فلسطين في وجدان سليم الحص
التاريخ: 
27/08/2024

"إن فلسطين هي القضية الساكنة في القلب والوجدان، لأنها بوصلة الأحرار في العالم."

بهذه الكلمات عبّر الراحل دولة الرئيس الدكتور سليم الحص، عمّا يكّنه لفلسطين كقضية إنسانية وأخلاقية وقومية ووطنية، وذلك في تصريح بتاريخ 29 كانون الثاني/ يناير 2022، تعقيباً على "صفقة القرن".

فلطالما كانت فلسطين بوصلة القومية العربية والوطنية والإنسانية والأخلاقية بالنسبة إلى الراحل، وما لا يتسق مع عدالة وأخلاقية القضية الفلسطينية، كان بالنسبة إليه، انحرافاً عن العدالة والأخلاق.

يقول الحص في هذا التصريح: "انطلاقاً من واجبي القومي وبضمير عروبي خالص أتوجه للإخوة الفلسطينيين لأقول: إن فلسطين هي القضية الساكنة في القلب والوجدان، لأنها بوصلة الأحرار في العالم. فلسطين تتكالب عليها قوى الشر والظلم بتواطؤ فاضح من بعض الدول العربية، تارة عبر مبادرات أثبتت عقمها، أو الشروع بمفاوضات مع العدو المحتل لم تؤت أكلها، أو عبر صفقة القرن التي أقل ما يقال فيها إنها 'اغتصاب القرن' وكل ذلك بهدف إنهاء القضية والحقوق الفلسطيني."

ويضيف: "من تخلى عن فلسطين تخلى الله عنه وهزمه. ومن أعز فلسطين أعزه الله ونصره. وإنني على ثقة أن فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر ستبقى في ضمائرنا وفي وجداننا عربيه الهوية حرة عزيزة مهما طال الزمن."

وقبل "صفقة ترامب" بزمن بعيد، كان للراحل الحص الموقف نفسه؛ ففي مقالة عن مؤتمر مدريد نشرت في "مجلة الدراسات الفلسطينية" (العدد 7 - صيف 1991)، لخص موقف لبنان إزاء المؤتمر بقوله: "فإن دخلت سائر تلك الدول [أي الدول العربية] في محادثات مع إسرائيل وجب على لبنان المشاركة فيها، وإن لم تفعل فالمسألة لن تكون مطروحة، ولن يكون دخول لبنان في محادثات مع إسرائيل وارداً."

ويتساءل الحص، في مقالته، عن الحكمة في خوض سلام مع إسرائيل التوسعية، والتي بنت استراتيجيتها على التوسع، إذ "إن الزعماء الصهيونيين، الذين يحكمون الدولة العبرية، لم يتخلوا عن مشروع إسرائيل الكبرى (Eretz Israel)، ولم تبدر أية مؤشرات جدية على استعداد لدى هؤلاء للتخلي عن هذا المشروع. فكيف يكون سلام مع كيان سياستُه توسعية على حساب الدول المحيطة به؟ وتتجلى هذه السياسة في إصرار إسرائيل على ضم الأراضي التي احتلتها خلال حروبها مع العرب، كما تتجلى في مشاريع الاستيطان التي تقيمها في الأراضي العربية المحتلة."

ليخرج في استخلاص هو أن "سلام المنطقة لا يستقيم من غير حل عادل ودائم لقضية فلسطين، التي طبّق العرب الآفاق بالقول عنها أنها جوهر القضية العربية."

ولمّا قرر الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للانتخابات الرئاسية الحالية، دونالد ترامب، نقل السفارة الأميركية إلى القدس، كان للحص موقف واضح، في رسالة إلى الشعب الفلسطيني ("الميادين نت"، 24 شباط/ فبراير 2018)، بدأها قائلاً إن "قوى الشر تتكالب على فلسطين بتواطؤ من بعض الدول العربية"، مشدداً على أن "القدس تمثّل نبض القضية ويجب أن تكون الهدف الجامع لكل الفلسطينيين والعرب الخُلّص للدفاع عنها"، داعياً إلى "الانتفاضة نصرة للقدس ومقاومة الاحتلال."

وأكد الراحل أن "لا أمل من مبادرات ولا من مفاوضات مع محتل لأرض فلسطين، مزور للتاريخ، ساعٍ إلى تهويد القدس"، مشدداً على أن "القدس تمثل نبض القضية ويجب أن تكون الهدف الجامع لكل الفلسطينيين والعرب الخُلّص للدفاع عنها".

وكان الرئيس الحص، من أشد المناهضين للتطبيع مع إسرائيل؛ ففي تصريح نشرته "حملة مقاطعة داعمي 'إسرائيل' – لبنان"، في 16 آب/ أغسطس 2020، شدد على أن التطبيع "أمر بالغ الخطورة لأنه يمهّد الطريق أمام تطبيع عربي واسع مع الكيان الصهيوني بحجة الإقدام على سلام الشجعان. إننا نرى الكيان الإسرائيلي الغاصب ماضياً في استدراج المتخاذلين من العرب فراداً إلى اتفاقات أحادية مجانية ".

وأضاف "أنا شخصياً أحمد الله أن بلدي لبنان الذي وُصف بالضعيف تراه اليوم البلد العربي القوي الذي لم يعقد صلحاً مع العدو والذي لم يرفع يوماً علم إسرائيل على أرضه والذي رفض كل أشكال التطبيع وأنا اعتز بذلك."

وختم "نقول: مهما تخاذل العرب ومهما ظلموا فلسطين فإن فلسطين بوحدة شعبها ودعم ما تبقى من الأشراف في عالمنا العربي ستنتفض رفضاً لظلم ذوي القربى وإحقاقاً للحق وستبقى فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر وعاصمتها القدس الشريف عربية الهوية والبوصلة للقضية العربية المركزية، ولا سلام دون ذلك."

ولم يكن دولة الرئيس الراحل سليم الحص يوماً من أولئك الذين يعلنون تضامنهم مع فلسطين بينما يقفون في التفاصيل ضد الفلسطينيين، وخصوصاً حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؛ ففي "إثر توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993، أثار القرار الليبي بطرد الفلسطينيين المقيمين هناك في عام 1995 مخاوف السلطات اللبنانية من قدوم أعداد كبيرة منهم إلى لبنان تمهيداً للتوطين، فأصدرت حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري في 22 أيلول/ سبتمبر 1995 المرسوم رقم 478 الذي قيّد حرية تنقل اللاجئين ومنع مغادرتهم لبنان أو العودة إليه إلاّ بموجب تأشيرة خروج وعودة تصدرها مديرية الأمن العام بموجب رسوم محددة ولمدة شهر أو ثلاثة أشهر أو ستة أشهر. لكن المرسوم أُلغي في ظل حكومة الرئيس سليم الحص بتاريخ 1999/1/11." (بيان عن لقاء وفد من منظمة ثابت لحق العودة مع الرئيس الحص في 14 تموز/ يوليو 2010)

أمّا في القضايا اللبنانية الداخلية، فعُرف الرئيس الحص بموقفه الحازم ضد الفساد والفاسدين، وكان وطنياً رافضاً للطائفية السياسية، حتى التصقت به صفة "ضمير لبنان"، بل إن مجمل مواقفه القومية وإزاء القضية الفلسطينية خصوصاً، تجعل من صفاته "ضمير الأمة" و"ضمير فلسطين".

شغل الرئيس الحص منصب رئاسة الحكومة في لبنان خمس مرات؛ مرتان في عهد الرئيس الياس سركيس، ومرة في عهد الرئيس أمين الجميل، ومرة في عهد الرئيس الياس الهراوي، ومرة في عهد الرئيس إميل لحود.

وتولى خلال مسيرته الرسمية خمس حقائب وزارية في الفترة 1976 - 2000 هي: الخارجية والمغتربين؛ الصناعة والنفط؛ الإعلام والاقتصاد والتجارة؛ التربية الوطنية والفنون الجميلة؛ العمل.

انتُخب الراحل عضواً في مجلس النواب لدورتين متتاليتين وقام بدور مهم في إقرار اتفاق الطائف.

كما شغل عدة مناصب، أبرزها: عضو عمدة دار الأيتام الإسلامية، وعضو مجلس أمناء صندوق العون القانوني للفلسطينيين 2003، وأمين عام منبر الوحدة الوطنية 2005، ورئيس مجلس أمناء المنظمة العربية لمكافحة الفساد 2005، وعضو مجلس أمناء المؤسسة العربية الديمقراطية 2007، وعضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وعضو مجلس أمناء جامعة المنار في طرابلس.

للراحل 19 مؤلفاً أبرزها: "سلاح الموقف" (بيروت، 2006)؛ "تعالوا إلى كلمة سواء" (بيروت، 2005)؛ "محطات وطنية وقومية" (بيروت، 2002)؛ "للحقيقة والتاريخ" (بيروت، 2000)؛ "لبنان على المفترق" (بيروت، 1983).