ما أن شاع خبر استشهاد السيد حسن نصر الله، في قصف وحشي لمقر قيادة حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت نفذته طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي، حتى انتشر، بين قطاعات واسعة من الناس في لبنان والعديد من الدول العربية، شعور بالحزن مشوب بالقلق، طال حتى تلك الأوساط السياسية التي عارضت بعض خيارات حزب الله السياسية في لبنان وفي الإقليم. فالرجل الذي اغتيل كان "استثنائياً"، على حد تعبير الصحافي والكاتب السياسي اللبناني بول خليفة، إذ كان يُعتبر "بطلاً للقضية الفلسطينية"، وواحداً "من ألد أعداء إسرائيل"، وسيذكره التاريخ بصفته "رجلاً من خلفية شيعية فقيرة، أصبح شخصية محورية في السياسة اللبنانية، ولاعباً رئيسياً على الساحة الإقليمية"[1]. بينما يذكر الباحث الفرنسي المختص بشؤون الشرق الأوسط إميل بوفييه أن حسن نصر الله بنى سمعته على مر السنين "كرجل بسيط، وهادئ، وواثق من نفسه، يعيش من أجل هدف واحد فقط: القتال ضد إسرائيل، وأكمل موت ابنه الأكبر هادي خلال اشتباك مع الجيش الإسرائيلي سنة 1997 هذه الصورة للزعيم الذي يشارك رجاله معاناتهم، والذي كرس وجوده لقضيته"[2]. وكانت مجلة "التايم" الأسبوعية الأميركية قد أدرجت حسن نصر الله في سنة 2011 ضمن تصنيفها السنوي لـ "100 شخص الأكثر تأثيراً في العالم"، في حين أن كتاب "ذا مسلم 500"، كان قد صنفه في سنة 2009 ضمن "أكثر ثلاثين شخصاً في العالم الإسلامي نفوذاَ"[3].
ما هو هدف إسرائيل من وراء اغتيال حسن نصر الله؟
هدفت حكومة بنيامين نتنياهو، متذرعة بالرغبة في إعادة النازحين الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال، إلى تقويض بنية حزب الله، والقضاء على شخصياته العسكرية والسياسية البارزة، وتحطيم معنويات أفراده وزعزعة استقرار لبنان، كما لاحظ الخبير السياسي ومدير "مرصد البلدان العربية" في باريس أنطوان بصبوص، وهي استهدفت حسن نصر الله تحديداً "لأنه رجل كاريزمي، تولى السلطة داخل حزب الله لمدة 32 عاماً، وكان له نفوذ إقليمي واسع"[4]. في حين رأى جان بول شانيولو، رئيس معهد أبحاث ودراسات الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط الفرنسي، أن إسرائيل تريد أن تظهر "في موقع قوة"، و"تبدي رغبة في إقامة توازن قوى جديد لكسر حزب الله وضم الضفة الغربية"، وهو ما سيتسبب في "جولات أخرى من العنف"[5]. أما رئيس تحرير صحيفة "لوريان لو جور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية أنتوني سمراني، فأشار إلى أن بنيامين نتنياهو احتفل، قبل وقت قصير من تنفيذ عملية الاغتيال، من على منصة الأمم المتحدة "بنجاحاته الأخيرة، بغطرسة وإصرار سافرين"، وكان واضحاً أنه "لا ينوي قبول اقتراح الهدنة الفرنسي الأميركي، الذي لم يكلف نفسه عناء ذكره"، مؤكداً أنه "من خلال قصف الضاحية الجنوبية بهذه القوة، ما أدى إلى تحويل ستة أبنية إلى رماد، وتسبب في مقتل وجرح المئات، اختارت إسرائيل حرباً شاملة مع حزب الله، وأظهرت، من خلال استهداف أمينه العام، أنه لم يعد لديها أي حدود في رغبتها في سحق الحزب الموالي لإيران". وهي ربما تحسب-كما تابع- أن مثل هذه الضربة القاسية من شأنها أن تدفع حزب الله وإيران "إلى وقف هذه الحرب، بصرف النظر عما يحدث في غزة، والقبول باتفاقية وقف إطلاق النار لا تكون في صالحهما إلى حد كبير"، يحركها في ذلك منطق مفاده: "اضرب بقوة شديدة حتى يستسلم العدو "، وبهذا المنطق نفسه، نفذت إسرائيل "غارات على الضاحية الجنوبية طوال الليل، وأثارت شعوراً بالرعب والذعر في جميع أنحاء العاصمة، وأعطت الشعور بعدم الرغبة في منح أدنى راحة لخصمها"[6].
بيد أن المحللين الإسرائيليين كانوا أكثر وضوحاً في تحديد هدف إسرائيل من وراء هذا الاغتيال، إذ تنقل نشرة "مختارات من الصحافة العبرية"، الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عن أورنا مزراحي، الباحثة في "معهد دراسات الأمن القومي" قولها إن الاغتيال أصاب حزب الله "بالرضوض والكدمات، وهناك نافذة فرصة موقتة لاستكمال تقليص قدراته الاستراتيجية"، كما وسّع "هامش المناورة السياسية لإسرائيل من أجل الدفع قُدُماً بمطالب جديدة في إطار التسوية، وعدم الاكتفاء بمقترحات هوكشتاين والفرنسيين؛ ومن الممكن الاعتماد على قرار مجلس الأمن رقم 1701، لكن يجب الإصرار هذه المرة على وضع آليات مشددة من أجل تطبيقه، ووضع ردود حقيقية على الخروقات المتوقعة له من طرف حزب الله"[7]. كما تنقل عن الجنرال احتياط عاموس يدلين، مؤسس المعهد المذكور ورئيسه السابق، تقديره أن إسرائيل تنشئ، بعد وفاة حسن نصر الله، "شرق أوسط جديداً"، وأن عليها "أن تقرر ما إذا كان عليها التمسك بهدف إعادة سكان الشمال بأمان، أو المضي نحو هدف أكثر طموحاً، يتمثل في إسقاط حزب الله، كما قال رئيس الحكومة في خطابه أمام الأمم المتحدة، بل أيضاً ربما استمرار تهشيم الحلقة النارية التي حاصرتنا إيران بها، وبعد ذلك البدء بالعمل ضد الخلية التي تدير هذا كله في دمشق". وأضاف أن ضرْب حزب الله "يُعد خطوة مهمة من أجل إنشاء تغيير يؤدي إلى توازن في الشرق الأوسط يكون لمصلحة المعسكر المعتدل الذي تقف الولايات المتحدة على رأسه"[8].
تداعيات وفاة حسن نصر الله المحتملة على المنطقة
"وفاة الأمين العام لحزب الله تثير المخاوف من زلزال إقليمي"؛ " مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله قد يغرق المنطقة في المجهول"؛ "مقتل نصر الله: المجتمع الدولي يشعر بالقلق"..هكذا حذرت عناوين مقالات بعض الصحف من التداعيات الخطيرة التي يمكن أن تترتب على اغتيال الأمين العام لحزب الله على المنطقة. فصحيفة "لوريان لو جور" اللبنانية، عبّرت عن خشيتها من "صاعقة" لم يسبق لها مثيل في المنطقة منذ عدة عقود، ورأت أن مقتل حسن نصر الله "يمثّل حدثاً أكبر من اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في سنة 2020 بأوامر من دونالد ترامب". بينما وصفت صحيفة "الغارديان" البريطانية ما حدث بأنه "التصعيد الأكثر إثارة للقلق منذ ما يقرب من عام من الحرب بين حزب الله وإسرائيل"[9]. أما الصحافي الفرنسي
ستيفن سواريز، فيعتقد أن اغتيال حسن نصر الله "يمكن أن يزعزع التوازن الإقليمي الهش"، و"يُبشّر بفترة من عدم اليقين في الشرق الأوسط"، وخصوصاً أن "وفاة هذه الشخصية الرمز للمقاومة ضد إسرائيل قد تؤدي إلى تأجيج بعض الأطراف الفاعلة وإذكاء جمر مصادر التوتر التي لم تنطفئ بعد"، وأضاف: "وفي حين يصعب التنبؤ بالعواقب على المدى الطويل، إلا أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في أن هذا الحدث يشكل زلزالاً جيو- سياسياً حقيقياً، ويبدو أن المنطقة معلقة أكثر من أي وقت مضى بخيط رفيع، وهي تترقب تداعيات هذه الوفاة الصادمة"[10].
وسيتوقف الأمر إلى حد كبير على كيفية رد حزب الله، من جهة، وإيران، من جهة ثانية، على هذا الاغتيال، إذ يرى الصحافي أنتوني سمراني أنه "لا يزال هناك الكثير من الأشياء المجهولة في هذا الوقت، ولكن يبدو أنه من الصعب للغاية تصوّر سيناريو لا يرد فيه حزب الله بقوة"، وذلك كي لا يفقد "قدرته الردعية"، وبالتالي "مصداقيته" في المنطقة[11]، علماً بأنه يتوجب عليه، قبل كل شيء، أن يرتّب أوضاع "بيته الداخلي"، ويعيد تنظيم صفوفه، ويسعى إلى تجاوز "نقاط الضعف الأمنية والتنظيمية"، التي كشفتها هجمات إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية، منذ تفجير أنظمة الاتصالات الخاصة بالحزب. وفي حالة قيامه برد يتجاوز الحدود التي وضعها لنفسه منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عندما أطلق "معركة إسناد غزة"، فإن من المتوقع أن تستمر إسرائيل في تصعيد الحرب، كما يقدّر جيريمي بوين المحرر الدولي لـ "بي بي سي نيوز"، الذي يرى أنه "إذا استمر حزب الله في جعل شمال إسرائيل خطراً للغاية، بحيث لا يسمح للمدنيين الإسرائيليين بالعودة إلى ديارهم، فقد يكون لزاماً على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستشن هجوماً برياً، من المرجح أن تستولي فيه على شريط من الأرض سيكون بمثابة منطقة عازلة"، مع تأكيده بأن القادة العسكريين الإسرائيليين يدركون "أن دخول لبنان تحت نيران العدو من شأنه أن يشكل تحدياً عسكرياً أعظم بكثير من قتال حماس في غزة"، وخصوصاً أن حزب الله "كان يخطط أيضاً منذ نهاية حرب سنة 2006، وسيقاتل على أرضه في جنوب لبنان، الذي يتمتع بالكثير من التضاريس الوعرة والتلال المناسبة لتكتيكات حرب العصابات"[12].
أما إيران، التي التزمت حتى الآن نهج رفض المنطق "التصعيدي"، باستثناء ردها المباشر غير المسبوق على إسرائيل في نيسان/أبريل الماضي، فقد أعلنت على لسان قادتها "أن خط نصر الله سيستمر"، لكن عليها أن تحذر، كما ترى إيلينا عون الأستاذة والباحثة في العلاقات الدولية في جامعة لوفان الكاثوليكية، من النوايا الإسرائيلية، ذلك لأن هدف حكومة بنيامين نتنياهو الرئيسي "ليس حماس ولا الفلسطينيين ولا حزب الله، وإنما النظام الإيراني ومنشآته النووية، فهل سيسقط الإيرانيون في الفخ؟"[13].
سيترك فراغاً من الصعب أن يملأه أحد
يقدّر العديد من المحللين، ومنهم دافيد ريغوليه-روز الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، أن أي خليفة لحسن نصر الله لن يتمتع بـ "الشرعية السياسية والدينية" نفسها، وستكون مهمته صعبة. فهو يشغل منصب الأمين العام لحزب الله ومرشده الروحي منذ سنة 1992، ويعتبر من أكثر الزعماء السياسيين اللبنانيين تأثيراً في البلد. وتشير هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن نفوذه مكّن حزب الله، الذي كان في البداية "ميليشيا محلية صغيرة" من أن يصبح "أقوى قوة غير دولانية في العالم"، ناهيك عن نفوذه الكبير في المنطقة. أما صحيفة لوموند الباريسية، فتشير إلى الدور الذي اضطلع به حزب الله، خلف قيادته، في فرض انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان سنة 2000 من جانب واحد، وكذلك دوره في صمود قوات الحزب أمام إسرائيل في حرب الـ 33 يوماً في سنة 2006[14].
ومع أن جان بول شانيولو يقدّر "أن حزب الله سيعيد شحن مصادر قوته"، وأنه "مهما كانت أهمية القائد، فإن القصة ستستمر مع زعيم جديد"، وخصوصاً أن حزب الله "عنصر فاعل متجذر جداً في الشعب اللبناني، وهناك العديد من الأعضاء في التنظيم"، إلا أن أنتوني سمراني يعتبر أن من الصعب تعويض حسن نصر الله، إذ "لا أحد يتمتع بالكاريزما التي تمتع بها زعيم حزب الله داخل محور المقاومة"، كما إنه "كان موضع عبادة شخصية حقيقية بين أتباعه، ولا سيما داخل المجتمع الشيعي الذي جاء منه".غزة كانت نقطة البداية تعتبر إيلينا عون، الأستاذة والباحثة في العلاقات الدولية في جامعة لوفان الكاثوليكية، أن اغتيال حسن نصر الله مثّل، من الناحية الرمزية، "ضربة قاسية ليس فقط لحزب الله ولكن أيضاً للفلسطينيين، لأنه كان، بصورة ملموسة، الفاعل الوحيد الذي تبنى القضية الفلسطينية". وتستعيد الباحثة أوريلي ضاهر، الأستاذة المساعدة في جامعة باريس-دوفين والمتخصصة في شؤون حزب الله، أول خطاب ألقاه في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بعد أن أطلق حزبه ما أسماها "معركة إسناد غزة"، والذي ورد فيه: "أن ما يحدث اليوم في غزة ليس حرباً مثل أي حرب أخرى، وليس حدثاً كأي حدث آخر، وليست معركة مثل أي معركة أخرى؛ إنها معركة حاسمة وتاريخية، سيكون هناك ما قبلها وما بعدها، وهذا يتطلب منا جميعا أن نتحمل مسؤولياتنا؛ ولكي نتحمل مسؤولياتنا، علينا أن نحدد أهدافا قريبة، يجب علينا جميعا أن نعمل من أجل تحقيقها، وأعتقد أن هناك اثنين منها: الهدف الأول، الذي يجب أن نعمل من أجله ليل نهار، هو وقف العدوان على قطاع غزة، وإنهاء الحرب على القطاع، والهدف الثاني هو أن تنتصر غزة، وأن تنتصر المقاومة الفلسطينية في غزة". وتابع يقول: "الهدف الأول، وهو وضع حد للحرب والعدوان، تحركه اعتبارات إنسانية وأخلاقية ودينية وقانونية، ليست قابلة للنقاش، أما الهدف الثاني، فهو في مصلحة الجميع، إذ من الواضح أن ذلك يصب في المقام الأول في مصلحة الشعب الفلسطيني برمته...إن انتصار غزة هو انتصار للشعب الفلسطيني، إنه انتصار الأسرى في فلسطين، انتصار الضفة الغربية، قطاع غزة، القدس، المسجد الأقصى، كنيسة القيامة، وهو أيضاً انتصار جميع شعوب ودول المنطقة، وخصوصاً الدول المجاورة"[15].
[1] https://www.rfi.fr/fr/moyen-orient/20240928-hassan-nasrallah-vie-et-mort-d-un-homme-pas-ordinaire
[2] https://www.lesclesdumoyenorient.com/Hassan-Nasrallah-qui-etait-le-secretaire-general-du-Hezbollah.html
[3] https://shs.cairn.info/le-hezbollah--9782130582823-page-221?lang=fr
[4] https://www.radiofrance.fr/franceinter/podcasts/l-info-de-france-inter/l-info-de-france-inter-2603420
[5] https://www.francetvinfo.fr/monde/proche-orient/liban/hassan-nasrallah-elimine-par-israel-il-est-clair-que-le-hezbollah-va-se-ressourcer-affirme-le-specialiste-du-moyen-orient-jean-paul-chagnollaud
[6] https://www.lorientlejour.com/article/1428879/israel-fait-le-choix-de-la-guerre-totale-au-liban.html
[7] https://mukhtaraat.palestine-studies.org/ar/node/35332
[8] https://mukhtaraat.palestine-studies.org/ar/node/35334
[9] https://www.huffingtonpost.fr/international/article/mort-d-hassan-nasrallah-la-disparition-du-chef-du-hezbollah-qu-israel-dit-avoir-tue-fait-craindre-un-seisme-regional_240207.html
[10] https://viralmag.fr/mort-dhassan-nasrallah-quelles-consequences-pour-le-moyen-orient
[11] https://www.lorientlejour.com/article/1428879/israel-fait-le-choix-de-la-guerre-totale-au-liban.html
[12] https://www.bbc.com/afrique/articles/c4gdelrxv0go
[13] https://www.rtbf.be/article/impact-sur-le-moyen-orient-de-la-mort-d-hassan-nasrallah-symboliquement-c-est-un-coup-dur-analyse-elena-aoun-11440897
[14] https://www.huffingtonpost.fr/international/article/mort-d-hassan-nasrallah-la-disparition-du-chef-du-hezbollah-qu-israel-dit-avoir-tue-fait-craindre-un-seisme-regional_240207.html
[15] https://legrandcontinent.eu/fr/2024/01/06/le-moyen-orient-selon-nasrallah-geopolitique-du-hezbollah/