ياسين، عبد القادر. "الحركة الوطنية الفلسطينية في القرن العشرين" (بالعربية)
النص الكامل: 

عبد القادر ياسين

الحركة الوطنية الفلسطينية في القرن العشرين

بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2022. 767 صفحة.

 

مع نهاية سنة 2022، ومع إتمامه عامه الخامس والثمانين من العمر، فاجأ المؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين، الجميع، بهذا الكتاب الذي حاول فيه أن يتوّج نتاجاته بإطار موسوعي جامع، والتي بلغت 32 كتاباً ركّز في معظمها، على النضال الفلسطيني والحزبي، قبل سنة 1948.

تناول الكتاب مواكبة دقيقة للشأن الفلسطيني، فيما يربو عن القرن الكامل، فضلاً عمّا عالجه الكاتب من تطور الحركة الوطنية الفلسطينية، في مختلف مفاصلها، منذ أن بدأ الاحتلال يغزو بلادنا، حتى نهايات القرن الماضي.

يُهدي المؤلف كتابه إلى روح المناضل الوطني الكبير حيدر عبد الشافي، الأمر الذي يحدد ياسين، بمقتضاه، المنهج الذي سيعتمده، وخطه السياسي الذي لم يعتدْ أن يخفيه.

لم يتميز الكتاب بالمرحلة التي غطّاها فحسب، مع أهميتها وفرادة شمولها بين المراجع الفلسطينية التي لم يغطِّ معظمها، فيما أعلم، هذه المرحلة، بل تفوق فيه ياسين على نفسه، وثبّت فيه المنهجية والمجال الذي سيعالج فيه مجريات الأحداث فقال: "... حين يستسلم بعضنا لمقولة إن المنتصرين هم مَن يكتبون التاريخ. بينما الأجدى والأولى بالمهزوم أن يلوذ بتاريخه، بحثاً عن نقاط ضعفه فيعالجها؛ ونقاط قوته فيُثمِّرها؛ ونقاط قوة عدوه فيعمل على تحييدها؛ أمّا نقاط ضعف العدو، فيتم التركيز عليها، والعمل على اختراقها. ولنلتقط الإجابات الموضوعية الشافية عن أسباب تلك الهزائم التي حاقت بنا، في توالٍ عجيب، من دون أن نلوذ بالخرافات، حتى نُخرس كل مَن يحاول التفتيش عن جذور أسباب هزائمنا المتلاحقة" (ص 23 - 24).

أمّا عن مبررات تركيزه على التاريخ الفلسطيني، وهو أحد القابضين على جمر المقاومة في زمن التخاذل، فقد قال الباحث: "لقد خَلت الأسواق من كُتب التاريخ السياسي الفلسطيني التي كفّت عن الصدور، منذ نحو خمسة عقود، ما يعني أن الأجيال الجديدة لن تجد ما تقرأه من تاريخها الوطني. فمَن هو المسؤول عن غياب تلك الكتب؟" (ص24).

يبدأ الباحث جولته من بضعة عقود سبقت الاحتلال البريطاني لفلسطين، إلّا إن خوضه ذاك لم يتجاوز كونه تمهيداً منهجياً للبحث، في الوقت الذي يمنح تركيزاً أكثر على زمن الاحتلال البريطاني، فيوضح: "لقد كان طبيعياً أن تهتم السياسة الخارجية البريطانية بالمشرق العربي، طريق بريطانيا التجارية إلى الهند، خصوصاً بعد تهديد هذه الطريق من قوى أوروبية ومحلية [....] وكان 'صندوق اسكتشاف فلسطين' أحد تجليات ذاك التوجُّه [احتلال فلسطين]. ولعل من السذاجة تصديق أن مهمة هذا الصندوق كانت دينية؛ فمعظم أفراد البعثات كان من وزارة الحربية البريطانية، ومن سلاح الهندسة الملكية، تحديداً"  (ص 34).

يغطي الباحث، في القسم الأول، من كتابه، بفصوله الثلاثة، مرحلة "الاحتلال البريطاني 1918 - 1948"، فيضيء على الممارسات البريطانية، دعماً وتثبيتاً لليهود، وملاحقة وتقييداً للعرب. فضلاً عمّا قابله ذلك من تقاعس أو تبرير من طرف النظام الرسمي العربي، الضعيف والطامع في دعم بريطانيا وتمكينها له.

كما تناول هذا الفصل البُنية الفلسطينية السياسية والتنظيمية الهشة، في هذه المرحلة، علاوة على ما فصّله الباحث، بكثير من الدقة والبيانات والتحليل، عن الحراك الوطني الشعبي الفلسطيني والثورات المتعددة، وانعكاسات التطورات العالمية، كالحرب العالمية الثانية، على القضية الفلسطينية وتطورها، وصولاً إلى قرار التقسيم، فالنكبة.

أمّا القسم الثاني، فغطّى في ثلاثة فصول، المرحلة ما بين "النكبة" و"النكسة"، والذي ركّز فيه ياسين على: "استمرار الشعب الفلسطيني في مقاتلة الصهيونيين، وذلك بقوة القضية الوطنية، على الرغم من افتقاد شروط الصمود" (ص 25).

وقد توقف فيه الباحث عند انطلاق عدد الفصائل الفلسطينية المسلحة، ودقّق في انطلاقة منظمة التحرير الفلسطينية، وما رافق ذلك من إرهاصات وإشكالات وأحداث.

أمّا القسم الثالث فتناول في فصلين، التطورات داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وفصائل المقاومة، وعملها العسكري عامة، وعمليات خطف الطائرات والعمليات الخارجية خاصة، مروراً بالقرار 242، وحرق المسجد الأقصى، انتهاء بحرب تشرين الأول / أكتوبر 1973.

ولم يَفُت الباحث التركيز على خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن، مبّيناً بإسهاب أحداثه وأسبابه، ومضيئاً على التفاعلات العربية، وتفاعلات وواقع "داخل فلسطين" عقب هزيمة 1967، وعقب خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن.

كما تناول القسم الثالث، حمّى الانشقاقات التي ضربت عدداً من الفصائل الفلسطينية، وصولاً إلى "الانتفاضة المغدورة وتداعياتها".

عالج القسم الرابع التطورات خارج فلسطين، متتبّعاً إرهاصات التسوية، واتفاقية كامب ديفيد، واجتياح لبنان، وما رافق ذلك من بيانات وأحداث.

وتناول القسمان الخامس والسادس، "انتفاضة الحجارة في سنة 1987"، ومحاولات مقايضتها سياسياً، وإضاعة إنجازاتها، فضلاً عن التطورات السياسية داخل صفوف فلسطينيي 1948.

وتطرّق القسم السابع إلى أوسلو وتداعياته ]1993 – 2000[، بجولة واسعة لما سبق الاتفاق، والتدخلات العربية والدولية، والواقع الفلسطيني حتى نهاية القرن الماضي، وذلك بعد سبعة أعوام من عمر الاتفاق الذي أغفل كلياً مصير الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ سنة 1948.

عرض الباحث موضوعاته بدقة ومهنية، وهو الذي قضى في عالم الكتابة والتأليف أكثر من ستة عقود، وقام بالتحليل والتركيب، وجال في الحدث الفلسطيني وما يؤثّر فيه عربياً وعالمياً. كما لم يَفُته الفصل بين الصهيونية والمسألة اليهودية، وأورد ما يقدّم لموضوعه على لسان تيودور هيرتسل الذي يقول: "إن أعداء اليهود هم الذين جعلوا منهم شعباً واحداً" (ص 39)، وتناول مأسسة العمل اليهودي- الصهيوني.

ويقع التصنيف الذي ألزم ياسين نفسه به في سياق لم يذكره صراحة، وهو أنه يقوم بتصنيف كتاب منهجي يمكنني القول إنه يصلح كي يكون مدرسياً، بمعنى أن يُدرّس للأجيال المقبلة، الأمر الذي نجح فيه المؤلف نجاحاً كبيراً. فأي قارىء، حتى لو لم يكن فلسطينياً، سيشكّل بعد انتهائه من قراءة هذا الثبت التاريخي تصوراً شاملاً وتفصيلياً للقضية الفلسطينية، في قرن أو يزيد، من مصدر موثوق به واعتمد في هوامشه على أهم المراجع والدوريات العربية والعبرية وكذلك الفلسطينية، فضلاً عن استخدامه المراجع الفلسطينية الرئيسية.

وبالتالي، جمع ياسين معلوماته وقاطعها من عدة مصادر، ومرجعيات مختلفة ومتناقضة، سياسياً أحياناً، ليخرج بنتاج مميز وشامل، موضوعي ودقيق، يرقى لأن يكون موسوعياً أو يكاد، وهو ما يجعل من اقتناء هذا الكتاب، في كل بيت فلسطيني وعربي، ضرورة وطنية وأكاديمية ونضالية.

وربما يليق بهذا الكتاب عنوان أدبي هو "حصاد الشوك"، بسبب رصد الكاتب للمؤامرات والإساءات والآلام والتقصير التي تعرّض لها شعبنا الفلسطيني، والتي حرص ياسين على تصويرها بدقّة موجعة، في أغلب الأحيان. فالهزائم التي تعرّض لها شعبنا الفلسطيني، ليست إلّا نتاج تقصير قيادته ومحيطه في حقّه. أمّا عدوه وحليف عدوه فيذكّرني بقول الشاعر:

لا يُلام الذئبُ في عدوانه

إن يكُ الراعي عدو الغنمِ

السيرة الشخصية: 

نور حسن عاشور: كاتبة فلسطينية مقيمة في السويد.