أي مصير ينتظر الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية؟
نبذة مختصرة: 

نقلت عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 والحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة التي استتبعتها، الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية إلى مرحلة مختلفة نوعياً عن كل ما سبقها منذ نكبة 1948، بحيث إن نتائج المواجهة الجارية اليوم في قطاع غزة بين المقاومة الفلسطينية، من جهة، والجيش الإسرائيلي الغازي، من جهة أُخرى، ستحدد مستقبل هذا الشعب وقضيته الوطنية.

وفي محاولة لاستشراف مآلات هذه المواجهة، سأسلط الضوء، في هذه المقالة، على مواقف الفرقاء المعنيين بها، وذلك استناداً إلى سلسلة مقالات أسبوعية دأبتُ على نشرها على منصة "فلسطين - الميدان"، وهي مدوّنة مؤسسة الدراسات الفلسطينية.*

 

*فلسطين - الميدان"، "مدونة" مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

النص الكامل: 

هل يتم فرض إدارة عسكرية على القطاع وضم المستعمرات في الضفة الغربية؟

ما زالت حكومة الحرب الإسرائيلية تركض وراء سراب "النصر المطلق"، وتستمر منذ نحو 14 شهراً في ارتكاب المجازر وتدمير البُنى التحتية والقضاء على سبل معيشة الفلسطينيين في القطاع المنكوب، بينما هي لا تزال تواجه مقاومة ضارية، وتتخبط من الناحية السياسية إزاء "اليوم التالي" للحرب، رافضة أي دور للسلطة الفلسطينية في حكم قطاع غزة.

إن قيام إسرائيل بإعادة احتلال قطاع غزة بأكمله، وهو هدف مُدرَج على جدول أعمال بعض العناصر الأكثر تطرفاً في حكومتها الحالية، ليس عليه إجماع لأنه يعني أن الاحتلال الإسرائيلي سيدير كل شيء في القطاع؛ وبما أن مقاومة هذا الاحتلال ستصبح أمراً لا مفر منه، فإنه سيتوجب على إسرائيل توفير العديد من فِرَقها العسكرية لضمان الأمن في القطاع، الأمر الذي سيشكّل عبئاً كبيراً على ميزانيتها، فضلاً عن التداعيات الدبلوماسية السلبية لإعادة احتلال القطاع. ومن أجل تجاوز هذه المعضلة، طُرحت فكرة نشر قوة سلام دولية تحت رعاية الأمم المتحدة، غير أن المسؤولين الإسرائيليين غير متحمسين لهذا الخيار، مؤكدين أن قوات الأمم المتحدة، المنتشرة في الجنوب اللبناني، لم تمنع حزب الله من التهديد المستمر لحدودهم الشمالية.

في 23 شباط / فبراير 2024، قدّم بنيامين نتنياهو إلى وزرائه وثيقة من صفحتين، أشار فيها إلى أن إسرائيل ستقيم منطقة أمنية عازلة على الجانب الفلسطيني من الحدود مع قطاع غزة، كما أنها ستفرض إغلاقاً على الحدود الجنوبية مع مصر، وهي لن تسمح بإعادة إعمار قطاع غزة إلّا بعد تجريد القطاع من السلاح وبدء عملية "نزع التطرف" منه، على أن يُعهد بإدارة الشؤون المدنية إلى مسؤولين محليين يتمتعون بخبرة إدارية، وليس لهم علاقة بـ "الإرهاب"، وأن تعمل إسرائيل على حظر وكالة الأونروا.

وفي 22 أيلول / سبتمبر 2024، وبعد أن كان جيش الاحتلال قد نجح في السيطرة على الحدود الجنوبية للقطاع مع مصر، وكرّس وجوده في ممر "نتساريم" الذي يمتد من شرق القطاع إلى غربه ويفصل شماله عن جنوبه، صرّح بنيامين نتنياهو، في اجتماع مغلق للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، بأنه يدرس "خطة الجنرالات" لمحاصرة شمال قطاع غزة، والتي تقضي بتحويل هذا الشمال بالكامل حتى ممر "نتساريم"، إلى منطقة عسكرية مغلقة، ويُطلب من جميع سكان هذه المنطقة، أي نحو 300,000 من الغزيين والغزيات، القيام بإخلائها من خلال ممرات عبور يحددها جيش الاحتلال، ثم يُفرض حصار كامل على هذه المنطقة، بحيث لا يترك هذا الحصار لمقاتلي المقاومة الفلسطينية سوى خيار واحد: الاستسلام أو الموت. وكان بنيامين نتنياهو أوصى جيش الاحتلال، في 4 أيلول / سبتمبر نفسه، بإعداد خطة لتنظيم توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، بدلاً من وكالة الأونروا التي أقرّ الكنيست، في 28 تشرين الأول / أكتوبر 2024، قراراً بحظر عملها، متخذاً بذلك خطوة أُخرى نحو إدخال متدرج لنظام الإدارة العسكرية الإسرائيلية إلى قطاع غزة، وخصوصاً بعد أن عيّنت الحكومة الجنرال إلعاد غورين "رئيساً للجهد الإنساني والمدني" لدى منسق النشاطات الحكومية في المناطق الفلسطينية المحتلة، وهو منصب يماثل منصب رئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية، ويجعله حاكماً لقطاع غزة. ومنذ 6 تشرين الأول / أكتوبر 2024، يشنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوماً واسعاً على شمال قطاع غزة، فرض خلاله حصاراً كاملاً على ثلاث بلدات، هي بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا ومخيمها، وأعلن، في 12 من الشهر نفسه، شمال القطاع "منطقة عسكرية مغلقة"، داعياً جميع السكان إلى النزوح نحو الجنوب.

وبينما يزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن هجومه الوحشي على شمال قطاع غزة يهدف إلى منع المقاومة الفلسطينية من إعادة تنظيم صفوفها، يرى كثير من المحللين أن ما يقوم به هذا الجيش هو "تطهير عرقي" ضمن استراتيجيا تهدف إلى تمهيد الطريق لاحتمال ضمّ أو حتى استيطان قطاع غزة أو أجزاء واسعة منه، ولا سيما بعد أن تكاثرت التحضيرات التي يقوم بها المستوطنون، بمشاركة العديد من الوزراء والبرلمانيين، لتحقيق هذا الهدف، وآخرها المؤتمر الذي نظمته حركة "ناحالا" الاستيطانية، في 21 تشرين الأول / أكتوبر 2024 في بلدة سديروت، المحاذية تقريباً لحدود قطاع غزة، وشارك فيه، إلى جانب ممثلي حزبَي "الصهيونية الدينية" و"قوة يهودية" وحركات المستوطنين، ما لا يقل عن 10 نواب من أصل 32 نائباً من حزب الليكود، فضلاً عن عدد من وزرائه، وجاء في بطاقة الدعوة إليه: "بعد مرور عام على المذبحة، نعلن أن غزة لنا وإلى الأبد." وشهد المؤتمر تنظيم ورش عمل من طرف ناشطين مؤيدين للاستيطان ومرتبطين بحركة "ناحالا" لإعطاء تعليمات بشأن كيفية بناء مستعمرات جديدة من الصفر، مثلما فعلت هذه الحركة في مناسبات عديدة في الضفة الغربية المحتلة.

وكانت حكومة بنيامين نتنياهو استغلت الحرب التي تشنّها في قطاع غزة، كي تنفّذ في الضفة الغربية، خطوة فخطوة، مخططاً صهيونياً بلوره وزير المالية والوزير في وزارة الحرب بتسلئيل سموتريتش، ويهدف إلى توسيع نطاق الاستيطان وزيادة أعداد المستوطنين، بما يضمن تقطيع أوصال الضفة، والحؤول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافياً. وبالتوازي مع تنفيذ هذا المخطط، تزايدت أعمال الثأر التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين بدعم من جنود جيش الاحتلال وحتى مشاركتهم، وذلك بعد أن شدّد هذا الجيش قبضته على الضفة الغربية، وراح يستهدف، بصورة خاصة، المخيمات الفلسطينية كي تصبح غير صالحة للعيش، الأمر الذي سيجبر سكانها على هجرها.

وفي 11 تشرين الثاني / نوفمبر 2024، صرّح بتسلئيل سموتريتش بأن إسرائيل ستضم المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بحلول سنة 2025، معتبراً أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تمثّل "فرصة سانحة" لفعل ذلك، بينما دعا بنيامين نتنياهو، في 12 من الشهر نفسه، إلى استعادة خطة ضمّ مناطق واسعة من الضفة الغربية إلى إسرائيل، وهي خطة كانت حكومته قد بلورتها في سنة 2020، ثم أوقفت العمل بها بعد نجاح جو بايدن في الفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية التي جرت في تشرين الثاني / نوفمبر من تلك السنة. أيام أصعب تنتظر الفلسطينيينفي ظل ولاية دونالد ترامب الثانية

يتفق المحللون على أن الموقف الأميركي في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب المقبلة سيكون أشد انحيازاً إلى إسرائيل حتى من عهد إدارة جو بايدن المنتهية ولايتها. ومن المعروف أن دونالد ترامب برز، في أعوام ولايته الرئاسية الأولى، بصفته أوثق حلفاء إسرائيل، إذ اعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة، وأقرّ بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل سفارة بلده من تل أبيب إلى القدس، وقطع الأموال الأميركية عن وكالة الأونروا، ودفع أربع دول عربية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وتراجع عن الاتفاق الدولي النووي مع إيران، وطرح، في كانون الثاني / يناير 2020، "خطة للسلام" عُرفت باسم "صفقة القرن"، تضمنت رؤية لقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة، وغير متواصلة جغرافياً، وتكون مقسمة إلى 6 كانتونات محاطة تماماً بإسرائيل التي ستبقى مسؤولة عن الأمن في جميع المنطقة الواقعة إلى الغرب من نهر الأردن. كما اقترحت تلك الخطة إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مناطق 1948، وقيام إسرائيل بضمّ كتل المستعمرات الواقعة إلى الغرب من جدار الفصل، وألّا تُقتلَع أو تُخلى المستعمرات التي تقع إلى الشرق من هذا الجدار.

وخلال حملته الانتخابية الأخيرة، لم يقل المرشح دونالد ترامب طوال عام كلمة واحدة عن معاناة فلسطينيي قطاع غزة جرّاء الحرب الإسرائيلية عليهم، بينما دعا إسرائيل إلى "تحقيق نصر سريع"، مصرّاً "على حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، حتى إنه سخر من دعوات كامالا هاريس إلى وقف إطلاق النار، مؤكداً أن ذلك لن يؤدي سوى إلى إعطاء حركة "حماس" الوقت لإعادة تشكيل نفسها. صحيح أنه وعد "بإحلال السلام في العالم"، إلّا إن السلام الذي يدعو إليه هو "السلام من خلال القوة"، أي السلام الذي تَفرض شروطه القوةُ الغاشمة، والذي يعني استسلام الذين يقاومون هذه القوة. وعليه، فمن المنتظر أن تقف إدارته إلى جانب إسرائيل في الحروب التي تشنّها في المنطقة حتى تستجيب المقاومة التي تواجهها لشروط "السلام" التي تطرحها. هذا من جهة، ومن جهة أُخرى، قد تعطي إدارتُه إسرائيلَ الضوء الأخضر كي تضم الضفة الغربية رسمياً، أو تعيد وضع "صفقة القرن" التي رفضها الفلسطينيون بحزم على طاولة المفاوضات، وتُلزم المملكة العربية السعودية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل من دون شروط، وتتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه إيران وبرنامجها النووي.

وقد سارع الرئيس الأميركي المنتخب إلى تعيين شخصيات موالية بشدة لإسرائيل وسياسات حكامها الاحتلالية في مناصب مهمة في إدارته، وهي التعيينات التي استقبلها المسؤولون الإسرائيليون بحماسة كبيرة. وكان، من ضمن هذه الشخصيات، مايك هاكابي الحاكم السابق لولاية أركنساس، الذي عُيّن سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل، والذي يُعتبر من أبرز داعمي إسرائيل داخل المجتمع المسيحي الإنجيلي، ومن أشد معارضي الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهو يؤيد قيام إسرائيل بضمّ الضفة الغربية، أو أجزاء واسعة منها، وسيعمل على أن يضمن دعم واشنطن لهذه الخطوة. 

هل هناك تصوّر عربي لـ "اليوم التالي" للحرب؟

هل سيكون في قدرة النظام العربي المساهمة في وقف الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، وفتح الطريق أمام إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أو إن حالة الشلل هي التي ستبقى مسيطرة على هذا النظام؟

كانت القمة العربية التي عُقدت في المنامة قد دعت، في بيانها الختامي في 16 أيار / مايو 2024، إلى وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فوراً، وخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من جميع مناطق القطاع، وجددت دعوتها إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، من خلال عقد مؤتمر دولي للسلام، واتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، وإلى نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حلّ الدولتين، على أن يضع مجلس الأمن سقفاً زمنياً للعملية السياسية، وإصدار قرار تحت الفصل السابع بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة والمتواصلة جغرافياً، على خطوط الرابع من حزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وتسربت معلومات، بعد عقد تلك القمة، فحواها أن بعض الدول العربية مستعد للمشاركة في قوات دولية تنتشر في قطاع غزة بقرار أُممي، عقب انتهاء الحرب، على أن تتم أي ترتيبات لمستقبل القطاع في إطار مسار التسوية السلمية في المنطقة، وأن يكون للسلطة الفلسطينية في رام الله دور أساسي في الترتيبات المتعلقة باليوم التالي للحرب على القطاع. ومن أجل إضفاء جدية على هذا التوجه الرسمي العربي، وفي غياب الدبلوماسية المصرية، بادرت المملكة العربية السعودية إلى تصدّر المشهد السياسي العربي، إذ أعلن وزير خارجيتها فيصل بن فرحان آل سعود في 27 أيلول / سبتمبر 2024 من نيويورك، إطلاق "التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين". وقد استضافت الرياض، في أواخر تشرين الأول / أكتوبر 2024، الاجتماع الأول لـهذا التحالف الدولي بمشاركة مندوبين عن 90 دولة ومنظمة دولية، ثم استضافت، في 11 تشرين الثاني / نوفمبر 2024، قمة الدول العربية والإسلامية لمناقشة وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان. 

الفلسطينيون: العجز عن تحقيق الوحدة الوطنية على الرغم من إلحاحيتها

عشية عملية "طوفان الأقصى"، كان النظام السياسي الفلسطيني يواجه مأزقاً متعدد الأبعاد، بسبب عجزه عن تحقيق أهداف مشروعه الوطني، من جهة، واستمرار الانقسام السياسي بين حركتَي "فتح" و"حماس" والانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وانتكاسة الممارسة الديمقراطية، وفشل محاولات إصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة، من جهة ثانية.

وقد أدت عملية "طوفان الأقصى" التي اتخذت حركة "حماس" قرار القيام بها بصورة منفردة، على الرغم من تداعياتها الخطرة المحتملة، إلى زيادة حدة الخلافات في الساحة الفلسطينية، والتي برزت، بصورة واضحة، بعد أن كلّف الرئيس محمود عباس الدكتور محمد مصطفى، في 14 آذار / مارس 2024، تشكيل حكومة جديدة مؤلفة من التكنوقراط، بمعزل عن موقف الفصائل الفلسطينية الأُخرى الداعية إلى تشكيل حكومة وفاق وطني، إذ انتقدت حركة "حماس" بشدة هذا التكليف، الأمر الذي دفع حركة "فتح" إلى اتهامها بالتسبب بعودة الاحتلال الإسرائيلي إلى قطاع غزة، وبحلول نكبة جديدة على الشعب الفلسطيني.

وأمام استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع، والتي صارت تتخذ، أكثر فأكثر، شكل "حرب إبادة"، تصاعدت المطالبة بتحقيق الوحدة الوطنية، وخصوصاً من جانب التنظيمات اليسارية الفلسطينية، والدعوة إلى عقد اجتماع لقادة جميع الفصائل الفلسطينية من أجل تنسيق النضال ضد الاحتلال، وتشكيل حكومة توافق وطني تكون مهمتها إدارة الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتحضير لانتخابات فلسطينية شاملة. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، عُقد في موسكو، في 29 شباط / فبراير 2024، اجتماع فلسطيني / فلسطيني استمر يومين، وحضره ممثلو 14 تنظيماً، بما فيها "فتح" و"حماس"، وأكد إعلانه الختامي ضرورة إنجاز الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. وأعقب ذلك اجتماع آخر مماثل في بكين، أشار الإعلان الذي صدر عنه، في 23 تموز / يوليو 2024، إلى أن الفصائل الفلسطينية اتفقت على تحقيق الوحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والالتزام بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة تكون القدس عاصمتها، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، وضمان حق العودة وفقاً للقرار 194، على أن تتشكّل حكومة وحدة وطنية فلسطينية. وعلى غرار اجتماعات الحوار الفلسطيني السابقة، فإن هذين الاجتماعين لم يُفضيا إلى اتخاذ إجراءات عملية ملموسة، ولهذا أُجريت خلال تشرين الثاني / نوفمبر 2024، سلسلة اجتماعات جديدة في القاهرة بين ممثلي حركتَي "فتح" و"حماس"، وفصائل فلسطينية أُخرى، من أجل مناقشة فكرة مصرية تقضي بتشكيل لجنة مشتركة تدير الأمور المتعلقة بالحياة اليومية في قطاع غزة وتهتم بشؤون الإعمار، على أن تنسق أعمالها مع الحكومة الفلسطينية في رام الله، وتتوفر لديها الموارد المالية الكفيلة بضمان نجاحها. بيد أن هذه الفكرة التي من المحتمل أن تعارضها حكومة الحرب الإسرائيلية، لم تتجسد على أرض الواقع بعد.

 أي مستقبل لقضية الشعب الفلسطيني الوطنية؟

سيتوقف مستقبل القضية الوطنية للشعب الفلسطيني على نجاح الفلسطينيين في تحقيق وحدتهم الوطنية، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة شراكة حقيقية، وفي استثمار العزلة الدولية الخانقة التي باتت إسرائيل تواجهها بصورة لا سابق لها منذ قيامها، والتي ترافقت مع عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة على الساحة الدولية، وتزايد التوجّه الدولي نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتعزز القناعة بأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة هو الحل الواقعي الوحيد للصراع. ومن المرجح أنه في فترة ما بعد الحرب، لن يكون أي طرف فلسطيني، أو عربي، أو دولي، مستعداً للتعامل مع إعادة إعمار قطاع غزة، ومواجهة مأساة إنسانية بهذا الحجم، من دون أن يكون لديه ضمانات بأن من الممكن التوصل إلى تسوية سياسية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على أساس "حل الدولتين". هذا من جهة، ومن جهة أُخرى، يزداد الشعور بأن مثل هذا الحل لن يكون ممكناً ما لم يبادر المجتمع الدولي إلى أن يفرضه فرضاً على إسرائيل.

بيد أن الخطوة الأولى على هذه الطريق هي وقف الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وإحباط خطر قيام الحكومة الإسرائيلية الأكثر عداء للفلسطينيين باحتلال قطاع غزة أو أجزاء واسعة منه، وبتشجيع مشاريع عودة الاستيطان إليه وتهجير سكانه، والشروع في إعلان الضمّ الرسمي للضفة الغربية المحتلة أو لأجزاء واسعة منها، وخصوصاً في حال حصول هذه الحكومة على دعم كامل من جانب إدارة الرئيس دونالد ترامب المقبلة.

إنها تحديات هائلة، وقد ينجح الفلسطينيون في مواجهتها إذا ما حققوا وحدتهم في المقام الأول، وإلّا فليس من المستبعد أن تتكرس نكبتهم الجديدة هذه إلى حين، في انتظار أن تلتهب شعلة نضالهم الوطني في أوضاع جديدة. ومهما يكن، فإن الحقيقة المؤكدة هي أن قضية الشعب الفلسطيني الوطنية ستبقى حية لأنها قضية إنسانية عادلة.

 

المراجع

 

هذه المراجع منشورة في "مدونة فلسطين – الميدان"، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ورُتّبت بحسب تاريخ نشرها:

 

الشريف، ماهر. "هل يمكن أن تعود السلطة الفلسطينية إلى حكم قطاع غزة؟". "فلسطين - الميدان"، 21 / 12 / 2023، في الرابط الإلكتروني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. "على هامش تكليف محمد مصطفى: الحاجة للوحدة وليس للخلاف". "فلسطين - الميدان"، 19 / 3 / 2024، في الرابط الإلكتروني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. "مخطط إخضاع الفلسطينيين أو تهجيرهم يتقدم بخطوات ثابتة". "فلسطين - الميدان"، 9 / 7 / 2024، في الرابط الإلكتروني. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. "هل باتت "خطة الجنرالات" هي التي ستحدد مستقبل قطاع غزة؟". "فلسطين - الميدان"، 8 / 10 / 2024، في الرابط الإلكتروني. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. "هل تكون عودة دونالد ترامب "فرصة سانحة" لإحياء مشروع الضم الإسرائيلي؟". "فلسطين - الميدان"، 18 / 11 / 2024، في الرابط الإلكتروني.

 

السيرة الشخصية: 

ماهر الشريف: مؤرخ فلسطيني وباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية.