منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، شهدت غزة ارتفاعاً في معدلات الأمراض المُعدية. وبحلول 30 حزيران/يونيو 2024، أظهرت تقارير منظمة الصحة العالمية وجود ما يقرب من مليون حالة إصابة بالعدوى التنفسية الحادة، وأكثر من نصف مليون حالة إسهال، ونحو 104,000 حالة من متلازمة اليرقان الحاد.[1] يُضاف كل هذا إلى عدد كبير من حالات الأمراض الجلدية: أكثر من 103,000 حالة من الجرب والقمل، ونحو 66,000 حالة من الطفح الجلدي، و11,214 حالة من جدري الماء.[2] وكشف مسح أجرته اليونيسف في شباط/فبراير 2023 أن أكثر من 90 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة أصيبوا بمرض معدٍ واحد أو أكثر خلال فترة الأسبوعين التي سبقت المسح.[3] ويستمر انتشار الأمراض في الارتفاع بسبب توقف العمل في معظم المرافق الصحية، وانهيار أنظمة المياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى الاكتظاظ وسوء التغذية.
يمثل انتشار الأمراض المُعدية وجهاً آخر للحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والتي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وما زالت مستمرة مع وجود أدلة على ارتكابها إبادة جماعية على نحو متواصل.[4] ومنذ بدء الحرب، قُتل أو جُرح[5] أو أُبلغ عن فقدان أكثر من 145,000 فلسطيني،[6] ويشكل الأطفال والنساء 70 في المئة من هذه الحصيلة.[7] وهذه الخسائر الجماعية خلال هذه الفترة هي الأعلى منذ احتلال فلسطين عام 1948 وحدوث النكبة. بالإضافة إلى هذه الأرقام، تُسجَّل آلاف الوفيات الزائدة عن المستويات السابقة بسبب تفشي الأمراض المُعدية وسوء التغذية وتفاقم الأمراض المزمنة، وفقاً لدراسة توقعات أجراها باحثون من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي وجامعة جونز هوبكنز.[8]
تفشي فيروس شلل الأطفال
يعدُّ تفشي فيروس شلل الأطفال في الفترة الأخيرة مقياساً آخر مثيراً للقلق لأزمة الأمراض المُعدية في غزة؛ فقد عُثر على فيروس شلل الأطفال من النوع 2 في عينات بيئية جُمعت في حزيران/يونيو 2024 من غزة.[9] وفي آب/أغسطس، أصيب طفل غير ملقح يبلغ من العمر 10 أشهر بالشلل بسبب فيروس شلل الأطفال، وهي أول حالة تُسجل منذ 25 عاماً.[10] هذا الحدث المروِّع هو مثال آخر على كيف أدى الدعم غير المشروط لإسرائيل في هجماتها العسكرية على غزة إلى الانهيار السريع للتقدم الذي سجله النظام الصحي الفلسطيني على مدى عقدين. وقد بدأت وزارة الصحة الفلسطينية، بدعم من منظمة الصحة العالمية والأونروا واليونيسف وغيرها من الجهات المعنية بالصحة الدولية والوطنية، مرحلتين من التطعيم ضد شلل الأطفال لوقف انتقال المرض.[11] ومع ذلك، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن الجهود المبذولة للحصول على اللقاحات ليست كافية لضمان عبور اللقاحات للحدود بسبب القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية،[12] في حين تقتصر حملة التطعيم على سبعة أيام.[13]
ويفيد تقرير نشرته وزارة الصحة في قطاع غزة أن معدل تغطية التطعيم ضد شلل الأطفال قبل الحرب بلغ 98.8% في عام 2022. ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، توقف برنامج التطعيم ونظام مراقبة الأمراض بسبب الهجوم المنظم على النظام الصحي، والتهجير القسري المتكرر، والنزوح المستمر للسكان. وأكدت منظمة الصحة العالمية أن ارتفاع خطر الإصابة بالأمراض المُعدية التي يمكن الوقاية منها باللقاحات بين الأطفال دون سن الخامسة يرجع إلى أن الغالبية العظمى منهم لم يتم تطعيمهم خلال الأشهر التسعة الماضية بسبب الحرب الإسرائيلية.[14] فقد اضطُر السكان إلى الانتقال وسط دوي الحرب من أجل تطعيم أطفالهم، وقدَّرت منظمة اليونيسف أن ما يقرب من 17,000 طفل فاتهم التطعيم الروتيني المعتمد قبل الحرب في الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب الإسرائيلية على غزة،[15] وهذا يعرِّض الأطفال لخطر الإصابة بأمراض معدية مميتة، مثل الحصبة، وفيروس شلل الأطفال، وكلها أمراض يمكن الوقاية منها بإعطاء اللقاحات.
تفشي شلل الأطفال الحالي من العلامات المبكرة على تعطيل برامج التطعيم، وبالتالي محدودية عدد المستفيدين منها، واحتمال أن يكون المئات من الأشخاص ناقلين للمرض. وهو ما ينذر بخطر التفشي الوشيك لأمراض مُعدية أُخرى يمكن الوقاية منها باللقاحات، بما في ذلك الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والسعال الديكي. وفي ظل الأزمة الصحية الحالية، توقع الباحثون وفاة الآلاف من المصابين في غزة في حال تفشي هذه الأمراض المُعدية التي يمكن الوقاية منها باللقاحات،[16] وحتى إذا تم الاتفاق على وقف إطلاق النار الآن، فلن يزول خطر تفشي الأمراض والوفيات على الفور لأن الأمر يستغرق وقتاً لتوفير الظروف الضرورية لاستئناف تقديم الخدمات الصحية، وتوفير المياه النظيفة، وترميم نظام الصرف الصحي، ودعم متطلبات النظافة الصحية (WASH)، والحد من سوء التغذية.[17]
كيف توفر الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة الظروف المؤدية إلى تفشي الأمراض المعدية؟
الكارثة الإنسانية والصحية العامة في قطاع غزة مرتبطة على نحو مباشر بزيادة خطر الإصابة بالأمراض المعدية.[18] وتعُزى هذه الزيادة إلى عدة عوامل متفاعلة تندرج ضمن معايير حالة المياه، والصرف الصحي، والنظافة العامة (WASH)، والملاجئ المكتظة، وسوء التغذية، وانهيار الخدمات الصحية.
تفاصيل حالة المياه والصرف الصحي والنظافة العامة (WASH)
منذ اندلاع الحرب، ووفق ما وثقته منظمة أوكسفام الخيرية، دمر الجيش الإسرائيلي كل ثلاثة أيام خمس منشآت لتوفير المياه وللصرف الصحي أو ألحق أضراراً بها، بالإضافة إلى تدمير مختبرات مراقبة جودة المياه الرئيسية في غزة.[19] كما تم تدمير جميع أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي و70 في المئة من مضخات المياه المبتذلة،[20] الأمر الذي أثر في انهيار التدابير الكفيلة بتوفير المياه وإدارة الصرف الصحي ومتطلبات النظافة الصحية.
-
انهيار شبكات المياه بحيث تدنت حصة الفرد اليومية إلى أقل من لتر واحد من الماء (لتر/فرد/يوم)، وذلك لمجمل احتياجات الشرب والغسيل والاستحمام.[21] وبناء على معيار اسفير الإنساني (Sphere) يحتاج الفرد يومياً 7.5 لتر/فرد/يوم للبقاء على قيد الحياة، فيما تبلغ الحصة الدنيا للفرد للعيش 15 لتر/فرد/يوم.[22] ونتيجة انهيار شبكات المياه، اضطر سكان القطاع إلى اللجوء إلى مصادر مياه غير صالحة للشرب،[23] بالإضافة إلى ذلك، تثير صعوبة الحصول على مياه الشرب النظيفة القلق، إذ تشير التقديرات إلى أن الفرد لا يحصل سوى على 0-0.6 لتر في اليوم.
-
جرّاء انهيار نظام الصرف الصحي تفيد التقارير بأنه لا يتوفر سوى مرحاض واحد لأكثر من 883 شخصاً،[24] في حين ينص المعيار الإنساني على مرحاض واحد لكل 50 شخصاً كحد أقصى.[25] وفي بعض الأحيان لا تعمل المراحيض، وأبلغت تقارير عن اضطرار السكان إلى التغوط في العراء.[26] وبالإضافة إلى عدم توفر المياه الآمنة، فإن الوصول المحدود للغاية إلى منتوجات النظافة في السوق يزيد من انهيار حالة المياه والصرف الصحي والنظافة العامة (WASH).[27] وتفيد التقارير بأن مواد النظافة الصحية والعامة باهظة الثمن، نظراً إلى الزيادة الكبيرة في تكلفة مواد النظافة الصحية الأساسية، هذا إذا توفرت. على سبيل المثال، ارتفعت تكلفة الصابون في تموز/يوليو 2024 بنسبة 1117%، وارتفع سعر الشامبو بنسبة 490% في جميع محافظات قطاع غزة مقارنة بتموز/يوليو 2023.[28] علاوة على هذا، تعاني أكثر من نصف مليون فتاة وامرأة في فترة الحيض الأمرَّين للحصول على منتجات النظافة الشخصية. وانهارت أنظمة إدارة النفايات في غزة بسبب الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية وممتلكات الخدمة المدنية، ما أدى إلى تراكم أكوام القمامة وتصريف مياه الصرف الصحي في الشوارع.[29]
انعدام الأمن الغذائي يعرّض السكان للإصابة بالأمراض المُعدية
وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية أن إسرائيل استخدمت تجويع المدنيين كأسلوب حرب في حربها العسكرية على غزة؛[30] فقد استهدفت إسرائيل نظام توفير الغذاء وبنيته التحتية ودمرتهما، بالإضافة إلى منع دخول الإمدادات الغذائية من خارج القطاع المحاصر.[31] ويواجه جميع الفلسطينيين في قطاع غزة مستويات الأزمة على صعيد انعدام الأمن الغذائي (مستوى المرحلة الثالثة من الأمن الغذائي المتكامل أو أعلى)،[32][33] ومن بينهم تواجه 15-35 في المئة من الأسر مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي وخطر المجاعة الوشيك.[34] وعلاوة على ذلك، سلطت اليونيسف الضوء على ارتفاع مستوى سوء التغذية والهزال بين الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل والمرضعات،[35][36] وتم تسجيل 31 حالة وفاة، بينها 28 طفلاً، بسبب سوء التغذية والجفاف.[37] إن انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية يعرضان السكان لخطر الإصابة بالأمراض المُعدية،[38] ويزيدان من خطر الوفاة بسبب هذه الأمراض بسبب غياب الرعاية الطبية الكافية.[39][40]
الملاجئ والمخيمات المكتظة
أدت الغارات الجوية الكثيفة والهجوم البري إلى تدمير أكثر من 70 في المئة من المباني السكنية والبنية التحتية في قطاع غزة تدميراً كاملاً أو جزئياً،[41] إلى جانب التهجير القسري (المتكرر) الواسع النطاق لأكثر من مليوني شخص من أصل 2.3 مليون نسمة قبل الأزمة، وأغلبهم نزح عدة مرات.[42] يعيش معظم النازحين في خيام وملاجئ مكتظة تتركز في منطقة جغرافية تتقلص مساحتها باستمرار مع وصول محدود إلى المياه والصرف الصحي،[43] والعديد من هذه الملاجئ عبارة عن مدارس تابعة لوكالة الأونروا يؤوي كل منها 18,000 شخص في المتوسط، وهو ما يتجاوز خطة ما قبل الأزمة والتي تتضمن استقبال 200 شخص في كل مأوى.[44] ويزيد الاكتظاظ في مراكز الإيواء والمخيمات من خطر انتقال الأمراض المُعدية بين السكان النازحين ويجعلهم أكثر عرضة لتفشي الأمراض، وخصوصاً إذا ارتبط بتعطيل الخدمات الصحية وبرامج التطعيم وبرامج مكافحة الأمراض.[45] ويواجه آلاف النازحين الذين يعيشون في الخيام والمخيمات ظروفاً معيشية مزرية، مع نقص الغذاء والمساعدات الطبية.[46][47] وأفاد تقييم أجرته الأمم المتحدة لأحد المخيمات بوجود نقص حاد في المياه النظيفة لأن الهجمات العسكرية ألحقت الضرر بإمدادات المياه في المخيم، بالإضافة إلى تراكم النفايات الصلبة، وتسرب مياه الصرف الصحي، وجريانها بالقرب من أماكن نوم النازحين، في ظل نقص مواد التنظيف أو مستلزمات النظافة الشخصية.[48]
عدم القدرة على الحصول على الرعاية الصحية الجيدة
نفذت إسرائيل 505 هجمات على منشآت الرعاية الصحية حتى تاريخه، ما أثر في 110 مرافق صحية، بما في ذلك 32 مستشفى للمرضى الداخليين، و115 سيارة إسعاف، بما في ذلك 63 تعرضت لأضرار، مع تسجيل عدد كبير من القتلى والجرحى بين العاملين الصحيين والأطباء والمرضى،[49][50] وجراء الهجمات التي استهدفت نظام الرعاية الصحية، لم يبق أي مرفق للرعاية الصحية يعمل بكامل طاقته.[51] وبالإضافة إلى الوضع الأمني، حُرم السكان من الرعاية الطبية بسبب تدمير الطرق التي لم تعد تصلح للسير، وتضرُّر البنية التحتية؛ فقد انتهكت إسرائيل على نحو سافر القانون الإنساني الدولي الذي ينص على حماية المرافق الصحية والعاملين الطبيين والمرضى، فضلاً عن ضمان الوصول إلى الرعاية الطبية وتلقيها أثناء الحرب.[52][53][54]
لقد أدت الهجمات المنظمة ضد مكونات البنية التحتية الصحية، بما في ذلك الأجهزة الصحية التي تعمل على الخطوط الأمامية والمنشآت الصحية، وأوامر الإخلاء المتكررة، والحصار شبه الكامل لسلاسل الإمدادات الطبية والإنسانية والوقود، إلى تعطيل عمل خدمات الرعاية الصحية مع انهيار النظام الصحي ومكوناته عملياً، بما في ذلك برامج مراقبة الأمراض والتحصين منها. ويتجلى انهيار النظام الصحي بشكل أكبر من خلال عودة ظهور الأمراض المُعدية التي يمكن الوقاية منها.[55]
إسناد المسؤولية
يلزم القانون الإنساني الدولي القوة المحتلة بضمان توفير الغذاء والإمدادات الطبية، وصيانة الخدمات الطبية، والصحة العامة، والنظافة العامة،[56][57] وعلى وجه التحديد، تسلط المادة 56 في القانون الضوء على أهمية وقف انتشار الأمراض المُعدية والأوبئة.[58] إن المعدلات الحادة للأمراض المعدية في غزة، ولا سيما تفشي شلل الأطفال، هي دليل واضح على أزمة الصحة العامة التي خلقتها إسرائيل من خلال استخدام الماء والغذاء والدواء والوقود كأسلحة حرب.[59][60] إن مثل هذه الأفعال لها سوابق تاريخية، كما حدث عندما تسبب المستعمِرون في موجات من الأمراض المُعدية بين السكان الأصليين؛ على سبيل المثال، انتشار الأوبئة بين السكان الأصليين في أميركا الشمالية عندما وزع المستعمرون بطانيات ملوثة بالجدري بهدف التطهير العرقي للسكان الأصليين.[61] وفي فلسطين المحتلة، أوجد الهجوم العسكري الوحشي بيئة مثالية لظهور الأمراض المُعدية وانتشارها، فضلاً عن استخدام مكونات الحرب البيولوجية. وبالتالي، هناك تشابه واضح وارتباط مباشر بين تصرفات المستعمِرين الأوروبيين في أميركا الشمالية والمستعمِرين الأوروبيين في فلسطين. إن عبء انتشار الأمراض المعدية في غزة، بالإضافة إلى طابعه الملحّ بسبب انعكاساته على الصحة العامة، له آثار خطرة عندما يُنظر إليه جنباً إلى جنب مع التزامات إسرائيل كقوة احتلال بالامتثال إلى القانون الإنساني الدولي وغيره من القوانين المرعية.
عاجلاً أم آجلاً سيطارد إسرائيل تأثير الضرر المنهجي الذي لحق بالنظام الصحي وبنيته الأساسية في غزة، ومن البديهي أن يعرِّض تفشي شلل الأطفال في غزة المدنيين الإسرائيليين لخطر كبير، إذ يوجد عدد كبير من المتدينين المتزمتين غير المطعّمين في إسرائيل الذين يرفضون التطعيم، وهم بالتالي معرّضون لخطر كبير للإصابة بأمراض مُعدية يمكن الوقاية منها باللقاحات، بما في ذلك شلل الأطفال.[62] كما سلّط تفشي شلل الأطفال الأخير الضوء على عدم المساواة الصحية المتجذرة في فلسطين بين المستعمِر والسكان المستعمَرين؛ فقد بدأت إسرائيل بتطعيم جنودها بعد وقت قصير من اكتشاف شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي في غزة من دون اتخاذ أي احتياطات أو إجراءات لحماية السكان الخاضعين للاحتلال.[63] ومرت أسابيع بعد اكتشاف الحالات المصحوبة بأعراض قبل أن تبدأ إسرائيل باتخاذ إجراءات لحماية المدنيين في قطاع غزة. وليس هذا الموقف سوى دليل على الارتباط بين إسرائيل كدولة استعمارية وموقف القوى الاستعمارية المتكرر عبر التاريخ عندما لا تصير صحة السكان المستعمَرين مصدر قلق للمستعمِر إلاّ عندما تهدد نظامه الصحي واقتصاده.[64] علاوة على ذلك، فإن هذا الموقف نابع من التركيز على الأمن الصحي للسكان وليس من الالتزامات الدولية للجهة المستعمِرة أو العدالة أو المساواة الصحية أو التغطية الصحية الشاملة.[65] وتهدف إسرائيل، التي تملك بنية تحتية متقدمة وموارد مالية وتقنية كبيرة، إلى حماية مواطنيها من التهديدات الصحية العامة القادمة من قطاع غزة المحاصر الفقير مع بنية تحتية متهالكة، لحماية أمنها القومي بدلاً من منع تفشي الأمراض المعدية على نطاق واسع في قطاع غزة، وحل الأسباب الجذرية وراء ظهورها وانتشارها.
من الضروري أن نسجل أن موافقة إسرائيل على "فترات توقف إنسانية يومية لمدة تسع ساعات" في قطاع غزة للسماح بحملة تطعيم على دفعتين إنما هي لحماية سكانها؛ فالسلطات الإسرائيلية لم تسمح بوقفات موقتة لإصلاح أنظمة الصرف الصحي، أو إيصال المياه، أو إعطاء اللقاحات الروتينية الأساسية الأُخرى ضد الحصبة مثلاً. فالتطعيم ضروري، لكن حل الأسباب الجذرية هو الإجراء الوحيد المنطقي والمعقول الذي يجب اتخاذه، وموافقة إسرائيل الأخيرة على وقفات محدودة من أجل إعطاء لقاحات شلل الأطفال على وجه التحديد غير كافية، كذلك فإن التغطية الشاملة للقاحات في غزة ضرورية لتجنب تفشي الأمراض المُعدية التي يمكن الوقاية منها عبر التحصين. بالإضافة إلى ذلك، يتساءل الأهل الذين أعربوا عن استعدادهم لتطعيم أطفالهم كيف يمكن حمايتهم من الغارات الجوية والحرب البرية،[66] فالقوة المحتلة وحلفاؤها يتيحون التطعيم ضد شلل الأطفال فقط للمضي قدماً في قتلهم بوسائل أُخرى.
التوصيات
ما زال وقف إطلاق النار الفوري والدائم هو الإجراء الملحّ والمطلوب لإنقاذ الأرواح والتخفيف من حدة أزمة الأمراض المُعدية المتفشية في قطاع غزة. ولا بد من اتخاذ الخطوات التالية أيضاً:
-
ضمان تدفق المساعدات الإنسانية الكافية والواسعة النطاق على نحو مستمر وبلا قيود، بما في ذلك المياه النظيفة، والغذاء الكافي، والأدوية الفعالة والآمنة، وتوزيعها في جميع محافظات قطاع غزة.
-
إعادة بناء البنية التحتية الأساسية لشبكات المياه والصرف الصحي والملاجئ للحد من الاكتظاظ، بينما يعمل المجتمع الدولي على إعادة بناء المنازل والمساكن والبنية التحتية.
-
زيادة مراكز ونقاط التطعيم لتغطية مناطق جغرافية أوسع، والاقتراب من أماكن تواجد السكان، عبر تنظيم حملات تطعيم جماعية على المستوى المجتمعي لا تقتصر على شلل الأطفال بل تشمل أيضاً أمراضاً مُعدية أُخرى يمكن الوقاية منها باللقاحات. وهذا أمر بالغ الأهمية لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى والمرافق الصحية، وضمان الوصول الآمن إلى الرعاية الصحية.
-
إحياء نظام مراقبة الأمراض والحماية منها التابع لوزارة الصحة، والذي دمرته الحرب، وبذل الجهود لإعادة بنائه كي يتمكن النظام من اكتشاف تفشي الأمراض مبكراً، بما يكفي للسماح بتخصيص الموارد اللازمة للاستجابة في الوقت المناسب وبكفاءة.
-
تحميل إسرائيل، كقوة احتلال، المسؤولية وفقاً للقانون الإنساني الدولي عن عبء الأمراض التي يُصاب بها الفلسطينيون الخاضعون لسيطرتها العسكرية الفعلية، بما في ذلك كلفة إعادة بناء المستشفيات والبنية التحتية المدنية.
[1] World Health Organization. oPt Emergency Situation Update 41 (7 Oct 2023 - 20 Aug 2024) - occupied Palestinian territory | ReliefWeb. Accessed 13 Sep 2024.
[2] Ibid.
[3] UNICEF, “Children’s lives threatened by rising malnutrition in the Gaza Strip,”.
[4] F. Albanese, “Anatomy of a Genocide - Report of the Special Rapporteur on the situation of human rights in the Palestinian territory occupied since 1967,”.
[5] UNRWA, “UNRWA Updated oPt Flash Appeal April – December 2024,”.
[6] United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs - occupied Palestinian territory, Hostilities in the Gaza Strip and Israel | Flash Update #160.
[7] UNICEF, “Children’s lives threatened by rising malnutrition in the Gaza Strip,” op.cit.
[8] Z. Jamaluddine, Z. Chen and H. Abukmail, “Crisis in Gaza: Scenario-Based Health Impact Projections,”.
[9] UNICEF and WHO, “Variant type 2 poliovirus in Gaza - Situation Report Issue 1 (16 July - 5 August 2024)” - occupied Palestinian territory | ReliefWeb.
[10] United Nations, “Gaza: First polio case confirmed in war-shattered enclave | UN News,”.
[11] UNICEF and WHO, “Variant type 2 poliovirus in Gaza - Situation Report Issue 1 (16 July - 5 August 2024),”, op.cit.
[12] United Nations, “Gaza: ‘Frightening increase’ in Hepatitis A cases | UN News,”.
[13] World Health Organization, “Humanitarian pauses vital for critical polio vaccination campaign in the Gaza Strip,”.
[14] World Health Organization, “Children in Gaza are now at risk of polio as well as bombs – we need a ceasefire now,”.
[15] UNICEF, “Delivering life-saving vaccines to every child in the Gaza Strip | UNICEF State of Palestine”.
[16] Z. Jamaluddine, Z. Chen and H. Abukmail, op.cit.
[17] Ibid.
[18] World Health Organization - Regional Office for the Eastern Mediterranean, “Risk of disease spread soars in Gaza as health facilities, water and sanitation systems disrupted,”.
[19] Ibid.
[20] Oxfam International, “Israel using water as weapon of war as Gaza supply plummets by 94%, creating deadly health catastrophe,”.
[21] UNRWA, “UNRWA Updated oPt Flash Appeal April – December 2024,” op.cit.
[22] Sphere Association, “The Sphere Handbook | Standards for quality humanitarian response,”.
[23] Action Against Hunger, “Health Crisis Looms in Gaza Due to Inadequate Water and Sanitation - occupied Palestinian territory,”.
[24] UNRWA, “UNRWA Updated oPt Flash Appeal April – December 2024,” op.cit.
[25] Sphere Association, op.cit.
[26] United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs - occupied Palestinian territory |. Humanitarian Situation Update #214 | Gaza Strip [EN/AR/HE] | OCHA.
[27] Human Rights Watch, “Israel: Starvation Used as Weapon of War in Gaza [EN/AR] - occupied Palestinian territory | ReliefWeb,”.
[28] Ibid.
[29] United Nations, “Gaza: ‘Frightening increase’ in Hepatitis A cases | UN News,” op.cit.
[30] Human Rights Watch, “Israel: Starvation Used as Weapon of War in Gaza [EN/AR]”, op.cit.
[31] Anera, “Food Production Systems Under Attack in Gaza,”.
[32] UNRWA, “UNRWA Updated oPt Flash Appeal April – December 2024,” op.cit.
[33] IPC Global Famine Review Committee, “Famine Review Committee: Gaza Strip, June 2024 - IPC’s third review report. Question of Palestine,”.
[34] Ibid.
[35] UNICEF, “Children’s lives threatened by rising malnutrition in the Gaza Strip,” op.cit.
[36] UNICEF, “Gaza Strip: Almost 3000 malnourished children at risk of dying | unicef.ch.,”.
[37] United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs - occupied Palestinian territory |. Humanitarian Situation Update #214 | Gaza Strip [EN/AR/HE] | OCHA.
[38] F. Morales, S. Montserrat-de la Paz, M. J. Leon and F. Rivero-Pino, “Effects of Malnutrition on the Immune System and Infection and the Role of Nutritional Strategies Regarding Improvements in Children’s Health Status: A Literature Review,” Nutrients, vol. 16, no. 1 (2024).
[39] L. E. Caulfiel, M. de Onis, M. Blössner and R. E. Black, “Undernutrition as an underlying cause of child deaths associated with diarrhea, pneumonia, malaria, and measles123,” American Journal of Clinical Nutrition, vol. 80, no. 1 (2004), pp. 193–198.
[40] I. Kolcic, “Double burden of malnutrition: A silent driver of double burden of disease in low– and middle–income countries,” Journal of Global Health, December 2012.
[41] UNRWA, “UNRWA Updated oPt Flash Appeal April – December 2024,” op.cit.
[42] OCHA, “State of Palestine - Internally Displaced Persons - Humanitarian Data Exchange,”.
[43] UNRWA, “UNRWA Updated oPt Flash Appeal April – December 2024,” op.cit.
[44] UNRWA, “UNRWA at the frontlines: managing health care in Gaza during catastrophe,”.
[45] S. Topluoglu and A. Taylan Ozkan, “Impact of wars and natural disasters on emerging and re-emerging infectious diseases,” Front Public Health (11/9/2023).
[46] United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs - occupied Palestinian territory |. Humanitarian Situation Update #187 | Gaza Strip [EN/AR/HE] | OCHA.
[47] United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs - occupied Palestinian territory |. Humanitarian Situation Update #200 | Gaza Strip [EN/AR/HE] | OCHA.
[48] United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs - occupied Palestinian territory |. Humanitarian Situation Update #187 | Gaza Strip [EN/AR/HE] | OCHA.
[49] Health Cluster, “occupied Palestinian territory,”.
[50] World Health Organizationm “oPt Emergency Situation Update 41 (7 Oct 2023 - 20 Aug 2024)”, op.cit.
[51] Ibid.
[52] Human Rights Watch, “Gaza: Unlawful Israeli Hospital Strikes Worsen Health Crisis | Human Rights Watch,”.
[53] ICRC, “Article 16: Convention (IV) relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War,” Geneva, 12 August 1949.
[54] ICRC, “Article 18: Convention (IV) relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War,” Geneva, 12 August 1949.
[55] K. Goniewicz, F. Burkle, S. Horne, M. Borowska-Stefańska, S. Wiśniewski and A. Khorram-Manesh, “The Influence of War and Conflict on Infectious Disease: A Rapid Review of Historical Lessons We Have Yet to Learn,” Sustainability, vol. 13, issue 19 (2021).
[56] ICRC, “Article 55: Convention (IV) relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War,” Geneva, 12 August 1949.
[57] ICRC, “Article 56: Convention (IV) relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War,” Geneva, 12 August 1949.
[58] Ibid.
[59] F. Albanese, op.cit.
[60] Human Rights Watch, “Israel: Starvation Used as Weapon of War in Gaza [EN/AR]”, op.cit.
[61] N. R. Lee, A. King, D. Vigil, D. Mullaney, P. R. Sanderson, T. Ametepee, et al., “Infectious diseases in Indigenous populations in North America: learning from the past to create a more equitable future,” Lancet Infect Dis., vol. 23, no. 10 (2023).
[62] A. Sparrow, “Gaza’s Polio Outbreak Won’t Spare Israelis. Foreign Policy,”.
[63] Ibid.
[64] N. Davidovitch and Z. Greenberg, “Public Health, Culture, and Colonial Medicine: Smallpox and Variolation in Palestine During the British Mandate,” Public Health Rep, vol. 122, no. 3 (2007), pp. 398–406.
[65] A. Flahault, D. Wernli, P. Zylberman and M. Tanner, “From global health security to global health solidarity, security and sustainability,” Bulletin of the World Health Organization, vol. 94, no. 12 (2016), pp. 863.
[66] Al Jazeera, “Vaccines do not protect children from bombs, says Gaza mother,”.