
07/02/2025 عربي

06/02/2025 عربي

06/02/2025 عربي

05/02/2025 عربي
31/01/2025 عربي

29/01/2025 عربي

28/01/2025 عربي

عندما يتعرض الإعلام والإعلاميون للقتل والقمع والتنكيل والترويع والإبعاد عن ساحة الأحداث، فهذا يعني أن أهوالاً وأحداثاً مروعة تقع، ويرغب المُرتكِب في إخفائها عن الرأي العام داخل المنطقة وخارجها، وهذا ما يحدث في قطاع غزة؛ إذ إن الإمعان الإسرائيلي في حرب الإبادة والتدمير الذي يستهدف 2.3 مليون إنسان فلسطيني، المترافق مع إفلات المرتكبين من المساءلة والعقاب، والناجم عن مواقف الدول الداعمة للعدوان الإسرائيلي التي تمنع النقد، وتحول دون الكشف عن الجرائم وتطبيق القانون الدولي، بالإضافة إلى تقييد أو منع احتجاجات التضامن مع الضحايا المطالِبة بوقف حرب الإبادة بذريعة "معاداة السامية".
لا تنفصل الحرب على الإعلام عن الصراعات الداخلية والإقليمية وحروب النهب والهيمنة على أعلى المستويات، فقبل أيام قليلة من انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، قال دونالد ترامب إنه لا يمانع مطلقاً إذا أطلق مهاجم النار على وسائل الإعلام الكاذبة، وخصص بالاسم "NBC"، و"ABC"، و"CBS".[1] وهذا ليس غريباً، فثمة إجراءات محمومة لترهيب الإعلاميين وتطويعهم، إذ تتحدث "جنيفيف لاكير"؛ الأستاذة الحقوقية في جامعة شيكاغو، عن إحساس جديد غير مألوف بالخوف المهني والإعلامي في الولايات المتحدة يُشبه الخوف في الحقبة المكارثية السوداء، والخوف من إبداء الرأي الصريح بالمجازر الإسرائيلية، ومن التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين، ونقْد إسرائيل، وهو خوف لا يشبه الخوف السابق، إنما أعمق يصل إلى حد الرعب، ويستند إلى حوادث خسر فيها أصحاب الرأي المضاد للسردية الإسرائيلية أعمالهم وأرزاقهم.[2] وتعزز سياسة كبح الإعلاميين التحليل الذي أجرته "بي بي سي" لأكثر من 100,000 منشور على "فيسبوك"، والذي يكشف انخفاضاً بنسبة 77% في التفاعل مع منشورات الصفحات الإخبارية التي تصدرها الأراضي الفلسطينية منذ بدء الحرب في غزة، في مقابل الارتفاع في التفاعل مع منشورات الصفحات الإسرائيلية الذي أظهره التحليل، وكشف أيضاً عن تعديل خوارزمية "إنستغرام" لتشديد الرقابة على المستخدمين الفلسطينيين فقط، وأكدت شركة ميتا أنها اتخذت تدابير موقتة للمنتج والسياسة على "الفيسبوك" بعد اندلاع الحرب.[3] يُمارَس عنف منهجي، في قطاع غزة، ضد الإعلاميين لم يسبق له مثيل، إلى الحد الذي أصبح فيه قطاع غزة المكان الأكثر خطراً على حياة الصحافيين في العالم بحسب تقدير المؤسسات الإعلامية المدافعة عن الصحافيين..
إزالة الغطاء القانوني
يتمتع العاملون في الإعلام والمرافق والتجهيزات الإعلامية بالحق في الحماية في أثناء القيام بعملهم ونقلهم ما يجري من أحداث، وتحديداً في أثناء مساهمتهم في كشف المعلومات بشأن معاناة الناس والانتهاكات والجرائم التي تُرْتَكَبُ بحقهم. وتستند الاتفاقية الدولية الخاصة بسلامة الصحافيين والمهنيين الإعلاميين إلى القانون الدولي، كما تدعّمت بقرار مجلس الأمن رقم 1738، سنة 2006، والقرار 2222، سنة 2015، اللّذين وضعا مسألة حماية الصحافيين والعاملين في مجال الصحافة والطواقم المساعِدة ضمن القانون الدولي الإنساني. وجرى اعتماد يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر من كل سنة يوماً دولياً لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين.
وعلى الرغم من التطور القانوني الملازِم لتطور الدور الإعلامي، والذي يخدم التدفق الحر بالكلمة والصورة للأفكار والمعلومات، فإن النتيجة كانت عكسية كما حدث ويحدث للإعلاميين في قطاع غزة، عندما طالت حرب الإبادة المدنيين والإعلاميين معاً، وصارت الحقيقة أول ضحايا الحرب.
استهداف قصدي للإعلاميين
طوال الحرب العالمية الثانية، بلغت خسائر الصحافيين 69 قتيلاً، وبلغ عدد الصحافيين القتلى في الحرب الفيتنامية 66 صحافياً، وعدد الصحافيين الذين قتلوا سنة 2023 في أنحاء العالم 99 صحافياً، وخلال فترة الاحتلال 1967 حتى 2023، بلغ عدد الصحافيين الذين قتلتهم سلطات الاحتلال 104 صحافيين،[4] بينما كانت خسائر الإعلاميين الفلسطينيين مع مرور عام على الحرب أعلى كثيراً. فـ "منذ بداية الحرب في غزة، دمر الجيش الإسرائيلي بشكل ممنهج البنية التحتية لوسائل الإعلام وخنقت الصحافة في القطاع المحاصر، سواء من خلال استهداف الصحفيين وقتلهم، أو تدمير المباني الإعلامية، أو قطع إمدادات الإنترنت والتيار الكهربائي، أو منع الصحافة الأجنبية من دخول غزة جملة وتفصيلاً. وإذ تُعرب مراسلون بلا حدود عن تضامنها مع الصحفيين الغزاويين، فإنها تكرر نداءاتها العاجلة إلى المجتمع الدولي للإسراع بتوفير الحماية اللازمة لهم. [وبفعل ذلك، تراجع إلى حد كبير الحق في الوصول الى المعلومات] وذلك في ظل التعتيم الإعلامي الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي على غزة، والذي يزداد تكثيفاً يوماً بعد يوم. فخلال عام واحد، قَتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 130 صحفياً في غزة، من بينهم 32 على الأقل تم استهدافهم أثناء قيامهم بعملهم."[5] أمّا العدد الفعلي للضحايا بحسب بيان موقع مجموعة من المؤسسات الإعلامية، فقد بلغ 180 ضحية في فلسطين، و12 ضحية في لبنان.[6] وقبل عام من العدوان، يقول تقرير اليونسكو لسنة 2023: "’سجلت دولة فلسطين أكبر عدد من جرائم القتل هذه: إذ قُتِل 24 صحافياً هناك‘... وقد استُهدِفَت الصحافيات في شكل خاص عام 2022 أكثر من السنوات السابقة. وسجّلت المنظمة عشر جرائم قتل لصحافيات هذا العام وحده... كما قُتلت الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة خلال مداهمة إسرائيلية أثناء تغطيتها اشتباكات في الضفة الغربية المحتلة."[7]
ويعود استهداف الإعلاميين في كل مكان يتواجدون فيه داخل قطاع غزة إلى الاعتقاد الإسرائيلي أن جميع الصحافيين ووسائل الإعلام، بل أيضاً كل مَن يعيش في قطاع غزة، هُم أعضاء في "حماس" وقوة النخبة التابعة لها، وقتلة، ومغتصبون، أو شركاء وداعمون لـ "الإرهاب".. لا يوجد أبرياء في غزة؛ لا نساء، ولا أطفال، ولا صحافيون. ويزداد الوضع تعقيداً لأن أغلب الصحافيين الإسرائيليين لا يبالون بمصير نظرائهم في غزة، فلم يقدموا عريضة واحدة ضد قتل الصحافيين، ولم تنظَّم مظاهرة واحدة.[8]
الموت الاجتماعي للصحافيين
في دراسة بعنوان هندسة الإبادة الإعلامية، يقول محمد الراجي: "ويبدو المتغير الأكثر بروزًا في هذه الحالة الاستثنائية هو القتل الواسع الذي يستهدف أفراد أسر الصحفيين الفلسطينيين وأقربائهم، وتدمير المنازل فوق رؤوسهم، ثم سياسة التهجير القسري لمن نجا من القصف بالطائرات الحربية والمسيرات والصواريخ والقذائف المدفعية... إذ يفقد الصحفي روابطه الأسرية والاجتماعية... [ضمن] ما أسماه عالم الاجتماع أورلاندو باترسون (Orlando Patterson) ’الموت الاجتماعي‘ للفرد." وهذا يمثل أحد وجوه الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني. ومن الأمثلة في هذا الشأن؛ مراسل "تلفزيون فلسطين" محمد أبو حطب الذي قُتل مع 11 فرداً من عائلته، ووائل الدحدوح الذي قُتلت زوجته واثنان من أبنائه وحفيدته، كما استُشهِد علاء أبو معمر مع 27 فرداً من عائلته، وارتقى 21 فرداً من عائلة مؤمن الشرافي، منهم أمه وأبوه، ولقي 19 شخصاً من عائلة محمد أبو القمصان حتفهم، بينهم أبوه واثنتان من أخواته.[9] والهدف من ذلك هو طمس الرواية الفلسطينية وإخفاء الجرائم والانتهاكات التي يمارسها جيش الاحتلال بالقضاء على منتجها أو منعه من أداء مهمته.
الإفلات من العقاب
"في حوالي 80% من جرائم قتل الصحفيين انتقاماً منهم على عملهم التي جرت في العالم في العقد الماضي [والأغلبية العظمى من قتلة الصحافيين يظلون أحراراً طلقاء]."[10] وإن النسبة الأكبر من هؤلاء ينتمون إلى المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، فكان النموذج الساطع على ذلك إفلات الجنود؛ قتلة الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، من العقاب، على الرغم من وجود الأدلة. ويقول بيان مراسلون بلا حدود: "إن فلسطين هي البلد الأكثر خطورة على الصحافيين فقد سجلت حصيلة قتلى أعلى من أي بلد آخر خلال السنوات الخمس الماضية. ورفعت المنظمة أربع شكاوي أمام المحكمة الجنائية الدولية تتعلق بجرائم حرب ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد صحافيين. وقالت المنظمة: ’إن ’أكثر من 145‘ صحافياً قتلوا على أيدي القوات الإسرائيلية في غزة منذ بدء الحرب في القطاع في تشرين الأول (أكتوبر) 2023 عقب هجوم حماس على إسرائيل، منهم 35 كانوا يعملون وقت مقتلهم.‘
ووصفت المنظمة عدد عمليات القتل بأنها ’حمّام دم لم يسبق له مثيل‘ ... وقال الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد منسر في مؤتمر صحافي الأربعاء: ’نحن نرفض هذه الأرقام.‘ وأضاف: ’نحن نعلم أن معظم الصحافيين في غزة يعملون على الأرجح تحت رعاية حماس، وأنه حتى يتم القضاء على حماس، لن يُسمح لهم بنقل المعلومات بحرية.‘ [وهذا يفسر قول آن بوكاندي مديرة تحرير مراسلون بلا حدود]:’إن الصحافة مهددة بالانقراض في قطاع غزة.‘"[11]
يُعرِّف الإعلام الإسرائيلي والإعلام الغربي الداعم له الحرب بأنها حرب لإنقاذ مخطوفين إسرائيليين ولإزالة تهديد إرهاب "حماس" الذي يشكّل خطراً على الوجود الإسرائيلي برمّته. ويتم تبرير حرب الإبادة واستباحة المستشفيات والمدارس وخيام اللاجئين والمؤسسات الدولية والإعلامية وارتكاب مجازر داخلها، خارج قواعد القانون وأخلاقيات مهنة الصحافة، بادعاء أن المسلحين الفلسطينيين يستخدمون المدنيين كدروع بشرية تارةً، ويندمجون(المسلحون) مع المدنيين ويعتبرون الجميع مصدر خطر وتهديد تارةً أُخرى.
الإخفاق في احتكار رواية الحرب
لم ينجح الخطاب الإعلامي والسياسي الإسرائيلي وامتداداته الغربية في تبرير حرب الإبادة وجرائمها التي تحولت إلى جرائم بحق الإنسانية واستدعت إصدار مذكرات سَوْق نتنياهو وغالانت إلى محكمة الجنايات، ومحاكمة دولة إسرائيل من جانب محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب حرب إبادة ضد المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة المدعومة من سائر المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية. وقد أخفق الخطاب الإعلامي والسياسي الإسرائيلي في تجاهل حقيقة أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هو المستهدَف بحرب الإبادة التي حولته إلى جحيم لا يطاق، وحقيقة الاحتلال الكولونيالي ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي وسيطرته على شعب آخر والذي يتسبب بحدوث انفجارات وحروب ومقاومة وعدم استقرار لامتناهي، كما أخفق في تسويق إسرائيل كضحية للكراهية واللاسامية.
إن منْع دخول الصحافيين قطاع غزة عبر إسرائيل ومنْعَهم من الدخول عبر الحدود المصرية حرم الرأي العام من تقديم رواية ثالثة إلى جانب الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية. ولمّا كانت الرواية الإسرائيلية هي الرواية المعتمَدة في دوائر الإعلام الغربي الأساسية، ساهمت تقارير المنظمات الدولية المختصة، وأفلام الفيديو التي نشرها جنود الاحتلال عن جرائمهم البشعة في دعم الرواية الفلسطينية، وبحسب تقرير صحيفة "واشنطن بوست"، فقد "أظهرت مقاطع الفيديو والصور مراراً وتكراراً قوات إسرائيلية وهي تهدم مباني بأكملها، بما في ذلك المنازل والمدارس، فضلاً عن نهبها وإحراقها. وتُظهر صور أُخرى جنوداً إسرائيليين يقفون بجوار جثث القتلى ويدعون إلى إبادة الفلسطينيين وطردهم. وقد نشر الجنود الإسرائيليون آلاف الصور ومقاطع الفيديو من ساحة المعركة، وسجلوا أفعالهم في وسائل التواصل الاجتماعي، واستمروا في تصوير المشاهد، والنتيجة هي مخزون هائل من الصور والفيديوهات التي تقدم رؤية نادرة ومزعجة لكيفية تصرف الجنود في إحدى أكثر الحروب دموية وتدميراً."[12]
وعلى الرغم من استهداف الإعلاميين بالقتل، فإن مراسلين فلسطينيين يعملون مع فضائيات عربية وأجنبية وفلسطينية يقومون بتوثيق جرائم وانتهاكات جنود الاحتلال ومعاناة الضحايا، ويبادر نشطاء شجعان إلى تصوير تفاصيل مهمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تُكمل المشهد المروع ونشرها، لتكون النتيجة كشْف المزيد من الجرائم والانتهاكات الأبشع في تاريخ الحروب. إن صور أشلاء الضحايا وعذابات الأبرياء وصور القنابل والصواريخ الثقيلة التي تشعل النيران في كل مكان، وتحيله إلى دمار ممزوج بأجساد المدنيين، شكلت وعياً عالمياً جديداً بحقيقة إسرائيل التي تمارس حرب الإبادة، في الوقت الذي تزدري فيه القانون الدولي الإنساني وقواعد الحرب والسلم، وسط تواطؤ النظام الدولي ودعم الإدارة الأميركية وبعض الدول الغربية.
خاتمة
غطى الإعلاميون الفلسطينيون ووسائل الإعلام جرائم الحرب وجزءاً من المعاناة الأشد قسوة، لكنهم تخلّفوا عن الاستجابة إلى حاجة المنكوبين والمشرَّدين إلى التواصل في قضايا إنسانية واجتماعية ومعيشية ضاغطة. ولم يتوقفوا عند المبادرات المجتمعية في تأمين الغذاء والتعليم، ولا عند تجارب الجيش الأبيض والدفاع المدني وتضحياتهم وتفانيهم دفاعاً عن مجتمعهم، كما لم يتوقفوا عند الاحتكار والاستغلال البشع وظواهر النهب والسرقة ورفع الأسعار، وتجاهلوا مساءلة المسؤولين الفلسطينيين والمؤسسة الفلسطينية الحكومية وقيادة منظمة التحرير وفصائلها عن الأدوار والمبادرات السياسية والإنقاذية والأخطاء والقصور بأنواعه، وأغفلوا مساءلة أصحاب الأموال ودورهم اللامبالي في تخفيف عذابات 2.3 مليون مواطن وتقاسُم الأعباء، ولم يطرحوا سؤال "لماذا لا يدافع المجتمع المدني عن نفسه وهو يتعرض للإبادة؟"
وقبل الحرب، تفاخر إعلاميون فلسطينيون بوجود عشرات محطات التلفزة والإذاعة الخاصة في الضفة والقطاع، غير أنهم لم يفسروا أداء المحطات الهش بعد سنة وشهرين من حرب الإبادة. وما هو واضح للعيان أن تلك المحطات لم تكن بمستوى المسؤولية، سواء أكان ذلك من جهة تقديم المبادرات، أم التحول إلى منابر مفتوحة للمنكوبين يطلقون عبرها طلب المساعدة والتعاون والدعم والنداءات. وقد اقتصر دور المحطات -باستثناءات قليلة - على تغطية إخبارية عن بُعد، واستضافة محللين سياسيين يكررون آراءهم المملة المنفصلة عن نبض المنكوبين. والمفارقة هي أن راديو "بي بي سي" أطلق برنامج "غزة اليوم"، في تشرين الأول/نوفمبر 2023، وقدّم خلاله معلومات بشأن المفقودين والمرضى والجرحى وحاجتهم إلى الأدوية، وأتاح فرصة التواصل بين أفراد العائلات داخل قطاع غزة وخارجه، ونَقَل أصوات المتضامنين واستضاف الفارين عبر خدمة إخبارية وإنسانية طارئة وصلت إلى حد 700,000 مستمع أسبوعياً، وأكثر من مليوني تحميل خلال ثلاثة أشْهُر.[13] ولا يفوتني القول إن البرنامج تجاهل السياسات التي شكّلت غطاء لحرب الإبادة بذريعة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تمارس "حق" الإبادة والتطهير العرقي ولم يقل مقدموا البرنامج إن جزءاً من القذائف التي كانت تقتل الغزيين وتشرّدهم صناعة وتسويق وتبرع من الحكومة البريطانية التي تدعم برنامج "غزة اليوم".
وتسمح الفضائيات العربية الأوسع انتشاراً بنقل الرواية الإسرائيلية عن طريق الناطقين باسم جيش وسلطات الاحتلال، وعبر رؤساء، ووزراء، وأعضاء كنيست، وإعلاميين، ولوحظ أن الوقت الذي يستغرقه هؤلاء أطول كثيراً من الوقت المخصص للرواية الفلسطينية، وربما يعود ذلك إلى كثافة الحضور الإسرائيلي بالنسبة إلى الحضور الفلسطيني، لكنه لا يبرر إتاحة هذه المنابر للمتهَمين بارتكاب جرائم حرب وممارسة التضليل ومجافاة الحقيقة. وتقدّم بعض الفضائيات الفعل الإجرامي الإسرائيلي من قتل ودمار باعتباره كارثة لا راد لها وعقاباً لا مخرج منه، الأمر الذي يساهم في انكسار وإحباط المجتمع الفلسطيني برمّته، وخصوصاً عندما لا يتم التفاعل مع الأبعاد والحاجات والمبادرات الإنسانية المبدعة للمنكوبين من داخل الحرب والدمار. ثمة فارق بين التركيز الإعلامي على مجتمع يقاوم الإبادة والتفكيك والتطهير والتهجير، عبر قصص نجاح وتفانٍ وصمود لنساء ومتطوعين ومنتجين ومسعفين وطلبة ومعلمين وأطباء وفنانين وإعلاميين ومقاومين شجعان، وبين اختصار الحرب ومقاومين وجيش فائق القدرات، فإن بعض الفضائيات تقدم المقاومة بالشرح والتحليل كرَدّ شافٍ ووحيد على جرائم الاحتلال مُغفِلة الفارق الشاسع بين قوتيهما، وكأنهما قوتان متكافئتان، وأيضاً مغفِلة حقيقة أن إسرائيل تدمر المجتمع الفلسطيني وتهدّد وجوده في قطاع غزة. ولا تطرح الفضائيات العربية والإعلام الفلسطيني السؤال المحرج: "لماذا يفتقد 2.3 مليون فلسطيني الحق في الحماية من آلة حرب جهنمية؟" إنها أول حرب في العالم لا يجد فيها شعب أعزل الحق في الحماية وتأمين مكان آمن للأطفال والجرحى والمرضى والحوامل والمسنين. وعندما يفقد هؤلاء حقهم في الحياة، نكون أمام جريمة بحق الإنسانية، يفتقد فيها الشعب الأعزل حقه في الحياة.
[1] "ترامب يقول لا يمانع إذا أطلق مهاجم النار على الإعلام الكاذب"، "الأيام"، 5/11/2024.
[2] Hussein abu Haneen, Facebook, 7/11/2024.
[3] "تحقيق لبي بي سي يكشف عن تقييد فيسبوك للصفحات الإخبارية الفلسطينية"، "بي بي سي عربي"، 18/12/2024.
[4] محمد الراجي، "الحرب على غزة وهندسة الإبادة الإعلامية للجماعة الصحفية (2023 – 2024)"، "الجزيرة للدراسات"، 15/7/2024.
[5] بيان صادر عن منظمة مراسلون بلا حدود بعنوان "عام من الحرب في غزة: كيف فرضت إسرائيل التعتيم الإعلامي على قطاع محاصر يئن تحت الغارات"، موقع "مراسلون بلا حدود"، 30/10/2024.
[6] بيان حول استهداف وقتل الصحفيين في فلسطين ولبنان.
[7] العربية: جرائم قتل الصحافيين تبقى بلا عقاب، 2/11/2024.
[8] حنين مجادله، "مقتل أكثر من 110 صحافيين في غزة ونظراؤهم الإسرائيليون يلتزمون الصمت"، "هآرتس"، 7/8/2024 (بالعبرية).
[9] محمد الراجي، مصدر سبق ذكره.
[10] ونيفر دونهام، "القتل والإفلات من العقاب: الغالبية العظمى من قتلة الصحفيون يظلون أحراراً طلقاء".
[11] "مقتل 54 صحافياً في العام 2024"، تقرير "مراسلون بلا حدود"، صحيفة "النهار، 12/12/2024.
[12] “Revenge, fire and destruction: A year of Israeli soldiers’ videos from Gaza”, The Washington Post, Loveday Morris and others, 3/12/2024.