انتشر مؤخراً، وبصورة ملفتة، مرض الجرب (سكابيوس)، بين الأسرى في كل سجون الاحتلال؛ و"يُعد الجرب أحد الأمراض الجلدية التي تتميز بظهور حكّة شديدة تسببها مجموعة من الطفيليات تسمى السوس، وهو مرض معدٍ، ويمكن أن ينتشر بسرعة من خلال المخالطة اللصيقة.
أعراض الجرب:
- من أبرز أعراض الجرب الحكة الشديدة في الجلد، وتزداد حدتها في ساعات الليل.
- مسارات متموجة تتكون من بثور صغيرة أو نتوءات على الجلد.
أسباب وعوامل خطر الجرب:
تنتشر طفيليات القارمة الجربية (Sarcoptes scabies) بواسطة الملامسة المباشرة مع شخص مصاب بالمرض، وقد ينتشر مرض الجرب أيضاً جرّاء استعمال الأدوات الشخصية، مثل: المنشفة، أو غطاء السرير لشخص مصاب."[1]
وجاء هذا الانتشار بعد جملة من الإجراءات العقابية التي فرضتها إدارة مصلحة السجون عليهم؛ إذ يعيشون، بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، في السجون أوضاعاً استثنائية من الناحية الصحية، فيتعرضون لأساليب ممنهجة من جانب إدارة مصلحة السجون لإضعاف أجسادهم، وذلك في سبيل استهدافهم على الصعيد المعنوي، فضلاً عن أن هذه الأساليب تهدف إلى الوصول إلى إضعاف الإرادة، وهو ما يشكّل واقعاً مأساوياً للأسرى الذين يتعرضون لأصناف من أساليب القهر والعذاب داخل الزنازين. كما يواجهون واقعاً بالغاً في الصعوبة والتعقيد، وذلك جرّاء سياسة العقاب الجماعي الممارَسة بصورة ممنهجة ومدروسة، وهذا العقاب يُعد الأشد منذ عقود.
وتستند هذه المادة إلى شهادات من الأسرى الذين تحرروا مؤخراً من سجون الاحتلال، بالإضافة إلى مجموعة من التقارير التي تناولت انتشار ظاهرة مرض الجرب (سكابيوس) مؤخراً في السجون، وتُضاف إلى ذلك أهداف الاحتلال من السماح لهذا المرض بالانتشار داخل السجون. كما تتطرق هذه المادة إلى جملة من التداعيات التي تترك أثرها في الأسرى بسبب هذا المرض، وكيفية تأثيره في حياة الأسير، سواء أكان داخل المعتقل، أم بعد التحرر.
بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تعمدت إدارة مصلحة السجون سحب كل مستلزمات الأسرى، وخصوصاً مواد التنظيف الخاصة بهم؛ من صابون، وأيضاً سائل استحمام، ومعجون أسنان، ومنعتهم من الحلاقة وقص الشعر،[2] بالإضافة إلى أنها سحبت الأغطية والملابس، والمنشفة التي يجفف بها الأسير جسده بعد الاستحمام، ويُضاف إلى ذلك أنها قطعت المياه عن الأسرى، وخصوصاً الماء الساخن، وبذلك تكون قد حرمت الأسير من أبسط الحقوق الإنسانية، وهو النظافة الشخصية. وفي هذا السياق، يقول أحد الأسرى المحرَرين: "إدارة السجن سحبت كل ما يتعلق بالنظافة الشخصية للأسير، وهذا القرار سمح لمرض سكابيوس بالانتشار بسرعة، وخصوصاً أن السجون تعاني جرّاء حالة اكتظاظ عالية جداً. أنا شخصياً لم أستطع الاستحمام منذ 4 أشهر، وقد تحررت من دون استحمام من سجن النقب."[3]
وتسعى إدارة مصلحة السجون للانتقام من الأسرى، وزيادة معاناتهم، ودفْع الأسير أكثر نحو التفكير في حالته الصحية بدلاً من الحرية. كما تتعامل هذه الإدارة مع مرض سكابيوس كنوع من العقوبة، فالقضية أساساً لدى الأسير في السجن ذاته، ولذلك تعمدت وحرفت أدارة السجون البوصلة عن القضية الأساسية، وفي سياق متصل، تعمدت الإدارة استخدام سياسة الاختلاط بين الأسرى، وذلك بقصد خلْط المرضى بهذا المرض بغير المرضى، وذلك لجملة من الأهداف يلخصها أحد المحرَرين قائلاً: "إدارة السجن تعمدت خلط الأسرى، وذلك لنشر المرض بينهم؛ أولاً كعقاب جماعي، ثم بحجة انتشار المرض، يقومون بإغلاق السجن أمام اللجان الدولية المختصة بقضايا الأسرى، وأيضاً زيارات المحامين، والاستفراد بالأسرى بطبيعة الحال. والهدف من إغلاق السجون عدم نشر أي تقارير عما يحدث مع الأسرى بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر."[4]
إذن، فإن ما حدث مع الأسرى من سياسة عقاب جماعي بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 يؤكد أن إدارة مصلحة السجون ارتكبت جملة من الخطوات غير الإنسانية وغير الأخلاقية، وذلك ضمن نمط عقابي مدروس فعلاً، فالقوانين التي أصدرتها تأتي في سياق خطة ممنهجة، حتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي هذا الصدد، يقول الأسير المحرَر ماهر حرب: "في بداية الحدث يمكن القول إنَّ ما جرى ليس في سياق عفوي، إذ أن تشخيص الموضوع على أنه عفوي ليس صحيحاً، ما جرى في السجون يوم السابع من أكتوبر جرى بطريقة منظمة، وهذا الأمر يكشف أن الاحتلال هو من أسس لهذا اليوم، وكان مُهيأ له، سواء من خلال طريقة الهجوم على الأسرى، أو أسلوب التفتيش، أو حتى التنكيل والتعذيب منذ اليوم الأول."[5]
واستناداً إلى هذه الكلمات، يمكن القول إن إدارة مصلحة السجون هي مؤسسة أمنية إجرامية كانت مستعدة لإنزال أقصى العقوبات بالأسرى، ومن جديد، نؤكد ما قلناه سابقاً؛ إن هذه الإدارة تعمدت بصورة مقصودة ومدروسة نشر مرض سكابيوس بين الأسرى.
وفي المنوال نفسه، قامت إدارة مصلحة السجون بوضع عدد كبير من الأسرى داخل زنزانة واحدة، وحرمتهم من الخروج إلى "الفورة"،[6] وأحياناً كانت تقلصها لفترة زمنية محددة. هذا فضلاً عن أن أجساد الأسرى لا تتعرض للشمس بسبب سياسات إدارة مصلحة السجون، بالإضافة إلى عدم وجود تهوية مناسبة داخل الزنازين، ورفض الإدارة إخراج النفايات،[7] وانتشار الحشرات بسبب قلة النظافة، وكل هذه العوامل، إلى جانب سحب مواد التنظيف ومستلزمات النظافة التي تحدثنا عنها سابقاً، أدت إلى انتشار مرض سكابيوس، وفي هذا السياق، يقول أحد الأسرى المحرَرين: "الوضع داخل الزنازين سيئ جداً، إذ إن الزنزانة التي تستوعب 10 أشخاص، كانت إدارة مصلحة السجون تقوم بوضع 20 أسيراً داخلها أحياناً، وهذا ما سبّب الأمراض، وطبعاً، التهوية في هذه الزنازين شبه منعدمة، والأسرى لا يخرجون إلى الفورة إلاّ وقتاً قليلاً، وأحياناً لمدة 15 دقيقة، ناهيك بانتشار الحشرات بسبب عدم وجود أدوات ومواد تنظيف، والأسرى لا يستحمون إلاّ قليلاً. وبالنسبة إليّ، فقد مكثتُ 3 أشهر لم أرَ فيها الشمس على جسدي، ومؤخراً، قامت إدارة مصلحة السجون بتقديم العلاج لمرض سكابيوس في سجن ريمون، لأن المرض انتقل إلى بعض السجانين، ولولا هذا الانتقال، لما جرى تقديم العلاج؟"[8]
وبلمحة سريعة لحياة الأسير المصاب بهذا المرض، يمكن القول إنها تصبح جحيماً، إذ يبدأ المرض بنهش جسد الأسير، ويحرمه من النوم، بالإضافة إلى شعوره بحكة شديدة، وغالباً ما تزداد حالته سوءاً في ساعات الليل، ويضاف إلى ذلك أن الأسير يعيش أوضاعاً صعبة ومعقدة على الصعيد النفسي، إذ يدرك أنه لا يوجد علاج في الوقت القريب، وهو يعاني داخل أسوار السجن، والأهم أيضاً أنه إذا تحرر وهو مصاب فإنه لن يتمكن من معانقة عائلته، فهذا المرض معدٍ. وهنا يقول الأسير المحرَر ماهر أبو زينة: "فقدنا السيطرة على المرض داخل السجون؛ فلا يوجد علاج، ولا مواد تنظيف، والوضع داخل السجون مأساوي، والأصعب عندما تتحرر كمصاب فلا تستطيع احتضان عائلتك، وهذا أمر يصعب شرحه بالكلمات، فالمعاناة التي تعتقد أنها انتهت، تبقى معك حتى بعد أن تتحرر."[9]
وأخيراً وليس آخراً، فيما يخص مرض سكابيوس؛ إن من أخطر الإجراءات التي تمس حياة الأسير داخل السجون هو رفْض إدارة مصلحة السجون تقديم العلاج إلى الأسرى، بالإضافة إلى رفضها نقْل الأسرى إلى العيادات والمستشفيات للعلاج من هذا المرض الفتاك، وهذا يعني أن إدارة مصلحة السجون تتقصد ذلك، وتسعى للاستفراد بالأسرى، ومعاملتهم بسادية واضحة، وفي هذا السياق، نختم بكلمات أسير محرَر من مدينة الخليل، إذ يقول وعيناه دامعتان: "لم نعد نبالي بالعذاب، أو الأمراض التي تفتك بالأجساد والأرواح، إنما صرنا ننتظر الموت بكل قناعة. وبالنسبة إليّ، كنت مؤمناً بالموت، وخصوصاً عندما كنت أستمع إلى أنين الأسرى المرضى بمرض سكابيوس؛ فكانوا طوال الليل لا ينامون، وكنت ألمس القهر والألم والوجع في عيونهم. بكل ما تحمل كلماتي من معنى: ما كان يحدث هو جحيم حقيقي."[10]
*خلال إعداد هذه المادة، لم نتمكن من الحصول على أرقام دقيقة وموثقة من الجهات الرسمية؛ فإدارة مصلحة السجون ترفض تقديم أي معلومات وبيانات بشأن واقع المرض داخل السجون إلى المؤسسات الرسمية والمؤسسات العاملة في شؤون الأسرى.
[1] "هيئة شؤون الأسرى: انتشار مرض الجرب ’سكابيوس‘ بين الأسرى حالياً"، منظمة التحرير الفلسطينية، 13/6/2024.
[2] "ينهش أجساد الأسرى ويحرمهم من النَّوم.. ما هو مرض سكابيوس الجلديّ المنتشر بسجون الاحتلال؟"، "الحرية"، 5/9/2024.
[3] شهادة أسير محرر من مدينة الخليل بشأن مرض سكابيوس، وواقع السجون بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وخصوصية الأسير وحريته. وبحسب طلبه، فإننا لم نذكر اسمه. أُفرج عنه في 20/9/2024 من سجن النقب، بعد أن أمضى فيه 24 شهراً.
[4] شهادة أسير محرر من مدينة الخليل بشأن مرض سكابيوس، وواقع السجون بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وخصوصية الأسير وحريته. وبحسب طلبه، فإننا لم نذكر اسمه. أُفراج عنه في 1/10/2024 من سجن ريمون، بعد أن أمضى فيه 14 شهراً.
[5] "مصادرة 90% من ممتلكات الأسرى في 7 أكتوبر| ’بوابة الهدف‘ تحاور الأسير المحرر ماهر حرب: قمع إدارة مصلحة السجون يفوق تصريحات بن غفير قذارة"، "الهدف"، 5/8/2024.
[6] الفورة: هي ساحة أسمنتية بلون أحمر غالباً، وربما تبلغ مساحتها بين 10 أمتار مربعة و20 متراً بحسب السجن، وهي المكان المخصص لممارسة الرياضة، وخروج الأسرى إليها كمتنفَس.
[7] سماح مراد اليونس، "تقرير في سجون الاحتلال.. مرض ’سكابيوس‘ ينقّب أجساد الأسرى الهزيلة"، "شهاب"، 19/4/2024.
[8] شهادة أسير محرَر من مخيم العروب بشأن مرض سكابيوس، وواقع السجون بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وخصوصية الأسير وحريته. وبحسب طلبه، فإننا لم نذكر اسمه. تم الإفراج عنه في 26/9/2024 من سجن عوفر، بعد أن أمضى فيه 14 شهراً.
[9] الأسير ماهر أبو زينة من مدينة جنين، أمضى عاماً ونصف العام داخل سجون الاحتلال، وأُصيب بمرض سكابيوس وهو في السجن، وتم الإفراج عنه في 24/4/2024.
[10] شهادة أسير محرر من مدينة الخليل، من بلدة بيت أمر، بشأن مرض سكابيوس، وواقع السجون بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وخصوصية الأسير وحريته. وبحسب طلبه، فإننا لم نذكر اسمه. تم الإفراج عنه في 14/9/2024 من سجن النقب، بعد أن أمضى فيه 30 شهراً.