التعليم العالي في قطاع غزة: التحديات والآفاق المستقبلية في خضم حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر وما بعدها
سنة النشر: 
اللغة: 
عربي
إنكليزي
عدد الصفحات: 
13

نظرة عامة على التعليم في قطاع غزة

التعليم هو أحد العناصر الأساسية التي تمكّن الشعوب الخاضعة للاضطهاد تحت الاحتلال من البقاء. هكذا، وعلى مر السنين، مثَّل نظام التعليم لدى الفلسطينيين "سلاحاً ناعماً" للمقاومة والصمود تناقلوه جيلاً بعد جيل للدفاع عن هويتهم وتاريخهم وتراثهم ووجودهم على أرضهم.

منذ النكبة عام 1948، خاضت فلسطين نزاعات وحروباً مستمرة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي استولت في نهاية المطاف على أراضيها وقسمتها إلى مناطق تسيطر عليها في عام 1967، وهو العام المعروف باسم النكسة.[1] وفي عام 1993، في أعقاب اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، حصلت السلطة الوطنية الفلسطينية على صلاحيات محدودة لإدارة النظام التعليمي في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.[2] ولاحقاً، في عام 1994، تأسست وزارة التعليم العالي الفلسطينية، ووضعت المناهج الدراسية للطلاب الفلسطينيين، بالإضافة إلى إنشاء معاهد تدريب المعلمين وبناء العديد من المدارس. خلال الفترة من سنة 1994 إلى سنة 1999، شهد التعليم في فلسطين استقراراً نسبياً حتى اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 1999/2000. وبعد فوز "حماس" في الانتخابات التي نُظمت على أساس ديمقراطي في عام 2006 وسيطرتها على قطاع غزة، عانى القطاع من ظروف قاسية، ونزاعات مستمرة، وعدم استقرار سياسي ناجم عن العزلة الدولية والحصار الإسرائيلي.[3] وخلال هذه الفترة المضطربة، شهد سكان غزة أربع حروب - في 2008-2009، و2012، و2014، و2021 - قبل اندلاع حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وعلى الرغم من أن القطاع عانى من حروب مدمرة سابقة، فإن شراسة القتل وضخامة الدمار التي شهدها منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر لم يسبق لها مثيل. ومن ثم، صُنفت هذه الحرب بين الأكثر شراسة في العالم من حيث مستوى العنف والخطر الذي يواجهه المدنيون.[4]

كان لهذه التحديات المدمرة شديد الأثر على النظام التعليمي في غزة، وخصوصاً التعليم العالي. وترمي هذه المقالة إلى استكشاف التحديات التي تواجه التعليم العالي في قطاع غزة خلال الحرب الجارية وعرض الفرص المحتملة لإعادة بناء التعليم العالي والنهوض به في سيناريو ما بعد الحرب.

التعليم العالي في غزة في خضم حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر

كان التعليم العالي في غزة مدعوماً بشبكة من الجامعات والكليات والمؤسسات المهنية التي سعت جاهدة لتوفير تعليم جيد على الرغم من ضخامة التحديات. قبل حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر، واجهت هذه المؤسسات عقبات كبيرة، بما في ذلك محدودية مواردها والأضرار التي لحقت ببنيتها التحتية ومرافقها، والانقطاعات المتكررة عن التعليم. وعلى الرغم من التأثير العميق لسلسلة الحروب التي شهدها القطاع منذ عام 2008، فقد أظهرت أبرز المؤسسات التعليمية، مثل الجامعة الإسلامية في غزة، وجامعة الأزهر، وجامعة القدس المفتوحة، وكلية فلسطين التقنية، وجامعة الإسراء، وجامعة العلوم التطبيقية، وجامعة فلسطين، وغيرها، قدرة ملحوظة على الصمود والاستمرارية.[5]

وجراء اندلاع حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تعرضت مؤسسات التعليم العالي في غزة للهجمات والقصف الشديد والتفجير، كجزء من جهد متعمد ومنظم لتدمير قطاع التعليم. وتفيد وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية بأن 11 مبنى من أصل 19 مبنى للتعليم العالي في غزة تضررت على نحو كامل أو جزئي. ونتيجة لذلك، تعطلت العملية التعليمية في معظم هذه المؤسسات، وهو ما أدى إلى حرمان ما يقرب من 88,000 طالب من التعليم.[6] وبرر الاحتلال الإسرائيلي رسمياً استهداف هذه المؤسسات زاعماً أنها "حاضنات للإرهابيين". وهذا التبرير يعني أن التدمير المنظم كان يهدف إلى تفكيك نظام التعليم العالي في غزة، بما في ذلك تدمير البنية التحتية التعليمية وقتل المئات من الأكاديميين والموظفين الإداريين والطلاب الجامعيين.[7]

التحديات التي تواجه التعليم العالي في غزة اليوم

ألحقت الحروب المستمرة والإبادة الجماعية المستمرة والحصار المستمر منذ 17 عاماً أضراراً شديدة بقطاع التعليم العالي في غزة، ما أمعن في إضعافه في مواجهة العجز والتحديات الجمة. وسيُناقش عدد من هذه التحديات فيما يلي:

إبادة التعليم وإبادة المعرفة

انتهج الاحتلال الإسرائيلي أجندة ممنهجة لتفكيك قطاع التعليم في غزة منذ اندلاع حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وخصوصاً من خلال استهداف نظام التعليم العالي ومؤسساته والعاملين فيه. وقد فعل الاحتلال ذلك من خلال قصف المباني الجامعية، بالإضافة إلى قتل الباحثين في غزة وأساتذة الجامعات والأكاديميين وأعضاء هيئة التدريس والطلاب، أو اعتقالهم. وعلى المستوى الدولي، أعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم إزاء الهجمات التي تستهدف المدارس والجامعات في قطاع غزة، ووصفوها بأنها جزء من خطة منظمة لتدمير التعليم الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، في الطلب الذي قدمته جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية لوقف الحرب على غزة، تم تسليط الضوء على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي المنهجية المتمثلة في إبادة التعليم وإبادة المعرفة، وهما مصطلحان يشيران إلى تدمير التعليم والمعرفة والثقافة لدى الشعوب المضطَهدة والمستعمَرة.[8] وسلّط طلب جنوب أفريقيا الضوء على الضحايا والقتلى بين الأكاديميين والأساتذة والطلاب، فضلاً عن التدمير الواسع النطاق للمباني الجامعية وللبنية التحتية الجامعية التي قد يستغرق تعافيها عقوداً من الزمن. وقد وردت تفاصيل بعض هذه الممارسات المدمرة في الدعوى المرفوعة إلى محكمة العدل الدولية على النحو التالي:

قتلت إسرائيل أكاديميين فلسطينيين بارزين، بما في ذلك أستاذ الفيزياء المكرَّم بالعديد من الجوائز سفيان تايه الذي قُتل مع أفراد عائلته في غارة جوية، والذي كان رئيس الجامعة الإسلامية ويشغل كرسي اليونسكو لعلم الفلك والفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء في فلسطين، والدكتور أحمد حمدي أبو عبسة، عميد قسم هندسة البرمجيات في جامعة فلسطين الذي أوردت تقارير صحافية أنه قُتل برصاص الجنود الإسرائيليين خلال ابتعاده بعد إطلاق سراحه بعد ثلاثة أيام من الاختفاء القسري، والأستاذ محمد عيد شبير، أستاذ علم المناعة والفيروسات، والرئيس السابق للجامعة الإسلامية في غزة، والأستاذ رفعت العرير، الشاعر وأستاذ الأدب المقارن والكتابة الإبداعية في الجامعة الإسلامية في غزة، وكلاهما قُتل بضربة إسرائيلية مع أفراد أسرتيهما. وكان الأستاذ العرير أحد مؤسسي "نحن لسنا أرقاماً"، وهو مشروع شبابي فلسطيني يسعى إلى سرد القصص وراء الأخبار التي تتحدث عن الفلسطينيين – وعن الوفيات الفلسطينية – وكأنهم مجرد أرقام وليسوا أناساً لهم تجربة ودور في الحياة.[9]

أضرار البنية التحتية

ألحقت عمليات القصف المتكررة والعمليات العسكرية أضراراً هائلة ومؤلمة بالمرافق التعليمية في غزة، وتركت آثاراً مدمرة وطويلة الأمد على التعليم العالي. وكما ورد سابقاً، دمرت إسرائيل 11 مبنى ومؤسسة للتعليم العالي من أصل 19 مبنى ومؤسسة في غزة تماماً أو جزئياً. وهي أفعال تُعد وفقاً للمادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة حرب:

إن شن هجمات متعمدة على المباني المخصصة لأغراض تعليمية أو فنية أو علمية أو خيرية أو المعالم التاريخية أو المستشفيات والأماكن التي يتجمع فيها المرضى والجرحى يُعد جريمة حرب.[10]

,ورد في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية ما يلي:

استهدفت إسرائيل أربع جامعات في غزة - بما في ذلك الجامعة الإسلامية في غزة، وهي أقدم مؤسسة للتعليم العالي في القطاع أعدَّت أجيالاً من الأطباء والمهندسين وغيرهم - ودمرت الحرم الجامعي المخصص لتعليم الأجيال المقبلة من الفلسطينيين في غزة.

ومن الجدير بالذكر أن مثل هذا الدمار قد يتطلب إصلاحه عشرات السنين، وخصوصاً أن مؤسسات التعليم العالي في غزة كانت تعاني بالفعل من نقص في المواد التعليمية والتكنولوجيا ومعدات المختبرات وغيرها من المرافق الأساسية اللازمة لتوفير التعليم العالي الجيد.

التأثير النفسي

في ظل الصراع المستمر وسلسلة الحروب التي شهدها سكان غزة منذ عام 2008، إلى جانب الحصار الذي يرزحون تحته منذ 17 عاماً، يعيش هؤلاء السكان حياة مرهِقة ومحبِطة تؤدي إلى صدمة نفسية كبيرة تؤثر في رفاهيتهم واستقرارهم. فقد خلصت دراسة أجراها رضوان وآخرون في عام 2022 إلى أن الحروب المستمرة وحصار غزة (2008، 2012، 2014، 2021)، إلى جانب انتشار كوفيد-19 تسببت في صدمات واضطرابات نفسية بين طلاب الجامعات في غزة، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وهو اضطراب شائع بين الناجين من الحرب. وكشفت هذه الدراسة أن 4.3 في المئة فقط من طلاب الجامعات الذين شملهم الاستطلاع لم تظهر عليهم أي من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، بينما ظهرت الأعراض شديدة لدى 88.7% منهم.[11]

خلال الحرب الحالية، تفاقم الوضع بعد أن فقد مئات الآلاف من طلاب الجامعات أفراداً من عائلاتهم، وطُلب منهم إخلاء منازلهم وتعرضوا للتهجير بالإضافة إلى تضورهم جوعاً وعطشاً والنقص في الاحتياجات اليومية الأساسية. إن العيش في هذه الظروف القاسية وتجربة حرب الإبادة الجماعية التي يشهدونها، يعرِّض الطلاب وأعضاء هيئة التدريس للإصابة باضطرابات نفسية شديدة تؤثر سلباً في سلامتهم العقلية وتضعف قدرتهم على التدريس أو التعلم على نحو فعال.

تنقل الموظفين والطلاب

وفي ظل الحصار المفروض على غزة، فرض الاحتلال الإسرائيلي قيوداً صارمة على الأكاديميين والطلاب الغزيين الراغبين في مواصلة التعليم أو التطوير المهني في الخارج، ما قلص فرصهم إلى حد كبير. وخلال الحرب الحالية المستمرة، صار تنقل موظفي الجامعات والطلاب مستحيلاً بسبب إغلاق المعابر أو القيود الصارمة المفروضة عليها، وخصوصاً معبر رفح، وهو البوابة الوحيدة التي تربط سكان غزة بمصر وبقية العالم من دون المرور عبر إسرائيل.[12] بالإضافة إلى ذلك، صارت رسوم التصاريح والسفر باهظة جداً لتبلغ آلاف الدولارات، ما حرم العديد من الطلاب والموظفين الأكاديميين في مؤسسات التعليم العالي في غزة من فرصة السفر إلى الخارج.

المعضلات المالية

يعيش سكان غزة في ظل حصار طويل الأمد أدى إلى تآكل القدرات المالية للأسر الغزية وزيادة معدل البطالة. والموارد المالية الرئيسية لمؤسسات التعليم العالي هي رسوم الدراسة التي يدفعها الطلاب والمخصصات السنوية التي تحصل عليها من وزارة التعليم العالي. خلال حرب الإبادة الجماعية الدائرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تأثرت هذه الموارد المالية بشكل مباشر حين لم يعد في إمكان الطلاب تحمل رسوم الدراسة، ما جعل الجامعات عاجزة عن دفع رواتب الأساتذة والموظفين، وتسبب بعجز كبير في هذا القطاع.

طلاب المدارس الثانوية وامتحانات التوجيهي

يعتمد التعليم العالي إلى حد كبير على المراحل التعليمية السابقة، وخصوصاً التعليم الثانوي. وبسبب الحرب المستمرة على غزة، حُرم 39000 طالب من التعليم جراء تدمير المدارس والبنى التحتية التعليمية الأُخرى، وفقاً لوزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية (2024).[13] وبالتالي، تأثرت مؤسسات التعليم العالي بشكل كبير بفقدان دفعة الطلاب الجدد الذين كان يُفترض أن يلتحقوا بالكليات والجامعات هذا العام. وسوف يستمر هذا التأثير السلبي أربع سنوات على الأقل جراء افتقار مؤسسات التعليم العالي إلى دفعة طلاب 2024.

سيناريوهات مستقبل التعليم العالي ما بعد الحرب في غزة

إن تصور مستقبل التعليم العالي في غزة بعد الحرب يتضمن ضمان توفير احتياجات التعافي الفورية وبناء نظام تعليمي مستدام وقادر على الصمود. وفيما يلي بعض التدابير والخطوات المقترحة:

إعادة بناء البنية التحتية على أساس مستدام

ينبغي، كخطوة أولية لإصلاح التعليم العالي في غزة، إعطاء الأولوية لإعادة بناء المرافق المتضررة وتطوير بنية تحتية جديدة ومرنة ومستدامة قادرة على تحمل الأزمات في المستقبل.[14] وينبغي أن يتضمن ذلك اعتماد تصاميم معمارية حديثة تدمج المتانة المادية والقدرة على دعم التقنيات التعليمية المتقدمة. وخلال فترة إعادة الإعمار، يمكن لطلاب الجامعات مواصلة تعليمهم في مبان محلية موقتة بناءً على أماكن إقامتهم لمواصلة التعليم مع تقليل الانقطاع إلى أقصى حد، إلى أن تُرمم مؤسسات ومرافق التعليم العالي في غزة بالكامل؛ حينها سيكون الطلاب قادرين على الالتحاق بالجامعات.

تعزيز النظام التعليمي على المستويات كافة

إن تحسين نظام التعليم في كل المراحل ـ ما قبل المدرسة، والابتدائية، والثانوية ـ لا بد وأن يشكل أولوية عاجلة. إن تعزيز هذه المستويات الأساسية أمر بالغ الأهمية لإعداد الطلاب لإكمال الدراسة الثانوية ومواصلة التعليم العالي بنجاح.[15] وتتضمن هذه الخطوة ضمان تحديث المناهج التعليمية لتلبية المعايير العالمية الحالية من خلال توفير التدريب الكافي للمعلمين ودمج التكنولوجيا في عملية التعلم منذ سن مبكرة.

اعتماد نماذج تعليمية رائدة

في فترة ما بعد الحرب، سيكون تصميم نماذج تعليمية توفر تعليماً عالياً مرناً وفي متناول الطلاب في غزة مسألة حيوية. يجب أن تتبنى هذه النماذج التكنولوجيا وتجمع بين التعلم عبر الإنترنت والتعلم المُدمج (عن بعد وحضورياً) لتوفير مجموعة واسعة من الفرص التعليمية حتى في أوقات الأزمات. ويتطلب تطوير هذه النماذج التطوير المهني للموظفين الأكاديميين للتعامل مع أساليب التدريس والتكنولوجيات الجديدة بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، يجب التركيز على التدريب المهني الذي يتماشى مع الاحتياجات الاقتصادية المحلية وسوق العمل.

تشجيع برامج التوأمة

يمكن أن توفر برامج التوأمة التي تنطوي على شراكات بين المؤسسات التعليمية لتبادل المعرفة والموارد وأفضل الممارسات من خلال الجهود التعاونية،[16] الدعم لجامعات غزة وغيرها من مؤسسات التعليم العالي في مرحلة ما بعد الحرب بطرق متعددة. على سبيل المثال، من شأن هذه البرامج أن توفر فرصة لبناء القدرات وتبادل المعرفة وتقاسم الموارد والتبادل الثقافي والاستدامة.

إنشاء قاعدة بيانات افتراضية سحابية

نظراً إلى التهديد بفقدان البيانات في أثناء الحرب على غزة، من شأن إنشاء قاعدة بيانات افتراضية سحابية إتاحة تجميع السجلات الأساسية للجامعات، مثل المواد التعليمية والسجلات الأكاديمية للموظفين والطلاب وما إلى ذلك، في مركز واحد. يمكن لقاعدة البيانات الافتراضية السحابية تخزين هذه البيانات على نحو آمن وإتاحة الوصول إليها بسهولة. ومن ثم، يمكن للمؤسسات التعليمية أن تستمر في العمل حتى لو تضررت البنية التحتية المادية.[17]

توفير الدعم النفسي

يعد إنشاء أنظمة دعم نفسي صحية لكل من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس ضرورياً في فترة ما بعد الحرب لمعالجة الصدمات وتعزيز الصحة العقلية. كما أن من شأن تقديم خدمات الاستشارة ومجموعات دعم الأقران وبرامج المشاركة المجتمعية توفير الدعم الضروري لمساعدة الأفراد على التعامل مع بيئة ما بعد الحرب. بالإضافة إلى ذلك، يجب إعداد برامج دعم الصحة العقلية الشاملة المخصصة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس. ويمكن أن تشمل هذه المبادرات فحوصات منتظمة للصحة العقلية وورش عمل حول إدارة الإجهاد وإتاحة الاستفادة من خدمات الصحة العقلية المهنية.

تحقيق التضامن والتعاون على المستوى المحلي

تعزيز التضامن المحلي بين مؤسسات التعليم العالي في الضفة الغربية وتلك الموجودة في غزة أساسي لإنشاء شبكة تعليمية موحدة وقادرة على الصمود. إن مبادرات مثل برامج وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية لعام 2024، والتي تشمل "مبادرة إعادة بناء الأمل" التي تبنتها جامعة بيرزيت،[18] تشكل نموذجاً لشكل من أشكال التضامن بين الكليات والجامعات في الضفة الغربية وغزة من خلال التحفيز على إعداد برامج خاصة لطلاب غزة. ويمكن لهذه المبادرات أن تسمح للطلاب بمواصلة تعليمهم عبر الإنترنت، ودعم تقدمهم الأكاديمي.

تنظيم حملات دولية للدعم والتمويل

سيكون تنظيم حملات دولية لجمع الدعم لقطاع التعليم العالي في غزة ضرورياً في مرحلة ما بعد الحرب، إذ يمكن لهذه الحملات أن تزيد من الوعي بالتحديات التي يواجهها الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين يسعون للحصول على المساعدة المعنوية والمالية من المؤسسات العالمية. وبالتالي، فإن تأمين المساعدات الدولية لإعادة بناء البنية التحتية التعليمية وتوفير الموارد التعليمية الأساسية سيكون حجر الزاوية في عملية إعادة البناء. ويمكن للشراكات مع الجامعات الدولية ووكالات التنمية والجهات المانحة أن توفر التمويل والخبرة اللازمين لإعادة بناء نظام التعليم العالي في غزة ليكون أقوى من ذي قبل. ويمكن أن يمتد هذا الدعم أيضاً إلى تقديم المنح الدراسية وبرامج تبادل الموظفين والطلاب ومبادرات بناء القدرات التي تعود بالنفع على الطلاب والأكاديميين.

إصلاح السياسات

إن تعزيز الحوكمة الفعّالة وإصلاح السياسات مسألة بالغة الأهمية في فترة ما بعد الحرب لتعزيز قدرة نظام التعليم العالي في غزة على الصمود وتحسين جودته. وقد تتضمن هذه الإصلاحات مراجعة السياسات التعليمية لتشمل إدارة مخاطر الكوارث، وضمان استعداد المؤسسات بشكل أفضل للأزمات في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي للإصلاحات أن تركز على تعزيز الحرية الأكاديمية، وضمان التوزيع العادل للموارد، وتعزيز التعليم الشامل لجميع الطلاب بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو السياسية.[19]

تعزيز المشاركة المجتمعية

تعزيز الدعم المجتمعي ومشاركة المجتمع في الإصلاحات التعليمية أمر بالغ الأهمية لبناء بيئة أكاديمية داعمة في مرحلة ما بعد الحرب.[20] إن إشراك المجتمعات المحلية في عملية إعادة البناء والتنمية من شأنه أن يعزز الشعور بالحيازة والارتباط المجتمعي بالمؤسسات التعليمية والمسؤولية والالتزام تجاهها. ومن الممكن أن تكمل المبادرات المجتمعية الجهود التعليمية الرسمية وتساعد على سد الفجوات في الموارد والدعم.

الخلاصة

ما من شك في أن قطاع التعليم العالي في قطاع غزة يواجه تحديات هائلة بسبب الممارسات الوحشية المتعمدة والمنظمة التي تهدف إلى تدمير قطاع التعليم. ولكن التعليم في السياق الفلسطيني سيظل شكلاً من أشكال الصمود والمقاومة التي يعتز بها الفلسطينيون ويعتنقونها بصفتها تمنحهم الأمل في مستقبل أكثر إشراقاً. ولذلك، لا بد من تركيز الجهود المحلية والدولية على بذل كل ما هو ممكن ومتاح لوقف حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة. فضلاً عن ذلك، لا بد من اتخاذ تدابير وخطوات جادة، مثل توفير احتياجات التعافي الفورية، وتعزيز التعاون المحلي والدولي، واعتماد النماذج التعليمية الرائدة، لإعادة بناء قطاع التعليم بشكل عام ونظام التعليم العالي بشكل خاص وتحديثهما.

 

[1] Susan Nicolai, Fragmented Foundations: Education and Chronic Crisis in the Occupied Palestinian Territory (Paris and London: UNESCO International Institute for Educational Planning and Save the Children UK, 2007).

[2] Mahmoud Nofal, Fawaz Turki, Haidar Abdel Shafi, Inea Bushnaq, Yazid Sayigh, Shafiq al-Hout, Salma Khadra Jayyusi & Musa Budeiri, “Reflections on Al-Nakba”, Journal of Palestine Studies, vol. 28, no 1 (Autumn, 1998), pp. 5 - 35.

[3]War on Gaza: Twenty-first century’s deadliest 100 days?”, ESCWA, February 2024.

[4]WFP in Gaza: ‘We need a long ceasefire that leads to peace so we can operate’”, by OCHA, Relief Web, 8/8/2024.

[5] "مؤسسات التعليم العالي؛ الجامعات والكليات الفلسطينية"، رام الله: وزارة التربية والتعليم العالي، 2024.

[6] "’اتحاد مجالس البحث العلمي العربية‘ يدين عدوان الاحتلال واستهداف المؤسسات العلمية"، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، 22/12/2023.

[7] "مركز ’شمس‘ تدمير الاحتلال للمدارس والجامعات في قطاع غزة، سياسة تجهيل وتدمير للمسيرة التعليمية والثقافية الفلسطينية"، رام الله: مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية شمس، 7/11/2023.

[8] Boaventura De Sousa Santos, Epistemologies of the South: Justice against Epistemicide (London: Routledge, 2014).

[9]Application of the Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide in the Gaza Strip (South Africa v. Israel)”, ICJ, 28/12/2023.

[10]Rome Statute of the International Criminal Court”, Hague, Netherlands: International Criminal Court, 2021.

[11] Abdal-Karim Said Radwan, Maysoon Khalil Abu-El-Noor, Rania El-Kurdy, Yousef Aljeesh and Nasser Ibrahim Abu-El-Noor, “Post-traumatic Stress Disorder among Palestinian University Students following the May 2021 War”, Research Square, 30/3/2022.

[12]UNRWA Situation Report # 76 on the Situation in the Gaza Strip and the West Bank, including East Jerusalem”, UNRWA, 12/2/2024.

[13] Rami Samarah, “Gaza’s High School Students Deprived of Final Exams amid Ongoing Israeli Genocide”, Palestine News & Info. Agency WAFA, 22/6/2024.

[14] Aaron Opdyke and Amy Javernick-Will, “Resilient and Sustainable Infrastructure Systems: The Role of Coordination, Stakeholder Participation, and Training in Post-disaster Reconstruction”, ResearchGate, July 2014.

[15]Education for All” UN.

[16]Twinning Partnerships for Improvement: Building Quality Health Services for COVID-19 Recovery and Beyond: advocacy brief”, World Health Organization, 13/5/2024.

[17] Polyxeni Spanaki & Nicolas Sklavos, “Cloud Computing: Security Issues and Establishing a Virtual Cloud Environment via Vagrant to Secure Cloud Hosts”, Computer and Network Security Essentials (Berlin: Springer, 2018), pp. 539 – 553.

[18] Rebuilding HopeBirzeit University's initiative to support and resume higher education in Gaza.

[19] Nazmi Al Masri, “Inclusive Education in Occupied Palestinian Territories”, Disability Under Siege Network, Literature and Practice Review – March 2021.

[20]Community Engagement during Times of Crisis: COVID-19 and beyond”, The Policing Project at New York University School of Law, 20/5/2020.

1
عن المؤلف: 

رانيا قصراوي: أستاذة مساعدة في جامعة بيرزيت في فلسطين. حصلت على درجة دكتوراه في مناهج اللغة الإنكليزية وأساليب تدريسها كلغة أجنبية من جامعة اليرموك في الأردن. تشارك منذ عام 2017 في التدريس والبحث في جامعة بيرزيت، في قسم اللغات والترجمة في المقام الأول وفي كلية التربية. تركز اهتماماتها البحثية على استكشاف الأساليب والمناهج المبتكرة في تدريس اللغة، بالإضافة إلى دمج تدريس اللغة والتكنولوجيا، مع التركيز بشكل خاص على الافتراضات النفسية والعوامل العاطفية في تعلم اللغة واكتسابها.