"اتفاقيات أبراهام" والنموذج الجديد للتطبيع: قراءة تحليلية
نبذة مختصرة: 

تقدم هذه الورقة البحثية عن "اتفاقيات أبراهام" قراءة نقدية تحليلية، مسبوقة بعرض وتشخيص المتغيرات العربية والإقليمية والدولية التي مهدت الطريق لإبرامها، وكذلك تشخيص نموذج التطبيع الذي انتهجته الدول العربية، وتحديداً دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين مع إسرائيل، واختلاف هذا النموذج عن حالات التطبيع السابقة عليه.

كما تشخص الورقة طبيعة الأخطار الممكنة إن على صعيد النظام العربي ككل، أو على صعيد القضية الفلسطينية، إذ تضيف هذه الاتفاقيات انقساماً جديداً على النظام العربي، وإضعافاً للنسق العقيدي له والقائم على فكرة العروبة والقومية.

النص الكامل: 

أولاً: الطريق إلى "اتفاقيات أبراهام"

شهدت سنة 2020، وخصوصاً في الأشهر الخمسة الأخيرة منها، أي من آب / أغسطس 2020 حتى كانون الأول / ديسمبر 2020، توقيع اتفاقيات تبادل العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتطبيع هذه العلاقات على جميع الصعد، بين إسرائيل وأربع دول عربية؛ إذ وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة في 15 أيلول / سبتمبر 2020 في البيت الأبيض، بحضور الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، اتفاقية مع إسرائيل لتطبيع العلاقات وتبادلها على جميع المستويات السياسية والسياحية والاقتصادية والتكنولوجية والأمنية وغيرها من مجالات التبادل، ثم تبعتها في تشرين الأول / أكتوبر 2020، مملكة البحرين التي كانت قد أعلنت هي وإسرائيل تبادل العلاقات قبل أن يوقّعا الاتفاق، ولحقت بهاتين الدولتين السودان والمغرب في تشرين الأول / أكتوبر، وكانون الأول / ديسمبر 2020.

ومثلما هو واضح، فإن هذه الموجة من الاعتراف بإسرائيل وتبادل العلاقات معها هي الأكبر في تاريخ العلاقات العربية - الإسرائيلية، لأن هذه الموجة ضمت دولاً من المغرب العربي وأفريقيا وآسيا والخليج العربي. وما يهمنا في سياق هذه الاتفاقيات تحديداً، تلك التي وُقّعت بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وبين إسرائيل، وهما الاتفاقان اللذان عُرفا بـ "اتفاقيات أبراهام". ولن نتوقف عند الطابع الديني للمسمى الذي كُتب عنه الكثير، وإنما اهتمامنا هو أن نؤكد الطابع السياسي القانوني والوضعي لهذه الاتفاقيات، وغياب صفة القداسة الدينية عنها، والتي أُقحمت عليها لأغراض أُخرى موجودة جذورها في الأيديولوجيا الصهيونية والمؤيدين لها.[1]

ومثلما أن "اتفاقيات أبراهام" لم تكن وليدة اللحظة أو مجرد فكرة عابرة، فإنها كذلك لم تكن امتداداً أو تطوراً طبيعياً لافتتاح بعض المكاتب التجارية الإسرائيلية في بعض الدول العربية في سلطنة عُمان وقطر أو غيرهما من الدول العربية في سنة 1996 وبعد توقيع اتفاق أوسلو في 13 أيلول / سبتمبر 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية وفقاً لاتفاق 1994 في غزة وأريحا؛ ذلك بأنه في هذه الفترة ظهرت موجة عربية للتفاؤل بمستقبل اتفاق أوسلو وإمكان صموده، وتمهيد الطريق لإقامة الدولة الفلسطينية في حدود سنة 1967. وساهم في ذلك أطروحة شمعون بيريس عن "الشرق الأوسط الجديد" الذي نُظّر له على أنه يُنهي الصراعات والحروب، ويساهم في النمو والاستغلال الأمثل للموارد.[2]

من ناحية أُخرى فإن اتفاق أوسلو تركز على تسوية القضية الفلسطينية والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، كما أن كثيرين من العرب والفلسطينيين، نخبة ومواطنين، رأوا فيه الأفق نحو الدولة الفلسطينية، الأمر الذي عزز من التفاؤل والانفتاح بدرجة ما على إقامة العلاقات مع إسرائيل.

"اتفاقيات أبراهام" جاءت نتيجة تفكير مدروس، وبناء على سردية جديدة ونوعية، في مسار الصراع العربي - الإسرائيلي، بُنيت على أسس ذاتية وموضوعية، وتجمع في طياتها العناصر الشخصية التي تتعلق بالفاعلين، وكذلك الظروف الموضوعية الخاصة بهم، على نحو يمكّننا من التمييز بين هذه المجموعات من العناصر التي يتفاوت تأثيرها في إنتاج مثل هذه الاتفاقيات.[3]

علاوة على هاتين المجموعتين من العناصر الذاتية والموضوعية، يمكننا أن نذكر أيضاً أن ثمة علاقات سرية وعلنية بين الإمارات وإسرائيل كانت قائمة طوال عقدين من الزمن، مثلما يتحدث العديد من التقارير، وهي علاقات تضمنت العديد من المجالات الأمنية والعسكرية والتجارية والاقتصادية، ومنها أن هيئة المنشآت والمرافق الحيوية في أبو ظبي وقّعت في سنة 2008، عقداً بقيمة 816 مليون دولار مع شركة "آي جي تي إنترناشونال" السويسرية المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوتشافي (Mati Kochavi)، لشراء معدات مراقبة للبُنية التحتية الحيوية في دولة الإمارات. كما أن هذه الاخيرة اشترت في سنة 2018 من مجموعة "NSD" الإسرائيلية، تكنولوجيا متطورة لمراقبة الهواتف الجوالة.

ويدخل في إطار العلاقات الإماراتية - الإسرائيلية التدريبات العسكرية الجوية بإشراف الولايات المتحدة الأميركية تحت اسم "العَلَم الأحمر" (Red Flag)، والتي أُجريت في آذار / مارس 2017، ونيسان / أبريل 2019. أمّا على المستوى الدبلوماسي والثقافي والرياضي فشهدت العلاقات نمواً ملحوظاً، إذ زارت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف أبو ظبي علانية في تشرين الأول / أكتوبر 2018، وشارك وزير الاتصالات الإسرائيلية في "مؤتمر المندوبين المفوضين للاتصالات" الذي عُقد في دبي، كما قام وزير الخارجية والاستخبارات بزيارة لأبو ظبي في تموز / يوليو 2019 لحضور المؤتمر البيئي، فضلاً عن ظهور وفود إسرائيلية لحضور مؤتمرات وفاعليات ثقافية واقتصادية وعلمية.[4]

هذه العلاقات المتنامية التي سبقت الاتفاقيات، ساهمت مع الظروف الذاتية للفاعلين الرئيسيين، والظروف الموضوعية، في إنتاج السردية الجديدة للإمارات ورؤيتها إلى طبيعة التغير في المشهد الإقليمي والاستراتيجي، ومراجعة المواقف التقليدية للحرس الإماراتي القديم إزاء إسرائيل والقضية الفلسطينية. وبطبيعة الحال، فإن تضافر هذه العناصر مجتمعة، ومحصلتها على الصعيد الإقليمي والدولي والوطني، كان بمثابة تمهيد لإبرام هذه الاتفاقيات. 

تحول المشهد الجيو سياسي والاستراتيجي

على مدار عقد من الزمن، أي منذ سنة 2011 وما عُرف بثورات الربيع العربي، والحديث عن عزم الولايات المتحدة الانسحاب من المنطقة للتركيز على صراعها مع الصين في جنوب شرق آسيا، فضلاً عن مضاعفات الدور الإيراني في المنطقة، حدث تحول نوعي في إقليم الشرق الأوسط أفضى إلى إعادة النظر في المواقف التقليدية لمواجهة الأخطار الجديدة، وتبنّي سردية نوعية للصراع العربي - الإسرائيلي منحت مشروعية وصدقية لعقد مثل هذه الاتفاقيات.

اختلطت في البدايات التطلعات الاستراتيجية لعملية التطبيع مع مصالح زعماء الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة في تلك المرحلة:

فالرئيس السابق دونالد ترامب، وبعد الفشل الذي مُنيت به صفقة القرن التي أُعلنت في كانون الثاني / يناير 2020، والرفض الحاسم من القيادة الفلسطينية لها جملة وتفصيلاً، وتحفظات العديد من الدول العربية عليها، والرفض العربي الرسمي لها من طرف الجامعة العربية، كان بحاجة إلى إنجاز في عملية السلام الإسرائيلية، وخصوصاً قبل دخوله الانتخابات الرئاسية الأميركية للحصول على تفويض من الناخبين لولاية ثانية، ولهذا عمل على خطب ودّ الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية، وإرضاء قاعدته الانتخابية من الإنجيليين الأميركيين، ووضع نفسه في التاريخ الأميركي على قدم المساواة مع كارتر (اتفاقيات كامب دافيد 1978) وكلينتون (اتفاق أوسلو 1993).

أمّا بنيامين نتنياهو فملاحق بثلاث قضايا فساد، ووُجهت إليه لائحة اتهام رئيسية من طرف المدعي العام، ولهذا اعتقد أن إنجازاً كهذا، أي توقيع مثل هذه الاتفاقيات، ربما يمنحه حصانة وشعبية تمكّنانه من الاستمرار في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وربما يمنح خطابه صدقية أكبر؛ ذلك الخطاب الذي يتركز في مقولة "السلام في مقابل السلام"، وأن علاقات إسرائيل العربية لا ترتهن بموقفه من القضية الفلسطينية والتنازلات التي يجب تقديمها من أجل السلام.

وفيما يتعلق بولي عهد دولة الإمارات العربية، فإنه كان في حاجة إلى دعم موقعه في ولاية العهد، وتبنّي سردية جديدة للصراع العربي - الإسرائيلي متحررة من المواقف التقليدية. وقد تمكّن عبر سفير دولة الإمارات في واشنطن من تقديم هذه السردية إلى الدوائر المقربة من البيت الأبيض والجماعات اليهودية والصهيونية من خلال علاقات السفير الإماراتي بجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي الذي اقتنع بأهمية هذا النهج، وفائدته المزدوجة لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية على حد سواء.[5]

ومثلما بيّنا، فإن أهمية هذه العناصر الشخصية لم تكن لتؤتي أُكلها بمفردها إلّا باجتماعها بمحصلة التغير في المشهد الجيوسياسي والاستراتيجي في المنطقة والإقليم. فقد تميز المشهد الشرق الأوسطي بالانقسام بين دعاة تثبيت الأمر الواقع القائم منذ الخمسينيات وما بعدها، والذي احتفظ فيه العديد من الدول العربية بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية، واعتمد على الغرب كضامن لأمنه، علاوة على التعايش المشترك مع إسرائيل، وبين الاتجاهات الراديكالية الراغبة في تغيير الأمر الواقع، فرعاة هذه الاتجاهات يزكّون العداء للغرب، وينظرون إليه كطامع في السيطرة على المنطقة تحت تأثير القومية والإسلام السياسي، ويرفضون التسوية السلمية، بل إنهم أكثر ميلاً إلى استخدام السلاح في مواجهة إسرائيل.

وذلك لا يعني بالضرورة أن دعاة الأمر الواقع يفتقدون القدرات الدفاعية، وأن دعاة التغيير يتميزون بالعدوانية، فالأوّلون يستطيعون الانخراط في أعمال عدائية، في حين أن الآخرين قادرون على التأقلم مع قواعد اللعبة. 

تصدّر المسألة الخليجية المشهد

من ناحية أُخرى، أعاد الربيع العربي توزيع مراكز القوة بين الدول العربية وذلك لمصلحة دول الخليج، وساهم في خلق ما يمكن أن نسميه "خلجنة" الشرق الأوسط (Gulfization of the Middle East)، أي أن تتصدر الاهتمامات والمسائل التي تتعلق بالخليج مقدم المشهد الشرق الأوسطي، كما تصبح القضايا التي تهمّ الدول الخليجية في طليعة الأجندة العربية، وبالتالي تحظى بالاهتمام العربي.

كانت دول الخليج قبل الربيع العربي وخلال عقود مضت، ترتكز على إيران في عهد الشاه في الستينيات، وعلى مصر في الثمانينيات، لكن هذا وذاك تغيرا، أولاً بقيام الثورة الإيرانية الإسلامية التي ترغب إيران في تصديرها، وثانياً لأن مصر انشغلت بقضاياها الداخلية وبإعادة البناء، وباتت في حاجة ماسة إلى المساعدات الخليجية.

وفي الوقت ذاته، حظيت دول الخليج بوفرة مالية، وامتلكت إمبراطورية ومكانة مركزية في شبكات الإعلام فوق الوطنية [supranational media]، الأمر الذي مكّنها من توفير فائض من القدرات الموجهة إلى الخارج.[6]

وقد فاقم حصاد الربيع العربي من الخطر والتدخل الإيرانيَّين في بعض الدول العربية: اليمن، ولبنان، وسورية، والعراق، كما أبدت إدارة أوباما رغبة في الانسحاب من صراعات الشرق الأوسط بالتدريج. وواصل ترامب هذه السياسة متبنّياً إزاء إيران رؤية معاكسة مارس فيها أقصى الضغوط عليها، ثم انسحب منفرداً من الاتفاق النووي معها في 8 أيار / مايو 2018، والذي كان وُقّع في 14 تموز / يوليو 2015.

من ناحية أُخرى، فإن مجلس التعاون الخليجي شهد انقساماً منذ حزيران / يونيو 2017 عقب اندلاع أزمة كبرى بين أربعة من الدول الأعضاء اصطفت فيها الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية من ناحية، وقطر من ناحية أُخرى، والتي أخذت عليها الدول الثلاث، تمدد دورها وتدخّلها في دول المنطقة وتحالفها مع تركيا، وقد انضمت مصر إلى الدول الثلاث في هذه الأزمة.

وكانت محصلة هذه التطورات تشكيل أرضية مشتركة مع إسرائيل قوامها مواجهة الخطر الإيراني، ومواجهة الخطر التركي الذي تراه الإمارات من أكبر الأخطار التي تواجهها، وكذلك مواجهة خطر الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية المتطرفة، وتوفر القناعة بأن السلام مع الشعب الفلسطيني بعيد المنال.

وإذا كانت الإمارات ترى في تحالف تركيا مع قطر خطراً عليها، لأن هذا التحالف يواجه قواتها وشركاءها، فإن تركيا من وجهة النظر الإسرائيلية تمثل تحدياً بسبب دعمها للإخوان المسلمين و"حماس" وزعزعتها لاستقرار مصر.

أمّا في سورية، فإن إيران وتركيا، وعلى الرغم من المنافسة بينهما، تريدان حكومة في دمشق خارج السيطرة الأميركية، وذات نفوذ ومناوئة لإسرائيل. وجمع بين تركيا وإيران أيضاً تأييد لقطر في المواجهة بينها وبين الرباعية العربية: المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية، والبحرين، ومصر.

وفي هذا السياق الإقليمي والدولي، والتحولات في المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ظهرت الرؤية الإماراتية والبحرينية وربما في دول خليجية أُخرى لم تفصح بعد عن موقفها. وفي هذه الرؤية تحولت العلاقات الإماراتية - الإسرائيلية إلى معادل موضوعي للخطر الإيراني، وبداية الحصول على الأسلحة الأميركية، وأمناً بديلاً. لكن في حالة انسحاب الولايات المتحدة الأميركية، أصبح الخطر الإيراني هو الأولى بالاهتمام والمواجهة، بينما تضاءل الخطر الإسرائيلي، وباتت إسرائيل مصدراً للتكنولوجيا والأمن السيبراني والمعلوماتي والاستخباراتي.

وظهرت المسألة الخليجية المتعلقة بالأمن والاستقرار معادلاً موضوعياً للقضية الفلسطينية، بل تفوقها أهمية من منطلق المصلحة الوطنية من دون اعتبار للمصالح القومية. 

ثانياً: مفهوم القراءة النقدية للخطاب والاتفاقيات

يُستخدم مفهوم القراءة النقدية في دراسة النصوص الأدبية بصفة عامة، للكشف عن أعماق النص والمعاني المضمنة فيه، والعلاقات بين أجزاء ومكونات هذه النصوص والحقل الدلالي للغة النص، وتفكيك الرمزية المعبرة عن الواقع، في نص أدبي أو شعري.[7] أمّا في هذه الورقة فسنستخدم مفهوم القراءة النقدية للكشف عن النصوص الإعلانات والاتفاقيات المسماة "اتفاقيات أبراهام"، ويشمل هذا المسمى هذين الاثنين أي الإعلانات والاتفاقيات، أو إن شئنا الخطاب السياسي والقانوني والتعاقدي بين الأطراف المتنوعة. ويجمع هذا الخطاب بين الجوانب السياسية والقانونية بشأن القضايا موضع الاتفاق، أي تصورات سياسية وقانونية لمختلف جوانب هذه القضايا، وهذه التصورات بمختلف صِيَغها وتنوع مجالاتها ليست بديلة من الواقع، وإنما هي تصوِّر الواقع على طريقتها مختزلة بعض جوانبه.

وإذا ما سلمنا بصحة أن نصوص هذه الاتفاقيات تشكل في جوهرها خطاباً سياسياً وقانونياً، فإن هذا الخطاب بطبيعة الحال، وعلى الرغم من اللغة والمفردات والألفاظ المكونة له التي تمحورت حول السلام والازدهار والرفاهية والتفاهم والتسامح الديني والمستقبل، ليس في حالة استاتيكية جامدة، أو هادئة أو ذات طبيعة مسالمة، بل على النقيض من ذلك، فإنه بحكم الواقع الذي عبّر عنه والظروف التي ساهمت في إنتاجه وعلاقات القوى الكامنة وراءه، يتموضع في حقل من المواقف الأيديولوجية والسياسية لفاعلين آخرين ، فيتفاعل معها، ويعارضها أو يناقضها أو يدخل في صراع معها. وهذا الخطاب يُعتبر الأفضل مقارنة بالخطابات الأُخرى، والأجدر بثقة الرأي العام والنخبة على حد سواء، والأقدر على معالجة المشكلات والصراعات، ذلك بأن لديه الحلول المبتكرة وغير المسبوقة، وهي حلول تتلاءم مع الواقع والمعطيات والمتغيرات الجديدة على الصعيد المحلي والعربي والدولي مقارنة بالخطابات الأُخرى المتعلقة بالقضايا ذاتها.[8]

ولا يقلل من الطبيعة الصراعية للخطاب مع الخطابات الأُخرى السائدة والمهيمنة في الدوائر السياسية العربية والفلسطينية، الاستخدامُ المفرط لمفردات كالسلام والازدهار والتسامح والمستقبل، بل على العكس يبدو الإفراط في استخدام هذه المفردات إنما هو بغرض التغطية على تناقض هذا الخطاب الخاص بهذه الاتفاقيات مع الخطابات الأُخرى التي تتعلق بالقضايا ذاتها، أي إسرائيل وصراع الشعب الفلسطيني معها، ولأن صانعي هذا الخطاب يعرفون الدوافع الحقيقية الكامنة وراء إنتاج خطابهم.

نستعين في هذه القراءة النقدية لـ "اتفاقيات أبراهام" بالكشف عن الافتراضات المضمرة غير المصرح بها، ونتعرض لـ "المسكوت عنه" أو "غير المُقال" في هذا الخطاب، أو مثلما يقول المفكر الراحل محمد أركون: "غير المفكَّر فيه"، كما نحاول توضيح المقارنات التي تضمّنها هذا الخطاب أو "استذكرها" بلغته، ومغزاها والفوارق المهمة والكاشفة بينها، وذلك بهدف فكّ الألغاز والإبهام والغموض ومواطن الالتباس ومحاولات إخفاء الواقع والتمويه عليه بقصد تسويغ هذه الاتفاقيات وتبريرها.[9] 

الإعلانات عن الاتفاقيات وشهادة الولايات المتحدة الأميركية

من الناحية القانونية، فإن الإعلانات التي سبقت توقيع هذه الاتفاقيات لا تشتمل على قيمة قانونية مقارنة بنصوص الاتفاقيات من وجهة نظر القانون الدولي، لأن الإعلان لا يرتب التزامات قانونية، أكان ذلك في القانون الدولي أم القانون الوطني، بل إن قيمته تكمن في أنه يتضمن قيمة معنوية تشير إلى نيات الأطراف واستعدادها لتحمّل الالتزامات في الاتفاقيات المزمع عقدها. وهذا الأمر لا يعني بالضرورة أن إعلانات "اتفاقيات أبراهام" مجرد ديكور أو شكل، وأنها لا تمتلك أي قوة، وإنما يعني أنه لا يوجد توصيف للتعويض الذي يجب أن يتحمله الطرف الذي لا يوفي بالتزاماته، لكنه يمثل محفزاً على ممارسات الدول لإنتاج اتفاقيات تستند إلى مبادىء ذات أهمية.[10]

من ناحية أُخرى فإن توقيع الولايات المتحدة الأميركية كشاهد على هذه الإعلانات أو الاتفاقيات، لا يُعدّ ذا قيمة على الرغم من الدور الكبير والمؤثر الذي أدته أميركا في توقيع هذه الاتفاقيات، فضلاً عن أن شهادة الولايات المتحدة الأميركية في هذه الاتفاقيات ليست جديدة؛ إذ شهدت في عهد جيمي كارتر على المعاهدة المصرية - الإسرائيلية في سنة 1979، كما شهد كلينتون على معاهدة وادي عربة. ولا تكتسب هذه الشهادة قيمة قانونية إلّا إذا ارتبطت بضمان الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ هذه الاتفاقيات. 

غياب قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين

في السياق القانوني لعقد هذه الاتفاقيات تنخرط أيضاً الإشارات الواردة في هذه الاتفاقيات لميثاق الأمم المتحدة؛ إذ اقتصرت هذه الإشارات على ما يتعلق بالعلاقات بين الدول، وهي العلاقات الودية بين هذه الدول واحترام سيادة كل دولة وتطوير العلاقات التعاونية بينها (البند رقم 2 من المبادىء العامة)، وألّا تؤثر هذه الاتفاقيات في حقوق وواجبات الطرفين ضمن ميثاق الأمم المتحدة (البند رقم 8، حقوق والتزامات أُخرى).

في البند رقم 9 "احترام الالتزامات"، تلتزم الأطراف بعدم تقديم أي التزامات تتعارض مع الاتفاقيات بموجب المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة.

صمتت "اتفاقيات أبراهام" عن جميع قرارات الأمم المتحدة التي تتعلق بالقضية الفلسطينية سواء تلك الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو عن مجلس الأمن، أو التي تتعلق بحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة والعدوان. إن عشرات القرارات، بل مئات القرارات (700 قرار)[11] التي صدرت منذ بدء الصراع العربي - الإسرائيلي، تتعلق جميعها بالانسحاب وعدم مشروعية المستعمرات والاحتلال وإدانة العنف الذي تمارسه إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني، والإجراءات التي تنفذها إسرائيل في القدس الشرقية.

وفضلاً عن ذلك، فإن هذه الاتفاقيات تجاهلت إعلان الأمم المتحدة بشأن تصفية الاستعمار الصادر في سنة 1960، وغيره من القرارات والإعلانات التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من المنظومة القانونية الدولية. وعلى الرغم من الحديث المتكرر عن تسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي بشكل عادل ودائم، فإن الاتفاقيات انتقت من ميثاق الأمم المتحدة ومواده ما يتوافق فقط مع تلك الاتفاقيات المعقودة، وخصوصاً بين إسرائيل والإمارات، ولم ينسَ موقّعو هذه الاتفاقيات الإشارة إلى ضرورة تحويلها إلى الأمين العام للأمم المتحدة لتسجيلها وفقاً للمادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة. 

الاتفاقيات وصفقة القرن

حرصت "اتفاقيات أبراهام" على "استذكار" الحفل الذي أقيم في 28 كانون الثاني / يناير 2020، حين قدم ترامب رؤيته إلى السلام، وهذا الاستذكار يكاد يفصح عن طبيعة "اتفاقيات أبراهام" وارتباطها برؤية ترامب المعروفة إعلامياً بصفقة القرن، بل اعتبارها أحد تجليات تطبيق هذه الرؤية، وأن لترامب الفضل في التوصل إلى هذه الاتفاقيات. وبطريقة "يكاد المريب يقول خذوني"، فإن تجنّب الاعتراف بذلك صراحة في الاتفاقيات، هو محاولة لتجنيب هذه الاتفاقيات المصير ذاته الذي لقيته رؤية ترامب. ومن الممكن أن نفهم الجانب البروتوكولي لهذه الإشارة، إلّا إن المعنى العميق لهذا الاستذكار يضع صفقة القرن كما لو كانت "الأب الروحي" لهذه الاتفاقيات، إذ لا يمكن إنكار حضور ترامب وسياساته وتلويحاته بالانسحاب من الشرق الأوسط وانحيازه السافر إلى إسرائيل والضغوط التي مارسها على حلفائه الخليجيين وغير الخليجيين للانخراط في توقيع هذه الاتفاقيات وتوظيف هذا التوقيع في عهده لمصالحه الانتخابية. 

الاتفاقيات ومعاهدات مصر والأردن

أمّا الاستذكار الثاني الذي ورد في هذه الاتفاقيات، فيتمثل في "استذكار معاهدات السلام بين إسرائيل وكل من جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية"، وهو حافل بالمغالطات والتمويه على الواقع، بل التنكر له، على نحو يكاد يكون تجريدياً، ولا علاقة له بالتاريخ المتعين والثابت في الصراع العربي - الإسرائيلي، والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي مثلما سُمي فيما بعد. وهذه المقارنة، أو الاستذكار، يهدفان إلى استدعاء هذه المعاهدات وإظهار أن دولة الإمارات ومملكة البحرين لم تأتيا بجديد، أو بمحظور يؤخذ عليهما، وإنما سارا في الطريق ذاته الذي سار فيه هذان البلدان العربيان.

وهذه المقاربة التي تبنّتها الاتفاقيات تتضمن أوجه قصور كثيرة ومعيبة نوضحها كالتالي:

1- إن جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية كانتا في حالة حرب وعداء مع إسرائيل، وخاضتا حروباً ضدها في سنتَي 1948 و1967. وفضلاً عن هاتين الحربين، خاضت مصر وحدها حرب 1956، ومع سورية حرب 1973، وقدمت عدة تضحيات مادية ومعنوية من أجل القضية الفلسطينية وتحرير أراضيها من الاحتلال. ومصر والأردن لهما حدود وجوار جغرافي مع إسرائيل ويمثلان معاً جزءاً ممّا كان يسمى "دول الطوق"، وبالتالي فإن السلام مع إسرائيل أعقب جولات من الحروب والصراعات.[12]

أمّا الإمارات ومملكة البحرين فلا تربطهما بإسرائيل أي حدود برية أو بحرية، بل هما في منأى عن الصراع معها، ولم يكن بينهما وبين إسرائيل حالة حرب وعداء استمرت لعقود مثلما هي حال المملكة الأردنية ومصر، باستثناء مشاركة الإمارات والبحرين في المقاطعة العربية لإسرائيل. لكن ما إن وقّعت الإمارات "اتفاقيات أبراهام" حتى سارعت إلى إصدار مرسوم فيدرالي أو قانون رقم 4 لسنة 2020 يلغي كلية قانون المقاطعة رقم 15 لسنة 1972، وقد صدر مرسوم الإلغاء في 16 آب / أغسطس 2020، ونُشر في الجريدة الرسمية رقم 685 بتاريخ 27 آب / أغسطس 2020، وبُدىء العمل به يوم توقيع "اتفاقيات أبراهام" في البيت الأبيض.[13]

وفيما يتعلق بجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، فإنهما حاربتا وتفاوضتا وحصلتا في مقابل ذلك على تحرير أراضيهما من الاحتلال: سيناء والأراضي الأردنية التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967.

2- إن معاهدات جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية في سنتَي 1979 و1994، استندتا إلى مبدأ الأرض في مقابل السلام، وليس السلام في مقابل السلام، مثلما هي حال هذه الاتفاقيات التي يمثل فيها الاقتصاد والتعاون والاستثمار والأمن حجر الزاوية.

3- إن معاهدات مصر والأردن استلهمتا قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن رقم 242 لسنة 1967، و338 لسنة 1973، وهما قراران يمثلان حتى الآن حجر الزاوية في أي تسوية للنزاع، لأنهما ينصّان معاً على عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة والعدوان، بصرف النظر عن الجدل بشأن "الــ" التعريف: أراضٍ أم الأراضي. وفي جميع الأحوال فإن هذه السابقة المصرية - الأردنية لم تكن نموذجاً يُحتذى في الحالة الإماراتية/البحرينية - الإسرائيلية.

4- هذه النقطة هي الأهم، وفحواها أن "اتفاقيات أبراهام" فتحت الباب على مصراعيه أمام تطبيع العلاقات شعبياً ورسمياً على نطاق غير مسبوق وفي المجالات كلها، بينما التطبيع في الحالة المصرية والأردنية كان مجرد اتفاقيات لم تكتمل، ولم تنفَّذ، وواجهت مقاومة شعبية ومدنية من مختلف النقابات والأحزاب. 

تجاهل المبادرة العربية للسلام

الخطاب السياسي القانوني بشأن "اتفاقيات أبراهام" يطرح نفسه في مواجهة الخطاب السياسي العربي عن مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت في سنة 2002، والتي لا تزال قائمة في الحقل السياسي العربي باعتبارها المبادرة الوحيدة التي تستحق هذا الاسم، لأنها تطرح انسحاباً كاملاً في مقابل تطبيع كامل للعلاقات. وقد قوبلت هذه المبادرة بعزوف إسرائيلي وتجاهل، ولم تلتفت إسرائيل إلّا إلى الجانب المتعلق بالتطبيع بينها وبين الدول العربية، غير أن الدول العربية مجتمعة رفضت تعديل المبادرة أو التخفيف من مضمونها، ولا تزال على الصعيد العربي هي الوثيقة الأساسية للسلام والمعتمدة رسمياً.

مضمون خطاب "اتفاقيات أبراهام" يصبّ في إطار إنكار وجود هذه المبادرة وتجاهلها كأنها لم توجد، ولم تكن، وكأنها عقبة في طريق السلام، أو أنها قاصرة عن تحقيقه، لأن أطراف هذه الاتفاقيات يتصورون أنهم قادرون على تجاوز المألوف من الممارسات السياسية التي تبدو في نظرهم "عقيمة"، وأن خطابهم هو الأفضل، والأحسن، والأقدر على حل المشكلات وابتكار أساليب جديدة تلائم التغير في المواقف والمعطيات.

لقد خلت الاتفاقيات من أي ذكر للمبادرة العربية للسلام لا من قريب أو من بعيد، واتّبعت نهجاً انتقائياً متعمداً ينتقي من الوقائع ما يلائم الهدف الذي تسعى له، وهو التبرير وإضفاء المشروعية عليها لأنها امتداد لمعاهدات سلام سابقة بين دول عربية وإسرائيل. 

استراتيجيا تسويق الاتفاقيات

اعتمدت استراتيجيا الخطاب السياسي الذي واكب توقيع هذه الاتفاقيات وتقديمها إلى الرأي العام العربي والإسلامي على ركيزتين أساسيتين بسبب إدراك صانعي هذا الخطاب لمركزية القضية الفلسطينية وأهميتها في الوعي الجمعي للعرب والمسلمين وغيرهم من الشعوب والمناصرين للحقّ الفلسطيني، وذلك بهدف تسويغ قبول هذه الاتفاقيات وتحييد المواقف السلبية إزاءها وتأكيد زعم الأطراف أنهم لم يغيّبوا الحقوق الفلسطينية.

الركيزة الخطابية الأولى تتعلق بتأكيد الأطراف عزمهم على إيجاد سلام دائم وعادل وشامل في الشرق الأوسط (الفقرة الثالثة من المعاهدة، ص1). ومن ناحية أُخرى التكرار اللافت لمفهوم السلام والازدهار، علاوة على التزام الأطراف معاً بالتفاوض للتوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي (الفقرة الثالثة).

وهذا الالتزام المفترض لم يجد في بنود المعاهدات المتعددة ما يعزز وجوده وصدقيته، إذ ليس ثمة ذكر للدولة الفلسطينية باعتبارها غاية التفاوض وموضوعه، ولا ذكر للقدس باعتبارها العاصمة لهذه الدولة، فضلاً عن عدم ذكر قضية اللاجئين، وفي هذا وذاك لم يرد تأكيد أي قرار من الجمعية العامة أو مجلس الأمن يتعلق بهذه الجوانب. وفي الواقع، فإن التكرار اللافت للسلام، ولصيغة التوصل إلى حل عادل وشامل وواقعي، لا يعدو أن يكون صيغة خطابية مفارقة للواقع الذي أنتج هذه الاتفاقيات، ذلك بأن هذه الصيغة مبهمة وغامضة وملتبسة وتلائم المفهوم الإسرائيلي للسلام مع الشعب الفلسطيني، أي قبول ما تريده إسرائيل، والمتمثل في جعل الدولة الفلسطينية قطعاً من الأراضي متجاورة وغير مرتبطة ومعزولاً بعضها عن بعض. ومن ناحية أُخرى، لو صدقت النيات لكانت الصيغة أكثر تحديداً بشأن التوصل إلى حل قائم على قرارات المرجعية الدولية بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، وحل متفاوض عليه لقضية اللاجئين، بل إن هذه الصيغة بدت كما لو أن الشعب الفلسطيني وقيادته والسلطة الوطنية لم تعرف حتى الآن طبيعة الحل الممكن والواقعي، وأنها بحاجة إلى التفاوض لتحديد طبيعة الحل.

أمّا الركيزة الثانية لاستراتيجيا هذا الخطاب الذي رافق تقديم الاتفاقيات للرأي العام العربي فتتمثل في القول إن الاتفاقيات أوقفت ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبصرف النظر عمّا إذا كان ذلك وقفاً أو تعليقاً، الأولى في الخطاب الإماراتي الموجه إلى الرأي العام العربي، والثانية في بيان ترامب الذي جاء بناء على ثلاث مكالمات مع ولي العهد محمد بن زايد وبنيامين نتنياهو والملك حمد بن عيسى ملك البحرين قبل توقيع الاتفاقيات في البيت الأبيض، أو مثلما قال يوسف العتيبة "التطبيع أو الضم"، بصرف النظر عن هذا الجدل، فإن الهدف من تأكيد هذه المسألة وربطها بالاتفاقيات هو توفير شرعية لقبولها والتعامل معها على أنها حققت مكسباً للقضية الفلسطينية.

وحقيقة الأمر مثلما أوضح نتنياهو أنه تم تعليق الضم موقتاً، وأنه لن يوضع على طاولة المفاوضات الآن، وأكد أن هذا التعليق موقت نظراً إلى الاختراق الدبلوماسي الذي أُنجز بعقد هذه الاتفاقيات. كما أشار نتنياهو إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب طالب إسرائيل بإرجاء هذا الضم الوارد في صفقة القرن.

والواقع أن الضم لا يحظى بإجماع بين الناخبين الإسرائيليين، كما أن المؤسسة الأمنية تحفظت إزاءه باستمرار، وثمة انقسام بشأنه في قاعدة نتنياهو الانتخابية ذاتها، حتى إن بعض مؤيدي الاستيطان والمستوطنين لا يوافق عليه؛ فهذا الضم يلقى اختلافاً حتى بين جماعات المستوطنين، وخصوصاً في المنطقة "ج"، وكثيرون من هذه الجماعات يعلنون على الرغم من عدم اتفاقهم على الضم، أنهم لا يخافون حدوث عنف من الفلسطينيين أو من الحكومة الإسرائيلية. وفي الواقع، فإن نتنياهو كان بحاجة إلى طريق للخروج من هذا المأزق، وهذه الاتفاقيات قدمته له.

بناء على ما تقدم، فإن هذه الاتفاقيات ساهمت في شرعنة الوضع الراهن الذي تريده إسرائيل، بل إن إسرائيل حصلت فيه على مزايا التطبيع الاقتصادي والأمني ومختلف الجوانب، وعززت وجودها في الخليج العربي، في مقابل تعليق – بافتراض أن الاتفاقيات عُقدت ارتباطاً بهذه المسألة - نية القيام بالضم في الحال، أي في مقابل ما لم تقم به، وليس في مقابل تنازلات للشعب الفلسطيني.

ومن خلال قراءة إعلانات هذه الاتفاقيات، والاتفاقيات ذاتها وملاحقها، لم نجد أي بند يشير من قريب أو بعيد إلى التعليق أو الوقف لمسألة الضم ، الأمر الذي يجعل من المسألة موضوعاً غير إلزامي وغير ملزم لإسرائيل، بل مجرد جملة عابرة في بيانات صحافية هنا أو هناك.

من الممكن تبرير عقد هذه الاتفاقيات جزئياً بأنها استندت إلى سياسة واقعية تقليدية وبراغماتية بسبب الخطر الإيراني والتعاون مع إسرائيل لمواجهته، لكن مثلما يقول المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم، فإن الواقع مختلف، وإن "التظاهر بأن الإمارات أبرمت صفقة السلام مع إسرائيل من أجل مساعدة الفلسطينيين على تحقيق أهدافهم لهو أمر آخر في غاية النفاق."[14] 

ثالثاً: نموذج التطبيع الجديد

يختلف النموذج الجديد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والمرتبط بـ "اتفاقيات أبراهام" عن حالات ونماذج التطبيع السابقة، في الحالة المصرية - الإسرائيلية، والحالة الفلسطينية عقب اتفاق أوسلو، والحالة الأردنية - الإسرائيلية. فهو لا يقتصر على الشكل والدرجة، بل يتجاوزه أيضاً إلى المحتوى والمضمون والمبادىء والمخاطر التي تترتب عليه، أكان ذلك على صعيد النظام العربي برمّته، أم على صعيد القضية الفلسطينية، أم صعيد خريطة الأدوار الإقليمية لبعض الدول العربية.

لقد ارتكز نموذج التطبيع الجديد، وخصوصاً بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وبين إسرائيل، على خلفية المتغيرات الإقليمية والدولية والعربية التي اقتحمت المشهد العربي خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والتي تمثلت في مجموعة التغيرات والانهيارات التي تتابعت على الصعيد العربي: تجميد أوسلو؛ فوضى الربيع العربي؛ صعود الإسلام السياسي والتطرف الديني والطائفي؛ ظهور فاعلين جدد من غير الدول مثل المنظمات الإرهابية كداعش وغيرها؛ الانقسام الفلسطيني بين حركتَي "فتح" و"حماس"؛ ظهور جيل جديد من المواطنين، أو من الحاكمين، بعيد عن مجريات الصراع العربي / الفلسطيني - الإسرائيلي، الأمر الذي أفضى إلى تراجع القضية الفلسطينية على الصعيدَين الحكومي والرسمي؛ ظهور فاعلين إقليميين يمتلكون أوراقاً وأدوات للتأثير في مجريات الأمور في الشرق الأوسط كإيران وتركيا؛ تزايد المخاطر على مستقبل دول الخليج.

وبطبيعة الحال فإن تفهّم هذه الخلفية التي ظهر فيها التطبيع الجديد، لا يعني من قريب أو من بعيد تبرير هذا التطبيع أو التقليل من مخاطره أو التماس الأعذار للقائمين به، بل يعني أنه لم يكن مفاجئاً، ذلك بأنه كان ثمة العديد من الخطوات السرية وشبه العلنية التي تحدثت عنها أغلب التقارير، والتي تمثلت في العديد من زيارات المسؤولين الإسرائيليين لدول الخليج، وبالذات المسؤولين الأمنيين وغيرهم، والتنسيق في العديد من المواقف والتفاهم بشأنها؛ من ناحية أُخرى فإن الهدف من عرض هذه الخلفية هو معرفة المخاوف التي ترتبت عليها لدى الدول الخليجية، ومحاولة تهدئة هذه المخاوف ومواجهتها عبر البوابة الإسرائيلية - الأميركية.

وقد تميز التطبيع الجديد المشار إليه بالمزج بين الاعتبارات الشخصية والاعتبارات الموضوعية والاستراتيجية على نحو فريد، إذ مثّل لترامب ونتنياهو وولي عهد الإمارات أداة لتعزيز نفوذهم، ولا سيما بالنسبة إلى ترامب وتشبّثه بولاية ثانية، ونتنياهو ورغبته في تحصين نفسه من السجن والإفلات من العقاب.

أمّا مخاطر التطبيع الجديد فتفوق بمراحل كبيرة، حصاد حالات التطبيع السابقة بين مصر والأردن والسلطة الفلسطينية مع إسرائيل، ذلك بأن كثيراً من هذه الحالات، وضع التطبيع في الخانة الرسمية والأمنية، كما أنه مثّل في الحالة الفلسطينية ضرورة عملية من الصعب تجنّبها، وخصوصاً أنها ارتبطت بمسار كان يُفترض أن يفضي إلى دولة فلسطينية.

أول هذه المخاطر يتمثل في الضعف الأيديولوجي والثقافي الذي يميز الحالة الإماراتية والبحرينية للتطبيع، فهذا البلدان لم يعرفا على نحو مؤثر التيارات والمدارس السياسية والفكرية التي عرفتها دول المشرق العربي، وخصوصاً مصر والأردن، مثل المدرسة القومية والليبرالية والاشتراكية والماركسية والإسلام السياسي، هذا إذا ما استثنينا حركة "ظفار" في سلطنة عُمان في سبعينيات القرن العشرين، وبعض امتدادات الفكر القومي،[15] أو تأثير الإسلام الوهابي. وفي الواقع، فإن هذا الضعف والخواء الأيديولوجي والثقافي أفضى إلى غياب المعارضة الشعبية للتطبيع، إذا ما استثنينا هذه المعارضة في مملكة البحرين، ثم أصبح التطبيع رسمياً وشعبياً، وغير محصور في الدوائر الحكومية أو الأمنية.

أمّا ثاني هذه المخاطر فيتمثل في الفراغ الديموغرافي في دول الخليج، وخصوصاً دولتَي البحرين والإمارات، ذلك بأن عدد السكان في هاتين الدولتين، أي عدد المواطنين لا يتجاوز 10% من السكان، والباقون مقيمون ووافدون، وهم في الإمارات يمثلون الأغلبية الساحقة. بناء على ذلك، فإن عدد المواطنين في الإمارات لا يتجاوز المليون، وإذا استثنينا منهم الشباب دون العشرين والمتقاعدين والسيدات، فربما يتبقّى منهم 200,000 هم الذين يديرون آلة الدولة السياسية والأمنية والاقتصادية، بينما يبلغ عدد المقيمين من أميركا وبريطانيا والغرب عامة نحو نصف مليون نسمة. وهكذا فإن التطبيع الإماراتي/البحريني - الإسرائيلي، سيفتح الباب أمام إسرائيل لاختراق البُنية الديموغرافية لهذه الدول.[16]

أمّا ثالث هذه الأخطار فيتمثل في التلويح بورقة الخطر الإيراني في الخطاب الذي رافق هذه الاتفاقيات، والذي يستهدف في المقام الأول إثارة الذعر من هذا الخطر، وحثّ سائر الدول الخليجية على الانخراط في المسار الذي انتهجته دولة الإمارات ومملكة البحرين، ومخاطبة غريزة البقاء وطلب الحماية وتقليص مخاوف هذه الدول من خلال البوابة الإسرائيلية والرضا الأميركي.

وفي الواقع، فإن هذا الخطاب عن الخطر الإيراني، واستخدامه من أجل تحقيق بعض الأهداف، يماثلان على نحو أو آخر استثمار إسرائيل لورقة السلام، بهدف تحقيق أهداف أُخرى لا تتكيف مع متطلبات هذا السلام والاستحقاقات التي يتطلبها، ذلك بأن الخطر الإيراني يبدو مبالغاً فيه ولا يزال بعيداً، ويُستخدم لتبرير التطبيع والتعجيل في انضمام الدول الخليجية الأُخرى إليه، كما أن استدعاء إسرائيل من خلال التطبيع لمواجهة واحتواء هذا الخطر يضفي على إسرائيل صفات لا تجرؤ هي نفسها على أن تنسبها إلى نفسها. 

مبادىء نموذج التطبيع الجديد

يرتكز نموذج التطبيع الجديد بين الإمارات والبحرين وإسرائيل على مجموعة من المبادىء منبتّة الصلة بحالات التطبيع السابقة، وهي مبادىء في فحواها ومضمونها تمثل خطراً على النظام العربي والقضية الفلسطينية. 

1 - السلام في مقابل الاقتصاد

هذا المبدأ يخالف القاعدة العامة والأساسية التي ارتبطت بحالات التطبيع السابقة، وهي الأرض في مقابل السلام، ذلك بأن فكّ الارتباط بين السلام والتنازل عن الأراضي أو الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة يمثل تأكيداً للرؤية الإسرائيلية، وتحديداً رؤية نتنياهو التي تتلخص في السلام في مقابل الاقتصاد، وتبادل العلاقات الاقتصادية والتبادل الاقتصادي والمنافع الاقتصادية المشتركة.[17] وهذا المبدأ في حد ذاته يمثل حجر الزاوية في الرؤية الإسرائيلية للسوق الشرق الأوسطية التي تتمثل في ثلاثية رأس المال العربي والنفط العربي، والأيدي العاملة العربية، والتكنولوجيا الإسرائيلية.[18]

وهذا المبدأ يحرر إسرائيل من الالتزام بالانسحاب من الأراضي العربية، ويفتح أمامها الطريق لتبادل العلاقات مع الدول العربية من دون مقابل أو التزام بالجلاء عن هذه الأراضي، مثلما تنصّ على ذلك جميع القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية. 

2 - "ملائكية إسرائيل" و"شيطانية الفلسطينيين"

يضفي الخطاب الخليجي الرسمي الذي رافق التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، نوعاً من "الملائكية" على إسرائيل، ومن ناحية أُخرى نوعاً من "الشيطنة" على الفلسطينيين؛ فإسرائيل هي التي تسعى للسلام ويدها ممدودة إلى العالم العربي، بينما العائق أمام السلام هو الشعب الفلسطيني وقيادته اللذان يرفضان أي مبادرة، بل المبادرات كافة.

وعلى ضوء ذلك، فإن الخطاب الإماراتي / البحريني يتبنّى جزئياً الرواية الإسرائيلية الرسمية التي تصور الشعب الفلسطيني وقيادته على أنهما ليسا شركاء في عملية السلام، بل لا يريدان السلام. فهذا الخطاب يرى السلام مثلما تراه إسرائيل، أي اقتسام الضفة الغربية بينها وبين الشعب الفلسطيني، وترك أجزاء من الأراضي الفلسطينية مجزأة وغير مترابطة ولا تشكل دولة بأي معنى، مع الإبقاء على القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وتجاهل قضية اللاجئين الفلسطينيين. 

3 - "خلجنة" المشهد السياسي العربي

التطبيع الإماراتي / البحريني - الإسرائيلي، استند في الواقع إلى ما يسمى "خلجنة" (gulfization) المشهد في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ويُقصد بذلك أن الاهتمامات والمسائل الخليجية وقضايا الخليج باتت تتصدر جدول الأعمال على الصعيد الشرق الأوسطي والعربي. بعبارة أُخرى، إن مخاوف دول الخليج من الخطر الإيراني والتدخل العسكري في اليمن والتدخل التركي في قطر وغير ذلك من مشكلات الخليج، والتي تشكل في مجموعها قضية خليجية بامتياز، يجب أن تحظى بالاهتمام وبأولوية الرعاية من الجانب العربي، وأن الأوان آن كي تحظى هذه القضية الخليجية بأولوية وأسبقية متقدمة على القضية الفلسطينية، أو كي تقف على قدم المساواة مع القضية الفلسطينية. فلسان حال هذا الخطاب يقول: لدينا "قضيتنا" التي تستحق الرعاية والأهمية، وتتطلب من الدول العربية موقفاً مماثلاً.

تُعتبر هذه القضية الخليجية أداة لإزاحة القضية الفلسطينية من الوعي الخليجي، وإعادة ترتيب الأولويات على النحو المشار إليه، كما أنها تبرير للتراجع والتطبيع والتخلي عن القضية الفلسطينية وإدارة الظهر لها، والبدء بالاهتمام بالمصالح والقضايا الخليجية على حساب القضايا العربية الأُخرى، وفي مقدمها القضية الفلسطينية. 

4 - المزايدة على حالات التطبيع السابقة

كان من المتصور أن يكون نموذج التطبيع المصري / الأردني مع إسرائيل، هو سقف التطبيع المسموح به عربياً، والقائم على مبدأ الأرض في مقابل السلام، غير أن التطبيع الإماراتي / البحريني - الإسرائيلي خرج على هذا النموذج، وشكّل نموذجاً جديداً يتميز بالمزايدة على نموذج التطبيع المصري / الأردني - الإسرائيلي؛ فهو تطبيع لا حدود له ولا سقف، ويكاد يقترب من حالة الحب والوله. وهذه المزايدة توحي لإسرائيل بحلم إقامة سلام دافىء مع مصر والأردن على غرار السلام الإماراتي - الإسرائيلي، ومطالبة هذين البلدين بتعزيز التعاون والتطبيع على غرار الحالة الإماراتية، بل استخدام ضغوط الولايات المتحدة الأميركية على هاتين الدولتين للشروع في علاقات جديدة مع إسرائيل تحتذي بالإمارات. 

المخاطر على النظام العربي

يضيف التطبيع الراهن انقسامات جديدة في النظام العربي هو في غنى عنها، فبعد أن كان هذا النظام يتمسك بالمبادرة العربية منذ سنة 2002 للتسوية والسلام والتطبيع مع إسرائيل، خرجت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان على هذا الموقف، وغلّب كل منها مصالحه القطرية والوطنية على المصالح العربية والقومية.

ومن ناحية أُخرى فإن هذا التطبيع يُضعف النسق العقيدي للنظام العربي القائم على فكرة العروبة والقومية، ويفتح الباب أمام تحوّل هذا النظام إلى مجرد نظام إقليمي؛ أي مجرد دول متجاورة جغرافياً من دون أدنى اعتبار للروابط التاريخية والثقافية والسياسية بين دول العالم العربي. ومن شأن هذا التطبيع ومعدلاته المتسارعة تعويق خطط التكامل الاقتصادي العربي، وتفكيك الموقف العربي الشامل من قضية التسوية والسلام، والقائم على المبادرة العربية للسلام المطروحة منذ سنة 2002.[19] 

مخاطر التطبيع الراهن على القضية الفلسطينية

أول هذه المخاطر يتمثل في فكّ الارتباط بين التقدم في حل القضية الفلسطينية، وبين تطبيع علاقات الدول العربية بإسرائيل، إذ أصبحت العلاقات العربية - الإسرائيلية متحررة من قيد التقدم في علاج القضية الفلسطينية.[20]

كما أن تحقيق السلام الاقتصادي على حساب مبدأ السلام في مقابل الأرض بات هو المبدأ الموجه إلى التسوية الشاملة منذ وقت طويل.

يضاف إلى ذلك تهميش القضية الفلسطينية وحرمانها من العمق العربي والظهير العربي باعتبارهما ورقة دعم أساسية للنضال الفلسطيني، بل أكثر من ذلك أن يتحول هذا الظهير العربي من دعم إلى عبء على الجانب الفلسطيني لمواجهة آثاره وتداعياته.

إن التطبيع الراهن تغيير شامل لقواعد اللعبة الجيو استراتيجية في إقليم الشرق الأوسط والمنطقة العربية، إذ أصبح لإسرائيل بموجبه آذان وعيون في الخليج العربي على آسيا وإيران والصين والهند.

والأخطر من هذا كله هو أن هذه الاتفاقيات تتبنّى بشكل أو بآخر الرواية الإسرائيلية في مرحلتها الراهنة، وهي تحميل الشعب الفلسطيني وقيادته مسؤولية التعثر في التوصل إلى الحل، واعتبارهما معوّقَين للسلام، لأن الخطاب الذي رافق هذه الاتفاقيات والتطبيع الملازم لها أضفى نوعاً من "الملائكية" على إسرائيل باعتبارها الساعية دوماً للسلام والتي تمد يدها إلى العالم العربي، بينما أضفى على الفلسطينيين نوعاً من "الشيطنة" و"الأبلسة" باعتبارهم مَن يرفضون اليد الممدودة إلى السلام، ويضعون العصي في دولابه. 

مواجهة الآثار

يمكن إجمال مواجهة آثار التطبيع الكارثية بالأمور التالية: إبطاء وتيرة التطبيع المتسارعة من خلال عقد اللقاءات المغلقة للتبصير بمخاطر التسارع على النحو الحالي؛ فتح المجال أمام حركات مناهضة للتطبيع في موجته الأخيرة، كمنظمات المجتمع المدني والناشطين المؤيدين لفلسطين وخلق رأي عام مناهض للتطبيع إن في الإعلام أو مختلف الفاعليات؛ تعزيز صورة الشعب الفلسطيني لدى الرأي العام ودعم قضيته العادلة؛ تسريع محاولات الوحدة والتصالح في الحالة الفلسطينية، ورأب الصدع والانقسام الفلسطيني باعتباره حجر الزاوية في استعادة القضية الفلسطينية لمكانتها ورمزيتها وأولويتها على الصعيد العربي؛ تفعيل المقاومة الشعبية وتصويب وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وذلك لمواجهة هذه التحديات؛ الإصرار على التمسك بالمبادرة العربية للسلام باعتبارها حجر الزاوية في مشروع التسوية؛ بناء النظام السياسي الفلسطيني وفق مرجعيات المصالحة المعروفة، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وانتخابات المجلس الوطني؛ إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الحاضنة الأولى والوحيدة لنضال الشعب الفلسطيني والوعاء الذي يضم الفاعليات الفلسطينية كلها، وجميع التيارات الوطنية؛ دعم الوفاق الوطني على إعادة هيكلة المقاومة بجميع أشكالها، وذلك بناء على جدول أعمال وطني يتم التوصل إليه من خلال الحوار والتشاور والمشاركة الشعبية والتنظيمية الشاملة. 

خاتمة

عالجت هذه الورقة "اتفاقيات أبراهام" من الناحية القانونية أو السياسية، والآثار التي أنتجتها على الصعيد العربي والفلسطيني، وحاولت تشخيص معالم الطريق الذي أفضى إلى إبرام هذه الاتفاقيات، وطبيعة التغير في المشهد العربي والإقليمي، والكيفية التي تم بها إدراك طبيعة هذه التغيرات ومواجهتها من جانب الدول التي أبرمت هذه الاتفاقيات.

وأبرزت الورقة تجاهل الاتفاقيات للمرجعيات الدولية للقضية الفلسطينية المتمثلة في القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وكذلك تجاهل المرجعية العربية للسلام مع إسرائيل والمتمثلة في مبادرة السلام العربية - الإسرائيلية، والتي صمدت منذ إعلانها في سنة 2002 حتى إبرام هذه الاتفاقيات.

 

المصادر:

[1] هبة جمال الدين، "الدبلوماسية الروحية: مسار جديد ومخاطر كامنة وسياسات بديلة لصانع القرار" (القاهرة: معهد التخطيط القومي، 2018)، ص 3.

[2] شمعون بيريس، "الشرق الأوسط الجديد"، ترجمة محمد حلمي عبد الحافظ (عمّان: الأهلية للنشر والتوزيع، ط 1، 1994)، ص 38 - 39، 61 - 63.

[3] Tova Norlen and Tamir Sinai, “The Abraham Accords: Paradigm Shift or Realpolitik”, “George C. Marshal: European center for Security Studies”, October 2020, no. 64.

[4] "اتفاق (أبراهام): تطبيع علاقات أم إعلان عن تحالف قائم بين الإمارات وإسرائيل؟"، "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" (الدوحة)، 16 آب / أغسطس 2020، في الرابط الإلكتروني.

[5] Norlen and Sinai, op. cit., p. 2.

وبشأن هذه النقطة، انظر أيضاً: فاتحة دازي هاني، "دول الخليج وإسرائيل بعد اتفاقيات إبراهيم"، "مبادرة الإصلاح العربي"، 6 تشرين الثاني / نوفمبر 2020، في الرابط الإلكتروني.

[6] Amr yossef, “The Regional Impact of the Abraham Accords”, “Modern War Institute”, March 2021.

[7] محمد مكاكي، "النقد الثقافي وأسئلة التمثيل: المفهوم والتحديات"، "المدونة" (جامعة البليدة / الجزائر)، المجلد 8، العدد 2، 30 حزيران / يونيو 2021، ص 1075 – 1095.

[8] Piere Ansart, ldeologies, conflits, et pouvoir (Paris: Presses Universitaire de France, 1977), pp. 77-78.

[9] محمد عبد العليم، "الخطاب الساداتي: تحليل الحقل الأيديولوجي للخطاب الساداتي" (القاهرة: سلسلة كتاب الأهالي، 1990)، ص 42، 160، 163.

[10] Eric Canal Forgues Alter and Narayanappa Janardhan, “Abraham Accords: Legal Interpretation and Scope for Collaboration with Asia”, “EdA Insight”, February 2021, pp. 3-5.

[11] محمد عبد العليم، "قراءة نقدية في الرؤية الأمريكية للسلام من الشكل إلى المضمون"، مجلة "الديمقراطية" (القاهرة)، المجلد 20، العدد 78 (30 نيسان / أبريل 2020)، ص 5 – 6.

[12] Yossef, op. cit., p. 3.

[13] Alter and Janardhan, op. cit., pp. 3-5.

[14] حسن البراري، "اتفاق أبراهام: علاقة إسرائيل والإمارات وتأثيرها على الأردن" (عمّان: مؤسسة فريدريش إيبرت، 2020)، ص 9.

[15] خالد الحروب، "في مخاطر التطبيع العربي (الخليجي): أربع هشاشات"، "شؤون فلسطينية"، العدد 281 (خريف 2020)، ص 18 – 23.

[16] المصدر نفسه.

[17] نادية سعد الدين، "السلام الاقتصادي"، "الجزيرة نت"، 7 / 7 / 2013، في الرابط الإلكتروني.

[18] بيريس، مصدر سبق ذكره، ص 40.

[19] حسن نافعة، "مستقبل النظام العربي في ظل تعاقب موجات التطبيع مع إسرائيل"، "شؤون فلسطينية"، العدد 281 (خريف 2020)، ص 17.

[20] انظر: إبراهيم أبراش، "القضية الفلسطينية في زمن التطبيع العربي"، "حضارات للدراسات السياسية والاستراتيجية"، 22 / 12 / 2020، في الرابط الإلكتروني.

السيرة الشخصية: 

عبد العليم محمد: مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام.