في ظل الظلام الذي يخيم على قطاع غزة بفعل حرب الإبادة الجماعية، تبرز السينما كمنارة تضيء العتمة، وتبعث الأمل عبر أفلام تقدِم سرديات إنسانية لقصص التحدي، والحب لتوثيق الذاكرة الجماعية في وجه الحرب.
مهرجان العودة السينمائي: منصة للتعبير
فوق الرمال ووسط النهار، صدح صوت الأفلام السينمائية التي عُرضت في مدينة خان يونس بين خيام النازحين في آب/أغسطس الماضي، لينطلق مهرجان العودة السينمائي بدورته الثامنة، والتي حملت اسم "دورة جنوب إفريقيا"، تحت شعار "انتظار العودة عودة"، بتنظيم من ملتقى الفيلم الفلسطيني، وبالتعاون مع جمعية الإنسان التنموية، وبالتزامن مع مدن سيدني في أستراليا، والقاهرة في مصر، والمغرب.[1]
مهرجان العودة السينمائي الدولي، مدينة خان يونس، آب/ أغسطس 2024، صفحة مهرجان العودة الدولي السينمائي على منصة فيسبوك
وقد شهد المهرجان مشاركة 93 فيلماً من 33 دولة، وركزت الأفلام المشاركة على قضية القدس، والعودة، واللاجئين، وتم عرضها بحضور النساء، والأطفال، والشباب، والشيوخ، إذ شاهدوا العرض على الرغم من ضيق المساحة وقلة المقاعد، فاستمر كثير منهم في المشاهدة وقوفاً، أو افترش الرمل ابتهاجاً بالعرض السينمائي الذي يحاكي معاناتهم اليومية.[2]
كما أطلق المهرجان عدة جوائز؛ منها جائزة مفتاح العودة لأفضل فيلم عن الأسرى باسم الشهيد الأسير وليد دقة، وجائزة مفتاح العودة لأفضل فيلم يتحدث عن حق العودة باسم نيلسون مانديلا وفقاً لمدير المهرجان المخرج يوسف خطاب، بالإضافة إلى إطلاق مبادرة "من تحت الركام" لملتقى الفيلم الفلسطيني لإنتاج أفلام توثيقية للواقع الذي يعيشه الفلسطيني تحت سطوة حرب الإبادة، إذ أنتج المخرجان يوسف خطاب وسعود مهنا فيلم "التحدي"، كما تم إنتاج فيلم "يافا" للمخرج سعود مهنا، وهو فيلم روائي قصير يروي الاشتياق إلى مدينة يافا، ويؤكد أن الشعب الفلسطيني، على الرغم من حالة النزوح، فهو لم ينسَ حقه في العودة.[3]
أمّا مهرجان القدس السينمائي الدولي، فقد انطلق برئاسة الدكتور عز الدين شلح، وقدّم جوائز المهرجان، تكريماً للإبداع الفلسطيني في أجواء مشحونة بالإبداع والقلق، فمنحت إدارة المهرجان جائزة النقاد للمخرجة الفلسطينية مي المصري، وجائزة السيناريو للروائي الفلسطيني يحيى يخلف، تقديراً لدورهما الفعال في إثراء السينما والرواية الفلسطينية.
مسؤولية كبيرة في حرب الإبادة
لقد كانت دورة مهرجان القدس السينمائي في شهر تموز/يوليو الماضي من هذه السنة استثنائية بكل تفاصيلها، وقد شعر القائمون عليها بالقلق على أرواح الجمهور، فكل لحظة كانت تحمل إمكان التعرض للقصف، إذ كانت مسؤولية ثقيلة على عاتقهم لتنظيمه بعد تدمير الأماكن التي تستضيف المهرجان، كقاعة السينما في مقر جمعية الهلال الأحمر المدمرة بالكامل.
مهرجان العودة السينمائي الدولي، مدينة خان يونس، آب/ أغسطس 2024، صفحة مهرجان العودة الدولي السينمائي على منصة فيسبوك
وتم اتخاذ قرار إطلاق المهرجان هذه السنة والموت يحاصر أبناء الشعب في كل مكان، لأن السينما تعني الحياة، فقرر القائمون على المهرجان مواجهة الموت بالحياة.
وفي البداية، لم تتوفر السجادة الحمراء لافتتاح المهرجان، فكانت الفكرة حياكة الأكفان البيضاء معاً، وصبغها باللون الأحمر، لتأكيد أن الموت يحاصر أبناء القطاع، إلى أن قرر أحد أعضاء الفريق المخاطرة بنفسه، ونجح في إحضار السجادة الموجودة في مدينة رفح.
كل خطوة لإطلاق المهرجان كان لابد من دراستها قبل تنفيذها، فتم تثبيت الشاشة على عمود مكسور لبيت مدمر. وعلى الرغم من أن متعة السينما تكمن في عرضها ليلاً من دون إضاءة قوية، فإن القائمين على المهرجان لم يتمكنوا من ذلك خوفاً من القصف، كما أن رؤية الشاشة في وضح النهار كانت شبه مستحيلة، وهو ما اضطرهم إلى اختيار توقيت يجمع النهار بالليل، وسط تفاعُل واسع من المشاهدين، ليؤكدوا أنه على الرغم من الظلام، فإن النور سينبعث من فلسطين، وأن الشعب الفلسطيني عاشق الحياة. [4]
مبادرة "السينمائي الصغير": بصمات الأطفال في عالم السينما
ولم يتوقف النشاط السينمائي عند مهرجان العودة فقط، بل أيضاً امتد إلى بدء مبادرة "السينمائي الصغير"، بالتعاون مع جمعية الإنسان التنموية، وبالشراكة مع شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية التي قدّمت مجموعة من الورشات التدريبية لتعليم الأطفال تصوير الأفلام، وآلية إنتاجها، ليرووا قصصهم وينتجوها بأنفسهم، لتعبّر عن آلامهم، وأحلامهم، وتحفظها ذاكرتهم.
مهرجان العودة السينمائي الدولي، مدينة خان يونس، آب/ أغسطس 2024، صفحة مهرجان العودة الدولي السينمائي على منصة فيسبوك
وقد أثمرت هذه المبادرة 4 أفلام من كتابة وتصوير وتمثيل الأطفال المشاركين بإشراف من المخرجَين سعود مهنا، ويوسف خطاب.
سينما الأطفال في غزة: أمل في زمن الحرب
إنها مغامرة كبيرة أن تقرر تنظيم عروض سينمائية في مدينة غزة وسط حالة من الخوف والقتل، والمغامرة الأصعب هي أن تستهدف الأطفال لتنظيم العروض، لتنقلهم، ولو للحظات، إلى حالة من الشعور بالأمان، وتقدّم إليهم حضناً دافئاً يضيء لهم مساحة من الأمل. وقد تمكنت جمعية غزة للثقافة والفنون، بالتعاون مع مؤسسة لاب للأفلام في رام الله، من تنظيم 6 عروض سينمائية للأطفال في مدينة غزة داخل عدد من رياض الأطفال التي بقيت صالحة للاستخدام، وقد تفاعل الأطفال مع أفلام الكرتون والأنيميشن والأفلام التثقيفية التي عُرضت لهم، وهو ما شجعهم على التعبير عن مشاعرهم المرتبكة، ومحاولاتهم لفهم ما يجري حولهم، ولماذا لا يركضون في ساحات مدارسهم ويحملون كراساتهم، وأين اختفى أصدقاؤهم. كما تستكمل جمعية غزة للثقافة والفنون عروضها السينمائية داخل مدينة غزة وجنوب القطاع لدعم الأطفال وتثقيفهم بحقوقهم المفقودة، وذلك بمشروعها "أحلام سينما"، الذي يأتي ضمن مشروع "المواطن أولاً"، بإشراف من الاتحاد العام للمراكز الثقافية.[5]
مشروع "من المسافة صفر": تحدي الواقع
يتم البحث بين ثنائية الحياة والموت عن مساحة إنسانية لإثبات حقيقة الوجود والأمل، فتتصارع الأفكار لتضيء الشاشة أمام المشاهدين، وتخرج الكلمات من أفواه أصحابها بلا حضور للخيال السينمائي. وقد أطلق مشروع "من المسافة صفر" المخرج رشيد المشهراوي لنقل الرواية الفلسطينية بطريقة تُحدث تأثيراً، بعد محاولات الاحتلال شيطنة الفلسطيني بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، فجاء "من المسافة صفر" ليساهم في تغيير اتجاهات الرواية العالمية والصورة النمطية تجاه الفلسطينيين، ولتكوين لوحة إنسانية مكتملة بأسلوب بسيط يحاكي الواقع، بعيداً عن دموية المشاهد الإخبارية.[6]
وتسافر هذه الأفلام الـ 22 القصيرة من غزة لتجسّد تجارب الفنانين والمخرجين، وتوثّق محاولاتهم للاستمرار في الحياة على الرغم من واقع الحرب، وتنقل روايتهم بصرياً في المهرجانات العربية والعالمية، ومنها مهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان أسوان لسينما المرأة، ومهرجان عمان السينمائي الدولي، ومهرجان وهران للفيلم العربي. كما أنها عُرضت في مهرجان تورنتو السينمائي، وفي باريس، وكندا، وروما، وسان فرانسيسكو، واعتبر مشهراوي المشروع فرصة ذهبية للمخرجين الغزيين أصحاب الخبرة، ولمن يخوضون تجاربهم الأولى في الإخراج، لإعادة غزة إلى شاشات العرض من جديد، فقد تم ترشيح "من المسافة صفر" من جانب وزارة الثقافة الفلسطينية لجوائز "الأوسكار" في دورتها الـ 97 لسنة 2025، تحت فئة الفيلم الدولي الطويل، تحت عنوان "قصص غير محكية في غزة"، فهي أفلام جمعت الفيلم التسجيلي بالروائي وبالتجريبي، ضمن مدة زمنية قصيرة لا تتجاوز 7 دقائق، أنتجها المخرجون مصطفى النبيه، وخميس مشهراوي، وباسل المقوسي، وندى أبو حسنة، وكريم ستوم، وبشار البلبيسي، ومهدي كريرة، وأوس البنا، وهناء عليوة، ونضال دامو، واعتماد وشاح، وريما محمود، وإسلام الزريعي، ومحمد الشريف، وأحمد الدنف، ووسام موسى، وعلاء وإسلام أيوب، وتامر نجم، وعلاء دامو، ورباب خميس، ومصطفى كلاب، وأحمد حسونة، بإشراف رشيد مشهراوي.[7]
وستتم الاستفادة من إيرادات الأفلام لإنتاج أفلام محلية جديدة بمهنية أعلى، كما يجري الآن العمل على إنتاج 4 أفلام لاستكمال مسيرة السينما التي تروي معاناة أبناء قطاع غزة.
أفلام من المسافة صفر: توثيق الحياة اليومية
أنتجت المخرجة أسماء بسيسو فيلم "سبع موجات" سنة 2023، والذي يجمع بين الموروث الشعبي والحياة المعاصرة، فربطت رحلة بطلة التجديف بيسان، التي تسعى لتحقيق حلمها، بقصة "البوغي" الصياد والمنقذ البحري. وأُنتج الفيلم في شهر أيلول/سبتمبر 2023، قبل أيام قليلة من بدء الحرب، وتم تأجيل عرضه، لكن الحرب امتدت لأشهر عديدة، وبدأت بتدمير معالم المدينة وتشويها، وهو ما شجع المخرجة بسيسو على إطلاق فيلمها، ليقدّم الصورة الواقعية لغزة، وينقل أن مدن القطاع تفيض بالحب والفرح، على الرغم من أنها تعيش بجوار بحر محاصر لسنوات.[8]
مهرجان العودة السينمائي الدولي، مدينة خان يونس، آب/ أغسطس 2024، صفحة مهرجان العودة الدولي السينمائي على منصة فيسبوك
ربما تطرح الأخبار يومياً أسئلة الناس والأطفال مراراً وتكراراً "متى تنتهي الحرب؟"، لأننا ما زلنا نحب الحياة ونغني لها، وهو ما وثّقته المخرجة هناء عليوة في فيلمها "لا" المشارك في مشروع "من المسافة صفر"، وهي تحاول أن تواصل عملها الإعلامي داخل قطاع غزة بعد توقفها عن الإنتاج لفترة طويلة، لكنها تجد كلمة واحدة يتردد صداها داخلها، لتقرر أن تنتج فيلماً بعنوان "لا"، لترفض فيه كل ما يجري، فتجلس هناء في خيمة للنازحين لتغني، وتنقل تجربة فرقة صول باند التي تحاول أن تستمر في عزف ألحان الحياة، وترفض الاستسلام لقسوة الحرب، وتواصل الفرقة بأدواتها الموسيقية الناجية والنازحة معها العزف، فربما تصلهم بذكرياتهم وحقهم في الحياة. في فيلم "لا"، بحثت عليوة عن روح الجمال الغزي التي تغني أن الأزمة ستنتهي والأيام الجميلة ستعود.[9]
ومن مسافة صفر، تلقي ريما بهمومها في البحر، وتكتب أفكارها في رسالة تحتضنها زجاجة، يمكن أن تصل إلى صديق مجهول. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك فيلماً قصيراً يحمل اسم "سيلفي"، أنتجته ريما محمود بهاتفها المحمول في وقت تعيش فيه كغيرها من النساء آلام النزوح وصعوباته، ولا تعرف في فيلمها القصير كيف ستصل رسالتها أو إن كانت ستصل حقاً. ثم يعرف بعد ذلك صديقها ما تكابده يومياً؛ نتيجة انعدام التغذية الصحية، ونقص الحاجات الأساسية للنساء، فلم تعد ريما تقف أمام المرآة لتلقط صورة سيلفي بثوب جديد انتقته بعناية، ولم تعد تستطيع أن تقرر ما تريده، في وقت تنعدم فيه الخصوصية في حياة الخيمة. صحيح أنها تحب أن تبوح بما في قلبها، لكنها لا تجد له مساحة في خيمة تلتصق بخيمة جيرانها. وتدور ريما وغيرها من سيدات قطاع غزة في دائرة من المشاهد اليومية الموجعة، وتحتاج إلى من يسمعها، لذلك، فقد وجدت في الشاشة المضيئة طريقاً للتأثير، ونقل المشاعر التي تعيشها في ظل حرب الإبادة الجماعية.
ربما يكون فيلم "سيلفي" الحقيقة الوحيدة لريما في وقت تخشى فيه على حياتها، وتتنقل من مكان إلى آخر؛ فلا استقرار مع استمرار الحرب، وبهذا، يتجول "سيلفي" مع غيره من الأفلام في محطات سينمائية عديدة. وربما تنكشف هوية صديقها المجهول أو تصله الرسالة بصوت يوثق الزمن من مسافة صفر.[10]
فيلم "قرابين" و"هل تسمعوننا": مواجهة للواقع المأساوي
أصبحت غزة تعيش واقعاً مخيفاً تتلاحق فيه مشاهد هوليوود المرعبة، فانتشرت الخيام والأوبئة، وفقدت الوجوه بريقها، لتغيب ملامح الفلسطيني الحقيقي، وتتكرر صور الموت التي تصيب مشاعر المشاهد بالتخدير، لذلك، فقد قرر المخرج مصطفى النبيه صناعة أفلام تضج بالحياة بعيداً عن المشاهد الإخبارية القاسية، فحمل كاميرته لتوثيق ما يدور حوله، لينتج فيلم "قرابين"، الذي يحمل فكرة العودة إلى الحياة البدائية بسبب الحرب، ليصبح أبناء غزة قرابين نتيجة ما يتعرضون له من معاناة، وصمت عربي ودولي، فيجسد "قرابين" تجربة الروائية ديانا، التي أصبحت تعيش حياة بدائية بسبب نزوحها من بيتها ضمن مشروع "من المسافة صفر".
ولم يتوقف عمل النبيه عند" قرابين"، بل أيضاً عمل على إنتاج فيلم "فنانو غزة: هل تسمعوننا؟" بمشاركة الفنانين جواد حرودة، والفنان التشكيلي محمد الديري، والفنانة لمى جنينة، وثلاثتهم يمثلون فئات عمرية متفاوتة، وقد عايش المخرج حياتهم على مدار 6 أشهر لإنتاج فيلم إنساني يخاطب كل الفنانين في العالم، وخصوصاً أن الفنان كتلة من المشاعر، وقادر على ترك تأثير عميق في المشاهدين. ثم استكمل النبيه إنتاج الأفلام من داخل قطاع غزة، لينتج فيلماً وثائقياً يروي قصة نزوح المئات من مدينة رفح باحثين عن مكان يؤويهم، وترتكز أحداث الفيلم على قصة الشاعر باسل أبو الشيخ، والدكتورة ليلى شاهين، والفتاتين زهرة وفرح. فما هي تفاصيل حياتهم في الحرب؟ وماذا عن حياة صناع الأفلام، والمصورين؟ لذلك يحمل الفيلم الطويل عنوان "ولنا حياة أُخرى"، يستمر النبيه فيه في تتبع تفاصيلهم اليومية، والتغييرات التي تطرأ عليهم، ليقدّم سردية روائية فلسطينية، يمكن أن تعزز الحضور الإنساني الفلسطيني في المشهد السينمائي عبر سرد القصص الحقيقية، فتستطيع السينما نشر الفهم والوعي بالقضية الفلسطينية.
أصوات النساء
يهدف مشروع "أصوات النساء"، الذي ينفذه مركز التنمية والإعلام المجتمعي، بدعم من صندوق المرأة الإفريقية إلى تمكين النساء الفلسطينيات من التعبير عن تجاربهن، ومعاناتهن عبر الفن السابع. ويركز المشروع على جمع القصص الشخصية للنساء قبل الحرب وخلالها، الأمر الذي يوفر منصة لتعزيز أصواتهن، ورفع الوعي بقضاياهن عبر ورش العمل والتدريب التي تستهدف النساء مباشرة، وكذلك تدريب صناع الأفلام على الإنتاج السينمائي للتركيز على قضايا النساء، وهو ما يسمح بإنتاج أفلام تعكس رؤيتهن، وتُظهر قوتهن في مواجهة التحديات.
ونفذ المركز عرضَين للأفلام، ومنها فيلم المخرج كريم ستوم، الذي يروى قصة الحكواتية هناء التي تدعم الأطفال نفسياً بسرد القصص لهم، للتخفيف من آلام الحرب، وفيلم "نور وإلينا" للمخرج عيسى رضوان، الذي يعرض قصة الصحافية نور التي تواصل عملها وسط معاناة النزوح وتدمير منزلها، مع حياة الصحافية إلينا في شمال قطاع غزة. وعلى الرغم من القتل والرعب، فإنهما مستمرتان في العمل لنقل الواقع بلا تزييف.
ويقدم فيلم "صانعات الأمل" قصة فلسطينيتين اجتمعتا لتكوين نموذج فلسطيني معطاء؛ فعلى الرغم من الأوضاع الصعبة، فقد عملت المعلمة على توجيه أمهات الأطفال لتعليم أبنائهن على الرغم من النزوح، وعملت المهندسة على توفير الحاجات الأساسية لعائلات النازحين. كما يعرض المخرج حمزة شعلان في فيلم "أماني حكاية صمود" قصة الشابة أماني، الناشطة الاجتماعية التي تستمر في نشر المرح بين النساء النازحات، على الرغم من كل ما فقدته، وتعمل لتوفير حاجات النساء خلال الحرب، عبر ما تنشره على منصات الإعلام الاجتماعي.
أمّا فيلم "الرحلة" للمخرج سعود مهنا، فهو يروي قصة الشابة هناء، التي بدأت مشوارها كمتطوعة في العمل الأهلي في خان يونس، ويأخذ المشاهدين في رحلة نجاحها، ليعكس رؤية تجمع الجوانب الأدبية بالسينمائية، وهو ما يقدم سرداً غنياً عن واقع المرأة الفلسطينية، وهي تتنقل من موقع إلى آخر، ليعزز دور النساء كمؤثرات في المجتمع. وقد تم اختيار فيلم "الرحلة" ليكون ضمن مسابقة مهرجان سينمكنة للأفلام الشعرية في تونس.
كما أنتج مركز التنمية والإعلام المجتمعي أكثر من مئة مادة إعلامية تتضمن قصصاً إنسانية، لتوثيق الآثار الكارثية للحرب في أبناء القطاع، إلى جانب المقابلات التوثيقية التي تركز على معاناة النساء تحت وطأة الحرب.[11]
التحديات التي تواجه السينما الغزية في رواية القصة الفلسطينية
يواجه الإنتاج السينمائي في قطاع غزة تحدياً فريداً في نوعه؛ إذ يجد المُخرج الفلسطيني نفسه في مواجهة أوضاع صعبة وغريبة تختلف تماماً عن أي مكان آخر، ليس فقط بسبب دخول عالم الرقمنة، بل أيضاً لعرض قصص إنسانية تمثل الحاضر الفلسطيني. [12]
فيجب أن يُخرج إبداعه الفني ليستطيع التقاط لحظات توثق مراحل المعاناة في الحرب، متجاوزاً القيود التي تفرضها الأوضاع باستخدام الهاتف المحمول لنقل الرواية، وتسليط الضوء على معاناة شعب يُهجَّر ويُقتل.
وتُعد مرحلة المونتاج إحدى أكثر مراحل الإنتاج تعقيداً، فيجد المخرجون أنفسهم مضطرين إلى الخروج من خيامهم للبحث عن مكان تتوفر فيه الكهرباء والإنترنت لإنجاز عملهم، وهو ما يجعلها عملية مرهقة وتستغرق وقتاً طويلاً.
وعلاوة على ذلك، فقد استخدم المخرجون أدوات بدائية لتنفيذ أفلامهم، كالعربات التي تجرها البهائم تحت شمس حارقة، لاستكمال عملهم على الرغم من الخوف من القصف، كما يمثل العثور على مكان يتوفر فيه الإنترنت تحدياً إضافياً، إذ كان المخرجون يسيرون مسافات طويلة بحثاً عن اتصال قوي لتحميل أفلامهم، أو لمشاركة أعمالهم مع المهرجانات السينمائية الدولية.
وتعكس السينما الغزية قدرة الفنانين على تقديم روايات إنسانية تضيء عتمة معاناتهم، على الرغم من الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها يومياً، وتبقى شعلة آمالهم متجددة، وهو ما يجعل من السينما منارة للأمل في أوقات الظلام.
[1] مقابلة هاتفية مدير مهرجان العودة السينمائي يوسف خطاب، تشرين أول/أكتوبر 2024.
[2] مقابلة وجاهية مع مخرج مهرجان العودة السينمائي سعود مهنا، تشرين أول/أكتوبر 2024.
[3] مقابلة هاتفية مع مدير مهرجان القدس السينمائي عز الدين شلح، تشرين أول/أكتوبر 2024.
[4] مقابلة وجاهية مع رئيس مجلس إدارة جمعية غزة للثقافة والفنون أشرف سحويل، أيلول/سبتمبر 2024.
[5] مقابلة هاتفية مع مخرج مشروع "من المسافة صفر" رشيد مشهراوي، تشرين أول/أكتوبر 2024.
[6] وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، شهر آب/أغسطس 2024.
[7] مقابلة هاتفية مع المخرجة هناء عليوة، تشرين أول/أكتوبر 2024.
[8] مقابلة هاتفية مع المخرجة أسماء بسيسو، تشرين أول/أكتوبر 2024.
[9] مقابلة هاتفية مع المخرجة ريما محمود، تشرين أول/أكتوبر 2024.
[10] مقابلة وجاهية مع المخرج مصطفى النبيه، تشرين الأول/أكتوبر 2024.
[11] مقابلة هاتفية مع مدير مركز التنمية والإعلام المجتمعي عندليب عدوان، تشرين الأول/أكتوبر 2024.
[12] سعيد أبو معلا، "فلسطين في سينما 2022: الأفلام موضوع جماهيري"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 138 (ربيع 2024).