاريخه منذ التأسيس، مع ضرورة الاستجابة لبعض الوقائع التي يفرضها الاتفاق عليه، فهو مرغم على سحب سلاحه من جنوبي نهر الليطاني. وإذا كان قد نجح بعد حرب تموز / يوليو 2006 في إفراغ القرار 1701 من مضمونه بحيث أبقى على وجوده العسكري جنوبي الليطاني، فإن المختلف هذه المرة هو أن تنفيذ القرار الدولي انتقل عملياً من عهدة اليونيفيل غير ذات الأنياب، إلى عهدة الولايات المتحدة مباشرة، من خلال رئاستها للجنة المراقبة الخماسية. وإذا كان الحزب قادراً على التضييق على عمل اليونيفيل في القرى تحت غطاء الأهالي، فإنه لن يستطيع فعل ذلك مع ضابط أميركي مسنود بقرار دولي وتوافق غربي كبير.
وإذا كان سلاح حزب الله شمالي نهر الليطاني لم يُلحظ في مندرجات القرار الجديد، فإن مقدمته تشير بوضوح إلى "التنفيذ الكامل للقرارات السابقة لمجلس الأمن، بما في ذلك نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة في لبنان، بحيث تقتصر القوى المخولة بحمل السلاح في لبنان على القوات المسلحة اللبنانية، وقوى الأمن الداخلي، ومديرية الأمن العام، والمديرية العامة للأمن الوطني، والجمارك اللبنانية، والشرطة البلدية"، وبالتالي، فإن سلاح الحزب في الداخل يصبح فاقداً للشرعية في منطوق التفاهم الجديد.
ومع أن التفاهم لم يحدد سبل إزالة هذا السلاح، إلّا إن إدراجه في النص من شأنه أن يعطي شرعية لتعزيز الرقابة الدولية على المعابر البرّية والجوية والبحرية لمنع إعادة التسليح، وأن يعرّض الحزب لمساءلة في الداخل تستهدف إخراج السلاح من الحياة السياسية اللبنانية وإسقاط معادلة ثلاثية "شعب / جيش / مقاومة"، التي تسلّح بها الحزب وحلفاؤه عبر إدراجها في البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية المتعاقبة تحت ذريعة ضرورة بقاء سلاح المقاومة ما دام الاحتلال الإسرائيلي لا يزال جاثماً في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر ونقاط حدودية أُخرى متنازع عليها. ووفق منطوق نص الاتفاق، فإنه لا يوجد ما يمنع حزب الله من القيام بأنشطة في جنوبي الليطاني، ما خلا الأنشطة العسكرية، وبهذا، سيبقى الحزب جزءاً من الواقع الاجتماعي بمختلف تجلياته في هذه المنطقة.
وسيجادل الحزب مجدداً في أن وجود الاحتلال في أراضٍ لبنانية يستوجب الاحتفاظ بسلاح المقاومة شمالي النهر، كما سيتعرض لحملة مساءلة داخلية بعد اتخاذه منفرداً قرار السلم والحرب وفتحه حرب إسناد لغزة من دون أخذ رأي الأفرقاء الآخرين في البلد، الأمر الذي سيجعل بعض خصومه المحليين يحاولون تحميله تبعات نتائج هذه الحرب.
في أي حال، إن الحزب الذي ولد من رحم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان في سنة 1982، وصار السلاح علّة وجوده السياسي والعقائدي، واكتسب مشروعيته الوطنية بعد تحرير أول أرض عربية بالكفاح المسلح، ربما يجد نفسه مجرداً من قضيته ومن سلاحه إذا ما تم استبعاده من معادلة الصراع مع إسرائيل. ولذا فإن هذه المسألة ستشكل محور نقاشاته الداخلية وجوهرها في الفترة المقبلة، لأنه سيرى في استفحال الخطر الإسرائيلي وتوسع دائرة عدوان إسرائيل وإظهار تطلعاتها التوسعية في لبنان والمنطقة، حجة مثالية لتعزيز تمسّكه بفكرة المقاومة حتى إن تطلّب ذلك تغيير النهج، والأسلوب، والسلاح، وأنماط المواجهة. فالمقاومة بالشكل والنهج والتنظيم وأنواع السلاح الذي اعتمده الحزب قبل الحرب أثبتت عدم جدواها في الحرب الحديثة التي تقوم على أحدث ابتكارات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمراقبة الاستخباراتية المتطورة، وباتت تتطلب أساليب مغايرة تماماً على جميع المستويات تنظيمياً وسياسياً وإعلامياً وعسكرياً.
ضرورة المراجعة الشاملة
إن استنكاف الراعي الإيراني عن مساعدة حلفائه، وردّه البارد وغير المتلائم مع حجم مصاب "درّة تاجه" الإقليمية، فضلاً عن وضعه مصالحه الوطنية العليا، ولا سيما برنامجه النووي، فوق أي اعتبار آخر، كذلك مبالغة الحزب في تقدير قدرة قوته واستخفافه بقدرات إسرائيل وجيشها، ستجرد حزب الله من دوره الإقليمي الكبير، وتحوّله إلى حزب سياسي محلي سيكون عرضة لانتقادات تفوق تلك التي يتعرض لها غيره من الأحزاب بسبب الحروب التي تسبب بها.
هكذا، بات الحزب أمام مرحلة جديدة تستوجب إجراء مراجعة شاملة وإعادة تقييم لسياساته وأسلوبه ونهجه، وإعادة النظر في تحالفاته وتعامله مع فئات لبنانية كان وَضَعها في خانة الخصوم، لكنها احتضنت بيئته في اللحظة الحرجة، ولم تطعنه في الظهر مثلما كان يشيع سابقاً.
على الرغم من كل ما سبق، فإن الحزب لن يضعف على الصعيد المحلي، وسيراهن على قوته الشعبية وتمثيله الكبير في المجلس النيابي والمجالس المحلية والإدارات والنقابات والجمعيات، وعلى نسج تحالفات مع قوى أساسية في البلد لتوفير الحماية لبيئته ومكانته السياسية، والبقاء لاعباً قوياً في المعادلة الداخلية اللبنانية. كما أنه سيعمل على تسويق فكرة المقاومة سياسياً وإعلامياً وتعبوياً على الأقل في المرحلة الأولى، في انتظار بلورة ظروف جديدة، وسيجعل من بقاء الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الأراضي اللبنانية والمطامع الإسرائيلية في المياه والموارد الغازية، قضية لإبقاء شعار المقاومة مرفوعاً ومطلباً سياسياً.
والأهم هو قدرة الحزب على التفريق بين لبنانيته ودوره الإقليمي وعلاقته الخاصة بإيران، إذ مثّل في الفترة السابقة رأس جسر النفوذ الإيراني في المنطقة. ولذا، فإن مستقبل الحزب مرهون أيضاً بعلاقة طردية مع مستقبل النظام الإيراني وحلفائه وأذرعه وسياساته المقبلة، وبما إذا كان بقاء هذه الميليشيات لا يزال حاجة استراتيجية لطهران في ظل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وما قد يترتب على ذلك من تطلعات إيرانية لعقد صفقة سياسية ترتّب أوضاعها الأمنية، وتخفف من وطأة العقوبات التي تثقل كاهل اقتصادها. وبذلك، صارت وحدة الساحات عبئاً ثقيلاً على إيران يهددها بالتورط في حرب كبرى ساهمت في تسعيرها لكنها لا تريدها. ويكفي أن تقلص إيران دعمها المادي للحزب كي يتحول إلى واحد من الأفرقاء اللبنانيين المتساوين في عناصر القوة، بدلاً من كونه المهيمن على صنع القرار في البلد.
يرى البعض في تراجع قوة حزب الله العسكرية، وفي اعتداله والتزامه بالاتفاق الجديد، فرصة لإعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية، عبر تعزيز مؤسساتها وانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة، علاوة على نشر الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية اللبنانية، ليس في الجنوب فقط، بل أيضاً في المناطق الأُخرى والمرافق الحيوية والمعابر الحدودية كافة. غير أن أي محاولة للاستقواء على بيئة الحزب، والسعي لحشره في الزوايا السياسية الضيقة، من قوى لبنانية أو أجنبية مدفوعة بحسابات مصلحية ذاتية أو رهانات خارجية، من شأنهما أن يجرّا البلد إلى مخاطر كبيرة، ولا سيما أن هذه البيئة مجروحة في الصميم في ناسها وبُنيانها، ودفعت تكلفة باهظة دفاعاً عن قضية تعتبرها محقّة، هي قضية فلسطين، في وقت تخلى الآخرون عن واجباتهم إزاءها.
على أي حال، فإن الصورة السياسية للبنان ما بعد الحرب، والمسار الذي سيسلكه الحزب، وقبوله بوضع سلاحه تحت الرقابة الدولية، وبالأسلوب الذي سيتّبعه خصومه في الداخل والخارج معه، أمور ستحدد كثيراً من الأوجه المتعلقة بمستقبل لبنان.