حظر عمل الأونروا ووهم تصفية حق العودة
التاريخ: 
04/11/2024
المؤلف: 

أقرّ الكنيست الإسرائيلي، في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2024، اقتراح قانون يمنع عمل وكالة الأونروا في إسرائيل، ويجعل من الصعب عليها العمل في القدس الشرقية المحتلة، حيث تقدم خدماتها لسكان مخيم شعفاط للاجئين البالغ عددهم حوالي 60 ألف نسمة، وكذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، وذلك بتأييد 91 عضواً ومعارضة 10 أعضاء وامتناع نواب حزب العمل عن التصويت. وقال رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو، بعد التصويت، إن "موظفي الأونروا متورطون في عمليات 'إرهابية' ضد إسرائيل، ويجب أن تتحمل الوكالة المسؤولية"، وأضاف: "أنا مستعد للعمل مع شركائنا الدوليين لضمان استمرار إسرائيل في تسهيل المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة". ونقلت نشرة "مختارات من الصحف العبرية" اليومية، الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عن صحيفة "هآرتس" اعتقادها بأن هذا القانون سيجعل من الصعب على الأونروا التعامل مع البنوك الإسرائيلية، مما سيؤدي "إلى الانهيار الإداري للوكالة في الضفة والقطاع بسبب العراقيل التي ستوضع على دفع الرواتب، وعلى الدفع للموردين الذين لهم علاقة ببنك ليؤمي [الإسرائيلي]". كما أقرّ الكنيست اقتراح قانون آخر ضد الأونروا ينص على "منع مؤسسات الدولة وكيانات وأشخاص آخرين يتولون مناصب عامة، بحسب القانون، من إقامة أيّ علاقة بالأونروا، أو أيّ جهة من طرفها"، بحيث يتم "إلغاء التسهيلات الضريبية والحصانة الدبلوماسية التي كانت تتمتع بها الوكالة"، على أن يدخل هذان القانونان حيز التطبيق خلال 90 يوماً[1].

 يتوهمون أن نزع الشرعية عن الأونروا قد ينزع الشرعية عن حق العودة

لم يكن الهجوم الذي شنته إسرائيل على الأونروا، خلال حربها الجارية على قطاع غزة، جديداً، إذ لطالما كانت الهجمات على هذه الوكالة الدولية نهجاً ثابتاً انتهجته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، كما يلاحظ جلال الحسيني، الباحث المشارك في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في عمان ومؤلف العديد من الدراسات عن الأونروا وعن قضية اللاجئين الفلسطينيين. فمنذ أواخر خمسينيات القرن العشرين "عندما اتضح أن التفويض المؤقت الذي كانت تتمتع به الأونروا سيستمر إلى حين حل مشكلة اللاجئين، وإسرائيل تهاجم الأونروا باستمرار، ذلك إن هناك عدة أسباب لذلك، أحدها جوهري: لقد أصبحت الأونروا، في نظر الشعب الفلسطيني الرمز الحي لتطلعات اللاجئين في العودة إلى ديارهم، ورمزاً للمأساة التي يعيشها هؤلاء اللاجئون المقتلعون من ديارهم، وبالتالي فإن مهاجمة الأونروا قد ينزع الشرعية عن حق العودة". ويتابع جلال الحسيني، في مقابلة أُجريت معه في 1 كانون الأول/ديسمبر 2004، قوله "إنه منذ بداية الاحتلال سنة 1967، لم يتردد الإسرائيليون في اعتقال أفراد من موظفي الأونروا أثناء ممارستهم مهنتهم، بحجة أن هذا المعلم أو هذا الطبيب كان ناشطاً تابعاً لمنظمة مقاومة للاحتلال"، كما لم تتوقف "الاقتحامات المسلحة لمبانيها الرسمية". ويخلص الباحث المذكور إلى أن الأونروا ليست معنية مباشرة بالدفاع عن حق العودة، بصفتها "منظمة إنسانية غير سياسية"، لكن ما فعلته من خلال تصريحات مفوضيها العامين "هو التأكيد على وجود صلة عضوية بين القرار الدولي 194 الذي يدعو إلى عودة اللاجئين وتعويضهم، والقرار الدولي 302، الذي أُنشئت الأونروا بموجبه"[2].ففي الأصل، كان من المفترض أن تعمل وكالة الأونروا لمدة عام واحد فقط، لكن الدول العربية - التي استضافت أغلبية اللاجئين الفلسطينيين ولم ترغب في تحمل مثل هذا العبء وحدها - دعت إلى تعديل القرار 302، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول/ديسمبر 1949، بحيث تكون ولاية الأونروا قابلة للتجديد بصورة دورية. ومع مرور الأعوام، انتقل عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا من 750,000 إلى نحو 5900000، بحيث تحوّلت هذه الوكالة، كما تكتب كلوي بونوا، الصحافية الفرنسية المختصة بقضايا الشرق الأوسط والعاملة في موقع "إكوال تايمز"، بفضل "خدماتها الإنسانية في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية إلى دولة داخل الدول، وأصبح دورها أكثر أهمية لأنه في بعض البلدان المضيفة مثل لبنان، يتم استبعاد اللاجئين من الخدمات العامة". فالأونروا كانت "جزءاً أساسياً من حياة محمد أبو سرور، اللاجئ الفلسطيني البالغ من العمر 27 عاماً والذي قضى حياته بأكملها في مخيم عايدة للاجئين في جنوب الضفة الغربية، إذ قدمت الأونروا له التعليم حتى الصف التاسع، وموّلت البنية التحتية في المخيم، وغطت تكاليف الرعاية الصحية جزئياً، ووفرت فرص العمل للمقيمين في مجتمعه". وعلى الرغم من أهمية هذا الدور الإنساني، إلا أن هذا الشاب الفلسطيني "يعتقد أن الدور الأكثر أهمية للأونروا لا يكمن في هذه المجموعة من الخدمات، بل في توثيق اللاجئين أنفسهم، من خلال سجلاتها المنسقة بعناية، منذ النكبة الفلسطينية". وتنقل الصحافية نفسها عن كريستوفر غانيس، المتحدث باسم الأونروا، قوله: "إن إسرائيل تلومنا على إدامة أزمة اللاجئين، وهو أمر سخيف تماماً، ذلك إن ما يديم أزمة اللاجئين هو عدم قدرة الأطراف السياسية على حلها من خلال المحادثات السياسية على أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة"[3].

تصاعد الهجوم على الأونروا خلال الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة

في 26 كانون الثاني/يناير 2024، زعم مسؤولون إسرائيليون أن 12 موظفاً من موظفي الأونروا متورطون في الهجوم الذي وقع في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على مستوطنات "غلاف غزة"، ثم تناقلت العديد من وسائل الإعلام، نقلاً عن تقديرات استخباراتية، مزاعم بأن حوالي 10 % من جميع موظفي الأونروا في قطاع غزة، أي نحو 1200 شخص، لهم صلات بحركة "حماس" أو بحركة الجهاد الإسلامي، علماً بأن وكالة  الأونروا لم تتلقَ أي معلومات، أو أي دليل، من السلطات الإسرائيلية بخصوص هذه المزاعم.

ومع ذلك، فقد قرر المفوض العام للأونروا إنهاء مهام هؤلاء الموظفين فوراً "حرصاً على مصلحة الوكالة". وبناءً على طلب من الأمين العام للأمم المتحدة، قام مكتب خدمات الرقابة الداخلية، وهو أعلى هيئة تحقيق في الأمم المتحدة، بفتح تحقيق في هذه المزاعم، ثم شكّل الأمين العام، في 5 شباط/فبراير 2024، لجنة مستقلة للتحقيق برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة كاترين كولونا، لم يكشف تقريرها، الصادر في 22 نيسان/أبريل الفائت، عن "أي خلل وظيفي كبير داخل المنظمة"، على الرغم من بروز بعض "المشاكل المرتبطة بحياديتها"، مؤكداً أن إسرائيل "لم تقدم حتى الآن دليلاً على اتهاماتها الرئيسية"[4]. وتعليقاً على هذا التقرير، نشرت صحيفة "لوموند" الباريسية، في 27 من الشهر نفسه، افتتاحية بعنوان: "غزة: الهجوم غير المجدي على الأونروا"، أشارت فيه إلى أن ألمانيا ودولاً أخرى استأنفت تقديم مساعداتها لوكالة الأونروا، بعد أن كانت قد علّقتها في ضوء الاتهامات الإسرائيلية لعدد من موظفيها بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر، وذكرت أن إسرائيل "اعتبرت دوماً أن الأونروا تحافظ، بصورة مصطنعة، على إحدى نقاط الخلاف الرئيسية في الصراع مع الفلسطينيين، المتمثلة في مصير اللاجئين جراء الحربين بين العرب وإسرائيل في 1948-1949 و 1967، والذين يبلغ عددهم اليوم بضعة ملايين". ثم توقفت الصحيفة عند التقرير الصادر عن لجنة التحقيق التي ترأستها كاترين كولونا، فأكدت أن ذلك التقرير "دحض قسماً كبيراً من الاتهامات الإسرائيلية"، فهو وإن اعترف بوجود مشكلات "حياد سياسي"، إلا أنه أقرّ بأن الأونروا "تمتلك آليات لضمان هذا الحياد، أكثر مما تمتلكه وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة"، مقدّراً أن الأونروا "لا يمكن استبدالها ولا الاستغناء عنها"، وأن الهجوم عليها، بينما تواجه غزة "أزمة إنسانية، بل وجودية متعددة الأبعاد"، يكشف عن "سياسة غير مسؤولة للأرض المحروقة، بينما هناك طريق أفضل للرد على التساؤلات والانتقادات بشأن وضع الأونروا، وهي بذل كل الجهود من أجل إيجاد أفق سياسي يحل محل أفق الحرب المظلم القائم اليوم"[5].

وكانت وكالة الأونروا قد أصدرت، في 29 شباط/فبراير الفائت، وثيقة بعنوان: "حقائق في مواجهة المعلومات المضللة"، ذكرت فيها أنها "كأي منظمة أخرى تابعة للأمم المتحدة، تقوم بإجراء فحوصات مرجعية مفصلة لجميع موظفيها"، كما "تقوم سنوياً بإطلاع السلطات المضيفة، في لبنان والأردن وسورية والسلطة الفلسطينية وكذلك إسرائيل بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وغزة، على أسماء وأرقام الموظفين ووظائفهم"، وأنها لم تتلقّ، قبل شهر كانون الثاني/يناير 2024، "أي إشارة من السلطات المعنية حول تورط موظفيها في جماعات مسلحة". وأضافت الوثيقة أنه "خلال النزاعات في قطاع غزة، وقعت حوادث انتهكت فيها جهات مسلحة من كلا الجانبين حيادية مواقع الأونروا المحمية بموجب القانون الدولي"، الأمر الذي دفع الأونروا إلى "إدانة مثل هذه الانتهاكات لمباني الأمم المتحدة". أما فيما يتعلق بالزعم الإسرائيلي بأن مناهج التعليم المتبعة في مدارس الأونروا تحض على "الكراهية"، فقد أوضحت الوثيقة أن الأونروا "تستخدم الكتب المدرسية للحكومة المضيفة، بما يتماشى مع أفضل ممارسات الأمم المتحدة للتعليم الجيد في مخيمات اللاجئين"، وهي "تقوم بمراجعة جميع الكتب المدرسية المستخدمة في مدارسها لتحديد الأجزاء التي تتوافق مع قيم الأمم المتحدة ومعايير اليونسكو التعليمية، ولا تتسامح الأونروا مع خطاب الكراهية أو التحريض على التمييز أو العنف، وقد أكد المحللون المستقلون وخبراء التعليم الدوليون على جودة محتوى التعليم الذي تقدمه الأونروا في مدارسها"[6].

وفي 30 أيار/مايو الفائت، طالب المفوض العام لوكالة الأونروا، فيليب لازاريني، إسرائيل بوقف "حملتها" ضد وكالته، وذلك في مقال رأي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "يجب على إسرائيل أن توقف حملتها ضد الأونروا"، ورد فيه: "بينما أكتب هذه السطور، تحققت وكالتنا من مقتل ما لا يقل عن 192 من موظفيها في غزة، وتضرر أو دُمر أكثر من 170 مرفقاً تابعاً لها، وقد هُدمت المدارس التي تديرها الأونروا، وقُتل 450 نازحاً أثناء لجوئهم إلى المدارس أو غيرها من منشآت الأونروا". كما تقوم قوات الأمن الإسرائيلية، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، "باعتقال موظفي الأونروا في غزة، الذين أفادوا بتعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم"، كما "يتعرض موظفو الأونروا للمضايقات والإهانات بصورة منتظمة عند نقاط التفتيش الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية" التي احتلها إسرائيل وضمتها. وأعرب فيليب لازاريني عن أسفه لأن "المسؤولين الإسرائيليين لا يهددون عمل موظفينا فحسب"، بل يعملون أيضاً على نزع الشرعية عن الأونروا من خلال تصويرها "كمنظمة إرهابية تروّج للتطرف"، داعياً المجتمع الدولي إلى "العمل بحزم ضد الهجمات غير الشرعية على الأمم المتحدة، ليس فقط من أجل غزة والفلسطينيين، بل من أجل جميع الدول"[7].

حملة دولية واسعة ضد قرار الكنسيت

أثار تصويت الكنيست على قانونَي حظر عمل الأونروا غضباً دولياً واسعاً، ترافق مع دعوة المجتمع الدولي إسرائيل إلى تعليق قرارها الذي "ينتهك القانون الدولي من خلال استهدافه المباشر عمليات إحدى وكالات الأمم المتحدة، ويهدد مصير المساعدات الإنسانية في غزة". وقال فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا، إن "هذا التصويت يخلق سابقة خطيرة تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة وتنتهك التزامات دولة إسرائيل بموجب القانون الدولي"، وهو "يزيد من معاناة الفلسطينيين ولا يشكّل سوى عقاب جماعي". بينما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "إنه لا يوجد بديل للأونروا"، ودعا إسرائيل "إلى التصرف وفقاً لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة وفيما يتعلق بالقوانين الدولية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالقانون الإنساني وحقوق الإنسان"، مشدّداً على أن "القوانين الوطنية لا يمكنها تغيير هذه الالتزامات"، وذلك قبل أن يعلن عزمه على "عرض هذه القضية على الجمعية العامة للأمم المتحدة". وندد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، بالقرار "الذي لا يطاق"، والذي ستكون له "عواقب مدمرة"، وأضاف أن ذلك "يتعارض مع التزامات إسرائيل ومسؤولياتها"، مؤكداً أن "الأونروا شريان حياة لا يمكن تعويضه للشعب الفلسطيني". وقال ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) جيمس إلدر إن القانون الذي أقرّه الكنيست ضد الأونروا "ينطوي على طريقة جديدة لقتل الأطفال الفلسطينيين"، وأشار إلى أن منظمته "لا تستطيع تقديم المساعدات المُنقذة للحياة من دون الأونروا". وفي الوقت نفسه، وقبل التصويت، أعلنت الولايات المتحدة أنها "قلقة للغاية" و"حثت الحكومة على عدم الموافقة" على هذا النص، بحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، الذي أصر على الدور الإنساني "الحاسم" للأونروا في غزة، في حين دعت سبع دول حليفة لإسرائيل، من بينها ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، السلطات الإسرائيلية إلى "تعليق تشريعاتها هذه"، محذرة من "عواقبها المدمرة" في الضفة الغربية وقطاع غزة". وحتى في إسرائيل، أثار مشروع القانون، قبل يوم من إقراره، القلق بين كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، حسبما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليومية الإسرائيلية، التي  حذرت "من أنه إذا تم اعتماد النص في القراءة الثانية والثالثة في الكنيست، فقد يتم تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة لانتهاكها ميثاق المنظمة"[8].

لن يكسر الفلسطينيون المفتاح رمز العودة مهما عانوا

نقلت نشرة "مختارات من الصحف العبرية"، في 30 تشرين الأول/أكتوبر الفائت عن قناة (N12)، مقالاً للدكتوره عينات ويلف، بعنوان: "بعد الآن، لن تكون إسرائيل 'قبة حديدية' للأونروا"، أشارت فيه إلى أنها عملت خلال عشرين عاماً "بطرق مختلفة في الكنيست، ومن خلال الكتب والمقالات والمحاضرات واللقاءات في البلد وفي الخارج"، كي تلقي الضوء "على الدور 'المدمر' الذي تقوم به الأونروا من أجل إذكاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، ومن خلال عملها تخلق شرعية غربية ودولية للأيديولوجيا الفلسطينية التي ترفض الصهيونية، ولا تعترف بوجود دولة إسرائيل وسيادة اليهود على أيّ أرض من النهر إلى البحر المتوسط"، وهو الإنكار الذي تجلّى "في الاختراع غير المسبوق لمفهوم اللجوء الذي لا أساس له، والمطالبة التي لا تنتهي بـ 'حق العودة' إلى دولة أُخرى ذات سيادة"، معتبرة أنه "بفضل الأونروا واللجوء الذي لا نهاية له واختراع 'حق العودة' كان من الممكن للعرب [الفلسطينيين]، تحت مظلة المال الغربي وتأييد الأمم المتحدة، الاستمرار في الاعتقاد أنهم لم يخسروا في حرب 1948، وسيأتي اليوم الذي سينتصرون فيه، ويحققون هدفهم في القضاء على السيادة اليهودية على أيّ أرض كانت". وتعليقاً على قرار الكنيست بحظر عمل الأونروا، عبّرت الدكتوره "اليسارية" عن اعتقادها بأن "ما جرى تعبير مهم عن موقف الكنيست السيادي في مواجهة حكومة تعاني الجمود والضغوط، وأعتقد أنه بعد 7 أكتوبر، شعر أعضاء الكنيست بوجود إجماع واسع النطاق وسط الجمهور الإسرائيلي ضد الأونروا، وضد التعاون معها، وأن الحكومة تماطل، والمنظومة الأمنية تتصرف كأن شيئاً لم يتغير، ومن خلال هذه الفجوة، قام الكنيست بوظيفته"[9].

والدكتوره عينات ويلف، باحثة في "معهد واشنطن" وفي "معهد سياسة الشعب اليهودي"، وكانت نائبة في الكنيست عن حزب العمل قبل أن تنسحب منه وعملت ضابطاً في الاستخبارات، وقد اشتُهرت بعد قيامها، قبل سنوات، بإصدار كتاب بعنوان: "حرب العودة"، ظهر في تصميم غلافه مفتاح مكسور، وقدّرت فيه أن فكرة "حق العودة" للفلسطينيين أبقت الصراع "حياً لعقود طويلة من الزمن"، وأن جوهر الصراع "لا يتعلق بالحدود، أو بالسيادة، وإنما برفض وجود دولة يهودية". فمع أن العرب الفلسطينيين "فشلوا في هزيمة إسرائيل، إلا أن الطريق الوحيدة لاستكمال حربهم عليها كانت مطالبتهم بحق العودة". وتابعت، في حوار أُجري معها في تل أبيب ونشر على موقع "أنستغرام"، أن الفلسطينيين، و"طوال السنين التي قالوا فيها إنهم يريدون السلام والتعايش"، وإنهم "يريدون دولتين"، بقوا يصرون على حق العودة، الأمر الذي يعني أنهم "يريدون دولة في الضفة وغزة، ودولة عربية ثانية تحل محل دولة إسرائيل"، لتخلص إلى أنه يتوجب على الفلسطينيين، "إن أرادوا السلام حقاً"، أن "يكسروا المفتاح" باعتباره رمزاً لحقهم في العودة[10].

وهكذا، بيّنت عينات ويلف حقيقة الموقف الإسرائيلي، الذي يحظى بإجماع جميع الأحزاب الصهيونية من "اليمين" إلى "اليسار" مروراً بـ "الوسط"، والذي يدل على أن الهدف من وراء استهداف وكالة الأونروا هو تصفية حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم. بيد أن الفلسطينيين، الذين ستزيد معاناتهم بعد حظر عمل الأونروا، لن يكسروا المفتاح، في أي حال من الأحوال، بل سيحافظون عليه بصفته رمزاً لحقهم في العودة، وهو الحق الذي أقرته الشرعية الدولية ولا يمكن لأي وطني فلسطيني أن يتخلى عنه. وهم قدموا تنازلاً كبيراً من أجل سلام "العدل الممكن" عندما ارتضوا قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، إلى جانب دولة إسرائيل.

 

[1] https://mukhtaraat.palestine-studies.org/ar/node/35563

[2] https://www.france-palestine.org/En-attaquant-l-UNRWA-on-delegitime 

[3] https://www.equaltimes.org/soixante-huit-ans-d-aide?lang=en

[4] https://unric.org/fr/unrwa-les-faits-plutot-que-les-rumeurs

[5] https://www.lemonde.fr/idees/article/2024/04/27/gaza-l-assaut-contre-productif-contre-l-unrwa_6230287_3232.html

[6] https://unric.org/fr/unrwa-les-faits-plutot-que-les-rumeurs

[7] https://www.lorientlejour.com/article/1415751/gaza-le-chef-de-lunrwa-exige-quisrael-cesse-sa-campagne-contre-son-agence.htm

[8] https://www.tdg.ch/interdiction-de-lunrwa-un-precedent-en-droit-international-712135088562;

https://www.courrierinternational.com/article/onu-israel-interdit-les-activites-de-l-unrwa-sur-son-territoire_223937;

https://mukhtaraat.palestine-studies.org/ar/node/35575

[9] https://mukhtaraat.palestine-studies.org/ar/node/35579

[10] https://www.instagram.com/rawanosman2024/reel/DA_Mqg5N8uC