مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية خلال الحرب وأثرها في المنتج الفلسطيني
تأليف: 
سنة النشر: 
اللغة: 
عربي
عدد الصفحات: 
10

"لست مهزوماً ما دمت تقاطع"؛ هذه الجملة مقتبسة بتصرف من الشهيد المفكر مهدي عامل صاحب مقولة "لست مهزوماً ما دمت تقاوم"، ولأن المقاطعة هي أحد أشكال الرفض والمقاومة، فلتكن المقاطعة نهجاً للمضي نحو تعزيز الاقتصاد المقاوم والانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل.

ينضوي حراك المقاطعة على الاحتجاج على ممارسات أو سياسات أو شركات معينة بفعل عمل جماعي للتعبير عن الاستياء والدفع نحو التغيير، إذ تهدف المقاطعة إلى إلحاق بعض الخسائر الاقتصادية بالهدف، أو الإشارة إلى الغضب والتمرد والعصيان.[1] وفي الحالة الفلسطينية، لا يقتصر مفهوم المقاطعة على المقاطعة الاقتصادية أو مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية فحسب، بل هو أيضاً شكل من أشكال المقاومة الشعبية للتعبير عن حالة الرفض الكامل للاحتلال الإسرائيلي. تعرض هذه الورقة، بصورة خاصة، أثر مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية في تعزيز الإنتاج المحلي الفلسطيني، وتناقش إمكانات توسيع نطاق المقاطعة، وإمكانات العمل على الاقتصاد المقاوم المبني على الانفكاك التدريجي من العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل. كما تقدم مقترحات لسياسات تساهم في تعزيز مقاطعة المنتوجات، وتعزز الصمود والفكاك الاقتصادي.

مقاطعة الاحتلال نهج تاريخي مستمر

لم تكن فكرة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي فكرة وليدة على الشعب الفلسطيني ظهرت خلال العقد الماضي، وإنما هي فكرة أساسية نشأت منذ بدايات تشكيل الحركة الصهيونية، إذ كان هناك حملات قبل ثورة 1936 تدعو إلى مقاطعة البضائع الصهيونية؛ ففي عام 1922 تم تنظيم حملة لمقاطعة الشركات المملوكة لليهود في فلسطين، وكانت المقاطعة في أوجها خلال إضرابات ثورة 1936-1939، وكان هناك دور للعمال الفلسطينيين والجمعيات والنقابات في تنظيم مقاطعة الاقتصاد الصهيوني. وخلال أعوام الانتفاضة الأولى نجحت القيادة الوطنية الموحدة في بث نهج المقاطعة والعمل على الاقتصاد المقاوم، والذي اتخذ عدة أوجه، منها مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية، ومقاطعة العمل في إسرائيل، والدفع في اتجاه تعزيز الإنتاج المحلي، والعمل على الاكتفاء الذاتي من خلال المبادرات المجتمعية، الأمر الذي شكل حالة تكافل اقتصادي محلي.[2] وخلال الانتفاضة الثانية عادت الدعوات إلى مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية،[3] ومقاطعة العمل في إسرائيل، إذ بلغ عدد العمال الفلسطينيين في الداخل المحتل، عام 2000، 145 ألف عامل، وانخفض بعد عام 2000 إلى 66 ألف عامل.[4] وبعد الانتفاضة الثانية، وفي ضوء انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الدولي، نشأت حركة مقاطعة إسرائيل من مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني لمطالبة منظمات المجتمع المدني في العالم بفرض مقاطعة واسعة لها، وتطبيق سحب الاستثمارات منها، ومعاقبتها، بشكل مشابه لتجربة جنوب أفريقيا خلال حقبة الأبارتهايد، بهدف ممارسة الضغوط على الحكومات من أجل فرض المقاطعة والعقوبات على إسرائيل.[5]

العلاقات التجارية الفلسطينية وتبعيتها للاقتصاد الإسرائيلي

دأب الاحتلال الإسرائيلي على السيطرة على كل مقومات الاقتصاد الفلسطيني وتكبيلها، إذ أطّر بروتوكول باريس الاقتصادي آليات التحكم في المعابر والحدود، وتحديد كمية السلع المستوردة ونوعيتها، كما ساهم في التحكم في النظام الضريبي مع إعطاء هامش بسيط للسلطة الفلسطينية لفرض بعض الضرائب المحدودة (ضريبة الدخل، وضريبة الأملاك)، الأمر الذي أضفى طابعاً مؤسساتياً على الإفقار التنموي،[6] وبالتالي ساهم في تحويل الاقتصاد الفلسطيني إلى اقتصاد خدماتي[7] وهش وغير قادر على استيعاب العمالة الفلسطينية، ما أدى إلى زيادة الاعتماد على سوق العمل الإسرائيلية، إذ وصلت نسبة العمالة في الداخل المحتل والمستوطنات - قبل بدء حرب الإبادة (تشرين الأول/ أكتوبر 2023) – إلى نحو 20% من القوى العاملة في فلسطين، أي أن 20% من الأسر الفلسطينية كان دخلها مرتهناً بابتزاز الاحتلال والمساومات.

وعلى الرغم من محاولات السلطة العديدة لبناء الدولة وبناء اقتصاد وطني، وتوظيف قرابة 44 مليار دولار من المعونة الدولية في بناء الدولة والتخطيط التنموي الشامل، فقد ازداد ارتهان الاقتصاد الفلسطيني وتبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، وازدادت الأصفاد التي أحكمت تقويضه وإضعافه، ما جعله أكثر انكشافاً وهشاشة أمام الأزمات، وهذا ما نشهده اليوم، من تردٍ للوضع الاقتصادي، وتعطيل العمال في إسرائيل، وتجفيف الموارد المالية للخزينة العامة، وسطوة الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من نصف أموال المقاصة، ودفع نسبة فقط من رواتب العاملين في القطاع العام. 

كذلك هيمن الاقتصاد الإسرائيلي على التجارة الخارجية الفلسطينية من خلال علاقة "الاتحاد الجمركي"، وفي ضوء ذلك بلغ حجم الاستيراد الفلسطيني من إسرائيل، لعام 2022، 4 مليارات دولار، بما يشكل نسبة 56% من إجمالي الواردات، والتي بلغت 8 مليارات دولار، في حين أن ما يتم تصديره إلى إسرائيل بلغت قيمته 1.3 مليار دولار، بما يشكل 88% من إجمالي الصادرات.[8]

خلافاً لذلك، بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إلى العالم 76.9 مليار دولار في عام 2022، منها 4.6 مليارات دولار فقط إلى السوق الفلسطينية، أي ما نسبته 5.9% من حجم الصادرات الإسرائيلية إلى العالم،[9] الأمر الذي يشير إلى أن أثر مقاطعة السوق الفلسطينية للمنتوجات الإسرائيلية يكاد يكون ضئيلاً جداً في الاقتصاد الإسرائيلي، في مقابل أثرها الواضح في الاقتصاد الفلسطيني. وهذا يدل على الأثر الدال المتوقع تحقيقه إذا ما استمرت وتوسعت حالة المقاطعة للمنتوجات الإسرائيلية في السوق الفلسطينية، وعلى أهمية العمل على مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية، ليس بهدف الخوض في حرب اقتصادية مع إسرائيل، وإنما لتمكين الاقتصاد الفلسطيني، والعمل وفق الاقتصاد المقاوم، وتعزيز ثقافة الرفض والمقاطعة كأحد أشكال المقاومة الشعبية.

تسببت المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل على مستوى العالم، في الفترة 2013 – 2014، في خسارة تراكمية تقدر بحوالي 15 مليار دولار،[10] بالإضافة إلى سحب العديد من الاستثمارات الخارجية في إسرائيل، الأمر الذي دفع وزير المالية الإسرائيلي آنذاك إلى التحذير من الزخم الذي تكتسبه حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على مستوى العالم.[11]

ومع بدء حرب الإبادة، أصبح أثر المقاطعة بارزاً في الأسواق العالمية وسلوك المواطنين تجاه مقاطعة منتوجات الاحتلال، وبرزت الدعوات إلى مقاطعة العلامات التجارية الداعمة لإسرائيل، وتأثر بعضها بشكل كبير، مثل ماكدونالدز وكنتاكي وزارا،[12] كما انخفضت أسهم شركة ستاربكس. ولم يقتصر أثر حملات المقاطعة على مقاطعة المستهلك لمنتوجات الاحتلال، بل أيضاً استجابت عدة محلات ومطاعم ومقاهٍ لحملة المقاطعة، فتوقفت عن التزود بالمنتوجات المقاطَعة استجابة لسلوك المستهلكين.[13] كذلك أفضت حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل خلال العام الحالي إلى سحب العديد من الاستثمارات؛ فقد أوقفت شركة التكنولوجيا العملاقة "إنتل" بناء مصنع جديد بقيمة 25 مليار دولار في إسرائيل، وسحب صندوق النفط النرويجي، الذي تبلغ قيمته 1.6 تريليون دولار، استثماراته بالكامل من سندات إسرائيل، وأنهت شركتان يابانيتان كبيرتان، شركة "إيتوشو" وشركة "نيبون" لتوريد الطائرات، علاقاتهما مع أكبر شركة خاصة لتصنيع الأسلحة في إسرائيل، "إلبيت سيستمز".[14] ومؤخراً، أعلنت دولة كولومبيا وقف تصدير الفحم إلى إسرائيل.[15]

جدوى مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية وتعزيز الاقتصاد الفلسطيني

تشير البيانات، سالفة الذكر، إلى أن أكثر من نصف الواردات إلى السوق الفلسطينية تأتي من إسرائيل، مع الإشارة إلى أنه، فعلياً، وبُعيد الحرب، تراجعت قيمة الواردات من إسرائيل، إذ بلغت قيمتها في الربع الرابع من عام 2023، 891.7 مليون دولار، مقارنة بالربع الرابع من عام 2022، والتي بلغت خلاله 1.2 مليار دولار، ومقارنة أيضاً بالأرباع قبيل الحرب، الأمر الذي يعود إلى عدة أسباب، أهمها تدهور الوضع الاقتصادي، والقيود الإسرائيلية المشددة على حركة الأشخاص والبضائع، بالإضافة إلى مقاطعة الفلسطينيين لبضائع الاحتلال. واستمر التراجع في قيمة الواردات الإسرائيلية خلال الربعين الأول والثاني من العام الجاري، والتي بقيت أقل من 900 مليون، خلافاً لما كانت عليه في السابق.

ومن خلال التعمق في الواردات الإسرائيلية إلى السوق الفلسطينية، يتضح أنه في الإمكان الاستغناء عن ثلث ما يتم استيراده من إسرائيل، أي ما يعادل 1.6 مليار دولار يمكن ضخها في السوق الفلسطينية، ما يوفر أكثر من 100 ألف فرصة عمل، أي نحو 10% من العمالة الفلسطينية. فهناك 36 منتجاً يمكن استبدالها بمنتوجات محلية، ضمنها المياه المعدنية والغازية، ومنتوجات الألبان، والسلع الزراعية، والبيض، والخضار والفواكه، والأعلاف والأسمدة، والحيوانات الحية، والأسمنت، وأجهزة الهاتف، والشوكولاتة والسكاكر، والقمح.[16]

وتشير البيانات إلى أن حصة المنتوجات المحلية في السوق المحلية بلغت 43% خلال عام 2022، وخلال عام 2023، ونتيجة مقاطعة بضائع الاحتلال، ارتفعت بنسبة 2%، ما يعني زيادة فرص التشغيل. وأدت مقاطعة منتوجات الاحتلال إلى انخفاض نسبة شراء المنتوجات الإسرائيلية من العصائر والمشروبات إلى 82%، وانخفاض نسبة شراء منتوجات الحليب والألبان إلى 60%، وزيادة في الإنتاج بنسبة تصل إلى 200-300% في قطاع المشروبات وشركات التنظيف والكيماويات.[17]

فعلياً، شهدت السوق الفلسطينية مقاطعة للعديد من المنتوجات الإسرائيلية الاستهلاكية، ولا سيما الغذائية منها، وعلى الرغم من أن هناك بضائع كانت قد تمت مقاطعتها قبل الحرب (مثل منتوجات شتراوس وتبوزينا وتنوفا)، فإن نسبة مقاطعتها ازدادت بعد الحرب. كما شهدت السوق الفلسطينية ظهوراً واضحاً للعديد من المنتوجات المصنوعة محلياً، وخصوصاً الألبان والمشروبات والمنظفات. وتبعاً لمدير عام شركة الجنيدي، وهي إحدى شركات إنتاج الألبان، أثرت مقاطعة المنتوجات الاسرائيلية بعد الحرب في زيادة مبيعاتهم بنسبة 5%، على الرغم من توقف حصة تصديرهم لغزة والمقدرة بـ20% من الإنتاج، وتأثرت السوق المحلية بانخفاض المبيعات، مع إشارته إلى أنه سابقاً كانت الشركات الإسرائيلية تستحوذ على 85% من قطاع الألبان في السوق الفلسطينية، أمّا الآن فقد أصبح المنتج الوطني يسيطر على نحو 90% من السوق.[18] من جانب آخر، أشار رئيس مجلس إدارة شركة دواجن فلسطين إلى أنه خلال الحرب تراجعت الكميات المعروضة من الدجاج في السوق الفلسطيني تبعاً لتراجع استيراد بيض التفريخ من إسرائيل، وتراجع التهريب منها، الأمر الذي أدى إلى رفع سعر الدجاج وبالتالي تنامي الأرباح.[19] وفي مقابلة أجريت مع مدير المبيعات والتسويق في شركة السلام للمفرزات،[20] تمت الإشارة إلى الارتفاع في المبيعات بنسبة 12% مقارنة مع العام الماضي، وتم توسيع خط الإنتاج وإدخال الدجاج المجمد.

وفي إبان تنامي الوعي الشعبي لأهمية المقاطعة، والشعور الفلسطيني برفض الاحتلال ومقاطعة المنتوجات الإسرائيلية، والذي تفاقم تبعاً للجرائم التي يشهدها الشعب الفلسطيني، أصبح بارزاً الإقبال على استهلاك المنتوجات الوطنية والبديل الأجنبي، الأمر الذي ظهر من خلال ضبط طواقم وزارة الاقتصاد لـ 102 منتوجات إسرائيلية تالفة في السوق الفلسطينية، والتي تشكلت من سلع غذائية ومستحضرات التجميل والمواد الكيماوية.[21]

وعلى الرغم من ازدياد مبيعات بعض السلع المحلية وظهور سلع جديدة محلية الصنع أو حتى مستوردة، فإنه يصعب تحديد حجم الأثر الاقتصادي بشكل دقيق في المرحلة الحالية، إذ إن تراجع الواقع الاقتصادي، وتراجع الإنفاق الاستهلاكي النهائي للأسر المعيشية (بلغ خلال الربع الأول من عام 2024، 2.9 مليار دولار، مقارنة بالربع الأول من عام 2023، حيث 4.7 مليار دولار)،[22] وتراجع القوة الشرائية للأسر الفلسطينية، كلها عوامل تعقّد مسألة التحديد الدقيق لأثر مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية في الاقتصاد الفلسطيني، نظراً إلى انخفاض الطلب بصورة عامة. ومع ذلك، فإن المعطيات الأولية تفيد بأن مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية ساهمت في تعزيز الطلب على المنتج المحلي، وفي دعم الاقتصاد الفلسطيني، ذلك بأن التوجه نحو شراء المنتوجات المحلية، وتوجه الشركات نحو توسيع نطاق الإنتاج، والتوجه العام نحو فتح منشآت جديدة، بالإضافة إلى التوجه نحو زيادة التصدير إلى الخارج، كلها أمور باتت ظاهرة. وفعلياً، لا يقاس نجاح المقاطعة بالمعطيات الرقمية فحسب، بل أيضاً بكونها بذرة نحو تعزيز الاقتصاد المقاوم، وتعزيز الحس الجمعي نحو الحاجة على التغيير والرفض.

المقاطعة كإحدى أدوات تقويض هيمنة الاقتصاد الإسرائيلي

انتهج الفلسطينيون نهج الاقتصاد المقاوم منذ عقود من الزمن، والذي يعبّر عن السياسات والإجراءات الاقتصادية لمواجهة العقوبات عبر أدوات تعزز الاستقلالية، وإعادة تنظيم انتقالي للاقتصاد والعلاقات الاجتماعية، بما يتماشى مع المتطلبات والأهداف السياسية لعملية التحرير الوطني.[23] فقد شهدت ثورة الـ 36 الإضرابات والمقاطعة الشاملة للحركة الصهيونية، كما برز الاقتصاد المقاوم خلال الانتفاضة الأولى، وخلت الأسواق الفلسطينية خلالها من المنتوجات الإسرائيلية، وارتفع الإنتاج الزراعي، ونشأت التعاونيات الزراعية والمبادرات الشعبية الزراعية، وفي أعوام الانتفاضة قُدّر عدد الأشجار التي تم زرعها نصف مليون شجرة.[24]

ولعلّ الفرصة التاريخية لإعادة إحياء نهج الاقتصاد المقاوم وتعزيز مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية مؤاتية، بما يتطلب العمل وفق مجموعة إجراءات وسياسات تدعم تعزيز المقاطعة، وتدفع نحو تعزيز الاقتصاد الفلسطيني، وتشكيل إرادة سياسية جمعية تتوافق فيها كل الأطراف والجهات للمضي قدماً في سبيل تعزيز المقاطعة والعمل على الانفكاك التدريجي من الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك من خلال التوجه إلى الحكومة الفلسطينية ومطالبتها بالعمل جدياً لوضع خطة متكاملة خاصة بتوجيه الاستثمار نحو السلع التي في الإمكان إيجاد بديل فلسطيني لها، وتقديم الدعم والتسهيلات والإعفاءات الضريبية نحو الاستثمار الموجه بغية تعزيز الاقتصاد المقاوم، والعمل على تطبيق القرار الصادر عام 2014 برفع الرسوم الجمركية على جميع المنتوجات المستوردة التي لها بديل فلسطيني بنسبة 35% لإعطاء أفضلية للمنتج المحلي، مثل الملابس والألمينيوم والأحذية. كما يُفترض العمل وبشكل عاجل على تبني سياسات حمائية ضريبية، لدعم مجموعة من الصناعات (المعادن، والمنتوجات الغذائية، والملابس، والأثاث)، والتي تشكل أكثر من 70% من الصادرات، و9% من الناتج المحلي، ذلك بأنها تعاني من المنافسات غير العادلة،[25] بسبب وجود المنتوجات المستوردة أو الإسرائيلية في السوق الفلسطينية. ولدعم المنتج المحلي يجب اتخاذ الإجراءات الكفيلة لمنع إدخال البضائع الإسرائيلية، وفرض العقوبات على التجار المستوردين للمنتوجات الإسرائيلية التي لها بدائل محلية، من خلال تطبيق قرار بقانون رقم 4 لسنة 2010 بشأن حظر ومكافحة منتوجات المستوطنات.

خاتمة: الاقتصاد المقاوم كنموذج

قد تشكل الحالة الفلسطينية اليوم فرصة لدعم المبادرات الشعبية لتأسيس التعاونيات الزراعية والاستهلاكية، وبالتالي ضرورة العمل على مواءمة القوانين الناظمة لتشكيل التعاونيات بما يتماشى مع الحاجات الفعلية للتعاونيات، بعيداً عن البيروقراطية المتبعة، التي تعيق نجاح مثل هذه المبادرات. كما هناك حاجة إلى دعم الإنتاج الزراعي، من خلال تخصيص الموازنات اللازمة لدعم القطاع الزراعي، ودعم المشاريع الزراعية، واستغلال الأراضي الزراعية غير المستغلة، والتي تشكل 60% من الأراضي الزراعية،[26] والمساهمة في دعم مدخلات الإنتاج الزراعي، والتي تحول دون الاستغلال الأمثل للأراضي، وتقديم التدريبات اللازمة لتبني طرق الزراعة الحديثة المبنية على الاستغلال الأمثل لمدخلات الإنتاج بما يشمل المياه، مثل أحواض الزراعة الذاتية الري،[27] والأراضي، وغيرها.

وفي المجمل، إن الجدوى من مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية لا يمكن أن تحقق نتائجها المرجوة على الاقتصاد الفلسطيني إن لم تكن جزءاً من حالة كاملة ووعي شمولي للمضي نحو إنشاء اقتصاد مقاوم مبني على الإنتاج المحلي، ويشجع الإنتاج الزراعي، ويسعى لتحقيق السيادة على الغذاء، ويحظر إدخال المنتوجات الإسرائيلية، ويضع عقوبات اجتماعية رادعة لأي مورِّد للمنتوجات الإسرائيلية، ويفرض السياسات والإجراءات الكفيلة لتشجيع الاستثمارات الوطنية وتشغيل العمال الفلسطينيين.

 

[1] Mohamed Buheji and Dunya Ahmed, “Keeping the Boycott Momentum- from ‘WAR on GAZA’ Till ‘Free-Palestine’”, International Journal of Management (IJM), vol. 14, no. 7, pp. 205-229 (2023).

[2]Tarik Dana, “Localising the Economy as a Resistance Response: A Contribution to the ʿResistance Economyʾ Debate in the Occupied Palestinian Territories”, Journal of Peacebuilding & Development, vol. 15, issue 2, pp. 192-204 (2020).

[3] عمر سعد الدين، "نقاش بشأن النشوء الفلسطيني لحركة مقاطعة إسرائيل (BDS)"، مدونة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2016.

[4] ليلى فرسخ، "العمالة الفلسطينية في إسرائيل ومشروع الدولة الفلسطينية 1967-2007" (مواطن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2010).

[5] اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة BNC | حركة المقاطعة (bdsmovement.net)

[6] فتحي نمر، "السيادة الغذائية في اقتصاد فلسطيني مقاوم"، شبكة السياسات الفلسطينية، 2024.

[7] تشكل النشاطات الخدماتية: وتشمل التجارة، والمطاعم، ولفنادق والترفيه، والتعليم والصحة وكل النشاطات الخدماتية، والمالية... نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين أن الصناعة والزراعة والصناعات التحويلية تشكل نحو 20-25%.

[8] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، "النتائج الأولية للصادرات والواردات السلعية الفلسطينية* المرصودة حسب الشهر والربع والبلد للعامين 2022 و2023".

[9] Israel (ISR) Exports, Imports, and Trade Partners | The Observatory of Economic Complexity (oec.world)

[10] "ما فائدة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية؟"، "الجزيرة نت"، 10/12/2023.

[11] Samia Botmeh and Omar Barghouti, “Impact of the BDS movement on Israel: the economic dimension”, Palestine Economic Policy Research Institute, 2014.

[12] Mohamed Buheji and Dunya Ahmed, op.cit.

[13] طارق حمود، "الطوفان يقتصّ من ماكدونالدز وأخواتها: هل تستمر المقاطعة؟"، "متراس"، 9/1/2024.

[14]BDS impacts in times of genocide”, BDS, 9/7/2024.

[15]Colombia bans coal exports to Israel”, Middle East Monitor, 19/8/2024.

[16] "سياسات إحلال الواردات لأهم السلع المستوردة"، ماس، 2024.

[17] "حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد لوطن: على الشركات الوطنية الحفاظ على جودة منتجاتها للاستفادة من اتساع مقاطعة المنتجات الإسرائيلية"، "وكالة وطن للأنباء "، 4/7/2024.

[18] عاطف دغلس، "في ظل مقاطعة بضائع الاحتلال وداعميه.. المنتج الوطني خيار الفلسطينيين الأول"، "الجزيرة نت"، 26/2/2024.

[19] "فقهاء: ارتفاع أرباح "دواجن فلسطين" بسبب انخفاض الكميات المعروضة في السوق"، "بوابة اقتصاد فلسطين"، 12/8/2024.

[20] مقابلة هاتفية مع وجدي النتشة، مدير المبيعات والتسويق، أجريت بتاريخ 26/8/2024.

[21] وزارة الاقتصاد الوطني، "72% من المضبوطات في السوق منتجات إسرائيلية"، 8/8/2024.

[22] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، "التقرير الصحفي للتقديرات الأولية للحسابات القومية الربعية (الربع الأول 2024)"، حزيران/ يونيو 2024.

[23] Tarik Dana, op.cit.

[24] Ibid.

[25] مسيف جميل وعصمت قزمار وإسلام، "الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي: المفاهيم النظرية والإمكانيات العملية"، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني- ماس، 2020.

[26] المصدر نفسه.

[27]فتحي نمر، فتحي، مصدر سبق ذكره.

1
عن المؤلف: 

لميس فرّاج: باحثة في السياسات الاقتصادية والتنموية.