فلسطينيو لبنان لاجئون ونازحون وداعمون
التاريخ: 
29/10/2024
المؤلف: 

صحيح أن الجبهة مع لبنان مشتعلة منذ أكثر من عام، إلاّ إنها تحولت إلى حرب منذ 17 أيلول/سبتمبر الماضي. وحتى ذلك اليوم، لم تكن هناك موجات نزوح كبيرة في لبنان، حتى 30 أيلول/سبتمبر الماضي، حين شن الطيران الإسرائيلي غارات على الجنوب اللبناني، أدت إلى استشهاد نحو 558 شخصاً بحسب وزارة الصحة اللبنانية.

وقُدرت أعداد النازحين بأكثر من 1.4 مليون نازح بحسب العديد من التصريحات الحكومية، علماً بأن المنظمة الدولية للهجرة أشارت إلى أن إجمالي عدد النازحين بلغ 779,613 نازحاً (52% منهم إناث، و48% ذكور) إلى غاية 16 تشرين الأول/أكتوبر 2024.[1]

مخيمات وتجمعات الجنوب اللبناني

من المعروف أن في جنوب لبنان 5 مخيمات رئيسية؛ هي عين الحلوة والمية ومية في صيدا، والرشيدية والبص والبرج الشمالي في صور، بالإضافة إلى عدد من التجمعات، كالمعشوق والقاسمية وغيرهما.

ويسكن الجنوب عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، معظمهم في المخيمات والتجمعات، عدا بعض اللاجئين الذين يسكنون في المدن، ولا سيما في صيدا.

ومع تطور العدوان، نزح عدد كبير من الفلسطينيين من المخيمات والتجمعات في الجنوب نحو أماكن أكثر أمناً، وخصوصاً مخيمات صور، وقليلين من مخيم عين الحلوة بعد استهداف إسرائيلي لمنزل فيه.

ونظراً إلى غياب التقارير الرسمية عن أعداد النازحين الفلسطينيين وأحوالهم، فقد تم التواصل مع أمين سر لجنة المتابعة المركزية للّجان الشعبية في لبنان التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، الدكتور سرحان يوسف، والذي أفاد بأن "عدد العائلات الفلسطينية النازحة وصل إلى نحو 4722"، منهم 4158 عائلة خارج مراكز الإيواء الـ 11 التي افتتحتها "الأونروا"، وهذه المراكز تقع في المناطق التالية: واحد في بيروت (مدرسة يعبد)، و4 في منطقة صيدا (مركز تدريب سبلين، ومدرسة نابلس، ومدرسة رفيديا، ومدرسة بير زيت/بيت جالا)، و5 في الشمال (مدرسة طوباس، ومدرسة عمقا، ومدرسة جبل الطابور، ومدرسة بتير، ومدرسة مجدو ومزار، وجميعها في مخيم نهر البارد)، وواحد في البقاع (مدرسة الجرمق في منطقة زحلة). هذا عِلماً بأن "الأونروا" أغلقت مركز مدرسة "دير القاسي" في صيدا في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2024، وعلقت على ذلك بالتالي: "أغلقت الأونروا ملجأ دير القاسي للطوارئ بالقرب من مخيم المية مية للاجئي فلسطين في صيدا. وقد أبلغت الوكالة علناً أنه لا يمكن التسامح مع أي مساس بجهودها للحفاظ على المبادئ الإنسانية في هذه الملاجئ. وفي ضوء ذلك، فقد تم إعادة توجيه الأفراد الذين تم إيواؤهم هناك في السابق إلى ملاجئ طوارئ بديلة."[2]

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن الأرقام تتغير يوماً في إثر يوم، فهناك عائلات تعود إلى منازلها في المخيمات، وأُخرى تقرر الخروج. كما أن مؤسسات منظمة التحرير كـ "اللجان الشعبية" و"اتحاد المرأة" يعملون مع غيرهم من المؤسسات على تحديث الأرقام، وتوفير تفاصيل بشأن كل عائلة، موثقة أسماء اللاجئين، وأعمارهم، والوضع العائلي، مع وضع أرقام الهاتف، ومركز الإيواء، أو المنزل الذي آواهم، فضلاً عن تفاصيل أُخرى، كجنسيات أُخرى كانت تسكن في المخيمات ونزحت مع الفلسطينيين، ومن المعلوم أن المخيمات في لبنان يسكنها أيضاً اللاجئون الفلسطينيون من سورية، وأعداد من اللبنانيين والسوريين، وجنسيات أُخرى.

وقد توزعت أعداد النازحين في لبنان على الشكل التالي:

1095 عائلة نازحة في مخيم عين الحلوة.

180 عائلة نازحة في مخيم المية ومية.

200 عائلة نازحة في مخيم البداوي.

2500 عائلة نازحة في مخيم نهر البارد (بينهم 500 في المدارس).

50 عائلة في مخيم الجليل في بعلبك (بالإضافة إلى 55 عائلة في مراكز الإيواء).

50 عائلة في منطقة بر الياس.

166 عائلة في مخيم مار الياس.

64 عائلة في تجمعَي الداعوق وسعيد غواش.[3]

أمّا أرقام "الأونروا"، فقد أفادت في تقريرها الدوري رقم 10 عن "حالة الاستجابة الطارئة في لبنان" بأنه "حتى تاريخ 24 تشرين الأول 2024، تم تسجيل ما مجموعه 3,679 نازحاً في ملاجئ الأونروا."[4]

وتعمل منظمات شريكة على مساعدة النازحين في مراكز "الأونروا"، وهي منظمات مجتمعية ومنظمات غير حكومية محلية ومنظمات غير حكومية دولية، تتولى تقديم مجموعة كاملة من الخدمات، بما في ذلك الوجبات الساخنة وأنشطة الدعم النفسي الاجتماعي، وتشمل هذه المنظمات: "نبع"، و"التضامن"، و"بيت أطفال الصمود"، و"نجدة"، و"مبادر"، و"مركز الموارد العربية للفنون الشعبية". كما تقوم "الأونروا" بالتنسيق الوثيق مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بما في ذلك المنظمة الدولية للهجرة واليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي، والمجلس النرويجي للاجئين، ومنظمة إنقاذ الطفولة الدولية، ومنظمة التعاون الدولي الإيطالية، ومنظمة العمل ضد الجوع.

لماذا نزحوا

يجيب ممثل حزب الشعب الفلسطيني في لجنة المتابعة المركزية للّجان الشعبية في لبنان، خالد فرحات، قائلاً: "اليوم، وبعد توسع الاحتلال الصهيوني في عملياته الإجرامية، واستهدافه القرى والبلدات اللبنانية كافة، وخصوصاً في مناطق الجنوب اللبناني، وبحكم الموقع الجغرافي للمخيمات الفلسطينية، وباعتبار أن المخيمات والتجمعات الفلسطينية في الجنوب غير آمنة، وقد تعرضت أيضاً لقصف من الطيران الحربي في جوار المخيمات، الأمر الذي أدى إلى سقوط شهداء وجرحى وتضرُر العديد من المنازل، وبالتالي، وبعد جملة التهديدات التي طالت مخيم الرشيدية من جانب العدو، والتبليغ عن ذلك، فقد كان من الطبيعي أن ينزح عدد هائل من الأهالي مع أسرهم إلى مناطق آمنة كتلك التي حددتها وكالة الأونروا في مركز الإيواء في منطقة صيدا، ومناطق الشمال اللبناني."

ويوضح فرحات أن بعض العائلات ترجع إلى المخيم في "أوقات الهدوء النسبي"، وهذا يؤثر في عمليات إحصاء العائلات الموجودة داخل المخيم، وتلك التي خرجت.

وقد نزح الآلاف إلى مراكز إيواء "الأونروا"، لكن آلاف العائلات أيضاً استأجرت أو قطنت عند أقارب لها خارج الجنوب اللبناني، وتحسباً لذلك، فقد كانت اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان في إطار منظمة التحرير قد وضعت خطة طوارئ إغاثية، وفق ما يقول فرحات، الذي يضيف أن هذه الخطة شملت "المناطق اللبنانية والمخيمات الفلسطينية كافة في لبنان، وأشركت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وفرق الإسعاف والطوارئ وأفواج الإطفاء والدفاع المدني وغيرها من المؤسسات والجمعيات العاملة في الوسط الفلسطيني ودائرة شؤون اللاجئين الفلسطينيين، ودائرة الشباب والرياضة"، عِلماً بأن إمكانات اللجان الشعبية لا يمكن أن تفي وحدها بالغرض، وهذا ما يشدد عليه فرحات الذي يقول: "إننا لسنا بديلاً من وكالة ’الأونروا‘ باعتبار أنها أُنشئت بقرار دولي لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى حين العودة."

مخيمات الجنوب بلا خدمات كاملة

خرجت عدة تقارير صحافية وتعليقات من اللاجئين تتحدث عن ضعف كبير في الخدمات المقدمة من جانب "الأونروا" في مخيمات الجنوب، وخصوصاً في مدينة صور، وذلك بعد نزوح موظفيها. وطالب فرحات "الأونروا بتطبيق وتنفيذ خطة الطوارئ التي أعلنتها رسمياً على الصعد كافة"، وحذّر "من الاستمرار في إغلاق مراكزها وعياداتها، وخصوصاً في مخيمات الجنوب اللبناني، والالتفات إلى إغاثة ما تبقّى من العائلات الفلسطينية في مخيمات وتجمعات الجنوب، عبر تأمين الدواء والغذاء والحاجات المتعددة لهم."[5]

وقد عادت "الأونروا" مؤخراً إلى افتتاح بعض مراكزها الصحية جزئياً في الجنوب، وقالت في هذا الصدد: "من أصل 27 مركز صحي تابع للأونروا، هناك 14 مركزاً عاملاً فيما هنالك 13 مركزاً مغلقاً. وقد قامت الأونروا بنشر فريق صحي وافتتحت بنجاح العيادة الصحية في برج الشمالي في 22 تشرين الأول، وفي مخيم الرشيدية في 24 تشرين الأول لفترة محدودة."[6]

المخيمات تساند الجميع

منذ اليوم الأول للعدوان، وبدء نزوح المواطنين واللاجئين الفلسطينيين من جنوب لبنان ومن الضاحية الجنوبية لبيروت، هبّت مؤسسات فلسطينية عديدة للمساهمة في دعم هؤلاء؛ فقام النادي الثقافي الفلسطيني باستقبال النازحين في مخيم مار الياس في بيروت ومخيم البداوي في طرابلس شمالي لبنان، وهو نادٍ مستقل تأسس سنة 1993 في الجامعة العربية في بيروت، وسنة 1996 في الشمال، كحالة شبابية سياسية رافضة لحلول التسوية.

وانطلق عمل النادي في طرابلس في هذه الحرب بتقديم خدمات متنوعة إلى النازحين، يوضحها مسؤول النادي في بيروت عمار يوزباشي: "إيمانا منا بأننا جزء من القضية، وتترتب علينا مسؤولية، فقد افتتحنا مطبخاً في طرابلس لتقديم الوجبات إلى عدد من العائلات، وهو قائم على التبرعات. كما قمنا بتوزيع الفرشات والوسائد والحرامات. كما افتتحنا مستوصفاً للفحوصات الأولية، ونوزع فيه الحفاضات وأدوية الضغط." ويضيف أنهم في النادي يعملون على جمع ثياب شتوية للنازحين، كونهم خرجوا من بيوتهم مسرعين طلباً للأمان، فلم يأخذوا معهم معظم حاجاتهم، وللمحافظة على كرامة الناس، فقد أقام النادي سوقاً مجانية "ليأتي الناس ويأخذوا ما يحتاجونه إليه."

أمّا في بيروت، فيقول يوزباشي: "كانت الفكرة أن يكون المركز في مخيم مار الياس للاستقبال، إلى أن تبرع أحد سكان المخيم ببيته ليكون محطة استقبال واستراحة، فقمنا بتجهيزه للإقامة لأيام قليلة، إلى أن يتمكن الشخص من معرفة إلى أين سيذهب. وكذلك، تحول المركز إلى مكان يمكن الاستراحة فيه والاستحمام، كما نقدّم بعض الوجبات يومياً. وعملنا على تأمين بيوت لبعض العائلات، وساهمنا في دفع الإيجارات، أو المساعدة في تأمين فرش لهذه المنازل. وقمنا بالدعم النفسي، فضلاً عن قيامنا بعروض أفلام ونشاطات للأطفال في مدارس الإيواء، وكل هذا حتى الآن قائم على تبرعات الناس."

وتقريباً للأواصر، يوضح يوزباشي أن النادي حرص على بناء علاقة أسرية مع الناس، بعيداً عن الخدمات الواجبة: "مراكزنا مكان للاستراحة والحديث ولشُرب القهوة. أيضاً سعينا لإقامة عشاء ليلي بصورة دورية في مركز النادي يجمع المتطوعين بعائلة نازحة، فالعلاقة التي نريدها هي أن يشعر أهلنا النازحون بأن لديهم أهلاً في المخيمات."[7]

وعلى صعيد آخر، تقوم عدة مؤسسات بمبادرات لدعم النازحين في المخيمات، أو في مراكز الإيواء القريبة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، مؤسسة "مساواة" وحملة "إيد وحدة". كما يقوم "متطوعو الإسعاف والإنقاذ" في مخيم مار الياس، على الرغم من إمكاناتهم الضعيفة، بالمساهمة في عمليات الإنقاذ والإجلاء، جنباً إلى جنب مع الدفاع المدني اللبناني، والجهات العاملة في هذا المجال هذه الأيام. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعة المتطوعة في المخيم هي فريق محترف يقوده محمد شحادة (أبو سمرة)، ومعه مجموعة من المتطوعين والمتطوعات الذين تلقوا تدريبات على يد قائد الفريق الذي عمل في الدفاع المدني الفلسطيني في عقود سابقة في لبنان.

 

[1]DTM Operations, Displacement due to conflict, IDP population trend, Data collection round 54”, IOM, Oct. 2024. 

[2] "تقرير الأونروا رقم 7 حول حالة الاستجابة الطارئة في لبنان"، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، 15/10/2024.

[3] معلومات وملفات قدّمها أمين سر لجنة المتابعة المركزية إلى اللجان الشعبية في لبنان التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور سرحان يوسف.

[4] "تقرير الأونروا رقم 10 حول حالة الاستجابة الطارئة في لبنان"، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، 25/10/2024. 

[5] مقابلة أُجريت عبر الهاتف.

[6] "تقرير الأونروا رقم 10 حول حالة الاستجابة الطارئة في لبنان"، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، 25/10/2024. 

[7] مقابلة أُجريت عبر الهاتف.