يهدف هذا البحث إلى مقاربة حكاية الشاطر حسن في ضوء مقولات جماعة التحليل النقدي للخطاب (critical discourse analysis)، وتكمن إشكاليته الأساسية في ملاحقة أشكال سوء استخدام السلطة وفرض الهيمنة الاجتماعية التي يكرسها خطاب هذه الحكاية. ومن أجل تحقيق مقاربة منظمة لهذه الإشكالية، يعرض المحور الأول، وهو محور نظري، انشغالات مناهج دراسة الفولكلور / الأدب الشعبي بشكل مختزل وتمهيدي، ثم يتوسع في الحديث عن مقولات جماعة التحليل النقدي للخطاب، ويتوقف أولاً، عند تعريف "الخطاب"، ويحدد ثانياً، المقصود بصفة "النقدي"، ويبسط ثالثاً، نموذج نورمان فيركليف (Norman Fairclough) التحليلي ثلاثي الأبعاد الذي سيُعتمد، في إطاره العام، لقراءة الحكاية. ويرحّل البحث، في محوره الثاني، مقولات الإطار النظري إلى فضاء تطبيقي على عيّنة الدراسة، ويخلص عند تمامه إلى أن نص الحكاية الشعبية، متعاضداً مع نصوص شعبية أُخرى بالضرورة، يعزز توجهات ثقافية محددة تُبقي على شكل العلاقات الأُسرية والنوع - اجتماعية والطبقية وغيرها، ثابتةً ضمن إطار عام هو المركز والهامش، ويشكل وعياً جمعياً يداوم، بدوره، على إعادة إنتاج المركز مهيمناً والهامش تابعاً. ويطمح هذا البحث، علاوة على تقديم مقاربة تطبيقية منظمة للحكاية تنهض على مقولات جماعة التحليل النقدي للخطاب، إلى تحفيز وعي نقدي يراجع محمولات أدبنا الشعبي وغيره، ويؤسس لحالة من التحرر الذي صادرته سلطة اجتماعية تستحوذ على أدوات النفاذ إلى الخطاب وتمريره، وتساهم، خدمة لمصالحها، في تشكيل وعي الناس بالعالم من حولهم، وبأشكال سكناهم فيه.
[يجب عدم] التقليل من أهمية الدور الذي تضطلع به اللغة في إنشاء
علاقات السلطة الاجتماعية والحفاظ عليها وتغييرها.
نورمان فيركليف[1]
أولاً: مقدمة
بدأت الثقافات الإنسانية بالتشكل مع بداية وعي الإنسان لذاته ولشروط بيئته المحيطة، وكذلك مع تطور قدراته الترميزية (لغة وخلافها) التي هيأت له إمكان التوريث الاجتماعي المنظّم لمكونات الثقافة.[2] ويتم هذا التشكل، وما يترتب عليه من تراكم حتمي، على محورين متعالقين: الأول محور تقاطعات الإنسان مع البيئة، والثاني محور تقاطعات الإنسان مع الإنسان.
في المحور الأول، يواجه الإنسان البيئة ويطوّعها قدر المتاح والمستطاع، ويختزن طرق المواجهة والتطويع ويراكمها. ويحضر الصيد وتحضر الزراعة كمثالين حيويين لشكل هذه المواجهة، ولتراكم مخرجاتها مع الزمن؛ فالأدوات التي كان يستخدمها الإنسان في الماضي لإنجاز فعل الصيد أو الزراعة تختلف، من جهة، عن الأدوات التي تُستخدم في أيامنا هذه، لكنها تظل، من جهة أُخرى، نموذجاً بدئياً، في مستوى الوظيفة على الأقل، للأدوات الأكثر تطوراً وفاعلية وفتكاً.
في المحور الثاني، يتقاطع فعل الإنسان مع الإنسان لغايات ترسيم العلاقات الناظمة للأفراد والجماعات في المجتمعات الناشئة وما يتلوها، ويأتي نتاج هذا التقاطع على شكل مخرجات معنوية تتمثل في المعارف والقيم والمهارات.[3] وتتشكل في هذا المحور العلاقات الإنسانية في نظم أو مرويات اجتماعية وعقائدية وسياسية واقتصادية وخلافها، وهذه النظم، المقسمة غير المجزأة، تشكّل مع الزمن موارد الأعضاء،[4] وتتفرع إلى نظم أو وحدات أصغر يزمّلها غطاء أو نظام بُنيوي كلي. فالزواج، على سبيل المثال، ينضوي تحت نظام اجتماعي أشمل، وتندرج تحته جملة نظم أو وحدات أصغر مثل تعدد الزوجات وزواج الأقارب وزواج الأغراب، وصولاً إلى نظم أكثر صغراً فيما يتعلق بالطقوس، بدءاً بالخطوبة، وانتهاء بالعجينة التي تُلصقها العروس على واجهة البيت الأمامية ساعة تطأ قدمها بيت الزوجية وهي تلبس فستان عرسها الأبيض المحمّل، ثقافياً، بدلالات العذرية والطهارة كافة.
وتأتي الخطابات على اختلافها، متكاملة مع الثقافة السائدة؛ فالمادة الفولكلورية بشقّها القولي (الأدب الشعبي)،[5] على سبيل المثال، تعيد إنتاج الطرز الثقافية وتعززها، وتأتي متكاملة مع الكل الثقافي الذي شكّل موارد الأعضاء المنتجين والمتلقين معاً. وهكذا تكتسب مخرجات الثقافة، نتيجة التقاطعات على المحورين السابقين، سلطة تحدد المقبول في مجتمع بعينه، وتحدد، بوتائر تتساوق مع طبيعة المجتمعات في توزعها بين المحافظة والتحرر، استحقاقات الالتزام بهذا المقبول، وتبعات عدم الالتزام به.
وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن السلطة التي تفرضها الثقافة هي سلطة غير منزهة عن كل قصد، وإنما تحركها موازين قوى ومصالح متنوعة، نحو: الطبقة الاجتماعية، والدين، والوضع الاقتصادي، وأشكال توزيع العمل، والنوع الاجتماعي، ومراكز القوى السياسية وغير ذلك. وهي محكومة، إلى حد ملحوظ، بشكل العلاقة بين ما تفرزه الثقافة مركزاً وما تسمّيه هامشاً. هكذا تأتي الخطابات، على تعددها واختلافها، محملة بالأيديولوجيات،[6] وتصير لغتها، في حالة الأدب الشعبي هنا، وسيطاً أولياً للسيطرة الاجتماعية في جوانب كثيرة، ووسيطاً لفرض سلطة الطرز الثقافية أو الأعراف التي يضطلع كثير منها بالإبقاء على المهيمن مهيمناً، وعلى المهمّش مراوحاً في مكانه.
وتأتي عيّنة هذه الدراسة من دائرة الأدب الشعبي، وهي دائرة أصغر من دائرة الفولكلور، وتشكّل شقه القولي مثلما مرّ معنا، وهي واحدة من مرويات متعددة لحكاية كثيرة الشيوع هي حكاية الشاطر حسن.[7] وتكمن إشكالية البحث الأساسية في ملاحقة أشكال سوء استخدام السلطة وتكريس الهيمنة في هذه الحكاية. ولتحقيق مقاربة منظمة لهذه الإشكالية، يعرض محور البحث الأول أهم مناهج دراسة الفولكلور / الأدب الشعبي، ويعيّن اختلاف مقاربات جماعة التحليل النقدي للخطاب عن هذه المناهج، ويحدد مفهوم الخطاب وصفته النقدية، ثم يقف عند إجراءات التحليل التي سيتم اعتمادها. أمّا في المحور الثاني، وهو محور البحث التطبيقي، فيجري ترحيل مقولات الإطار النظري إلى فضاء الحكاية، وذلك للكشف عن استراتيجيات تمرير مقولات السلطة / الثقافة من أجل تعزيز توجهات / قيم بعينها، والمحافظة على شكل العلاقة الناظمة التي تضطلع بتشكيل وعي جمعي تتواصل معه، برضا، إعادة إنتاج المركز مهيمناً والهامش تابعاً.
ثانياً: إطار نظري
1 - مناهج دراسة الفولكلور / الأدب الشعبي
تتوزع مناهج دراسة الفولكلور / الأدب الشعبي، وهي غير قليلة، على نوعين: مناهج سياقية نحو: المنهج الجغرافي التاريخي، والمنهج الوظيفي، والمنهج الاجتماعي، ومناهج نسقية نحو: المنهج البنائي، ومنهج دراسة الصيغ الشفاهية، وغيرهما.[8] والقاسم المشترك بين هذه المناهج أنها، في الغالب، مناهج وصفية و / أو مقارنة؛ فالمنهج الجغرافي التاريخي يتتبّع، بشكل وصفي مقارن، تكرار الموتيف أو الموتيفات في المرويات المتوفرة لحكاية شعبية واحدة كي يصل إلى الطراز البدئي لهذه الحكاية قبل أن تبدأ ارتحالها في دوائر انتشارها الممكنة.[9] غير أن هذا المنهج، بملاحقته للحكاية الأصل، يتجاهل الجانب البشري، أو السياقات الاجتماعية التي استدعت تغيّر أو تحوّر بعض الموتيفات، أو استدعت حذف بعضها بالكامل. أمّا المنهج الوظيفي، فمع انه يحاول كثيراً عدم إهمال السياقات الاجتماعية للحكاية الشعبية، إلّا إنه لا يختلف في تركيزه على الجانب الوظيفي للمخرجات الشعبية عن المنهج الجغرافي التاريخي. فهذا المنهج، وإن نأى منظّروه بأنفسهم عن الخوض في موضوعات أصول المخرجات الشعبية وانتشارها، يظل منهجاً وصفياً أيضاً، وينحصر تركيزه في تعيين الدور الذي تؤديه مخرجات الأدب الشعبي في الحفاظ على النظم الاجتماعية السائدة وتثبيتها، وفي تتبّع أشكال تكاملها / تعاضدها مع هذه النظم في مجتمع ما.[10] والأمر أيضاً لا يختلف كثيراً عندما يصير الحديث عن المناهج النسقية أيضاً، ذلك بأن المنهج البنائي الذي يركز على بُنية المخرجات الشعبية من حكايات وأمثال وغيرها، ليس هو الآخر سوى منهج وصفي لأشكال التعبير وممكناتها البُنيوية في المجتمعات التي يصير فيها إنتاج الخطابات وتلقّيها عبر التمرير الشفاهي.[11]
وفي واقع الحال، يمكن الحديث عن قاسم مشترك آخر بين هذه المناهج، وهو افتقارها إلى الجانب النقدي في تحليل المخرجات الشعبية، بصفتها "خطابات" محمّلة بانحيازات انشغلت جماعة التحليل النقدي للخطاب بكشف أنساقها، وكشف تمفصلها مع السلطة على اختلاف أشكالها، وكشف اضطلاعها، بوعي منتجيها أو بغير وعيهم،[12] بتعزيز أشكال الهيمنة واستمرارها.
2 - التحليل النقدي للخطاب
يستدعي هذا العنوان الفرعي وقوفاً على مفهوم "الخطاب" أولاً، وتبيان المقصود بـ "النقدي" صفةً للتحليل ثانياً، وتحديد إجراءات التحليل التي سيصير اعتمادها في قراءة عيّنة هذا البحث ثالثاً.
أ - مفهوم الخطاب
العبارة المفتاحية التي يستخدمها منظّرو جماعة التحليل النقدي للخطاب في مقاربتهم لهذا المفهوم، هي أن "اللغة ممارسة اجتماعية"؛[13] فالتحدث والقراءة والكتابة، باعتبارها أفعالاً رمزية ذات معنى، جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان اليومية، وهي أداته الأساسية للتعبير والتواصل. ولا يخفى أن هذه المقاربة التي تلتفت إلى اللغة والفعل معاً، تقطع التقليد الطويل للتعامل مع "الخطاب" بمصطلحات لغوية، كأن يُنظر إليه باعتباره مجموعة مركبة من بُنيات لغوية أكبر من الجملة المفردة، وتشكل في النهاية نصاً. كما لا يخفى أن هذه الكيفية في فهم الخطاب تطورت مع البراغماتية اللغوية المعاصرة التي تعترف بـ "اللغة في الفعل" مجالاً للتحليل، ومع السيميائية، والفلسفة، وعلم اللغة الاجتماعي، وعلم النفس المعرفي، والأنثروبولوجيا.[14]
يؤكد منظّرو التحليل النقدي للخطاب، في سياقات حديثهم عن اللغة باعتبارها ممارسة اجتماعية، أن اللغة "مهيكلة (structured) بحسب أنماط مختلفة تخضع لها الأقوال البشرية عند المشاركة في مجالات الحياة الاجتماعية المختلفة"؛[15] فالخطاب (اللغة في الفعل) يتضمن الأحوال الاجتماعية في المستوى المباشر الذي يقع فيه، وكذلك مستويات أُخرى أعرض نحو مستوى المؤسسات الاجتماعية المتنوعة (إعلامية؛ ثقافية؛ أمنية؛ طبية...)، وبالنتيجة يتضمن مستوى المجتمع كله.[16] وهذه الأحوال الاجتماعية، بحسب جماعة التحليل النقدي للخطاب، تشكل موارد الأعضاء، أو "عندياتهم" إن جاز التعبير، وهي ما ينهل منه الناس عند إنتاج الخطابات وعند تلقّيها / تفسيرها. إن موارد الأعضاء، على الرغم من طابعها التلقائي أو العفوي عادة،[17] يتحكم فيها المجتمع وتُشكِّلها الأيديولوجيا، وتتخلق بتأثير من جملة علاقات وصراعات اجتماعية متعددة ومتنوعة يطلق عليها نورمان فيركليف "نظم الخطاب"،[18] أو تتخلق بلغة هانز - جيورج جادامر (Hans- Georg Gadamer) بتأثير من محددات الوعي السابقة على الوعي (preconscious determinants of consciousness).[19]
ولا يخفى أن الأطروحات التي تتناول تحكّم الأحوال الاجتماعية في كلام الناس (كتابة ومشافهة) تتجاوز أطروحات سوسير الذي ذهب إلى أن الكلام تحكمه الخيارات الفردية للأشخاص، وذلك من دون أن يعير اهتماماً لتحكّم مظاهر الاختلاف الاجتماعي واختلاف الهويات الاجتماعية للأفراد / مواردهم، في هذه الخيارات في أثناء تفاعلهم إنتاجاً وتفسيراً. وهذا التحييد لبُعد اللغة الاجتماعي، أو للكلام باعتباره نظاماً،[20] أدى إلى تكريس صورة مثالية ومجردة للغةٍ منبتّة عن أطرها الاجتماعية والتاريخية، وغيّب، مثلما يؤكد فيركليف، حقيقة أن أي خطاب، أو ممارسة لغوية، إنما يعنيان ضمناً "وجود أنماط عرفية للخطاب أو الممارسة."[21] وعليه، فإن طرائقنا في الكلام "لا تعكس عالمنا وهوياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية بشكل محايد ]فحسب[، ولكنها، فضلاً عن ذلك، تنهض بدور فعال في إيجادها وتغييرها."[22] الخطاب، إذاً، وإن كان مفهومه سيواصل تكشّفه في سياقات لاحقة، هو "اللغة باعتبارها ممارسة اجتماعية تتحكم فيها الأبنية الاجتماعية"،[23] أو هو "طريقة مخصوصة للكلام على العالم (أو جانب من جوانبه)، وفهمه."[24]
ب - البعد النقدي
مثلما أن عبارة "اللغة ممارسة اجتماعية" هي عبارة مركزية عندما يصير القول في الخطاب، كذلك هي كلمة "السلطة" عندما يصير القول في البُعد النقدي لتحليل الخطاب. وقد وردت هذه الكلمة المركزية عند نورمان فيركليف وعند توين فان دايك (Teun A. van Dijk) تباعاً: الأول في عنوان كتابه "اللغة والسلطة"، والثاني في عنوان كتابه "الخطاب والسلطة"، وهما من الكتب المهمة والمؤسسة التي أنتجتها جماعة التحليل النقدي للخطاب. إن فهم الأبعاد الدلالية للكلمة، مثلما استُخدمت في الكتابين المذكورين، وفي غيرهما من الأدبيات الكثيرة لأعلام الجماعة،[25] يشكل حجر الأساس في مقاربة البعد النقدي لتحليل الخطاب وفهمه.
وتجدر الإشارة، في البدء، إلى أن جماعة التحليل النقدي للخطاب لا تَعدّ السلطة شيئاً سيئاً بالضرورة، مثلما يمكن أن يَعدّها بعض أصحاب التوجه اللاسلطوي (anarchism) في المفهوم الشعبوي للمصطلح، بل إن هذا الأمر هو توجه يقوم على مبدأ التشاركية، والمساواة، وانعدام أشكال العبودية كلها التي يمكن أن تتعدد؛ ولذلك ينصبّ الاهتمام في التحليل النقدي للخطاب على نقد سوء استخدام السلطة على اختلافه، وعلى فحص الخطابات المتساوقة معه ونقدها. فمنظّرو جماعة التحليل النقدي للخطاب يشددون على أن اللغة تؤدي دوراً مهماً في إنشاء علاقات السلطة (الاجتماعية في سياق هذا البحث)، وكذلك في الحفاظ عليها، وفي إمكان تغييرها، ويؤكدون أن هناك ترابطاً، لا يجدر أن يستهان به، بين طرائق استعمال اللغة، وبين العلاقات غير المتكافئة التي تنتج من سوء استخدام السلطة،[26] وأن أقل الاختلافات في اللغة تتوافق، في الغالب، مع معتقدات المنتجين المتحيزة.[27]
هكذا يمكن أن تصبح "اللغة في الفعل" وسيطاً أولياً لأشكال السيطرة الاجتماعية كلها، وخادماً للسلطة التي تسيء استخدام أدواتها؛ فهي تضطلع، بما أنها تزخر بالأيديولوجيا، بفعل تكريس الأعراف القائمة التي تُبقي على شكل هرمية العلاقات لحساب المتنفذ الذي يتحكم في إنتاج الخطاب، ويسيطر، بالنتيجة، على الوعي العام عبر تشكيل وعي الناس / مواردهم، وبالتالي على طبيعة إدراكهم للعالم، وللأسس التي يقوم عليها تسكينهم فيه.[28] ولا يخفى طبعاً، أن استبطان غير المتنفذ لخطاب نقيضه يساهم في إعادة إنتاج الخطاب المتحيز أيضاً، وبالنتيجة في تعزيز مصالح المتنفذ على اختلافها.
يتحدث توين فان دايك، في هذا السياق، عن كيانَين: "جماعة الداخل" (ingroup) و"جماعة الخارج" (outgroup). ووفقاً له، فإن الخطاب الزاخر بالأيديولوجيا يُبرز جماعة الداخل أو الـ "نحن" متحلية بالخصائص الإيجابية كلها، بينما يصنع من جماعة الخارج أو الـ "هم" جماعة موسومة بجميع الخصائص السلبية الممكنة، لأنها تتموضع خارج إطار جماعة الداخل، أو لم يتم ترويضها كي تقبل خطاب هذه الجماعة ومقاصده في تسويغ أشكال الهيمنة، والعنصرية، والتحيز القائم على النوع والطبقة، وغيرهما. ويشير فان دايك، أيضاً، إلى أن خطاب الجماعة يضطلع ببناء استراتيجيا استقطاب: مَن معنا يستأهل المديح، ويُتوقع منه أن يكون سعيداً بولائه وموارده المتشكلة، وبمساهمته في إعادة إنتاج خطاب جماعة الداخل وتدويره، ومَن ليس معنا يستوجب الانتقاص من قدره بطرق وأساليب خطابية ذات مستويات متنوعة.[29]
وسبق أن تحدث باولو فريري (Paulo Freire)، وإن بصياغات متنوعة وسياق تربوي بحت، عن ثنائية "جماعة الداخل" و"جماعة الخارج" هذه، وعن الاستقطاب والانتقاص، وعن المتنفذ الذي يهدف في خطابه (مناهجه) إلى خلق حالة من الرضا تنتج من تكيّف المضطهَد مع أعراف الوضع الذي يضطهده. وتحدث فريري، أيضاً، عن سعي "جماعة الداخل" الحثيث والممنهج لأن يكون هذا المضطهَد مفتقراً إلى أي وعي نقدي لخطاب استقطابه، الأمر الذي يعطل، وهو تمام المشتهى عند المضطهِد، قدرات المضطهَد الكامنة، ويعطّل فاعليته وإنسانيته كي لا يصير محوِّراً لعالمه،[30] أو صانعاً لخطاب مقاوم لخطاب السلطة التي تسيء، مرة أُخرى، استخدام أدواتها، وتسعى لتهيئة فِرَق التابعين الذين تسهل قيادتهم، ويسهل، بالتالي، توجيههم.[31]
يشغل مسعى زيادة الوعي النقدي "بالأسلوب الذي تسهم به اللغة في تمكين بعض الناس من السيطرة على البعض الآخر"[32] موقعاً مركزياً في أطروحات منظّري جماعة التحليل النقدي للخطاب، لأنه في نظرهم مسعى أخلاقي مساوٍ في أهميته للمسعى الأكاديمي في العلوم الإنسانية، ويُكسبه الشرعية. فهذا الوعي النقدي يشكل لدى الجماعة الخطوة الأولى على طريق التحرر التي يتوقف معها الفرد عن المكابدة، ويبدأ بالتغيير الذي يعتمد تحققه على نشأة الوعي النقدي بالسيطرة وأشكال تمريرها، ويشرع، بالتالي، في رضّ العلاقات والأعراف الاجتماعية التي تعتمد طبيعتها ومراتب فواعلها أصلاً على علاقات السلطة وأيديولوجياتها الكامنة، ويصير من الممكن، بالتالي، إعادة الإنتاج الخطابي لسوء توظيف السلطة،[33] بما يضمن المساواة التي ستغيّر من العلاقات الاجتماعية وتعيد هيكلتها.
ج - أبعاد التحليل وفق نموذج نورمان فيركليف
إن اعتماد هذا البحث على نموذج فيركليف الثلاثي الأبعاد سيتم في الإطار العام فقط، ومن دون الالتزام بجميع التفصيلات الخاصة بكل بُعد من الأبعاد الثلاثة. وتأتي مسوغات اعتماد النموذج في إطاره العام من فيركليف نفسه، إذ أكد ضرورة وجود مرونة حتمية في استخدام تفصيلات نموذجه الذي "ينبغي ألّا يعامَل معاملة النص المقدس"،[34] ذلك بأن التفصيلات المندرجة تحت كل بُعد من الأبعاد الثلاثة تختلف، من جهة، باختلاف طبيعة النص تحت النقد، وتختلف، من جهة أُخرى، باختلاف مناطق التركيز التي لا يمكن أن تكون منبتّة عن توجهات العضو المقارب وموارده حين يقرأ عيّنته ويضطلع بالتحليل.[35] صحيح أن هذه الأبعاد تقدَّم مقسمة، لكنها في الحقيقة غير مجزأة أبداً، وتفصيلها يأتي على الشاكلة الآتية:
- البُعد الأول: يختص هذا البعد بمقاربة النص بما هو جزء من الخطاب وليس الخطاب كله، والنص يمكن أن يكون لغوياً (شفاهياً أو كتابياً)، أو غير لغوي مثل الصورة، ويمكن أن يأتي مهجّناً يجمع بين اللغة والصورة، أو يكون حركياً محمّلاً بدلالات رمزية. ويأتي التحليل في هذا البُعد وصفياً، ويتناول الخصائص الشكلية للنص، أو يختص بطبقته الداخلية (micro-analysis)، وهو مجرد جزء من تحليل الخطاب ليس إلّا. ويقترح فيركليف، للاضطلاع بمهمة الوصف، مجموعة أسئلة (مرشدة لكن غير ملزمة)[36] على مستوى اختيار المفردات ومحمولاتها من قيم خبراتية وأيديولوجية (لاحظ الفرق في الحقل الدلالي بين مفردتَي مقاوم وإرهابي مثلاً)، وعلى مستوى نظم التناوب في المحادثات، وعلى مستويات أُخرى نحو: التراكيب (أو المعالم النحوية) وتوزعها بين الاسمية والفعلية، والبناء للمعلوم والمجهول، والإثبات والنفي، وغير ذلك.[37]
- البُعد الثاني: يختص بتحليل العلاقة "بين النص والتفاعل"، أي العلاقة بين النص والأحوال الاجتماعية المباشرة الخاصة بسياق الحال التي يُنتج فيها، ويصير فيها تلقّيه.[38] والتحليل في هذا البعد يختص بطبقة النص الوسطى (meso-analysis)، ويطلق عليه فيركليف التحليل على مستوى التفسير.[39] وتشكل مقاربة النص الداخلية في مستوى الوصف مفاتيح لإنجاز التحليل على هذا المستوى[40] (كأن تفسير استخدام صفة إرهابي في سياق خاص يجب أن يكون ضمن نشرة أخبار تُنتجها وتبثّها مؤسسة التلفزيون الإسرائيلي ويتلقاها أفراد لهم، بحكم مواردهم، كتوقعات محددة، مؤازِرة أو مناهضة، من محمول خطاب هذه المؤسسة بشأن سياق خاص هو عملية عسكرية نفذها الموصوف). وهنا، يلزم تأكيد أن التفسيرات الممكنة تتولد، مثلما مرّ معنا، من تلاقح موجودات النص وموارد المفسر التي يُحضرها لإنجاز فعل التفسير. والمقصود بالموارد، مثلما رأينا سابقاً، المعرفة الخلفية لمَن يضطلع بفعل التفسير، ومعرفته بالافتراضات المسبقة بشأن نوع الخطاب الذي يتعامل معه، والجهة التي يصدر عنها، الأمر الذي يؤثر، وفي تسويغ إضافي لاعتماد النموذج في إطاره العام، في طبيعة الإجراءات التفسيرية ونتائجها وتقاطعها مع مفردات بُعد الوصف.
- البُعد الثالث: يكمل هذا البُعد من أبعاد التحليل رسم صورة الخطاب باعتباره ممارسة اجتماعية، وهو تحليل على مستوى أركيولوجية السياق العام (macro-analysis)، لأنه يكشف عمّا يُعتبر مضمراً في الخطاب، ويحضّر، بالتالي، الطريق أمام شرح علاقات السلطة، والهيمنة، والمصادرة والانتقاص، ومجمل الأيديولوجيات التي تجعل "ممارسة الخطاب العادي موقعاً للصراع"[41] على اختلاف أشكاله (بالعودة إلى مثال "المقاوم والإرهابي"، يتم في هذا المستوى موضعة تفضيل استخدام كلمة إرهابي في سياق عام هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى في خطابه، منذ زمن النكبة وصعوداً، لشيطنة العمل الثوري الفلسطيني، ومناهضة أي خطاب بديل مقاوم). ويتصدى هذا المستوى، بكلمات أُخرى، لشرح الكيفية التي تتحكم فيها الأبنية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية العامة في الخطاب، وكيف يؤدي الخطاب، بدوره، إلى مراكمة هذه الأبنية والحفاظ عليها، أو تغييرها.[42] ولا يخفى، الآن، أن حالات التحكم هذه لا تصير بغير وساطة موارد الأعضاء التي تتشكل، أصلاً، بسبب هذه الأبنية، ثم تعيد بناءها.
وتجدر الإشارة، قبل الخوض في محور البحث الثاني الذي سيرحل هذا الإطار النظري إلى فضائه التطبيقي على حكاية الشاطر حسن، إلى أن هذه القراءة التطبيقية، علاوة على كونها قراءة موجهة بإجراءات تحليل محددة، هي قراءة منقادة بانحياز أخلاقي والتزام اجتماعي، "فـالمعرفة التي لا تحركها غايات نبيلة هي أيضاً معرفة ناقصة، لكونها لا تطمح إلى تغيير العالم."[43] إن تعرية نظم خطاب الحكاية، والتي سيكشف البحث عن تأسيسها لغياب المساواة على مستويات كثيرة متداخلة نحو: أشكال العلاقات الأُسرية في المجتمعات البطريركية، وتمثيل النوع الاجتماعي ونمذجته، والعلاقات الطبقية وغيرها، ليست سوى خطوة نحو تحقيق وعي نقدي يراجع محمولات موروثنا الشعبي، ويؤسس لحالة من التحرر الذي صادرته سلطة اجتماعية تمتلك أدوات النفاذ إلى الخطاب وتمريره، وتساهم، بالتالي، في تشكيل طبيعة وعي الناس بالعالم من حولهم.
ثالثا: حكاية الشاطر حسن في ضوء نموذج فيركليف: مقاربة تطبيقية
1 - توضيح إجرائي قبل التطبيق
لأن "الوصف يفترض التفسير"،[44] رأيت أن أجمع في هذا الجزء التطبيقي من البحث بين بُعدَي الوصف والتفسير، وأجعل البُعد الثالث (الشرح) في مدخل منفصل. فعلاوة على تصريح فيركليف بأن الوصف يفترض التفسير، ثمة مسوّغ آخر لهذا الإجراء التجميعي، وهو أن فيركليف الذي فصل بين البُعدين، لغايات تنظيمية مثلما أفترض، أثقل كاهل تطبيقاته بشيء من "التنظيم" غير المقنع أحياناً. فهو، في معرض تطبيقاته في بُعد الوصف على سبيل المثال، يتناول قضايا مثل طبيعة علاقات الذوات، وأدوارهم التي يقومون بها، ودور اللغة في ذلك كله. ويتبيّن لاحقاً في تطبيقات فيركليف نفسه، أن هذه القضايا تعاود الظهور في بُعد التفسير على شكل أربعة أسئلة محددة هي: ما الذي يحدث؟ ومَن الفاعل؟ وما نوع العلاقات المطروحة؟ وما دور اللغة فيما يحدث؟[45] ويجدر التذكير مرة ثانية، بمسألتين جرت الإشارة إليهما: الأولى أن أبعاد النموذج، وإن طُرحت مقسّمة، هي غير مجزأة، وفصلها ليس إجراء ممكناً تماماً عند الاضطلاع بفعل التطبيق، والثانية أن استخدام النموذج في هذا البحث ليس استخداماً حرفياً يُسبَغ عليه صفة المقدس، الأمر الذي أكده فيركليف نفسه مثلما مرّ معنا.
2 - الوصف والتفسير
يقدم أولرك أكسل (Olrik Axel) في دراسة له مضمّنة في كتاب حرّره الفولكلوري الأميركي الشهير ألان دندز (Allen Dundes) تسعة قوانين ضابطة للتأليف الشفاهي/القصّ الشعبي. وينص القانون السادس من هذه القوانين التسعة على أن شخصين اثنين فقط يحضران متحاورَين في مشهد الحكاية الشعبية، وأن الحديث الذي يدور بينهما لا ينفتح على الحجاج والإقناع والمعاودة، ولا يكتسب صفة الحوارية التي تتعدد معها أيديولوجيات المتحاورين وتختلف وتُحترم.[46] وهكذا، تظل العلاقة بين "المتحاورين" محكومة بما أطلق عليه ألان دندز نفسه صيغة "الحاجة – تلبية الحاجة" (lack-lack liquidation)،[47] وهي، مثلما سيتضح لاحقاً، صيغة غير حوارية، تنتفي معها نثرية العلاقات الإنسانية التي يمكن أن نطالعها، على سبيل المثال، في رواية (بوليفونية) تتعدد فيها الأصوات، وتتجاور في اختلافها المنسجم وانسجامها المختلف.[48]
ولأن عيّنة البحث تأتي من مقلع شعبي، فإن هذه المعادلة ستخدم مسعى تفكيك مراتب الذوات وعلاقاتها في حكاية الشاطر حسن، كما ستعضد مسعى التبصر في طبيعة اللغة المستخدمة على مستويات متعددة سيتم تناولها في ترتيب يفرضه سياق الحكاية، وبتوجيه عام من أسئلة فيركليف الأربعة السابقة الذكر. ومن هذه المستويات: اختيار المفردات وتأثرها بالعلاقات الاجتماعية وكيفية مساهمتها في تشكيل هذه العلاقات وتثبيتها؛ الأنماط التركيبية وكيفية تكريسها لعدة أشكال من سوء استخدام السلطة وعدم المساواة والمحافظة عليهما؛ توزّع اختيار المفردات / العبارات بين المباشرة وغير المباشرة ودلالات ذلك؛ نظم التناوب في المحادثات وأعراف التفاعل المستعملة. إن النظر في هذه المستويات ومثيلاتها، علاوة على تعيين السلسلة التي ينتمي إليها نص الحكاية (أي تناصه مع نصوص أُخرى شبيهة)، سيؤديان إلى زعزعة أوهام استقلال الذوات الفاعلة في النص،[49] وسيعرّيان، لاحقاً في مدخل الشرح، نظم خطاب الحكاية المتحيز على صعد علائقية متنوعة.
تبدأ الحكاية بتقديم شخصية تتمتع بتصنيفات معشّقة بحمولات ثقافية ستتكشف دلالاتها في مدخل الشرح، وهي: "رجل" و"والد" و"غنيّ" و"مسنّ"، ولهذه الشخصية الرباعية التصنيف ولد واحد فقط، والحكاية لا تقول للمتلقي شيئاً عن زوجته / أم الولد، ولا تقول إن كانت في قيد الحياة أم غيّبها الموت من قبلُ مثلما غيّبها النص. ويرسم هذا الوالد الرباعي التصنيف شكل حياة ابنه في أكثر تفصيلاتها خصوصية، ولحاجة يرى أن تلبيتها ملحة؛ فالوالد متقدم في السن، ويسعى لأن يزوّج ابنه بأربع نساء في ليلة واحدة.
وفي سلسلة مكونة من ثلاث جمل لا ينقصها تحديد طبيعة علاقات الذوات لا على مستوى اختيار المفردات، ولا على مستوى اختيار التركيب، تنقلب حياة الولد رأساً على عقب، ويتغير مع انقلابها كل شيء. وهذه الجمل هي:
أ - "قرر التاجر أن يزوّج ابنه الوحيد أربع نساء."
ب - "اختار لابنه أربع بنات من أحسن بنات البلد في الحسب والنسب والزين."
ج - "زوّجه إياهن في ليلة واحدة."[50]
لقد اختار الراوي في هذه الجمل الثلاث، ثلاثة أفعال متعدية أملتها موارده الثقافية وتقبّلها جمهور المتلقين الذين يحملون الموارد نفسها، وهذه الأفعال هي: "قرر" في الجملة الأولى؛ "اختار" في الجملة الثانية؛، "زوّج، في الجملة الثالثة. وتتحدد في هذه الجمل التي نسفت أفعالها المتعدية أي ضرب من ضروب المحاورة في هذا الجزء الاستهلالي من النص، مراتب الذوات، إذ إن كل جملة من الجمل الثلاث تُوقِع فعل الفاعل (الرجل والوالد والغني والمسنّ) على مفعول محدد يتعيّن مع تحديده، بالنتيجة، شكل التجاور المراتبي لهذه الذوات، وشكل علاقاتها في بقية أجزاء النص التي سيؤتى على تفصيلها. فالفعل "قرر" في الجملة الأولى يتعدى إلى مفعولين هما الابن والبنات الأربع، بينما يتعدى الفعل "اختار" في الجملة الثانية إلى مَن هو في مرتبة المفعول به (لابنه)[51] وإلى البنات الأربع، أمّا الفعل "زوّج" في الجملة الثالثة فيتعدى إلى الضمير العائد على الابن في "زوّجه"، وإلى الضمير المنفصل في "إياهنّ" الذي يعود إلى البنات. وهنا لا يمكن التغاضي طبعاً عن حقيقة أن فعل الرجل يطال، بالمعية، مفعولِين آخرين هم عائلات البنات، فالنص لا يفصح عن أي شيء سوى موافقة هذه العائلات الضمنية على الزواج ومباركته.
هذا الجزء الافتتاحي القصير من الحكاية، والذي ينتهي بموت الوالد المسنّ وبتولي الابن أمور تجارة أبيه الراحل، يشبه الدولاب الذي هو، بلغة الموسيقى، قطعة لحنية تسبق اللحن الرئيسي (لحن الأغنية) وتأتي على سُلّم مقامه، وغايتها أن تقعّد في رأس العازفين ورأس المغني سُلّم مقام الأغنية، وأن تضع الكل، منتجين ومتلقّين، في أجواء ما سيأتي. ويتكشف في هذا الجزء من الحكاية كيف تنحكم تقاطعات الذوات إلى منظومة من قيم ومواضعات اجتماعية تحدد شكل العلاقات على عدة مستويات، نحو: علاقة الولد بالوالد، والرجل بالمرأة، والمرأة بالمرأة، والغني بالأقل غنى، وتؤسس لجامع خطاب الحكاية. باختصار شديد، يرهص هذا "الدولاب" الاستهلالي بشكل العلاقة بين المركز والهامش، ويقعّد نغمةَ ركوزها في سائر أجزاء النص التي تعيد إنتاج سوء استخدام المركز للسلطة وتكرّسه.
في الجزء الذي يأتي بعد الاستهلال، ويحضّر لانتقال الحكاية من حالة الثبات إلى حالة الخلخلة،[52] تزور التاجرَ الجديد (الابن) ذات يوم غولةٌ متخفية بهيئة امرأة لم يرَ في حياته أجمل منها، فيهيم بهذه الإمرأة التي يفوق جمالها جمال نسائه الأربع، ويسأل عن مكان أهلها ليطلب يدها منهم. ويلاحَظ، هنا، أن جمال المرأة الخارجي، في حالة الزواج الأول وفي حالة مشروع الزواج الثاني، هو معيار شخصي وحيد؛ ولذلك حرص التاجر المسنّ حين قرر أن يزوج ابنه الوحيد بأربع بنات على أن يختارهن من "أحسن بنات البلد في الحسب والنسب والزين"،[53] وفي تصنيف أحادي لا يعيّن فرادة جمال كل واحدة منهن، أو شكل اختلافها عن المجموع. لقد دفع معيارُ الجمال الخارجي الموحّد هذا الغولةَ، وقد حبس النص اسمها كما حبس أسماء الزوجات الأربع، إلى أن تتخفى بهيئة امرأة يتفوق جمالها على جمال نساء الرجل الأربع، وتعلن حاجتها إلى الزواج متوسلة بالموارد الثقافية المرسخة في عاقلة مَن يصنفون المرأة (جنساً ونوعاً اجتماعياً) كائنة تنتظر الرجل الذي سيسترها على سنّة الله ورسوله.[54]
هكذا تمكنت الغولة المتخفية بهيئة امرأة جميلة من السيطرة على التاجر بجمالها الخارجي الفائق، تحضيراً لنهب أمواله الطائلة، كما تمكنت من دفعه كي يوافق، وهو الواقع تحت سطوة الجمال الذي حدد له مرتبة دنيا في الحوار، على شرطها بأن تقلع عيون نسائه الأربع، وأن يُرسلهن إلى بيت الهجران قبل أن تقبل بالزواج به. قامت الغولة المتخفية بقلع عيون أربع من "موجودات" / أملاك التاجر الكثيرة؛ فالنص يقول إن لــ "ـه" أربع نساء،[55] ولا يقول، على سبيل المثال، إنه متزوج بأربع نساء، أو إن شراكة الزواج المقدس تجمعه بأربع نساء. يتزوج التاجر الغولة بعد أن يقدم على فعل الطلاق، وبالمحصلة، يسقط مع قلع العيون، أي إمكان للحنين إلى الجمال الغابر الذي كانت تتمتع به زوجات الأمس ومطلقات اليوم. وبعد مفصل الزواج هذا، يكشف النص أن واحدة من النساء المهجورات حبلى، وفي تساوق مع ديدن حبس الأسماء في المقاطع السابقة، يحبس النص اسم الوالدة، أو لا يعيّنها بين النساء المطلقات، بل يبوح باسم الذكرِ ابنِ بطنها - الشاطر حسن. يكبر الشاطر حسن في ساعة واحدة مثلما تقول الحكاية، ويصبح شاباً مشورباً "يساعد أمه وخالاته المطلقات ويلبّي طلباتهن"،[56] ويثير، بالنتيجة، حفيظة زوجة الأب وغيرتها من الضرائر اللواتي ينعمن بعنايته ومساعدته.
تبدأ الغولة زوجة الأب بفعل مضاد كي تتخلص من الشاطر حسن الذي صار تصنيفه الآن من جماعة الخارج، بلغة فان دايك، وتدّعي المرض، وتطلب من زوجها أن يُحضر لها قلب الجمل الأزرق دواءً. وبعد أن يعلن لها التاجر جهله بطرق تلبية حاجتها المعلنة، تقول: "سلامة الشاطر حسن"،[57] أي أن الشاطر حسن قادر على إحضاره، وأنه يستطيع أن يطلب منه ذلك. لم يعلّق التاجر على اقتراح الغولة التي استحوذ امتلاك جمالها الفائق على عقله وعيّن له مرتبة دنيا في الحوار، وإنما توجه مباشرة إلى ابنه طالباً منه أن يحضر قلب الجمل الأزرق، على الرغم من إدراكه أن الرحلة تنطوي على مخاطر جمة يمكن أن تتسبب بضياع الولد. وهنا تتغير مراتب الحوار عندما يبدأ الأب بمخاطبة ابنه، الأمر الذي يعكس "افتراض وجود أساس مشترك من الأيديولوجيا العنصرية بين المتحدث والمشاركين الآخرين"،[58] فالأب يقول لابنه بنبرة تغلب عليها الرسمية: "زوجة أبيك مريضة ولن يشفيها إلّا قلب جمل أزرق"،[59] ثم يردف بعبارة ظاهرها توسل، وباطنها سوء استخدام لسلطة الوالدية: "برضاي عليك أن تحضره، فلن يقدر على إحضاره أحد غيرك"، أي لن تكون ولداً مرضياً عنه إن لم تنفذ، وإلّا سيقع عليك غضب قلبي وغضب ربي.
يتوكل الشاطر حسن الذي يستبطن، بحكم املاءات ثقافته، أهمية رضا الوالد، حتى إن كان على خطأ، ويتفوه قبل أن يغادر بعبارة "أوصيك بأمي وخالاتي"[60] التي تعكس، بدورها، كيف يتكفل الأعضاء المحمّلون بمواردهم "تجنّب القيم التعبيرية للألفاظ لأسباب علائقية"،[61] فهو لم يقل مثلا: "سأُحضر قلب الجمل الأزرق شرط أن تهتم بأمي وخالاتي لأنك لم تفعل ذلك من قبل، بدليل أنك سمحت لزوجتك بأن تقلع عيونهن"، لأن الولد غير مؤهل، بحكم موارده الثقافية، أن يشترط على والده شيئاً. وهنا يتلفظ الوالد بمفردة "اطمئن"[62] التي تصدر عن مشارك في الحوار "يتمتع بسلطة أكبر، [و]يضع القيود على مساهمات المشاركين الأقل سلطة ]الابن["،[63] تلك القيود المضمَرة التي تكفل تجنّب عبارات نحو: "تحت أمرك"، أو "أفعل ما تريد على الرأس والعين"، أو "حاضر"، أو غير ذلك من عبارات أُخرى كثيرة يتيحها نظام اللغة للمتكلمين، وتحبسها العلاقات.
يغادر الشاطر حسن البيت، وهو الذي صار بطلاً باحثاً عن حاجة زوجة أبيه،[64] ويصل إلى أرض خلاء، ثم يقف أمام مغارة على بابها نار مشتعلة، ويرى غولة جالسة بالقرب منها. وكي يصبح الشاطر حسن (لاحظ دلالات الصفة "شاطر")، من جماعة الداخل، فإنه يسلم على الغولة التي تصطلي قرب النار، ويقصّ شعرها الذي يغطي وجهها وعينيها، وكذلك أظافرها الطويلة، ويرضع من ثدييها. وهذا الفعل الأخير، المعشّق بحمولات ثقافية من عيار ثقيل، يجعل من الشاطر حسن ابناً للغولة بالرضاعة، وأخاً لابنَيها اللذين سيؤديان دور المساعد أو الوهاب[65] في تحقيق مسعى تلبية حاجة زوجة الأب المعلنة. يَهِب ابن الغولة الثاني، "أخاه" الشاطر حسن سيفاً خشبياً، ويحمله إلى مكان الجمل الأزرق الذي كشفت الغولة الأم للشاطر حسن حقيقة أنه والد زوجة أبيه، وأن الأخيرة ليست في الحقيقة سوى غولة متخفية بهيئة امرأة جميلة، ثم يدله كيف يقضي على هذا الجمل لينتزع قلبه.
بعد حادثة قتل الجمل الأزرق (الأب)، يتسع الشرخ بين "جماعة" زوجة الأب و"جماعة" الشاطر حسن، ولذا تواصل زوجة الأب مساعيها كي تتخلص من قاتل أبيها. وتكرر زوجة الأب سيناريو "إعلان الحاجة" على أمل أن تتخلص من الشاطر حسن، ويواصل الأخير الامتثال لطلبات أبيه التي تشرعنها إملاءات الأسباب العلائقية بين مركز السلطة (الأب) وهامشه (الابن)، ومن دون تأثير لمعرفة الشاطر حسن بحقيقة زوجة أبيه ومساعيها للتخلص منه. ومرة أُخرى تتمارض الغولة، وتعلن للأب أن دواءها هذه المرة هو شربة من عين ماء الحياة التي يحرسها أربعون غولاً من جماعتها، ويتمكن الشاطر حسن، بمساعدة جماعته، أي أمه الغولة وأخوَيه في الرضاعة، من أن يخدع الغيلان التي تحرس عين الماء، ويلبي طلبة زوجة أبيه التي وصلته عبر المفتون بحيازة الجمال الخارجي الفائق (أبيه)، ويحقق بالنتيجة اتساعاً إضافياً للشرخ بين "الجماعتين".
تتمارض الغولة مرة ثالثة، وتطلب العصفور الأزرق دواءً عبر قناة الأب الذي أخبرها في إعلان صريح، عن المخاطر التي عرّض ابنه لها في المرتين السابقتين: "الثالثة تالفة، لا نريد أن نضيّع الولد."[66] يتفانى الشاطر حسن متواكلاً على الله، ويؤكد لأبيه أنه سيُحضر العصفور الأزرق "ولو كان في تخوم الأرض"،[67] ومن دون أن يجرؤ، بحكم موارده الثقافية مرة أُخرى، على مواجهة أبيه بحقيقة زوجته الغولة.[68] يرجع الشاطر حسن إلى أمه بالرضاعة، وعندما يعلمها بالطِّلبة الثالثة، تكشف له أن العصفور الأزرق هو روح الغولة، وقتله يعني التخلص منها إلى الأبد. تطلب الغولة (الأم) إلى الشاطر حسن أن يمر بابنها / أخيه كي يوصله إلى القصر الذي يحوي قفص العصفور، ثم توصيه، في عبارة معشّقة بالتمييز على مستوى النوع الاجتماعي وتحديد تراتبية الذوات الذكرية والأنثوية، بأن يكون "أخا أخته"،[69] أي شجاعاً يحمي حقّه وعرضَه، وذلك تفوّق جنسه وأنماط التربية التي شكلت نوعه الاجتماعي. يسمع الشاطر حسن، فور دخوله إلى القصر، صوت امرأة تئن، ثم يراها وقد ربطها الغول حارس القصر إلى الحائط وشدّ شعرها إلى السقف. يسأل الشاطر حسن، بعد أن يفكّ قيود المرأة ويغسل جروحها بماء الحياة، عن الغول، فتعلن له أنه نائم في الغرفة المجاورة. يجيز الشاطر حسن / الذكر لنفسه أن يأمر المرأة قائلاً: "ادخلي الغرفة وتأكدي من أنه نائم"،[70] مستخدماً إياها، بذلك، درعاً بشرياً يحمي نفسه به. يدخل الشاطر حسن الغرفة مطمئناً بعد أن تؤكد له المرأة أن الغول نائم، ثم يقتله ويفتح القفص ويضع العصفور في جيبه. يعرض الشاطر حسن على المرأة / درعه البشري بعد ذلك أن يوصلها إلى أهلها، فتعلن له، وفي تنويعة على عبارة "أبحث عن الذي يسترني على سنّة الله ورسوله" التي سبق أن استخدمتها زوجة الأب، أن لا أهل لها إلّا الله والشاطر حسن،[71] فيأخذها الشاطر حسن معه بنخوة، ويتركها في عناية أمه حين يصل إلى البيت بمساعدة أخيه الغول.
وفي المشهد الأخير من الحكاية، وهو رجع الصدى لمشهد البداية، أو ما أُطلق عليه مجازاً الدولاب، يتم تأكيد أشكال العلاقات كلها التي مر تفصيلها بين الذوات، وتتعمق بينها المراتبية بشكل لا يشوبه الغبش البتّة. يذهب الشاطر حسن مباشرة إلى أبيه وزوجة أبيه مسلحاً بالعصفور الذي في جيبه هذه المرة، ويقول: "امرأتك هذه غولة تكيد لك وأنت لا تدري"،[72] واضعاً أباه موضع الضحية التي تستحق أن نتعاطف معها، ومسوغاً لنفسه، بذلك، الامتثال المطلق لما تفرضه الثقافة على الابن كي لا يصنَّف عاقّاً، ثم يأمر الغولة بأن تُرجع عيون أمه وخالاته. إن الطريقة التي صيغت بها هذه العبارة تتكفل بتعمية الفاعل (الأب)،[73] وتجعل الغولة مسؤولاً وحيداً عمّا ارتُكب في حقّ النساء من إيذاء جسدي، وتدينها وحدها، وتُخرج الأب من دائرة الجرم الذي ارتكبه حين سمح للغولة، جرياً وراء غرائزه، بأن تقترف جرمها. وبعد أن يكشف الشاطر حسن للغولة مكائدها في المرات الثلاث، يقول: "فأمّا أبي الذي سلمك أمر نفسه، وضحّى بنسائه وابنه من أجلك فالله يسامحه، وأمّا أنت فسوف أتخلص منك حتى لا يصل شرّك إلى أحد بعد اليوم."[74] تؤكد هذه العبارة موقف الشاطر حسن السابق من فعلة أبيه "الضحية"، وتلطّف انخراطه في دائرة الجرم بتأكيدها (أي العبارة) مسامحة الله التي تتكفل بألّا يُوقع الشاطر حسن على أبيه أي نوع من أنواع اللوم المباشر أو العقاب. وفي استغراق تام لاستبطان سوء السلطة هذا وإعادة إنتاجها، ترد في نهاية الحكاية عبارة "ورجعت النساء إلى زوجهن"،[75] وهي عبارة تتكامل فيها مسامحة النساء لزوجهن مع مسامحة الله، وتوفر لصاحب السلطة مجالاً كي يمارس سوء استخدام سلطته، ويظل، مسنوداً بلغة الخطاب، فوق محاكمة حقيقية صريحة لا يتيح الخطابُ نفسه لابنه أو لزوجاته أو لعائلاتهن أو للمجتمع برمّته أن يباشر إلى عقدها.
لا يخفى أن الأيديولوجيات الثقافية المضمّنة في خطاب حكاية الشاطر حسن تتعاضد مع الأيديولوجيات المضمّنة في سلسلة الأنواع الأدبية التي تنتمي إليها هذه الحكاية؛ فالحكايات الشعبية تزخر بمثل هذا التمثيل للذوات الفاعلة على اختلافها، بل لا تكاد تشذ عنه،[76] كما أن الأمثال الشعبية لا تشذ عن هذا التمثيل، وتزخر بفيض من المقولات التي تتكامل معه، نحو: شيطنة زوجة الأب، وجعل المرأة تابعاً لا صوت له، وتفضيل مَن تنجب الذكور على الإناث، وتكريس سلطة الأب غير الخاضعة للسؤال، وغير ذلك.[77] إن هذا التكامل الملحوظ بين محمول المخرجات الشعبية يؤكد ضرورة التبصر الدائم في اللغة، وأهمية التعامل مع انعدام براءتها في الصوغ، وكيفية اضطلاعها بدور الوسيط للسيطرة الاجتماعية ولإنتاج شكل العلاقات والحفاظ عليها.
3 - الشرح
يمكن النظر إلى التحليل الذي مر في مستوى الوصف والتفسير على أنه نوع من استجواب لخطاب النص، بينما التحليل في باب الشرح هو كشف عن مرشده في القول، أو هو محاولة لإماطة اللثام عن أساس أفعاله، لأن الشرح سيتصدى لنبش أركيولوجيا الخطاب في الحكاية، أو نبش أساس أفعاله. وهنا يمكن أن يُطرَح تساؤلان اثنان: الأول عن صلاحية استخدام نص فولكلوري لتوصيف وتفسير وشرح بعض الأحوال الاجتماعية الآن في المجتمع العربي / الفلسطيني الذي أنتج أو أعاد إنتاج هذه الحكاية، والثاني عن مدى شيوعها، وبالتالي كثافة شيوع الأنماط الثقافية المضمّنة فيها، لأن عدم الشيوع مرتبط، إلى حد يمكن أن يدافَع عنه، بعدم شيوع التنميطات الثقافية والعلاقات الاجتماعية مثلما جرى وصفها وتفسيرها، ومثلما سيجري الآن شرحها. والإجابة عن هذين التساؤلين، وهما تساؤلان وجيهان من دون شك، تأتي من اعتماد مدخل الشرح الآتي على دراسات حديثة ومكرّسة ولا ينقصها الشيوع في المجتمع العربي، وكلها يؤكد أن الأنماط الثقافية المضمرة والمعلنة في الحكاية هي أنماط ملحوظة في المشهد المجتمعي العربي المعاصر وقابلة للقياس، على الرغم ممّا يمكن أن يقال، طبعاً، عن تغيير يطال البُنى الاجتماعية ولا يُنكره علماء الاجتماع أنفسهم.
تُجمع الدراسات في حقل علم الاجتماع على أن المجتمع العربي مجتمع أبوي (بطريركي)، وهو في أحسن أحواله، وبحكم متغيرات يفصّلها هشام شرابي وحليم بركات،[78] مجتمع أبوي جديد أو معدّل (نيوبطريركي). والأب في هذا النوع من المجتمعات يحتل رأس الهرم في العائلة التي يأتي توزيع الأدوار فيها على أساس الجنس والعمر، وهو مَن يشغل مركز السلطة والمسؤولية في فضاء العائلة الخاص وفي الفضاء العام.[79] وهذا الأب / المركز يتوقع من بقية أفراد العائلة / الهامش أن يمتثلوا لمشيئته ورغباته التي تسقط عليهم من فوق من دون مساءلة، أي يتوقع منهم أن يمتثلوا للمعادلة الناظمة وغير الحوارية (معادلة إعلان الرغبة وتلبيتها) التي يكرّس الامتثالُ لإملاءاتها مراتبَ دونية للذوات، وخصوصاً من النساء والأبناء، ويكرس، بالمجمل، مراتب الذوات في الدائرة المجتمعية الأكبر المحكومة هي الأُخرى، وفي تكامل طبيعي مع دائرة العائلة الأصغر، بعلاقات بطريركية على عدة مستويات منها: القبلية والطبقية والسياسية والتربوية والوظيفية وغيرها.[80]
يصادر هذا الشكل من العلاقات العمودية التي يمتثل فيها مَن هم "تحت" لإملاءات مَن هم "فوق"،[81] القدرة على مواجهة ناقدة للمتنفذ الذي يتوجب على مَن هم دونه في سلّم العائلة، وخصوصاً النساء، أن يستجيبوا لرغباته باحترام وطاعة، وبكثير من المسايرة التي تتراكم معها المكابدة وتتكمم. وبالتالي، يعزز هذا الشكل العمودي الموسوم بالتسلط والقهر، مبدأ التماهي بالجماعة المتسلطة واستجداء رضاها،[82] ويتكرس مدعوماً بخطاب تنهض لغته على نظام من الخيارات غير المعزولة عن أسباب تستدعيها سياقات هذا الشكل من العلاقات الاجتماعية وتوجبها.
جميع ما مر معنا في الحكاية في مدخل الوصف والتفسير يُعدّ مرآة للوعي الثقافي[83] الخاص بالذوات الخاضعة لمثل هذا الشكل من العلاقات، فالرجل الذي قرر واختار وزوّج، محمّل بتصنيف رباعي معشّق بحمولات ثقافية ثقيلة في المجتمعات البطريركية، ومؤهل لفرض سلطته وللبقاء فوق المسائلة. وهذه الشخصية، علاوة على كونها رجلاً، تتمتع بصفة معنوية هي صفة الوالدية، وهي وحدها تكفي لشرعنة أغلب ما يصدر عن هذه الشخصية التي تتربع على رأس الهرم في المجتمعات المذكورة، والتي تنعف رغباتها في عقل الشخصيات التي تربّت على أن تظل في مكانها وتكابد في القاعدة. وإلى جانب ذلك، فإن هذه الشخصية متقدمة جداً في السن، الأمر الذي يضيف إلى حمولتها الثقافية زِنة أُخرى تُثقل حضورها المتسلط على جماعة الـ "تحت"، وتفرض الطاعة المطلقة للكبير الذي يراقب الكل[84] ويحكمهم واقفاً على حافة قبره.[85] وتنعم شخصية الرجل والوالد والمسنّ بتصنيف رابع، فهي شخصية متنفذة اقتصادياً كذلك، والغنى، حين يتعاضد في المجتمعات البطريركية مع التصنيفات السابقة، يُكسب مثل هذه الشخصية جبروتاً إضافياً يجيز لها وضع ثقل غير بسيط على كاهل المفعول بهم داخل إطار العائلة النووية، ووضع ثقل مثله على كاهل المفعول بهم في الإطار المجتمعي الأوسع.[86]
فحين اتّخذ الوالد قراراه واختار لابنه أربع بنات وزوّجه إياهن في ليلة واحدة، لم يُظهر النص أن الابن استُشير في القرار أو الاختيار، بدءاً من قبول فكرة الزواج أو رفضها، وصولاً إلى عدد الزوجات وصفاتهن المعنوية والمادية، كما لم تظهر في النص أي إشارة إلى مراعاة تفضيل البنات واحترام رأيهن، أو احترام تفضيل أهلهن الذين أظهرهم النص، ضمنياً، مباركين لقرار هذه الشخصية الرباعية التصنيف ولاختيارها وتنفيذها. وطبعاً يمكن أن يُنظر إلى الأمر من زاوية صناعة موارد البنات الثقافية التي يمكن أن تجيز المشاورة وتضمن معها القبول، ليصبح رأي البنات، بالمحصلة، رأي الجماعة، وهذا في الحقيقة أكثر واقعية وأشد استلاباً. إن هذا النوع من المصادرة يبرره مفهوم الزواج في المجتمعات البطريركية أصلاً؛ فالزواج، مثلما يؤكد علماء الاجتماع، شأن مجتمعي أولاً وأخيراً،[87] وممارسة من ممارسات الحفاظ على مكانة العائلة وسمعتها وعلاقاتها المجتمعية. فالاختيار حين وقع على البنات لم يحدث لذاتهن، وهو ما يشرح لماذا حرص الوالد على أن تكون المرشحات للزواج، علاوة على جمالهن الخارجي، من أفضل بنات البلد في الحسب والنسب. وتجدر الإشارة، هنا، إلى أن إصرار الأب على أن يزوج ابنه أربع بنات في ليلة واحدة، إنما هو أمر جاء بدافع من حقيقة أن هذا الأب، بحكم موارده البطريركية، مسكون بهمّ حفظ ميراث العائلة (جماعة الداخل) الكبير، ورفع إمكان إنجاب الذكور الذين سيتولون إدارة شؤون تجارتها،[88] ويضمنون، بالتالي، هيبتها وعدم تسرب رأس مالها الاقتصادي والرمزي إلى عائلات "جماعة الخارج".
وحين نتبصر في محددات الاختيار الخارجية (الحسب والنسب والزين)، نلاحظ أن النظرة إلى المرأة تغيّب فكرة "الاعتراف بوجودها ككائن قائم بذاته له غيريته وأصالته [.... و] تخدم في آنٍ معاً أغراض السيطرة الاجتماعية عليها كأداة للإنجاب والإمتاع [.... و] تقضي على إمكاناتها الذهنية والإبداعية"،[89] وتسلب كل إمكان لتحررها ولتَكَوُّن وعيها الناقد بما تُنزله عليها الثقافة الذكورية. ونلاحظ، أيضاً أن الشاطر حسن تماهى بوالده المتسلط وكثّف المصادرة والاستلاب، حين منح الغولة المتخفية بهيئة امرأة جميلة حقّ قلع عيون نسائه الأربع، وسعى لأن يذوب "في عالم المتسلط ونظامه"[90] على أمل أن يستعيد اعتباره الذاتي، أو وَهْم اعتباره الذاتي الذي أفقده إياه والده. فأبو الشاطر حسن مارس سلطته الموروثة على أناس دونه (النساء الأربع وابنه)، ليتكرس، بالنتيجة، غياب "أيديولوجية مضادة للتغيير الاجتماعي الجذري."[91] وهذا الغياب يضمن عدم اعتراض النساء على رغبة الرجل في التمتع بمَن هي أجمل، ويفسر، في الختام، شكل رجوعهن المجاني المزيّن "بهيبة الصمت"[92] إلى الزوج الذي كشف الشاطر حسن حقيقة زوجته الغولة، وقدّم له، في الوقت نفسه، صكّ غفران ثبّت سوء استخدام السلطة، وأعاد إنتاجها لدورات حياتية تتعاقب فيها أجيال تداوم على حمل الوظائف ذاتها، وتنتصب، بغضّ النظر عن موقعها في الإعراب، مفعولاً به لفاعل مرفوع وحيد هو الثقافة.
خاتمة
عندما يضطلع اللغويون بتحليل الخطاب غالباً ما يتحدثون عن النحو أو التركيب، وقلما يتحدثون عن دور المجتمع ومؤسساته في تشكيل أنماط العلاقات التي تعكسها مرآة اللغة في مستوياتها المتنوعة وتخلّقها. وطبعاً، يمكن أن يكون العكس صحيحاً، فالعاملون في حقول المقاربات الثقافية للخطابات كثيراً ما يتجاهلون النحو ويركزون على مؤسسات المجتمع على اختلافها، ويتناسون، بالنتيجة، أن اللغة والمجتمع إنما هما في حالة تأسيس وتأثير متبادل، وأن الإنسان حين يتواصل لا يحدد خياراته اللغوية بمعزل عن أسباب تستدعيها السياقات أو تفرضها المواضعات الاجتماعية.
تأسيساً على فهم هذه العلاقة الجدلية بين اللغة والمجتمع، قارب البحث حكاية الشاطر حسن في ضوء مقولات جماعة التحليل النقدي للخطاب، وتوزع على مقدمة وإطارين: قدّم الإطار الأول مقولات الجماعة موضحاً المقصود بمفهومها للخطاب، وبتوجهها النقدي في تحليله، وبالنموذج التحليلي الثلاثي الأبعاد الذي طوره نورمان فيركليف، وجرى اعتماده في تحليل الحكاية ؛ أمّا الإطار الثاني فقرأ الحكاية قراءة تطبيقية في ضوء تفصيلات الإطار النظري وأبعاد النموذج الفيركليفي، وتوصّل من خلال "وصف وتفسير وشرح" لغة خطاب الحكاية إلى أنها تساهم في إنتاج / إعادة إنتاج أنماط سائدة من العلاقات الاجتماعية العمودية في المجتمعات البطريركية / الأبوية، وتكرس سوء استخدام السلطة التي تتحكم مصالحها في تشكيل موارد الأعضاء ممّن يُنتجون اللغة ويتلقّونها. وقد عرض البحث في هذا المفصل التحليلي عدداً لا يستهان به من الأنماط المفرداتية والتركيبية التي وردت في الحكاية، وسلّط الضوء على كيفية تكريسها لعدة أشكال من سوء استخدام السلطة، وما يرشح عنه من غياب المساواة، والمصادرة، والقهر، والتماهي بالجماعة المتسلطة، واستجداء رضا المتسلط، وغير ذلك.
إن هدف هذا البحث، من وراء كشفه عن كيفية تحكّم المواضعات الاجتماعية في الخيارات اللغوية الخاصة بمستخدمي اللغة في المجتمعات البطريركية المذكورة، هو أن يساهم في زيادة الوعي الناقد بدور لغة الخطاب في تكريس أشكال الهيمنة الاجتماعية، وبضرورة رفع حساسية التبصر في الدور الذي تضطلع به اللغة في إنتاج علاقات السلطة الاجتماعية التي تصادر صوت المهمشين، لكن من دون أن تحرمهم، بدافع من إملاءاتها، من "الحقّ" في أن يتحدثوا، أو من "الحقّ" في أن يواصلوا شعورهم باستقلال ذواتهم الوهمي في أثناء إنتاج الخطابات وتلقّيها.
المصادر:
[1] نورمان فيركليف، "اللغة والسلطة"، ترجمة محمد عناني (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2016)، ص 15.
[2] المقصود هنا الثقافة من منظور أنثروبولوجي، وهي بحسب هذا المنظور تدل "على مجموع طرق توافق بني الإنسان المتعلمة والمنقولة اجتماعياً، أي أن 'ثقافة' جماعة من المجموعات تضم جميع طرق وأساليب حياة تلك الجماعة ما عدا ذلك الجزء الغريزي المنقول بالوارثة الجينية البيولوجية." انظر: شريف كناعنة، "الفولكلور ما هو؟"، في: منعم حداد، محرر، "التراث الفلسطيني بين الطمس والإحياء: مجموعة دراسات وأبحاث" (الطيبة: مركز إحياء التراث العربي، 1986)، ص 35 – 49.
[3] نبيل علقم، "الثقافة الشعبية والهوية الوطنية"، ورقة قُدّمت في مؤتمر "المنتدى العالمي للتربية" (اليونسكو) في سنة 2010.
[4] "موارد الأعضاء" مفهوم مركزي عند جماعة التحليل النقدي للخطاب، وسيأتي تفصيله في محور الإطار النظري مباشرة بعد هذه المقدمة.
[5] يقسِّم الفولكلوريون المادة الفولكلورية إلى مادية وقولية، فالثوب التقليدي وأدوات الزراعة التقليدية، على سبيل المثال، جزء من الفولكلور المادي، والأدب الشعبي بمختلف أجناسه من شعر ونثر مادة قولية أو معنوية. انظر: كناعنة، "الفولكلور ما هو؟"، مصدر سبق ذكره.
[6] يتسق مفهوم الأيديولوجيا مثلما يُستخدم هنا، مع الثقافة بمفهومها الأنثروبولوجي مثلما مرّ في الهامش رقم 1، والمقصود به طرائق تفكير فرد أو جماعة أو ثقافة من الثقافات ومحتوياتها، ثم العلامات الفارقة لهذه الطرق أو المحتويات. عن ذلك انظر:
Asumta Mulila-Mateu, Discourse, Gender Identity and Gender Power Relations in Fiction: A Critical Discourse Analysis and Systemic Functional Grammar Reading of Wamitila’s Uniatwa Nani, unpublished Doctoral Thesis (Nairobi: University of Nairobi, Department of Linguistics and Languages, 2014), p xii.
[7] وردت المروية المعتمدة في هذا البحث في: نمر سرحان (محرر): "حكايات شعبية من فلسطين" (بيروت: دار الفتى العربي للنشر والتوزيع، 1987)، ص 41 - 47، والتي روتها هي امرأة فلسطينية من "عرب أبو كشك " من منطقة يافا.
[8] بشأن هذه المناهج وغيرها، انظر: ريتشارد دورسون، "نظريات الفولكلور المعاصرة"، ترجمة محمد الجوهري وحسن الشامي (الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، 2007)، ص 45 – 133؛ نبيل علقم، "مدخل لدراسة الفولكلور" (البيرة: منشورات جمعية إنعاش الأسرة، 1982)، ص 155 - 210.
[9] تقدّم نبيلة إبراهيم، في سياق تناولها هذا المنهج، مقاربة مقارنة لعدد من مرويات جاءت من عدة مناطق جغرافية لحكاية "الرجل الذي هبط من الجنة". انظر: نبيلة إبراهيم، "الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق" (القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة، 1973)، ص 223 - 231.
[10] انظر: علقم، "مدخل لدراسة الفولكلور"، مصدر سبق ذكره، ص 179.
[11] والتر أونج، "الشفاهية والكتابية"، ترجمة حسن البنا عز الدين، مراجعة محمد عصفور (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، 1994)، ص 56، 59، 92.
[12] مصطلح اللاوعي الفرويدي لا يعني مخزوناً سلبياً من معطيات محايدة، بل يعني كياناً دينامياً يحرك الإنسان في أعمق مستويات وجوده وإنتاجه وردات فعله، ويُستخدم هنا مضافاً إليه ظلال المعاني التي ألحقها به يونغ عندما تحدث عن لاوعي جمعي يختزن في ثقافته رموزاً حيوية يستخدمها الأدباء لإثارة الإحساس والتعبير عن وعي المجتمع بذاته. وبشأن هذه المسألة، انظر: لويس تايسون، "النظريات النقدية المعاصرة: الدليل الميسر للقارىء"، ترجمة أنس عبد الرزاق مكتبي (الرياض: دار جامعة الملك سعود للنشر، 2014)، ص 14 - 15؛ إبراهيم محمود خليل، "النقد الأدبي الحديث: من المحاكاة إلى التفكيك" (عمّان: دار المسيرة، ط 4، 2011)، ص 22 - 23.
[13] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 35؛ توين فان دايك: "الخطاب والسلطة"، ترجمة غيداء العلي (القاهرة: المركز القومي للترجمة، ط 1، 2014)، ص 36. وانظر كذلك:
Sepideh Mirzaee & Hadi Hamidi, “Critical Discourse Analysis and Fairclough’s Model”, ELT Voices-International Electronic Journal for Teachers of English, vol. 2, issue 5 (October 2012), p 184.
[14] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 22 – 26. وانظر أيضاً:
Jan Blommaert, Discourse: A Critical Introduction (Key Topics in Sociolinguistics), (New York: Cambridge University Press, 2005), pp. 9-13.
[15] ماريان يورغنسن ولويز فيليبس، "تحليل الخطاب: النظرية والمنهج"، ترجمة شوقي بوعناني (المنامة: هيئة البحرين للثقافة والآثار، ط 1، 2019)، ص 13.
[16] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 45.
[17] شريف كناعنة، "مفاهيم أساسية في الثقافة"، في: منعم حداد، محرر، "التراث الفلسطيني بين الطمس والإحياء: مجموعة دراسات وأبحاث"، مصدر سبق ذكره، ص 47.
[18] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 35.
[19] هانز - جيورج جادامر، "تجلّي الجميل ومقالات أُخرى"، ترجمة سعيد توفيق (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 1997)، ص 14.
[20] بشأن الفرق بين النظام الكلام، وتحفظات فيركليف على هذه القسمة السوسيرية، انظر: فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 39 - 41.
[21] المصدر نفسه، ص 49.
[22] يورغنسن وفيليبس، مصدر سبق ذكره، ص 14.
[23] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 35.
[24] يورغنسن وفيليبس، مصدر سبق ذكره، ص 14.
[25] من هؤلاء الأعلام: جيمس جي (James Gee)، وروث وداك (Ruth Wodack)، وجان بلومايرت (Jan Blommaert) وغيرهم كثير.
[26] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 17.
[27]Blommaert, op. cit., p. 19.
[28] جادامر، مصدر سبق ذكره، ص 12.
[29] فان دايك، مصدر سبق ذكره، ص 37.
[30] باولو فرايري، "تعليم المقهورين"، ترجمة يوسف نور عوض (بيروت: دار القلم، 1980)، ص 52 - 53.
[31] بشأن تفصيلات هذه المسألة، انظر: إدوارد سعيد، "المثقف والسلطة"، ترجمة محمد عناني (القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع، 2006)، ص 33 - 34.
[32] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 15.
[33] فان دايك، مصدر سبق ذكره، ص 29.
[34] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 152.
[35] المصدر نفسه، ص 47.
[36] المصدر نفسه، 152.
[37] للوقوف على مجموعة الأسئلة وتفريعاتها، انظر: المصدر نفسه، 153 - 154.
[38] المصدر نفسه، ص 45.
[39] المصدر نفسه.
[40] المصدر نفسه، ص 195.
[41] المصدر نفسه، ص 220.
[42] المصدر نفسه.
[43] فان دايك، مصدر سبق ذكره، ص 8.
[44] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 152.
[45] المصدر نفسه، ص 200.
[46] Axel Olrik, “Epic Laws of Folk Narrative”, in: Alan Dundes, ed. The Study of folklore (Berkeley: University of California, 1965), pp. 129-141.
[47] Alan Dundes, “The Morphology of North American Indian Folktales”, FF COMMUNICATIONS (FFC), vol. LXXXI, no. 195 (Helsinki, 1964), pp. 61-64.
[48] بشأن تقديم مكثف وموجز للرواية البوليفونية وأشكال اختلافها عن أنماط السرد غير الحواري أو المونوفوني، انظر: رزان إبراهيم، "الرواية التاريخية بين الحوارية والمنولوجية" (عمّان: دار جرير للنشر والتوزيع، ط 1، 2012)، ص 25 – 35؛ محمد بوعزة، "البوليفونية الروائية"، في: "الفكر العربي" (معهد الإنماء العربي)، المجلد 17، العدد 83 (1996)، ص 86 - 97.
[49] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 42، 44، 160، 161.
[50] سرحان، مصدر سبق ذكره، ص 41.
[51] يَعدّ النحاة الجار والمجرور (لابنه) في هذه الجملة في مرتبة المفعول به، وذلك بدليل قولهم "مررت بزيد وعمراً"، انظر: يعيش بن علي بن يعيش، "شرح المفصل" (بيروت: عالم الكتب، ط 1، د. ت.)، المجلد السابع، ص 65.
[52] ينقل دخول الشرير، وفق تنظيرات البُنيويين الرواد، الحكاية من حالة الثبات إلى حالة الخلخلة، وهزيمة هذا الشرير الحتمية في النهاية تعيد الحكاية إلى حالة ثباتها قطعاً. وبشأن بُنية الحكاية الشعبية ووظائف شخصياتها الدرامية يمكن العودة إلى: فلاديمير بروب، "مورفولوجيا الحكاية الخرافية"، ترجمة أبو بكر أحمد باقدار وأحمد عبد الرحيم نصر (جدة: النادي الأدبي الثقافي، ط 1، 1989)، ص 83 - 136.
[53] سرحان، مصدر سبق ذكره، ص 41.
[54] المصدر نفسه، ص 42.
[55] المصدر نفسه.
[56] المصدر نفسه، ص 43.
[57] المصدر نفسه.
[58] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 161.
[59] سرحان، مصدر سبق ذكره، ص 43.
[60] المصدر نفسه.
[61] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 161.
[62] سرحان، مصدر سبق ذكره، ص 44.
[63] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 186.
[64] يصنف فلاديمير بروب البطل في الحكاية الخرافية إلى نوعين: باحث وضحية. وبشأن تصنيف بروب هذا، انظر: بروب، مصدر سبق ذكره، ص 96 - 97.
[65] المصدر نفسه، ص 100.
[66] سرحان، مصدر سبق ذكره، ص 45.
[67] المصدر نفسه.
[68] يمكن أن يعلَّل عدم الرفض تعليلاً بنائياً بحسب بروب، فهو يحضر لقبض الشاطر حسن على العصفور والتخلص من الغولة الشريرة، غير أن هذا الامتثال، وضمن مبدأ السببية نفسه، لا يمكن أن يتم تسويغه بمعزل عن إملاءات موارد الأعضاء وسلطة الثقافة.
[69] سرحان، مصدر سبق ذكره، ص 46.
[70] المصدر نفسه.
[71] المصدر نفسه.
[72] المصدر نفسه.
[73] فيركليف، مصدر سبق ذكره، ص 170، 186.
[74] سرحان، مصدر سبق ذكره، ص 47.
[75] المصدر نفسه.
[76] للوقوف على هذا التمثيل المكرور للذوات الفاعلة في الحكايات، انظر: إبراهيم مهوّي وشريف كناعنة، "قول يا طير: نصوص ودراسة في الحكاية الشعبية الفلسطينية"، تحقيق وترجمة جابر سليمان وإبراهيم مهوّي (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2001)؛ رشدي الأشهب، "حكايات شعبية من فلسطين" (القدس: جمعية الدراسات العربية، 1987).
[77] لمراجعة مثل هذه الأمثال، انظر: بسمة كامل عبد الله محمد، "الثابت والمتحول في المثل الشعبي الفلسطيني: مقاربات في صور المرأة" (بيرزيت: جامعة بيرزيت، برنامج الدراسات العربية المعاصرة، 2012).
[78] هشام شرابي، "النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي" (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2، 1993)، ص 21 – 23؛ حليم بركات، "المجتمع العربي في القرن العشرين: بحث في تغير الأحوال والعلاقات" (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، 2000)، ص 369 - 370.
[79] بركات، مصدر سبق ذكره، ص 367 - 368.
[80] المصدر نفسه، ص 369.
[81] المصدر نفسه، 368، 381.
[82] مصطفى حجازي، "التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط 9، 2005)، ص 139.
[83] سمير شريف استيتية، "اللغة وسيكولوجية الخطاب" (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 1، 2002)، ص 20.
[84] جورج أورويل، "1984"، ترجمة أنور الشامي (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط 1، 2006)، ص 8.
[85] سرحان، مصدر سبق ذكره، ص 41.
[86] بشأن فكرة الاستلاب الاقتصادي وغيره، انظر: حجازي، مصدر سبق ذكره، ص 210 - 217.
[87] بشأن هذه المسألة، انظر: بركات، مصدر سبق ذكره، ص 389.
[88] سرحان، مصدر سبق ذكره، ص 41.
[89] حجازي، مصدر سبق ذكره، ص 200.
[90] المصدر نفسه، ص 123
[91] المصدر نفسه، ص 137.
[92] بشأن فكرة هيبة الصمت باعتبارها الرشوة التي تسوّغ سرقة صوت المرأة، انظر:
Jane Sunderland, Language and Gender: An Advanced Resource Book (London: Routledge, 2006), pp. 2-3.