
09/05/2025 عربي

08/05/2025 عربي

06/05/2025 عربي

05/05/2025 عربي

02/05/2025 عربي

29/04/2025 عربي

29/04/2025 إنكليزي
![An Israeli tank blocks the path of a car carrying Dr. Alia Kattan and colleagues as they leave Gaza after their mission. Dr. Kattan says, "[During] our exit, we were held up by an Israeli tank pointing at us for three hours despite us being doctors working through the WHO." An Israeli tank blocks the path of a car carrying Dr. Alia Kattan and colleagues as they leave Gaza after their mission. Dr. Kattan says, "[During] our exit, we were held up by an Israeli tank pointing at us for three hours despite us being doctors working through the WHO."](https://www.palestine-studies.org/sites/default/files/styles/test_blog/public/images/blog/WhatsApp%20Image%202025-04-21%20at%201.49.27%20PM%20%282%29_0.jpeg?itok=PoQNcL78&c=aaeb9ab0a4a711306c047f753fd65d5d)
كلما قُدمت إلى الآخرين، يُشار إلى أنني من غزة، وأنني ناجية من الإبادة، وبهذا يتم اختصار حكاية يطول شرحها، فأقفز فوراً إلى القالب النمطي المُعَد مسبقاً لأي ناجية من غزة، وأنا فعلاً من هناك، وفعلاً ناجية من الإبادة، لكن الحكاية ليست بهذا الوضوح المريح.
الحكاية من بدايتها
سار جدي وجدتي على أقدامهم بصحبة أهل قرية زرنوقة الواقعة في قضاء الرملة المحتلة، بعد هجوم عسكري شنته وحدة غفعاتي الصهيونية في 27 أيار/مايو 1948. وكما هو حال كل سكان قرى قضاء الرملة، وصل الجدان مع طفلَيهما إلى وسط ما يسمى الآن قطاع غزة؛ إذ كانت وقتها غزة سافرة بلا قطاع.
وكانت البداية في خيمة، وعندما تبيَن أن ما حدث نكبة، وأن الأمر ليس كابوساً، إنما هو أمر واقع مدعوم عالمياً، صارت الخيمة حجر أسمنت ضم أبي وإخوته، كما هو حال كل خيمات المخيم. ومع ذلك، فقد ظل اسمه المخيم حتى زماننا هذا، وتغيرت أحوال كل البلاد والعباد، باستثنائنا. ولاحقاً، وُلدت أنا بدوري في مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين في هذا البيت الأسمنتي، وعشت منذ أواخر الثمانينيات في قالب اللاجئة بين عدد كبير جداً من شبيهاتي وأشباهي، ولا أعرف إلاّ هذا الشكل من أشكال الحياة، وكنت أتصرف كما لو أن سكان الكرة الأرضية كلّهم لاجئون.
مؤكد أن آباء الأولاد الآخرين يعودون من عملهم يتأبطون بطيخة مرّة، ومثلجات أحياناً، وقرشلة كثيرة وخصوصاً في الشتاء، ثم يتعربش الأولاد على سيقانهم وخواصرهم، كأبي، وبالتأكيد، كل أولاد العالم يجلسون إلى جانب أمّهم على طبلية تسمّع لهم القصيدة، أو جدول الضرب، كأمّي، وطبعاً، كل عمّات أولاد العالم يصنعن كنزة من الصوف لأبناء إخوتهن، كعماتي. أم ألَسْنَ عمات العالم كلهن خياطات؟ وطبيعي أن كل بيوت العالم لديهم فرد مهمته نفخ بالونات عيد الميلاد، كبيتنا في عيد ميلاد أحدنا. وكل مدارس العالم بابها عريض لونه أزرق كمدرستي. إذن، كل سكان العالم لاجئون.
مجريات الحكاية:
أنا وأشباهي وشبيهاتي من اللاجئين مقبلون على امتحانات الثانوية العامة، فالتعليم هو هاجس اللاجئين ووجهتهم، إلى جانب حلمهم العنيد في العودة وطيّ صفحة النكبة، ومعها (بالمرّة) صفحة النكسة التي بركت على قلوب اللاجئين سنة 1967، حين خسر العرب الحرب، واحتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة موطن اللاجئين.
لكن للتاريخ صفحات كثيرة؛ ففي سنة 2006، توجه اللاجئون الذين يشكلون 80% من سكان القطاع، جنباً إلى جنب مع الباقين من غير اللاجئين، إلى صناديق الاقتراع بناء على طلب سيدة المستعمرين، الولايات المتحدة البيضاء، لإجراء انتخابات في الأراضي المحتلة للمرة الثانية في تاريخ اللجوء بعد انتخابات 1996، والتي حُسمت آنذاك لمصلحة حركة "فتح"، أمّا هذه المرة، فقد رجحت الكفة لمصلحة حركة "حماس". وكنتُ على شفا حفرة من ممارسة حقي في الانتخاب، لكنني أحمد الله على أن زواج والدَي تأخر عاماً، فلم أكن وقتها واعية بما يكفي لأعتبر أن الانتخابات تحت حراب الاحتلال ليست حرة ولا نزيهة. لكن هناك دائماً مَن ينتخب، ولم يكن موقفي سيغير شيئاً لو كان سني يسمح لي بالانتخاب.
وقد أرّقت نتيجة الصناديق العالم كله، وبعد محاولات لم تنجح لإجهاضها، جاءت لحظة العقاب، وتم فرض حصار جوي وبرّي وبحري على سكان قطاع غزة الذين صوتوا لمصلحة "حماس"، واشتد الخناق على مهد المخيمات.
وفي ذروة مخاض أسئلتي الكبرى، وقبل أن أجد أجوبتي، وجدت نفسي لاجئة ومحاصرة، وأُمّاً للاجئتَين محاصرتَين، نعيش جميعاً في قالب اللاجئين، وليس أي لاجئين، بل أيضاً لاجئين محاصَرين في غزة.
لِمَ لا ننجب؟ وهل يستطيع المحاصَر أن يلمس حدود حصاره؟ طالما لا يزال في إمكاننا أن نمد بصرنا بعيداً إلى ما وراء المتوسط، فالجواب هو لا. وهل يرى السجين الأعمى جدران القالب؟ إن القالب أساساً شأن لا يعنينا، إنما هو من صنع الآخرين لتسهيل مهمة التفكير على أنفسهم. لحظة! وهل يوجد آخرون؟ مؤكد أننا، نحن اللاجئين المحاصَرين، مركز هذا العالم وبؤرته المشعة.
في الختام:
أكتب من جوهانسبرغ، وأتذكر أنني حاولت أنا وزميلاتي وزملائي في اللجوء أن نعيش حياة طبيعية في أوضاع غير طبيعية، ليس لأننا متميزون أو خارقون، أو لا سمح الله سعيدون بزنزانتنا المكشوفة السقف، إنما ببساطة لأنه لا يوجد أي خيار آخر، وظل صوتنا في الخلفية يصدح بحقنا في العودة إلى بلد الأجداد، بالقرب من شجرة التوت (التوتة). صحيح أن اسمها الآن روخوبوت وليس زرنوقة، لكن هذا ليس مهماً، فكل الأشياء لها اسم أصلي واحد، مهما تتغير عليها الجلود. لكن مهلاً.. صوتنا الذي في الخلفية يصرخ بمطالب كثيرة، وليس فقط بالحق في العودة طالما الحصار يعض بشراسة، بل أيضاً الحق في العلاج، وفي الحركة والسفر، وفي الحصول على مياه نظيفة، وفي إمكان المحافظة على البوظة في ثلاجة البيت، وفي الحياة، وفي وجود حدائق يمكن للأطفال أن يركضوا فيها من دون أن يكون القصف كابوساً يمطر سماءها بالصواريخ متى ما تذمر السجان من ذلك الصوت في الخلفية، تاركاً إيانا مع أسئلة الأولاد في مواجهة تفسير الموت والهلاك، وكلّها حقوق ملأت وعاء تحمُّلنا وصبرنا إلى أن طفح، وسار أبناء المخيمات، أحفاد اللاجئين واللاجئات، نحو السلك الشائك، ليلوُوا عنق الحصار، ويحطموا فكه المطبق على أجسادهم، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
لكن لا يُسمح لمن هم داخل القالب أن يقرروا تحطيمه. إذن، ما العقاب المتبقي الذي يتخطى جرائم التطهير العرقي، والفصل العنصري، والعقاب الجماعي المتمثل في محاصرة مليونَي مدني، التي أقر الخبراء والحقوقيون أنها مقدمة لإبادة جماعية متدرجة؟ لم يبق إلاّ أمّ الجرائم؛ الإبادة الجماعية السريعة.
أنا الآن اللاجئة التي أفلتت من الحصار، والنازحة 3 مرات، ورابعها النزوح إلى جنوب القارة السوداء، والناجية من الإبادة الجماعية طوال المكوث شهرين تحت الأحزمة النارية المتواصلة..
وها أنا أجلس في إحدى زوايا قالبي الجديد، وأكتب عن مأساتي وذاكرتي بعد مرور عام على اقتحام السلك الشائك، لم تتوقف خلاله آلة القتل لحظة واحدة.
صحيح أنني الآن أستطيع المحافظة على البوظة في ثلاجة المنزل للصغيرات، لكنني أخذتُ قراراً بتأجيل الاستمتاع بطعم البوظة، بينما العالم ما زال يمضغ لحم صغارنا اللاجئين المحاصَرين النازحين، وغير الناجين.. ولم يشبع بعد.
7 تشرين الأول/أكتوبر 2024
جوهانسبرغ