إن العدوان الإسرائيلي الوحشي المستمر على لبنان، الذي أوقع حتى الآن آلاف القتلى والجرحى، ودمر العديد من القرى والبلدات والأحياء، وتسبب بنزوح أكثر من مليون لبناني في فترة زمنية قصيرة، هو عدوان مخطط له منذ وقت طويل، وسيناريو كان الجيش الإسرائيلي يستعد له منذ أكثر من 18 عاماً، وينتظر الفرصة السانحة والتوقيت الملائم.
وقد استغلت إسرائيل حرب الإسناد هذه، التي أعلنها حزب الله في 8 تشرين الأول/أكتوبر دعماً للحرب الطاحنة التي تخوضها حركة "حماس" في غزة، والتي أصبحت لها مع مرور الوقت ديناميتها الخاصة وتحولت إلى حرب استنزاف طويلة، كذريعة للحصول على موافقة أميركية وشرعية دولية لشن معركتها ضد حزب الله في كل الأراضي اللبنانية، وكانت إشارة انطلاق هذه الحرب هجوم البيجر الذي وقع في 15 أيلول/سبتمبر.
أمّا التحضيرات الإسرائيلية التي سبقت ذلك، فكانت إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في 11 أيلول/سبتمبر نقْل ثقل المعركة إلى الشمال. وبعد أن استكمل الجيش الإسرائيلي كل الاستعدادات والخطط العسكرية، ووافق مجلس الحرب، في جلسة عقدها في 17 أيلول/سبتمبر، على وضع هدف إعادة سكان المستوطنات في الشمال إلى منازلهم ضمن أهداف الحرب، بدأت الأحداث تتطور بصورة سريعة، ورافق ذلك تسارُع وتيرة الاغتيالات لكبار قادة حزب الله، وعمليات القصف التي طالت جنوب لبنان والضاحية الجنوبية وصولاً إلى البقاع، وكانت الذروة عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 25 أيلول/سبتمبر.
حتى ذلك التاريخ، كانت الرواية الرسمية لهدف العدوان على لبنان هو إبعاد مقاتلي حزب الله إلى ما وراء الليطاني لضمان العودة الآمنة لسكان الشمال إلى منازلهم، وتطبيق القرار رقم 1701. لكن بعد اغتيال زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله، بدأت تتضح أبعاد جديدة وأهداف أُخرى أوسع، وأكثر طموحاً للعُدوان على لبنان، سمعناها من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي وصف اغتيال حسن نصر الله كـ "نقطة تحول تاريخية في الصراع بين إسرائيل وهذا الحزب، وخطوة حاسمة لتحقيق أهداف إسرائيل الاستراتيجية."[1]
ما الأهداف الاستراتيجية التي تسعى إسرائيل لتحقيقها؟
- استعادة هيبة الردع الإسرائيلي، ولا سيما بعد الإخفاق الاستخباراتي والعسكري للجيش الإسرائيلي ومنظومته الأمنية جرّاء هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقد شكّل نجاح عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله والقيادة العسكرية العليا له محاولة لإثبات قدرات إسرائيل الاستخباراتية والعسكرية والتكنولوجية وتفوقها على خصومها.
- كسر حلقة النار التي، في رأي الإسرائيليين، طوقت بها إيران إسرائيل منذ بداية عملية طوفان الأقصى، وحاصرتها جنوباً عبر "حماس"، وشمالاً بحرب الإسناد التي يخوضها حزب الله، وشرقاً عبر قصف الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، وأيضاً عبر الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون من اليمن في اتجاه إسرائيل.
- ثمة هدف استراتيجي لا يقل أهمية عما سبق، وبدأ يظهر الكلام عنه مباشرة بعد اغتيال نصر الله، وهو "شرق أوسط جديد"،[2] فضلاً عن الحديث عن استغلال الفرصة والزخم من أجل إضعاف كل المحور الذي تتزعمه إيران في المنطقة.
- عودة الحديث، مع إعلان العملية البرّية في جنوب لبنان، عن توسُع أهداف العدوان على لبنان، بحيث يمكن أن يشمل توغلاً برّياً محدوداً جداً، يجري حالياً بالقرب من الخط الأزرق، ويتجلى بعمليات توغل برّي إسرائيلية بمحاذاة الحدود، بحسب زعم الإسرائيليين، من أجل تنظيف المنطقة من أنفاق حفرها حزب الله تمهيداً لعملية اقتحام مشابهة لعملية 7 تشرين الأول/أكتوبر. لكن أيضاً يجري الحديث عن توسُع العملية البرّية، وإقامة منطقة أمنية فاصلة تمتد من الحدود حتى نهر الليطاني، يُصار فيها إلى نزع سلاح حزب الله منها، وإخراج ترسانته الصاروخية بالقوة، أو بواسطة اتفاق سياسي. لكن ثمة من يتوقع سيناريوهات أخطر، وإمكان تطور العمليات البرّية، ووصول القوات الإسرائيلية إلى بيروت.[3]
ما تأثير الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في العدوان على لبنان؟
في اليوم التالي للهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، دخلت إيران خط المواجهة المباشرة، بعد أن كان كل من إيران وإسرائيل يفضلان عدم التورط في مواجهة عسكرية مباشرة خوفاً من توسع الحرب الدائرة اليوم في لبنان وغزة إلى حرب إقليمية.
وقد وضع الإيرانيون هجومهم الصاروخي مساء الأول من تشرين الأول/أكتوبر في باب الرد على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في بيروت مع قائد الحرس الثوري في لبنان، والجرائم الإسرائيلية. ولا يُفهم من هذه الضربة أنها فاتحة تدخّل عسكري إيراني يهدف إلى وقف العدوان على لبنان.
وما هو مؤكد أن الهجوم الصاروخي الإيراني بدّد نشوة الانتصار الإسرائيلية التي سادت بعد اغتيال السيد حسن نصر الله، ووضع إسرائيل أمام معضلة كيفية الرد على إيران من دون إشعال حرب إقليمية لا يرغب فيها الأميركيون، وهم على أبواب انتخابات رئاسية أميركية. ومن هنا، فإن الانشغال الإسرائيلي حتى الآن هو بشكل الرد وحجمه ومدى قدرته على الإيذاء وإلحاق الضرر بأرصدة مهمة لإيران من دون الانجرار إلى حرب إقليمية. لكن هذا كله يمكن أن يتغير ويتبدل نظراً إلى التطورات المتسارعة التي يشهدها الصراع الدائر اليوم في لبنان وغزة.
وما هو قائم في الوقت الراهن حتى الآن استمرار العدوان على لبنان، مع إمكان توسعه جغرافياً، بحيث يشمل مناطق أوسع، وهذا يعني مزيداً من الموت والتدمير.
[1] "نتنياهو: نجاح عملية اغتيال حسن نصر الله خطوة حاسمة نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل"، "مختارات من الصحف العبرية"، 29/9/2024.
[2] عاموس يدلين، "ما بعد نصر الله: إسرائيل تنشئ شرقاً أوسط جديداً"، "مختارات من الصحف العبرية"، 29/9/2024.
[3] - تامير هايمن، "المناورة البرية التي بدأت بالقرب من الحدود يمكن أن تنتهي في بيروت"، "مختارات من الصحف العبرية"، 2/10/2024.