مقدمة
بعد ما يقارب 20 عاماً من انقطاع العلاقات على مختلف أشكالها، اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، بين طرفَي الخط الأخضر (1948 - 1967)، عادت العلاقات بين فلسطينيي الـ 48 والأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 من جديد، وخضعت للعديد من العوامل والاعتبارات، أهمها السياسية والأمنية، ونشطت بصورة متزايدة بعد اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي (1994)، لكنها كانت عرضة لإجراءات الإغلاق، والجدار، والمعابر التي كان بعضها يفتح ويغلق لغرض تحكم إسرائيل بالعلاقات الاقتصادية - الاجتماعية على جانبَي الخط الأخضر.
تتطرق هذه الورقة إلى العلاقات الاقتصادية بين فلسطينيي الـ 48 وفلسطينيي الضفة الغربية، ومدى تأثرها بالحرب على قطاع غزة[1] منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023؛ إذ تسلط الضوء في البداية على الخلفية الديموغرافية والاقتصادية للفلسطينيين في الداخل والضفة الغربية، وطبيعة العلاقات الاقتصادية والمحفزات والقيود على هذه العلاقة، وتنتقل إلى العلاقات التجارية خلال الحرب، ثم الخلاصة والتوصيات.
خلفية ديموغرافية واقتصادية
بلغ عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية مع نهاية سنة 2022 نحو 3.26 مليون نسمة،[2] منهم 2.88 مليون نسمة يعيشون في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، ويحملون المواطنة الفلسطينية، وما يقارب 380,000 نسمة يعيشون في القدس الشرقية، ويحملون هوية الإقامة الإسرائيلية،[3] ويسكن داخل الخط الأخضر ما يقارب 1.7 مليون نسمة،[4] ويحملون المواطنة الإسرائيلية.
وبعد احتلال الضفة سنة 1967، بدأ الاقتصاد الإسرائيلي، وأيضاً الفلسطيني داخل إسرائيل (48) باستغلال عمال الضفة وغزة وتشغيلهم في إسرائيل بسبب تدني تكلفتهم، واستغلال الأسواق الفلسطينية المحتلة لتسويق المنتوجات الإسرائيلية. أمّا الاقتصاد الفلسطيني (الضفة والقطاع)، وإلى جانب تشغيل العمال في إسرائيل، فقد استطاع تسويق بعض الصناعات التقليدية، كالمنتوجات الغذائية والأنسجة داخل إسرائيل بسبب تدني أسعارها،[5] بالإضافة إلى إقامة بعض المعارض، وعرض المنتوجات الفلسطينية في أسواق الداخل، وخصوصاً في المدن الفلسطينية الكبرى داخل إسرائيل.[6]
وبعد اتفاق أوسلو سنة 1993، تم الفصل بين الفلسطينيين على جانبَي الخط الأخضر، وتم الاعتراف بفلسطينيي الـ 48 بصورة غير مباشرة كمواطنين في دولة إسرائيل، وهو ما عمّق تبعيتهم إلى السياسات الإسرائيلية والاقتصاد الإسرائيلي.[7] وخضعت العلاقات التجارية بين طرفَي الخط الأخضر بعد اتفاق أوسلو للمسموحات والممنوعات في بروتوكول باريس الاقتصادي، وأضحت الحركة التجارية والاستثمارية لفلسطينيي الـ 48 مع الضفة الغربية جزءاً من الاستيراد والتصدير والاستثمار الإسرائيلي مع مناطق السلطة الفلسطينية، باستثناء التسوق الأسري والشخصي وبعض الخدمات الأُخرى، كالتعليم العالي والترفيه.
ليس سهلاً الوقوف على طبيعة العلاقات الاقتصادية بين فلسطينيي الـ 48 وفلسطينيي الضفة الغربية، فالسلطات الإسرائيلية تتحكم بطبيعة هذه العلاقات، وخصوصاً أن نمط العلاقة الاقتصادية ليس بين دولتين، وإنما بين جزء من شعب يحمل الهوية الإسرائيلية وسلوكياته الاقتصادية تخضع لذلك من جهة، ومن الجهة الأُخرى جزء آخر من شعب يحمل الهوية الفلسطينية وسلوكياته الاقتصادية تخضع لاتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، الذي أيضاً لا يسير وفقاً للمعاهدات الاقتصادية، وإنما تؤدي التحولات والواقع السياسي والأمني فيه دوراً رئيسياً في بلورته. لذا، فإن البيانات الرسمية لا توفر أي معلومات بشأن صادرات وواردات واستثمارات بين بلدَين،[8] وإنما هناك سياسات أُخرى تحدد ذلك، كالنهج التي سُمح به منذ سنة 2007 بالسماح لفلسطينيي الـ 48 بالتسوق والتعلم في المعاهد العليا في الضفة الغربية بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية في الضفة بعد الانتفاضة الثانية. كما تتأثر العلاقة بين فلسطينيي الـ 48 والضفة الغربية بعوامل أُخرى، أبرزها:
حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية 5477 دولاراً، ويُعتبر ذلك متدنياً جداً مقارنة بفلسطينيي الـ 48.
القطاع الصناعي لدى الطرفين غير متطور، وهناك تشابه إلى حد ما في نوعية الصناعات، مع وجود أفضلية نسبية للصناعات في الضفة الغربية، بسبب التكلفة المنخفضة، الأمر الذي يدعو المنشآت الاقتصادية في أراضي الـ 48 إلى تشغيل الأيدي العاملة الفلسطينية الأقل تكلفة، بدلاً من التبادل التجاري.
اقتصار العلاقات الاقتصادية على الأسر والأفراد والقطاع الخاص، الأمور التي تتطلب علاقات مباشرة.
إن مستوى الأسعار في إسرائيل أعلى منه في الضفة الغربية، ويُعتبر من أعلى مستويات الأسعار في العالم، لذا فإن هناك فارقاً كبيراً في مستويات الدخل والمصروفات الاستهلاكية والمعيشة بصورة عامة.[9]
وتتفاوت المستويات الاقتصادية بين فلسطينيي الـ 48 المواطنين في إسرائيل، والمواطنين في الضفة الغربية، ويلخص الجدول التالي أهم المؤشرات الاقتصادية لكليهما:
جدول رقم 1: مؤشرات اقتصادية لفلسطينيي الـ 48 والضفة الغربية
المؤشر |
48 والقدس |
الضفة الغربية |
معدل البطالة لسنة 2023 |
5.4% |
17.9% |
نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (دولار أميركي) بالأسعار الثابتة |
- |
4491 دولاراً |
متوسط نفقات الاستهلاك الشهرية للأسرة بالأسعار الجارية (شيكل) |
14,282 شيكلاً |
6392 شيكلاً |
الإنفاق الأسري على الطعام |
3803 شواكل |
1946 شيكلاً |
التعليم والنشاطات الثقافية والترفيهية |
1406 شواكل |
287 شيكلاً |
وسائل النقل والاتصالات للأسرة |
2180 شيكلاً |
1109 شواكل |
الإنفاق الآخر |
6893 شيكلاً |
3050 شيكلاً |
الدخل النقدي الصافي للأسرة |
11,810 شواكل[10] |
- |
متوسط عدد أفراد الأسرة |
4.17 أفراد |
4.7 أفراد |
معطيات الإنفاق في الضفة الغربية لسنة 2023 وفي أراضي الـ 48 والقدس لسنة 2021.
المصدر: دائرة الإحصاء الإسرائيلية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
تشير هذه المعطيات إلى وجود فارق كبير بين المستوى الاقتصادي لمواطني الـ 48 والقدس مقارنة بالضفة الغربية، ويعود ذلك إلى سياسات إسرائيل الاقتصادية، والارتباط المباشر لاقتصاد تحت الاحتلال بالاقتصاد الإسرائيلي، وسياسات القيود المباشرة على اقتصاد الضفة بهدف الإلحاق والتبعية لاقتصاد إسرائيل، مع العمل الدؤوب من جانب السلطات الإسرائيلية على مصادرة الموارد والثروات الطبيعية الفلسطينية، مع المحافظة على مستويات اقتصادية أعلى لفلسطينيي الـ 48 من الضفة الغربية، بصفتهم مواطنين إسرائيليين، لكن من دون الوصول إلى المستويات الاقتصادية لباقي مواطني إسرائيل.[11]
العلاقات التجارية بين فلسطينيي الـ 48 والضفة الغربية في أثناء الحرب
في النصف الثاني من سنة 2021، بدأ الاقتصاد الفلسطيني يتعافى من الآثار السلبية التي خلفتها جائحة كورونا، لكن ذلك لم يدم طويلاً، فقد جاءت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023 لتترك آثاراً كارثية في الاقتصاد الفلسطيني ككل، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع لسنة 2023 بـ 29.3%، ليبلغ معدل التراجع 19% في الضفة الغربية مقارنة بالربع السابق، وفي المعدل السنوي، فإن التراجع في الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2023 بلغ 5.5%، بمعدل 1.9% في الضفة الغربية.[12] ودلت معطيات الربع الأول لسنة 2024 على تراجع في الناتج المحلي الفلسطيني بـ 19.3% على أساس سنوي[13] مع تنبؤات بتراجع الناتج المحلي السنوي ككل بـ 6.9%.[14] أمّا معدلات التضخم المالي، فقد ارتفعت في الربع الأول لسنة 2024 بـ 27.7% على الأساس السنوي مقارنة بـ 11.3% خلال الربع السابق، وبلغ الارتفاع في الضفة الغربية في الربع الأول من سنة 2024، على أساس سنوي، 3.7%.[15] وتأتي هذه المؤشرات في ظل الحرب المدمرة على قطاع غزة وشلل شبة كامل للاقتصاد الغزي.
ومع اندلاع الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023، شددت إسرائيل القيود على حركة الأشخاص والبضائع بين محافظات الضفة الغربية، وعلى المعابر الفاصلة بين الضفة الغربية وإسرائيل، بالإضافة إلى الاجتياحات المتكررة للمناطق السكنية في الضفة، وتراجعت الصادرات إلى إسرائيل، وانخفضت الواردات في إثر التراجع الاستهلاكي للفلسطينيين في الضفة نتيجة خسارة مورد أساسي لدخل العاملين في إسرائيل، والذي يشكل 16.9% من الدخل القومي المتاح.[16] وأثرت عوامل أُخرى عديدة في اقتصاد الضفة، منها التحويلات إلى السلطة الفلسطينية المؤثرة في الاستهلاك الخاص والعام، وكذلك في الاستثمارات الخاصة والعامة في ظل أوضاع الحرب. وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن عاملاً آخر أدى إلى تراجع الاستهلاك في الضفة الغربية، وهو الحركة التجارية من جانب فلسطينيي الداخل والقدس الشرقية للسلع والخدمات الاستهلاكية، والتي تشكل عامل ضخ نقدي لأسواق الضفة الغربية. فحركة فلسطينيي الـ 48 والقدس تخضع لعمل المعابر والوضع الأمني في مدن الضفة، ومع استمرارية الحرب والاجتياحات المتكررة لمناطق الضفة الغربية، فقد تناقصت زيارات فلسطينيي الـ 48 إلى مدن الضفة الغربية كثيراً، وتراجعت الحركة التجارية والسياحية، سواء أكانت بهدف تسوق السلع الاستهلاكية أم تلقّي خدمات أُخرى، كالترفيه، والمطاعم، وتصليح السيارات، وحتى خدمات التعليم في جامعات الضفة،[17] سواء من جانب الطلبة، أم أهاليهم، وذلك بسبب الوضع الأمني وكذلك التعليم عن بُعد، فعلى سبيل المثال، انخفض عدد المركبات الخاصة المارة عبر معبر الجلبوع (معبر الجلمة- جنين)،[18] بـ 12.7% خلال سنة 2023 مقارنة بسنة 2022، إذ عبرت 1,571,037 مركبة خلال سنة 2022، وتراجع العدد إلى 1,371,037 مركبة خلال سنة 2023،[19] وهو ما يدل على انخفاض في عدد زيارات فلسطينيي الـ 48 لشمال فلسطين، وخصوصاً مدينة جنين، ومن المتوقع أنه بسبب كثرة الاجتياحات الإسرائيلية لجنين وشمال الضفة خلال سنة 2024، سيكون الانخفاض بوتيرة عالية جداً. كذلك تدل معطيات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني على أن عدد النزلاء في فنادق الضفة الغربية انخفض بوتيرة حادة خلال الربع الرابع من سنة 2023، إذ انخفض عدد النزلاء إلى 23,182 نزيلاً مقارنة بـ 157,367 نزيلاً خلال الربع الرابع من سنة 2022، أي بمعدل 85.3%، وقد شكل النزلاء من إسرائيل (فلسطينيو الـ 48) ما يقارب 17% من النزلاء خلال سنة 2023، أي ما يعادل 93,730 نزيلاً،[20] ومن البديهي أن تنخفض نسبتهم خلال الربع الرابع من سنة 2023 وسنة 2024.
من جهة أُخرى، فقد أظهرت المؤشرات السابقة بشأن فلسطينيي الـ 48 أنهم يعيشون في ضائقة اقتصادية وفق المعايير السائدة في إسرائيل، وأن ما يقارب نصف الأسر في حاجة إلى البحث عن وسائل أُخرى من أجل تخفيض مصاريفهم الأسرية. لذا، فإن التسوق عبر الحدود، الذي يُعتبر منتشراً في كثير من دول العالم[21] التي تختلف في مستوى أسعارها ومعيشتها يشكل نموذجاً لتسوق فلسطينيي الـ 48 من الضفة الغربية؛ فعامل السعر يُعتبر محفزاً لشراء هذه المنتوجات من مدن الضفة الغربية، وهذا ما نتج من بعض الدراسات الميدانية التي هدفت إلى قياس حجم التدفق النقدي من جانب فلسطينيي الـ 48 إلى الضفة الغربية. ومن أهم العوامل التي تؤثر في التسوق من الضفة:[22]
-
الأسعار المنخفضة نسبياً لإسرائيل.
-
القرب الجغرافي بين التجمعات السكانية العربية داخل الخط الأخضر وخارجه وفي حالات معينة تقسيم البلدة إلى قسمين: قسم في إسرائيل، والآخر في الضفة الغربية، كما هو الحال في برطعة وباقة.
-
علاقة القرابة العائلية والزيارات الأسرية إلى مدن الضفة.
-
الشعور بالراحة النفسية والانتماء الواحد.
-
المعاملة الجيدة وجودة السلع والخدمات.
شكلت هذه العوامل مشتركة حافزاً للتسوق من مدن الضفة الغربية من جانب فلسطينيي الـ 48، وتشير الدراسات الميدانية السابقة إلى أن حجم التدفق النقدي الوارد من فلسطينيي الداخل والقدس الشرقية لمدن الضفة الغربية سنة 2016 بلغ 3.7 مليار شيكل، منها 2.74 مليار شيكل كمصروفات استهلاكية وخدماتية، وفي سنة 2019، كان بين 4.4 و5.06 مليار شيكل، منها 3.72-3.82 مليار شيكل كمصروفات استهلاكية وخدماتية، أي ما يزيد على 1.04 مليار دولار،[23] منها ما يقارب 24.1% مصروفات على التعليم العالي في جامعات الضفة. وكان متوقعاً أن يرتفع الإنفاق من جانب فلسطينيي الداخل والقدس الشرقية في الفترة 2023 - 2024 بعد زوال الأثر الاقتصادي السلبي لجائحة كورونا، إلاّ إن المؤشرات الأولية تشير إلى انخفاض الإنفاق في الضفة سنة 2023 مع بدء الحرب على غزة. ومع دخول سنة 2024 واستمرار الحرب، انخفضت زيارات فلسطينيي الـ 48 إلى مدن الضفة، وكانت وتيرة الانخفاض أعلى منها في الأشهر الأولى للحرب، نتيجة كثرة الاجتياحات لمدن الضفة الغربية، وخصوصاً المدن الأكثر زيارة بغرض التسوق من جانب فلسطينيي الداخل، كمدينة جنين التي تُعتبر بوابة الجليل للضفة، وكل من طولكرم ونابلس المجاورتين لمدن المثلث وقراها، والخليل والظاهرية القريبتين جغرافياً من التجمعات السكنية العربية في النقب. ويقدَر الانخفاض في التسوق من الضفة الغربية بأكثر من 50%، أي ما يعادل 2.5 مليار شيكل، الأمر الذي يؤثر سلباً في الناتج المحلي الإجمالي للضفة، وفي مجمل الدخل القومي المتاح.
الخلاصة والتوصيات
عرضت هذه الورقة مؤشرات اقتصادية تدل على مستوى المعيشة لدى فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الضفة، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم وجود اقتصادين منفصلَين يرتبط أحدهما بالآخر بعلاقات تبادلية تجارية أو تكاملية، فالفعاليات الاقتصادية لفلسطينيي الداخل مرتبطة بالاقتصاد الإسرائيلي، وهي على الهامش بالنسبة إلى متخذي القرارات الإسرائيليين، ومورس ضدها تمييز قسري منذ قيام الدولة. كما عرضت الورقة الفارق الواضح بين الإنفاق الاستهلاكي للأسرة الفلسطينية المواطنة في إسرائيل والأسرة المواطنة في الضفة الغربية. ومن جهة ثانية، يخضع اقتصاد الضفة الغربية منذ اتفاق السلام لاتفاقية باريس الاقتصادية، التي أيضاً لم تطبَق ببنودها المتعددة، وأبقت التبعية والقرارات الاقتصادية في يد متخذي القرارات الإسرائيليين، كقضية الضرائب والجمارك ونظام المقاصة وعدم وجود عملة فلسطينية، الأمر الذي يقيد اتخاذ قرارات على المستوى المالي والنقدي، ويبقى اتخاذ القرارات الرئيسية في يد الإسرائيليين، وتخضع في الأغلب لسياسات تكرس التبعية وإضعاف البنية الاقتصادية الفلسطينية، لذا، نرى الفارق الشاسع بين المستوى الاقتصادي الإسرائيلي والفلسطيني، وخير دليل على ذلك أن الناتج المحلي للفرد في إسرائيل يساوي ما يقارب عشرة أضعاف الناتج المحلي للفرد في الضفة الغربية بحسب معطيات 2022.
على الرغم من الضعف الاقتصادي على جانبَي الخط الأخضر، فإن عوامل السوق وعوامل اجتماعية وتسويقية أُخرى فرضت نفسها على مستوى الأفراد والأسر، ودعم ذلك الفارق بين مستويات المعيشة لدى فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الضفة، ونشطت، منذ سنة 1967، ظاهرة تسوق فلسطينيي الداخل من الضفة، مع تغييرات إيجابية منذ اتفاق أوسلو، مع خضوعها للأوضاع الأمنية والسياسية والتقييدات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على الطرفين. ومع هذا، فإن الضخ النقدي من جانب فلسطينيي الداخل لمناطق الضفة الغربية، الذي يعبَّر عنه بمشتريات السلع والخدمات الاستهلاكية، يدعم النمو في الناتج المحلي الفلسطيني سنوياً بحسب التقديرات الميدانية لحجم المشتريات من جانب فلسطينيي الداخل والقدس المنفذة في مدن الضفة، عدا الاستثمارات، على الرغم من شحها من جانب فلسطينيي الداخل.
بالإضافة إلى هذا، فقد ناقشت هذه الورقة تأثير الحرب على غزة في اقتصاد الضفة، كما هو الحال في الأوضاع الأمنية والسياسية الأُخرى، لكن المدة الزمنية الطويلة لهذه الحرب واستمرارها وإغلاق المعابر في كثير من الأحيان، بالإضافة إلى مناخ عدم الاستقرار داخل المدن الفلسطينية، والأضرار في البنى التحتية، كلها أمور أضرت بالحركة التجارية ككل، وكذلك بحجم المشتريات والخدمات التي يتلقاها فلسطينيو الداخل من الضفة الغربية بأكثر من 50% من قيمتها بحسب التقديرات الحالية، مع إمكان استمرارية الضرر مستقبلاً، وخصوصاً في قطاع الخدمات، كالتعليم على سبيل المثال، وبعض الخدمات الترفيهية والصحية.
وبناء على ما تقدم، توصي هذه الورقة باتخاذ بعض الخطوات بهدف تقييد تمدد استمرارية الأضرار الاقتصادية مستقبلاً، وتحفيز فلسطينيي الداخل على الاستمرار في التسوق من الضفة، وتشجيع الاستثمارات، منها:
-
تقديم تسهيلات إلى المصالح الصغيرة والمتوسطة الحجم في الضفة، والعمل على إقامة صندوق عربي لدعم هذه المصالح في زمن الحرب والأزمات والكوارث.
-
إقامة صندوق حكومي بتمويل عربي وأجنبي لدعم العمال الذين فقدوا عملهم في إسرائيل، وتشجيع المصالح الاقتصادية الفلسطينية على استيعاب جزء منهم عبر دفع رواتب مشتركة بين الصندوق وأصحاب المصالح الصغيرة والمتوسطة بهدف تحفيز الاستهلاك والاستثمار المحلي.
-
أن تتخذ الغرف التجارية في الضفة دوراً فعالاً في تحسين الخدمات المقدمة إلى فلسطينيي الداخل بمشاركة لجنة المتابعة ولجنة رؤساء السلطات المحلية في الداخل.
-
أن تدخل الحكومة الفلسطينية في تنظيم العلاقات التجارية بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الضفة، عبر خلق المناخ المناسب تجارياً واستثمارياً، بما فيه تحفيز المستثمرين من الداخل، وتقديم التسهيلات التشريعية والضريبية.
[1] بعد أن بدأت الانتفاضة الثانية، تقلصت العلاقات الاقتصادية بين فلسطينيي الـ 48 وفلسطينيي قطاع غزة، وتوقفت كلياً بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة سنة 2005، باستثناء علاقات تجارة الجملة التي كانت ضمن عمليات التبادل التجاري مع إسرائيل، والتي تتضمن تجاراً من فلسطينيي الداخل، والتي لا تتوفر بيانات منفردة بشأنها. ومن الجدير بالذكر هنا أيضاً أن هذه الورقة تناقش فقط العلاقات التجارية بين فلسطينيي الـ 48 والضفة الغربية.
[2] "14.5 مليون فلسطيني يعيشون في فلسطين التاريخية والشتات"، "عرب 48"، 10/7/2023.
[3] وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية مع بداية سنة 2024 بلغ 517,400 مستوطن ومستوطنة بحسب تقرير مجلس المستوطنات على الرابط.
[4] "السكان حسب المجموعات السكانية"، القدس: دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، 2024 (بالعبرية).
[5] رجا الخالدي وآخرون، "آفاق التعاون الاقتصادي والتكامل الفلسطيني على طرفي الخط الأخضر" (الدوحة: المركز العربي للأبحاث والسياسات، ط 1).
[6] أُقيمت هذه المعارض بتشجيع من رؤساء بلديات ولجنة المتابعة لفلسطينيي الداخل والغرف التجارية والبلديات والوزارات في الضفة الغربية.
[7] المصدر نفسه.
[8] لا تتوفر بيانات بشأن الحركة التجارية والاستثمارية بين فلسطينيي الـ 48 والضفة الغربية، ويعود السبب في ذلك إلى أن المعاملات التجارية بالجملة تدخل ضمن الصادرات والواردات بين إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية.
[9] المصدر نفسه.
[10] متوسط دخل الأسرة اليهودية يبلغ 17,780 شيكلاً، ومعدل الأفراد للأسرة اليهودية 3.05 أفراد، وهو ما يدل على أن متوسط دخل الفرد الفلسطيني المواطن في إسرائيل 48.6% من متوسط دخل الفرد اليهودي. أمّا متوسط نفقات الاستهلاك للفرد من فلسطينيي الـ 48، فهو 67.5% من متوسط الإنفاق الاستهلاكي للفرد اليهودي المواطن في إسرائيل.
[11] كل الأبحاث العلمية التي جرت على فلسطينيي الـ 48 أظهرت فجوات واسعة بين المواطنين اليهود والعرب (48)، ونسبة عالية منها أظهرت التمييز وعدم وجود عدالة اجتماعية بين العرب واليهود بسبب كون العرب فلسطينيين.
[12] "المراقب الاقتصادي 76 العدد السنوي 2023"، رام الله: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني - ماس، 2024.
[13] "تقرير التنبؤات الاقتصادية الربعية، الربع الثاني 2024"، رام الله: سلطة النقد الفلسطينية، أيار/مايو 2024.
[14] المصدر نفسه.
[15] "تقرير التضخم، العدد 50، الربع الأول 2024"، رام الله: سلطة النقد الفلسطينية، أيار/مايو 2024.
[16] "ملخص سياساتي: تداعيات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي وانعكاساتها على اقتصاد الضفة الغربية"، رام الله: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني – ماس، 2024.
[17] يدرس في جامعات الضفة الغربية ما يزيد على 10,000 طالبة وطالب جامعي.
[18] ركزنا على هذا المعبر بالذات لأن عبور المركبات الخاصة خلاله مسموح فقط لفلسطينيي الـ 48، حاملي المواطنة الإسرائيلية، ويُمنع عبور الآخرين بمركباتهم، وهذه المركبات هي ليست بهدف تجاري، إذ إن هناك مدخلاً خاصاً للشاحنات التجارية.
[19] موقع سلطة المعابر، متوفر على الرابط.
[20] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، "النشاط الفندقي في الضفة الغربية – النشرة السنوية - 2023"، رام الله (2024).
[21] على سبيل المثال، تسوُق النرويجيين من السويد عبر الحدود ومساهمة ذلك في التنمية الإقليمية والنمساويين من ألمانيا والكثير من الأمثلة في المدن الحدودية.
[22] عاص أطرش وشاكر خليل وجيه عامر، "التطورات والتحولات في الحجم النقدي للمشتريات والخدمات من قبل فلسطيني الداخل في المناطق الفلسطينية"، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار، (رام الله، 2020).
[23] المصدر نفسه.