الحرب على لبنان من منظور إسرائيلي: تقييمات أولية
نبذة مختصرة: 

تعرض هذه المقالة التقييمات الإسرائيلية للمواجهات على الجبهة اللبنانية منذ 8 تشرين الأول / أكتوبر 2023، حتى إعلان وقف إطلاق النار في نهاية تشرين الثاني / نوفمبر 2024، مثلما ظهرت في التحليلات والمقالات التي نشرتها مراكز البحث ووسائل الإعلام في إسرائيل.

النص الكامل: 

مقدمة

المواجهات العسكرية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي التي بدأت في 8 تشرين الأول / أكتوبر على الحدود اللبنانية إسناداً لحرب "غزة"، تحولت مع مرور الوقت إلى فصل جديد من الحروب الإسرائيلية على لبنان. ومنذ اليوم الأول لهذه المواجهات برزت خلافات في وجهات النظر بين القادة الإسرائيليين بشأن كيفية التعامل مع الجبهة اللبنانية. فكان هناك مَن رأى أنه يجب استغلال فرصة مبادرة حزب الله إلى فتح الجبهة الشمالية لتوجيه ضربة استباقية قاسية ضده، بحسب ما اقترحه وزير الدفاع السابق يوآف غالانت في 11 تشرين الأول / أكتوبر 2023، بينما رفض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الاقتراح وقرر أن تكون الجبهة اللبنانية جبهة ثانوية، وأنه يجب الآن إعطاء الحرب على "حماس" في قطاع غزة الأولوية، وهذا ما حدث حتى منتصف أيلول / سبتمبر الماضي، حين أعلنت الحكومة الإسرائيلية نقل ثقل المعركة إلى الحدود الشمالية، وبدء عمليات هجومية عسكرية واسعة النطاق ضد حزب الله وضد الشعب اللبناني في مختلف المناطق اللبنانية.

ومنذ ذلك الحين، وحتى إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في 27 تشرين الثاني / نوفمبر 2024، مرت هذه المواجهات بعدة مراحل: مرحلة الضربات الدفاعية المتدرجة ضمن نطاق ما أطلق عليه بعض الإسرائيليين تسمية "الإكراه الاستراتيجي"، ثم مرحلة "حرب الاستنزاف الاستجابية"، مروراً بمرحلة الضربات الطروادية (تفجيرات البيجر)، وصولاً إلى المرحلة الأخيرة والهجوم الجوي الواسع النطاق، ومن بعده التوغل البري المحدود في القرى المتاخمة للحدود، والذي ترافق مع قصف جوي إسرائيلي للمدن والبلدات في الجنوب والبقاع وأحياء الضاحية الجنوبية والاستهدافات في العاصمة بيروت.

العدوان الإسرائيلي على لبنان حدث هذه المرة تحت وطأة الصدمة الإسرائيلية العميقة والزلزال اللذين أحدثهما هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول / أكتوبر في وعي الإسرائيليين حكومة وجيشاً وشعباً، ومحاولة إسرائيل تصوير الحرب التي تخوضها ضد "حماس" في غزة، أو حزب الله في لبنان، على أنها حرب وجودية، وحرب للدفاع عن النفس. 

الأسباب الكامنة وراء اعتبار الجبهة اللبنانية جبهة ثانوية دفاعية

قرار اعتبار جبهة لبنان جبهة ثانوية دفاعية لم يكن سببه فقط التركيز على الحرب على جبهة غزة مثلما ادّعى نتنياهو علناً، بل هو ناجم أيضاً عن أسباب موضوعية فرضتها طبيعة المواجهات مع حزب الله من جهة، وعدم قدرة إسرائيل على اتخاذ قرار مخالف آخر من جهة ثانية. وقد شرح هذه الأسباب اللواء في الاحتياط رون طيرا الباحث في مركز بيغن - السادات للأبحاث الاستراتيجية حين قال: "بين القرارت الصحيحة التي اتخذتها إسرائيل في حرب 'السيوف الحديدية' اعتبار جبهة غزة هي الجبهة الأساسية الهجومية، وجبهة لبنان جبهة ثانوية دفاعية. وذلك يعود إلى صعوبة تحديد هدف للهجوم ضد حزب الله يمكن أن يلبي الشروط التالية: أولاً، خلق وضع استراتيجي - سياسي أفضل كثيراً؛ ثانياً، أن يكون هذا الواقع الجديد مستقراً ويمكن أن يستمر لوقت طويل؛ ثالثاً، ألّا يكون ثمن الحرب أكبر من إنجازاتها." وشرح: "الدولة الرصينة لا تشنّ هجوماً لا تعرف كيف سينتهي. هناك عدة طرق أساسية لإنهاء الحرب، لكن إيجاد الطريقة التي تَفرض على حزب الله إنهاء القتال ليس أمراً مفروغاً منه." وفي رأيه، فإن الحزب أخذ في حساباته ثمن الحرب، ومن الصعب أن يؤثر هذا الثمن في اعتباراته، وهو ما يجعل إنهاء الحرب صعباً من غير الحسم العسكري الذي يرى الكاتب أنه "غير عملي في ظل الظروف القائمة اليوم."[1] ويشير الباحث إلى نقطة مهمة هي أن حزب الله لم يحدد أهدافاً خاصة به لمشاركته في جبهة الإسناد غير شرط وقف الحرب في غزة، وتركزت عمليات القصف التي يقوم بها على الأهداف العسكرية الإسرائيلية، الأمر الذي ساعد إسرائيل، في رأي الكاتب، في الحرص على إبقاء جبهة لبنان جبهةً ثانوية دفاعية.

لكن طيرا يشير إلى خطأين أساسيين ارتكبتهما إسرائيل في هذه الأثناء وأديا إلى تغيير صورة الوضع على الحدود الشمالية: "الخطأ الأول إجلاء سكان المستوطنات الواقعة على خطوط التماس في الشمال؛ والثاني إدخال الجيش الإسرائيلي إلى هذه المستوطنات، الأمر الذي وجّه نيران حزب الله إلى داخل هذه المستوطنات."[2]

وطوال الأشهر الأولى للمواجهات على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، تعرّض قرار الحكومة الإسرائيلية اعتبار جبهة لبنان ثانوية لكثير من الانتقادات داخل إسرائيل، وخصوصاً من سكان المستعمرات الشمالية الذين رأوا أن الحكومة تخلت عنهم، وطالبوها بضرورة إعطاء جبهة لبنان الأولوية، والقضاء قضاء مبرماً على خطر الوجود العسكري لحزب الله.[3] 

حرب "الاستنزاف الاستجابية"

شهدت المواجهات على الجبهة اللبنانية تطوراً لافتاً مع بدء السنة الحالية (2024)، عندما تحولت من تبادل للضربات العسكرية ضمن نطاق جغرافي معين إلى حرب استنزاف اعتبرتها إسرائيل "استجابية" على التصعيد من طرف حزب الله، بينما في الحقيقة إسرائيل نفسها هي التي بادرت إلى خلق هذا الوضع من خلال سلسلة الاغتيالات التي نفذتها في لبنان، وكان أولها اغتيال مسؤول "حماس" في لبنان صالح العاروري في 2 / 1 / 2024 في قلب الضاحية الجنوبية. ومن بعدها كرت سلسلة الاغتيالات التي طالت القادة العسكريين الكبار في حزب الله، الأمر الذي رفع درجة التصعيد في المواجهات التي تحولت أكثر فأكثر إلى حرب استنزاف استغلتها إسرائيل من أجل استهداف قيادات حزب الله العسكرية وبُناه التحتية وتهجير سكان الجنوب في البلدات المتاخمة للحدود، مع حرصها طوال تلك الفترة على إبقاء المواجهات دون "حافة الحرب" ومنع انزلاقها إلى حرب واسعة النطاق. وفي الوقت عينه، واصلت إسرائيل المشاركة في مساعي الوساطة التي قام بها الموفد الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين لوقف القتال وتطبيق القرار 1701 الذي يقضي بانسحاب حزب الله إلى شمالي الليطاني، وهو ما كانت تطلبه إسرائيل.

وفضلاً عن أسلوب الاغتيالات الذي ساهم في تصعيد حرب الاستنزاف بين حزب الله وإسرائيل، طرأ تطور لافت هو وقوع أول مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل في 14 نيسان / أبريل عندما شنّت إيران هجوماً بأكثر من 250 صاروخاً على إسرائيل رداً على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق في مطلع ذاك الشهر. وفي الواقع، فإن هذا كله فاقم المواجهات الدائرة على حدود لبنان.

وبعكس ما ادّعته إسرائيل علناً بأنها لا تنوي تصعيد الحرب إلى حرب شاملة، أشارت الباحثة أورنا مزراحي المختصة بمسألة الصراع مع حزب الله، إلى أن رفع درجة المواجهات إلى حرب استنزاف كان قراراً إسرائيلياً، بينما أظهرت "أساليب قتال حزب الله حرصه على المحافظة على الطابع المحدود للقتال في الشمال، علاوة على اهتمام إيران بإغلاق جولة المواجهة المباشرة الحالية مع إسرائيل في التوقيت الحالي." وتساءلت الكاتبة: "هل من مصلحة إسرائيل نشوب حرب واسعة النطاق مع حزب الله؟ من الواضح أن التهديد الأخطر لإسرائيل من طرف حزب الله يمكن إزالته أو على الأقل تقليصه بصورة كبيرة فقط بواسطة حرب واسعة النطاق. لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أنها ربما تتحول إلى حرب متعددة الجبهات، وتتطلب القيام بمناورة برية في لبنان تعرقل الحياة اليومية في الجبهة الداخلية." وتقترح الكاتبة تأجيل الدخول في عملية عسكرية واسعة ضد حزب الله إلى موعد آخر.[4]

هذا الكلام جاء في نيسان / أبريل 2024، وبعدها بشهر تقريباً بدأت تزداد الانتقادات لحرب الاستنزاف التي في رأي الإسرائيليين فرضها حزب الله على إسرائيل لأنها تكبّد أثماناً كبيرة، وتضرّ بصورة الردع الإسرائيلي. وعن هذا كتب أيال زيسر الخبير بموضوع سورية ولبنان، وصاحب أكثر من كتاب في هذا الإطار، أن "واقع حرب الاستنزاف هذه في الشمال [....] أمر لا يطاق، يُدّفعنا أثماناً كبيرة" تُضرّ "بما تبقّى من قوة ردعنا. ومن هنا فإن الجلوس مكتوفي الأيدي والتزام سياسة الاحتواء والرد المحدود استنفدت نفسها [....] ما يجب القيام به هو البدء بالرد بقوة وحزم، ولا حاجة إلى البدء باغتيال نصر الله وتسوية الضاحية بالأرض [....] يمكن أولاً اتخاذ سلسلة ردود تضع للتنظيم [حزب الله] خطوطاً حمراء من دون جرّ المنطقة إلى حرب، مثلاً، أن نضرب في العمق اللبناني عندما [....] يضرب حزب الله البلدات والمواطنين في الحدود الشمالية."[5] والراهن أن فكرة اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كانت مطروحة منذ تلك الفترة وربما قبلها. 

الهجمات "الطروادية" مدخل إلى توسيع الحرب

في 17 أيلول / سبتمبر، جاء تفجير أجهزة البيجر التي يحملها عناصر من حزب الله في لبنان وسورية نتيجة اختراق أمني إسرائيلي، بعد يوم واحد من تصريح وزير الدفاع السابق يوآف غالانت في 16 أيلول / سبتمبر بأن الحرب تقترب من مفترق طرق استراتيجي، وأن السبيل الوحيد المتاح أمام إسرائيل للعودة الآمنة لسكان الشمال إلى منازلهم هو "من خلال عملية عسكرية في مواجهة حزب الله." وجاء كلام غالانت بعد اجتماع عقده مع الوسيط الأميركي الخاص بلبنان عاموس هوكشتاين. وفي اليوم عينه قرر المجلس الوزاري المصغر إضافة "إعادة سكان الشمال إلى منازلهم" إلى أهداف الحرب.[6]

وبحسب الباحث أساف أوربون في معهد دراسات الأمن القومي، فإن قرار تفجير البيجر الذي كان مقدمة للحرب الواسعة النطاق، جاء بسرعة وفي أعقاب "مزيج مضطرب من الاعتبارات الاستراتيجية والعملانية والسياسية"، وبعد أن "قوبلت دعوات وزير الدفاع إلى عقد جلسة في مجلس الوزراء لنقل مركز الثقل إلى الشمال بالمماطلة." وقبل ذلك بأيام فقط "كانت الأنظار في إسرائيل مركزة على محاولات رئيس الوزراء نتنياهو لاستبدال وزير الدفاع لضمان بقاء ائتلافه الحكومي." وجرى تفعيل تفجير أجهزة البيجر "كأداة مفاجأة لبدء الحرب، بناء على مبدأ 'use it or lose it' بعد الخشية من كشفها من جانب حزب الله"، كما تم "تشغيل الهجوم على أجهزة اللاسلكي بناء على اعتبارات مشابهة." ويتابع: "أثار تنفيذ الهجمات الطروادية انتقادات في الساحة الدولية"، ووُجهت إلى إسرائيل "اتهامات بشنّ هجمات عشوائية على المدنيين." لكن ما حدث له علاقة "بعمل واضح للدفاع عن النفس باستخدام طريقة جراحية، إذ تم استخدام 20 غراماً من المتفجرات بدلاً من قنابل تزن طناً." واعتبر أن كل مَن كان يحمل هذا الجهاز كان ينتمي إلى حزب الله، "أمّا المدنيون الذين أصيبوا في الهجوم فيُعتبرون أضراراً جانبية معقولة ومحدودة."[7] 

حرب من دون أهداف استراتيجية واضحة ومن دون خطة خروج

منذ اليوم الأول من بدء عملية التوغل البري للجيش الإسرائيلي في لبنان في مطلع أيلول / سبتمبر، والتي أُطلق عليها اسم "سهام الشمال"، حذّر أكثر من خبير إسرائيلي من مغبة الدخول في حرب طويلة من دون وضع أهداف سياسية لها وخطة للخروح منها. وضمن هذا الإطار كتب الباحث في معهد دراسات الأمن القومي أودي ديكل: "فيما يتعلق بجبهة لبنان، لم تحدد الحكومة الإسرائيلية هدفاً سياسياً واضحاً، ورفضت أيضاً مبادرة مشتركة من الولايات المتحدة وفرنسا بشأن إعلان وقف موقت لإطلاق النار والتفاوض بشأن تسوية سياسية تُبعد حزب الله والتهديدات الأمنية عن حدودها الشمالية. وعلى الرغم من أن التجربة في لبنان تشير إلى أن الترتيبات الأمنية في إطار القرارات الدولية، مثل قرار مجلس الأمن 1701، لا توفر حلاً فعالاً لنمو قوى ¢الإرهاب¢ بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل"، لكن يتعين على إسرائيل ألّا "تنبهر بالنجاح الكبير من اغتيال نصر الله وقيادة حزب الله وضرب قدراته الاستراتيجية، وتنجرف إلى حرب طويلة في لبنان، من دون أهداف سياسية واضحة."[8]

خلال العدوان على لبنان كان في إسرائيل مَن توقّع أن تؤدي العملية العسكرية إلى "شرق أوسط جديد"، وتحدث آخرون عن "خلق واقع أمني جديد" يسمح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم، والقضاء قضاء مبرماً على قدرات حزب الله العسكرية وصولاً إلى نزع سلاحه، ليتضح لاحقاً ومع اشتداد حدة المعارك أن الهدف من القتال بحسب الباحث عيران أورتال، في مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية، ليس "نزع السلاح في الجنوب اللبناني بالقوة، بل التوصل إلى اتفاق سياسي ما، على الأرجح اتفاق يتقمص روح القرار 1701، وهو قرار مجلس الأمن الذي أنهى حرب لبنان الثانية. ونظراً إلى أننا تعلّمنا جميعاً من التجارب مدى عدم صدقية آليات نزع السلاح لدى أعدائنا، فإن المغزى الاستراتيجي هو أن الحرب الحالية كما أسلفنا ليست سوى مقدمة للحرب القادمة."[9]

وفي الحقيقة، وبعد أكثر من 50 يوماً من العمليات الإسرائيلية في الجنوب وعشرات المئات من الغارات الإسرائيلية على لبنان، لم يتحقق الشرق الأوسط الجديد، ولا القضاء على القدرات العسكرية لحزب الله، ولم ينشأ الواقع الأمني الجديد الذي يسمح بالعودة الآمنة لسكان شمال إسرائيل، بل إن هذا الموت، والدمار، والخراب الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بلبنان كان أولاً وأخيراً من أجل تحسين شروط التفاوض على التسوية السياسية، وفرض شروط إسرائيلية ملحقة بتطبيق القرار 1701، تحفظ لإسرائيل حرية العمل في كل مرة يجري فيها خرق الاتفاق. وليس بقاء الجيش الإسرائيلي في القرى الحدودية خلال فترة وقف النار المحددة بـ 60 يوماً سوى محاولة أخيرة لفرض واقع أمني جديد في البلدات اللبنانية الحدودية التي ما زال الجيش الإسرائيلي حتى الآن يمنع عودة سكانها إليها. 

هذه لن تكون الحرب الأخيرة

لم تنجح الدعاية الرسمية الإسرائيلية في تسويق الاتفاق على وقف إطلاق النار مع لبنان وسط الرأي العام الإسرائيلي عامة، وسكان الشمال خاصة، الذين وقفوا موقفاً مشككاً إزاء إمكان أن يؤدي اتفاق كهذا إلى استقرار دائم يضمن عودتهم الآمنة إلى منازلهم، ولا سيما أن حزب الله، على الرغم من الضربات التي مُني بها، لا يزال يحتفظ بجزء كبير من قدراته العسكرية. ويمكن تلخيص الشعور الإسرائيلي بعد الاتفاق بـ "المرارة" و"الإحباط" و"تضييع الفرصة" وأن شيئاً "لم يتغير فعلاً". كما اتضح خطأ تقديرات الجيش الإسرائيلي بأن وجوده في البلدات المتاخمة للحدود ومنع سكانها من العودة إليها سيبعث على الشعور بالطمأنينة لدى سكان الشمال ويشجعهم على العودة. والمفارقة الآن أن وجود الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني تحديداً، واستمرار التوتر وعمليات إطلاق النار التي يقوم بها لترويع السكان، يفاقمان الإحساس بعدم الأمان وعدم الثقة لدى سكان المستعمرات الشمالية بما آل إليه الوضع، ويرسخ قناعة إسرائيلية بأن هذه الحرب لم تحقق ما كانوا يصبون إليه.

وفي المحصلة، فإن هناك أكثر من وجهة نظر إسرائيلية حيال الاتفاق على وقف النار مع لبنان: فهناك الفريق الذي يعتبر فترة وقف النار "فرصة ذهبية" كي تتمكن إسرائيل من فرض واقع أمني جديد في الجنوب اللبناني ومنع عودة عناصر حزب الله إلى هناك، ومراقبة المعابر الحدودية لمنع تهريب السلاح من سورية إلى لبنان. وفي مقابل هؤلاء هناك فريق أكثر واقعية وتشاؤماً، ويعتقد أنه من دون نزع سلاح حزب الله فإنه لا يمكن توقّع تغيير فعلي في الواقع الأمني في شمال إسرائيل. غير أن القاسم المشترك بين الفريقين هو أن حرب لبنان الرابعة ستحدث من دون شك.

 

المصادر:

[1] رون طيرا، "جبهة ثانية دفاعية: انعدام المنطق الإسرائيلي في المواجهة مع حزب الله"، "مركز بيغن - السادات للأبحاث الاستراتيجية"، 17 / 9 / 2024، في الرابط الإلكتروني.

[2] المصدر نفسه.

[3] يمكن الاطلاع على تطور المطالبات الإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية قوية ضد حزب الله من خلال الروابط التالية:

إفرايم غانور، "الخطر يتعاظم: لا يجوز لإسرائيل تأجيل، أو احتواء تهديد حزب الله"، "معاريف"، "مختارات من الصحف العبرية"، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 4159، 15 تشرين الثاني / نوفمبر 2024، في الرابط الإلكتروني.

كوبي مروم، "أزمة إسرائيل الاستراتيجية في الساحة الشمالية"، "قناة 12"، "مختارات من الصحف العبرية"، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 4215، 10 كانون الثاني / يناير 2024، في الرابط الإلكتروني.

أميتسا برعام، " يجب وقف حرب الاستنزاف مع حزب الله على الحدود الشمالية"، "معاريف"، "مختارات من الصحف العبرية"، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 4296، 31 آذار / مارس 2024، في الرابط الإلكتروني.

[4] أورنا مزراحي، "كيف ننشىء واقعاً جديداً في مواجهة حزب الله: إمكانات التدهور إلى حرب واسعة في الشمال والعلاقة بغزة"، "قناة 12"، "مختارات من الصحف العبرية"، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 4319، 27 / 4 / 2024، في الرابط الإلكتروني.

[5] أيال زيسر، "يجب علينا عدم مجاراة حزب الله في لعبته"، "يسرائيل هَيوم"، "مختارات من الصحف العبرية"، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 4355، 8 / 6 / 2024، في الرابط الإلكتروني.

[6] " 'الكابينت' الإسرائيلي يقرر إضافة هدف إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان إلى أهداف الحرب"، "يديعوت أحرونوت"، "مختارات من الصحف العبرية"، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 4436، 17 أيلول / سبتمبر 2024، في الرابط الإلكتروني.

[7] أساف أوربون، "الطامات العشر: مرحلة جديدة في الحرب بين إسرائيل وحزب الله"، "معهد دراسات الأمن القومي"، "مختارات من الصحف العبرية"، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 4442، 23 أيلول / سبتمبر 2024، في الرابط الإلكتروني.

[8] أودي ديكل،"لا يزال من الممكن تلافي خطر التدهور إلى حرب متعددة الجبهات ودائمة"، "معهد دارسات الأمن القومي"، "مختارات من الصحف العبرية"، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 4455، 9 / 10 / 2024، في االرابط الإلكتروني.

[9] عيران أورتال، "مقامرة الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني"، "مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية"، "مختارات من الصحف العبرية"، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 4459، 14 / 10 / 2024، في الرابط الإلكتروني.

 

السيرة الشخصية: 

رندة حيدر: باحثة ومحررة في مؤسسة الدراسات الفلسطينية.