العام الأول بعد ميلاد
سجن "جلبوع"، 2021
الفصل الأول - المشهد الأول
يظهر على المسرح قسم في سجن، صف زنازين، للأبواب فتحة في أعلى الثلث الأول للأبواب من الأسفل. للفتحة باب صغير يظهر مفتوحاً في جميع الأبواب. يُسمع صوت:
- "استشهد أبو وعر، أبو وعر استشهد.."
أصوات وهمهمات ورؤوس الأسرى تبدأ بالإطلال من خلف الأبواب. أحد الأسرى يصيح: "تكبير". يردد الأسرى بصوت واحد: "الله أكبر". يتكرر التكبير ثلاث مرات، ثم يبدأ الدق - القرع على "الأشناڤ" المتعارف عليه لدى الأسرى عندما يسقط أحد الأسرى شهيداً. قرع "الأشناڤ" يتم بإيقاع منتظم يشكّل مدخل - بداية لتهليلة يرافقه رقصة للأسرى بعد أن يخرجوا من زنازينهم إلى ساحة السجن وهم يحملون نعش الشهيد ويرددون به.. التهليلة، تقول:
إتـمهَّلوا.. إتـمهَّلوا،
الموت هذا مِشْ إلوْ
يمكن خطأ،
يمكن ملاك الموت [مِنَّا] عجَّلو،
شافو حلوْ... شافو شباب وعنفوانْ
والموت دم الشباب بيثملوْ
إتـمهَّلوا.. إتـمهَّلوا،
الموت هذا مِشْ إلوْ
ليش البيانْ
ليش الشهيدْ
خَلِّي رفاقو تتأملو
[إتـمهَّلوا، إتـمهَّلوا،
الموت هذا مِشْ إلوْ
قبل الدَّفنْ
يمكن بَعِدْ فيُّوْ نَفَسْ.
إتـمهَّلوا، إتـمهَّلوا،
الموت هذا مِشْ إلوْ
إتـمهَّلوا، إتـمهَّلوا،
قبل الدَّفنْ
خلي رفاقو تتأملو]
إتـمهَّلوا، إتـمهَّلوا،
الموت هذا مِشْ إلوْ
يدخل عدد من السجانين، ينتزعون [جثمان] الشهيد من الأسرى، يهرول الراقصون / الأسرى ويدخلون الزنازين. سجان يأتي ويبدأ بإغلاق طاقات الأبواب الواحد[ة] تلو الأخر[ى] بإيقاع منتظم "تك تك تك". سجان آخر يحمل جرة غاز مسيل للدموع، يفتحها ويملأ المسرح ضباباً كثيفاً. يسود هدوء لمدة خمس ثوانٍ، ثم يُسمع صوت سلاسل تُجَرّ على أرضية باطون. يظهر على المسرح من بين الضباب رجل يرتدي كفناً، مكبّل اليدين والساقين، وإلى جانبيه يسير سجانان، أحدهما يحمل ملفاً، والآخر [يحمل] كيساً. ثلاثتهم يتوقفون أمام بوابة حديدية. خلف البوابة يظهر رجل يرتدي مريولاً أبيض (ممرض). يستلم الممرض من السجان (1) الملف.
السجان (1): استلم الأمانة (ويشير بإصبعه على ورقة من الملف): وقِّع لي هنا وصل الاستلام.
يوقّع الممرض على الوصل ويعيده إلى السجان (1). السجان (2) يناول الممرض الكيس.
السجان (2): وهذه أماناته الشخصية.
الممرض: هل هناك حاجة لتوقيع وصل الأمانات؟
السجان (1): لا حاجة. الوصل الذي وقّعته يشمل الميت وأماناته.
الأسير: ليش ما أنا أوقّع على الوصل؟ هذه أماناتي، بدي أعرف شو في بالوصل، وأطابقه مع محتوى الكيس.
السجان (1): ما بِصِحْ توقّع على أوراق رسمية، إنت ميت، يعني ما عُدت شخصية قانونية مؤهلة للتوقيع، ولا حتى على أماناتك.
الأسير: ولمّا أنا ميت، ليش إمقيديني في إيدي ورجلي؟ مش قانوني إني أوقّع على أوراق رسمية، بس قانوني تحتجزوا جثتي بأوراق رسمية؟!
السجان (2): مقيدينك لإنك مصنَّف أسير (س. غ. ف.) " خطر عالي للهرب". بعدين اتركنا من نقاشاتك السياسية، خلينا نعمل شغلنا.
الأسير: هذا مش نقاش سياسي، هذا نقاش في المنطق والأخلاق.
السجان (1): أي منطق وأي أخلاق؟ أنا سجان مش دكتور جامعة.
في هذه الأثناء يكون السجان (2) قد أنهى فكّ قيود الأسير. يدخل الأسير البوابة بعد أن يفتحها الممرض. بعد بضع خطوات يفتح الممرض باب ثلاجة الموتى. مع فتح الباب، يضاء داخل الثلاجة بضوء باهت. في الداخل رفوف أشبه بأسرَّة السجن. يدخل الأسير الثلاجة ويغلق الممرض الباب بقوة وينطفأ الضوء.
الأسير (محدثاً نفسه): طفوا الضو.. مين طفا الضو؟! يا "سوهير"، ضوي الضو.. "سوهير".
الصوت (1): ما تتعب حالك وتنادي على الفاضي.. شوي وعيونك بتعوّدوا على العتمة، وبتصير تشوف مثلنا.
الصوت (2): على فكرة، الضو بطفي لحاله لما بسكروا باب الثلاجة، وما سموش "سوهير"، هو مقتنع إنه ممرض.
الأسير: مين إنتو؟
الصوت (1): إحنا أموات مثلك.
الأسير: شو يعني أموات؟! مش لازم يكون حساب قبر بالأول، بعدها بنلتقي؟
يضاء داخل الثلاجة تدريجياً، وتظهر ظلال رجلين يرتديان الأكفان.
الصوت (2) (ضاحكاً بصوت عالٍ): مش لمّا يكون إلنا قبر بالأول!؟
الصوت (1): قصدك حساب الآخرة يوم الحشر.. لأ إحنا الفلسطينية موتنا بختلف: يا إمّا بننحشر في السجن عشرة.. عشرين سنة، أو بننحشر زي ما إنت شايف في ثلاجة، وبعدها الله كريم.
الصوت (2): قالوا لك حشر ولّا الحشر؟ إنت عارف الفلسطيني بعاني نقص بألـ التعريف.
الصوت (1): يعني باختصار، إنك تموت مش معناه إنك تندفن، وإنك تندفن مش معناه إنو يكون مكان دفنك معروف.. وإنك تندفن في مقبرة زي باقي البشر، وينعرف مكان دفنك، مش معناه إنو يكون إلك جنازة، ويحضرها الأهل والأقارب الأصدقاء. وكل وحدة من هذول بدها ختم الحاكم العسكري وموافقة الإدارة المدنية.. أُموت إنكنَّك بتعرف تموت.
الأسير (محدثاً نفسه): شو هالورطة.. إذا وأنا حي أخذلي خمس سنوات حتى نقلوني لسجن "رامون"، وعشر سنوات حتى سمحوا للأهل بزيارتي. قدَّيش بدي وقت وأنا ميت لأخلِّص كل معاملات الدفن!؟
الصوت (2): بقولوا إنو الموت حق.. إلّا في حالاتنا، هناك مسافة بين حق الفلسطيني وتحقيقه: مثل حقنا في الحياة، وحقنا في الحرية والاستقلال، وحقنا في العودة، لهسبب ما في فرق بين حياة الفلسطيني وموته. موتنا صار زي حياتنا.. إحنا عالقين في المنطقة الرمادية، بين الحق وتحقيقه.. أصبحنا الزومبي التاريخي، لا حي ولا ميت.
الأسير: ما إتعرفنا على الشباب.. أنا أخوكم كمال أبو وعر.
الصوت (1): بسام.. بسام السايح [....] من سكان نابلس.
الصوت (2): أنيس دولة من قلقيلية.
كمال أبو وعر: أكيد إلكم زمان هون.
بسام السايح: أنيس إلو من سنة إثنين وثمانين، وأنا من سنة [ألفين وتسعطعش].
كمال: ولاوو... من إثنين وثمانين!؟ يعني إلك في الثلاجة ستة وثلاثين سنة، شو بتحكي يا زلمي.
[....]
كمال: إنتو الوحيدين هون؟ ولّا في أُخرى شباب؟
بسام: لأ في.. (ويشير إلى جارور ثلاجة كبيرة كُتب عليه في العبرية [حلكي جوفوت لأحاد شنات 2000] - أشلاء بعد عام 2000).
كمال (يحاول تهجئة المكتوب بالعبرية على الجارور): حلكـ.. جو.. فوت..
بسام: من عشرين سنة صاروا يصلوا الشباب قطع زي ما إنت شايف.
كمال: بس أكيد في قسم ثاني.
أنيس: أكيد في.. ليش بتسأل؟
كمال: حابب أشوف باقي الشباب اللي إستشهدوا في السجن قبلي.. لازم إيكونوا هون في إحدى الثلاجات.. بدي أعرف شو صار فيهم.
أنيس: ما إحنا شباب، وإستشهدنا في السجن قبلك.. بعدين شو بدو إيكون صار فيهم؟! ماتوا.
كمال: بعرف إنهم ماتوا.. بس شو عملوا بإنهم ما إندفنوا حتى الآن.. هذا موضوع ما بنسكَت عليه.. لازم نطلع من الثلاجة.. لازم.
أنيس: هياتك متت وبعدك ساكت.
بسام: أمضيت كل هلسنين في السجن، وكان بينك وبين الموت شعرة، وهياتها الشعرة إنقطعت. شو عملت؟ وأصلاً شو كان بمقدورك تعمل.. يا أخي يا كمال، فكرنا في الموضوع قبلك، إطّلوع من الثلاجة مش هو المشكلة.. طيب إطلعنا، وين بدنا نروح؟! على غزة؟! وإلّا على الضفة الغربية؟! البلد مليانة جيش.. كيف بدنا نندفن بدون ما يعرف الحاكم العسكري. هذول الإسرائيليين ليل نهار بحصوا بالبلد، بعدُّوا أحياءنا وأمواتنا.. وإن زبطت معنا وما إعتقلونا، رح إيظلوا الجيش يطارد طيفنا.
كمال: أي جيش؟
أنيس: شو أي جيش.. الجيش الإسرائيلي.
كمال: آه فهمت.. يعني إنتو ما طلعتوا من الثلاجة لإنو في جيش. بَسْ بحب أقولكم إنو ما في جيش، لا في غزة ولا في الضفة، في سلطة فلسطينية.. بالأحرى، في جيش وفي سلطة.. أو الأصح في جيش وفي سلطتين فلسطينيات. طيب صارت صعبة عليكم، وبدها شرح طويل.. الواضح إنكم منقطعين عن الدنيا تماماً، وما بتعرفوا إنو صار إلنا سلطة فلسطينية، واحدة في غزة والثانية في الضفة، وإنو صار سلام بينا وبين الإسرائيليين.
أنيس: أي سلطة؟
كمال: سلطة.. سلطة فلسطينية.. قيادة منظمة التحرير عادت لفلسطين.
أنيس: كلها.. كلها؟
كمال: يعني مش كلها كلها.. غالبيتها.
أنيس (بلهفة): وصار إلنا دولة؟
كمال: يعني مش دولة دولة.
أنيس: إذا مش دولة، أكيد بعدنا حركة تحرر؟
كمال: يعني مش حركة تحرر.. حركة تحرر، صرنا سلطة.
أنيس: وين هاي إللي أقل من دولة ومش حركة تحرر بدك إتصنّفها!؟ شو حزرية هاي؟
أنيس: سلطة على كل فلسطين؟
كمال: مش كلها كلها، يعني على...
أنيس: على نُصها؟
كمال: مش نُصها نُصها يعني.
أنيس: قدَّيش طيب؟ على ثلثها.. على ربعها؟
كمال: مش مهم قدَّيش، المهم صار إلنا سلطة وإلنا رئيس.
أنيس: وين الرئيس؟
كمال: في البداية كان عرفات.. أبو عمار.
أنيس: طيب، وخسر الرئاسة في الانتخابات، وصار حدا ثاني؟
كمال: لا ما خسرها، قتلوه الإسرائيليين.
أنيس: كيف قتلوه؟ مش قلت في سلام؟
كمال: مش سلام سلام يعني.
أنيس (بعصبية): يعني شو؟ يا سلام يا مش سلام.
أنيس: أكيد دفنوه في القدس.. كانت هذه أمنيته دوماً.
كمال: مش في القدس في القدس، يعني.
أنيس: هاي ما فيها يعني.. يا دفنوه في القدس يا مش في القدس.
كمال: يا إخوان، هدُّوا بالكم إشوي.. أنا عارف وقع الصدمة عليكم كبير، بس تعرفوا التفاصيل وكيف إتطورت الأمور، رايحين تستوعبوا الوضع زي ما كلنا إستوعبنا.. وخليني أخبركم بكل التطورات وأسلسلها إلكم وحدة.. وحدة.. ورح أبدأ من عند مؤتمر مدريد. وإلّا أقولكم، رح أبدأ من الانتفاضة الأولى.
أنيس: نستوعب إيش وإلّا إيش يخوي يا كمال.. بدك إيانا نستوعب إنو صار إلنا سلطة.. وإلّا نستوعب إنو صار إلنا سلطتين!! ولا إنا مش دولة ولا حركة تحرر. وإلّا نستوعب إنَّا ظلينا في الثلاجة كل هذه المدة وما حدا سأل عنا.. وإذا سألوا، ليش ما تحررنا؟
بسام: مع العلم، [....] صار عنا، مش سلطة، سلطتين.
أنيس: ما يمكن هاي هيه العلة اللي كرستنا في الأسر.
كمال: يمكن، بس مش لازم نيأس.. عندي في الأمانات دفتر أرقام تلفونات المسؤولين في السلطة (يفتح كيس الأمانات ويُخرج نوتة): خلينا إنحاول نتصل فيهم بالأول.
بسام: كيف بدك تتصل فيهم؟
كمال: في على مدخل الثلاجة شفت مكتب وتلفون.. بس لازم نلقي طريقة لنفتح باب الثلاجة.
أنيس: هاي بسيطة خلوها عليّ (يسير أنيس نحو باب الثلاجة، ويعتم المشهد).
الفصل الأول - المشهد الثاني
على المسرح طاولة يجلس خلفها موظفان، أو عسكريان: الأول برتبة عقيد، له كرش، والثاني ملازم. من فوقهما في الخلفية يافطة كُتب عليها: "الهيئة الوطنية لإعادة هيكلة وتوظيف الأسرى والشهداء وتأهليهم". في الخلفية باعة متجولون وعربات لبيع الخضار والفواكه، يدللون على بضاعتهم.. أمام الطاولة عدد من المراجعين، طابور غير منظم من الرجال والنساء والأطفال، هرج ومرج وجدل بين المراجعين غير واضح، ثم تتضح بعض الجمل: "والله قرار ظالم ومهين." ثم يقول آخر: "من الصبح ملطوعين وما حد إمعبِّرنا."
مواطن (1) (موجهاً كلامه إلى العقيد): ليش المرة فاتحين الوزارة في سوق الخضار؟
العقيد: الهيئة.. الهيئة، إسمها الهيئة، تمويه حتى ما يكشفنا الأمريكان.
مواطن (1) (وهو يشير إلى أكياس مليئة بالخضار): إللي بفهمو إنكم ناويين تصرفوا مخصصات الأسرى خضار من السوق.. ليش ما تصرفوها مصاري زي زمان؟
العقيد: المصاري مراقبة، ومخصصات الأسرى صارت تُعتبر دعم للإرهاب.. وهذا الموضوع رايح إيدخلنا في سين وجيم... والله بزَنْكُم هذا ليمنعوا الخضار.
مواطن (1): هيك بتوزعوها هواء.. ما إحنا ميكلينوا للهواء.
مواطنة (1): ويا عالم ممكن يمنعوا الهواء.. عموماً بظل الخضار أحسن من صرف الشهر الماضي.. الشهر الماضي صرفوا بهارات، التوزيع كان بسوق العطارين.. صار عندي في البيت خمسة كيلو كركم وعشرة فلفل أسود، وين أروح فيهم العشرة كيلو؟ والله بفلفلوا المحيط.
العقيد: طنيب على عَرْضِك أنا، ما إتجيبي سيرة المحيط على لسانك.. بكرة بيمنعوا الفلفل وبصير مادة محظورة. والله من تحت راسكم لناكل الرز مش الفلفل.
مواطن (1): بتكون فرصة تنزل كرشك.
العقيد: يا إخوان يا جماعة الخير، نظمونَّا حالكم شوي حتى نمشِّي الدور... اليوم رايحين نسمع الجميع، وما حدا رايح إيروح قبل ما تخلص معاملتو، ويمكن إنقبضوا كمان.
مواطن (2): قبل إسبوع قلتوا لنا نفس الحكي.
بينما يقوم الملازم بترتيب الأوراق والملفات على الطاولة أمامه، يحاول طفل من الطابور خطف الدبّاسة عن الطاولة.
العقيد: ولك يا قرد إترك الدبّاسة.
الطفل: بدكم إدّبسونا، دبسونا عمو، دبسونا.
مواطن (2): إدّبسنا.. دبَّسونا من زمان.
العقيد (وهو يحاول تخليص الدبَّاسة من يد الطفل موجهاً حديثه إلى الموظف الثاني - الملازم): مش قادرين يفهموا إنو نظام الدولة بيختلف عن نظام حركة التحرر، وهاي أموال دولة.. عهدة موقّعين عليها، لما الولد في هلعمر بدو يلطش دبّاسة، شو بدو يلطش لما يكبر؟ بدو يلطش، دبابة؟
والدة الطفل: مش لما إنصير دولة، والله عيب تحكوا هيك حكي مع الولد. هذا إبن شهيد.
العقيد: يا ستي، على راسي الشهيد وإبنو، بس خلينا نعرف نشتغل. بعدين ليش واقفين عندي في الدور.. الشهداء هناك عند زميلي أبو أحمد.
يتقدم شاب في العشرين من عمره، يحتل مكان زوجة الشهيد في الدور، ويرتدي آخر موضة، ومصفف شعره ويسلم أوراقه إلى العقيد.
العقيد: طلباتك؟
الشاب: ما بدي أتوظف ولا أتأهل.
العقيد: وإلّا شو بدك؟
الشاب: بدي إتهيكلوني.
العقيد: ليش حضرتك قديش أمضيت في السجن؟
الشاب: شهرين.
العقيد (متوجهاً إلى الملازم بصوت عالٍ، ويناوله أوراق الشاب): أبو أحمد، هيكلو حبيبي هيكلو.. روح لعند أبو أحمد هو بهيكلك.
وقد أصبح الشاب واقفاً أمام الملازم، ويطجّ الأخير الختم على الأوراق.
الملازم: هيكلتك على قيد الشهداء.
يخطف الشاب أوراقه من يد الملازم، ويصرخ غاضباً: دخيل عرضك بلاش الشهداء.
الملازم (صارخاً بصوت عالٍ): إللي بعدو.
يتقدم من العقيد رجل بقامة طويلة وشاربين أطول واقفَين لفوق.
العقيد: شو الاسم بلا صغرة؟
أبو الشوارب: أبو صقر.
ينظر العقيد في سجل الأسماء الذي أمامه، يقلّبه، ويمرر إصبعه على كشف الأسماء وهو يردد: "أبو صقر.. أبو صقر".
العقيد: متأسف، إسمك مش وارد في الكشف.. إنت أكيد كنت أسير؟
أبو الشوارب: بالله شو.. أكيد كنت أسير وأمضيت عشرين سنة.
العقيد: أبو أحمد، شُفلي إسمه الله إيخليك في كشف الشهداء.
أبو الشوارب: شو شهداء ما شهداء، ما إنتي شايفني قدامك هياتني حي يرزق.
العقيد: والله شايف إنك قدامي حي يرزق، بس هذا ما بعني إنك مش إمسجل على قيد الشهداء.. أول إمبارح إجانا شب إمشورب مثلك وقال أنا الأسير فلان، وطلعوا عيوننا وإحنا إندوِّر في الكشف، فطلع بالآخر إسمو على قيد الشهداء.
مواطن (3) من بين المراجعين في الستين من عمره، يقول بصوت عالٍ: إنك ماشي على إجريك هذا ما بعني إنك مش شهيد، أنا بعيني هذول شفت في البلد كذا شهيد.
أبو الشوارب: بس أنا مش شهيد.
مواطن (3): ما في فرق كثير، خلِّيك شهيد أحسن إلك. ما بتعرف يمكن يجيك طلق في حاجز، أو يعتدوا عليك مستوطنين وأتروح فيها، هيك بتريِّح حالك وإبتريِّح الأهل من هلبهدلة في الطابور.. الدنيا فيها حياة وموت، بالأحرى فيها موت أكثر من ما فيها حياة، ما بتعرف شو ممكن إيصير معك.
الملازم (موجهاً حديثه إلى أبو الشوارب): شو حضرتك أعرف من سيادة العقيد؟ وهاي إسمك أبو صقر (ويشير بإصبعه على كشف الأسماء).
أبو الشوارب: والله عجيبة هاي. شو كاين شهيد وأنا مش عارف!
مواطن (3): ليش أنا كنت عارف إني أسير؟ راجعت الشؤون الإجتماعية وقلولي إنت على قيد الأسرى.
مواطن (1): كلنا أسرى في هالوطن.
أبو الشوارب: يا سيدي شهيد شهيد، بس تمشياً مع المرحلة بدي إتسجلني باسم أبو مطاوع.
العقيد: ليش أبو مطاوع؟
أبو الشوارب: هيك أنا حر.
العقيد: على كيفك، أبو مطاوع، مطاوع. (وبصوت أعلى): إللي بعدو.
يتقدم من خلف طابور المراجعين شاب في العشرينيات وصبية بنفس الجيل، ترتدي ملابس رقص شرقي وتمضغ المسكى. الشاب مشيراً إلى الصبية مخاطباً العقيد المنشغل بتأمّل جسد الصبية.
الشاب: بعرفَك على نيازك.
العقيد: واضح إنو نيازك من خارج مجموعتنا الشمسية.. عموماً والنعم والنعم والثلاث تنعام، شو ممكن أخدمكم؟
الشاب: حابين نخدم الوطن.
العقيد: عظيم، بشو؟
نيازك: عنا فكرة بتجنن لنشيد وطني واو.. ولا أحلى، نشيد مع رقصة نستقبل فيها الزعماء والشخصيات الرسمية.. فيها إيقاع وعزة وكرامة وجاذبة للسياح (وتهز صدرها أمام العقيد).
العقيد: حظَّرتي مقطع؟ خلينا نشوف على الطبيعة.
نيازك: أكيد.. أكيد، النشيد بجمع بين مرحلة حركة التحرر ومرحلة الدولة.. يعني شي قديم مع شي جديد.. تراثي مع حداثي.
العقيد: طيب عظيم، سمعينا لشوف.
تهز نيازك وسطها على موسقى أغنية من فترة الكفاح المسلح في سنوات السبعين، مع تحويرها وتغيير إيقاعها: "فوق التل وتحت التل.. إسأل عني رح تندل.. إرحل.. إرحل.. يا مختل.. إرحل.. إرحل يا مختل."
العقيد: وليش مختل بالخاء مهو محتلنا بالحاء؟
نيازك: بالحاء ما بفهمها الغربي، لازم إنخاطبو بلهجتو.
العقيد: ها هه وضحت الصورة.. وحضرتَك بإيش بدك تخدمو لهلوطن؟
الشاب: صممت مشية عسكرية بتتلاءم مع مرحلة السلطة.
العقيد: يلا شدّلي همتك، وفرجينا مواهبك.
الشاب: سمعونا النشيد الوطني الجديد كمان مرة.
يسمع "فوق التل وتحت التل"، ويبدأ بالسير العسكري الذي يتمثل في القفز على قدم واحدة ويستبدلها بالأُخرى مع إيقاع الموسيقى، أو السير كما يُطلَق عليها بالعامية "الحجلة". تنضم نيازك معه بالرقص والزغاريد. يرمي العقيد وبعض المارة عليهم أوراقاً نقدية "نقوط". تدبّ الحمية في الملازم، يسحب مسدسه ويبدأ بإطلاق النار. الجميع بمَن فيهم العقيد، يختبئون تحت طاولة المكتب.
العقيد: ولك بس.. بس.. شو إللي عملتو؟
الملازم: والله ما بعرف سيدنا، قشعر بدني ودبت فيَّ الحمية الوطنية.
العقيد: مبروك إنقبل مشروعكم.. إذا هلبهيم إتحركت مشاعرو الوطنية، أكيد رايحين إتحركوا مشاعر هلأمّة من المحيط للخليج.
يرن الهاتف في مكتب العقيد، ويظهر على الطرف الثاني للمسرح كمال أبو وعر وهو يحمل سماعة التلفون.
كمال: ألو.. ألو مرحبا.
العقيد: مين معي؟
كمال: معك الأسير كمال أبو وعر.
العقيد: أهلين أخي كمال أهلين.. شو ممكن أخدمك؟
كمال: بحكي معك من قسم التشريح العدلي في أبو كبير.. بدي أعرف إذا هيئة شؤون الأسرى عملت إيشي بخصوصي وبخصوص جثامين الشهداء.
العقيد: قصدك الهيئة الوطنية لإعادة هيكلة وتوظيف الأسرى والشهداء وتأهليهم. معلش هذا اسمنا الجديد.
كمال: ألف مبروك.. بس شو بخصوصي؟
العقيد: بخصوص شو؟
كمال: بخصوص شو! بخصوص جثماني، تحرير جثماني من الأسر أنا وباقي جثامين الإخوان الشهداء عندي في الثلاجة.. أنا الشهيد كمال أبو وعر.
العقيد: على راسي والله.. على راسي كل الشهداء، كيف صحتك أخي كمال؟
كمال: شو كيف صحتك؟! بقلك أنا شهيد.. شهيد يعني ميت.
العقيد: صحيح.. صحيح، بدك ما إتواخذني أخي كمال، ما أخدت بالي (يغلق العقيد سماعة التلفون بكفّ يده ويقول للملازم وهو يعضّ على شفته): عم بحكي مع شهيد.
كمال: ألو..
العقيد: آه معك.. معك أخي كمال.. شوف بالنسبة لراتبك يبقى على قيد الأسرى، وأي تحويل إلك لسجل الشهداء بكون موقف مخزي من جانبنا، لأنو هيك بنكون بنسلم بوجودك كشهيد، وإحنا مش مستلمين جثمانك.. بعدين ما إتواخذنا أخي كمال، خربطات زمان خلصنا منها.. الآن بنشتغل كمؤسسة بمعايير أوروبية محترمة، يعني بدون شهادة وفاة موقّعة ودفن رسمية ما بنقدر نحول راتبك على قيد الشهداء.
كمال: أي راتب وأي قيد.. إنت مجنون.. عم بحكي.. إيش.. إعملتوا بتحرير جثماني من الأسر (صمت ثم بصوت عالٍ) فاهم؟
العقيد: فاهم.. فاهم، بدَّك إطوَّل روحك عليَّ شوي أخي كمال.. هاي بايدن تم إنتخابه لرئاسة أمريكية، وعنّا أمل كبير ومتوكلين على الله وعليه بإنو الوضع كله يتغير.
مواطن (3): يا حبيبي هذول محتفلين ببايدن أكثر من الديمقراطيين في أمريكا.
كمال: وشو دخل بايدن بتحرير جثماني؟
مواطن (3): دخلو.. دخلو كلو دخلو.. من يوم ما السلطة دخلوا، أمريكا دخلو.. أوروبا دخلو.. إسرائيل دخلو، بس إحنا ما دخلو.
العقيد: أكيد دخلو.. شوف أخي كمال، هاي إسمحلي فيها، عودة الديمقراطيين لسدّة الحكم في أمريكا، يعني عودة تفعيل العملية السياسية والقرارات الدولية، بما فيها قرارات الأمم المتحدة، قرار 181، قرار 194، قرار 338، قرار 242، الأرض مقابل السلام، وقف الاستيطان، حل الدولتين.
كمال: إذا كنت حافظ كل هالقرارات الدولية، طيب شوفلنا شو بتنُص إتفاقية أوسلو بالنسبة للأسرى وجثامين الشهداء.. أكيد في نَص هلموضوع.
صمت.. ثم سُمع صوت إغلاق خط التلفون بعد أن وضع العقيد السماعة.
كمال: ألو.. ألو..
يعتّم المشهد في عيادة التشريح العدلي، بعد أن يضع كمال السماعة مغلقاً الخط من جانبه.
العقيد (نحو طابور المراجعين بأعلى صوته): إللي بعدو..
رجل عجوز نحيف جداً يتقدم نحو طاولة / مكتب العقيد، شاقاً طريقه بين المراجعين، وهو يتعكز على عصا، حانياً ظهره. يفسح له المراجعون الطريق، ويُسمع صوت: "وسعوا لعميد الأسرى وسعوا." يقف العقيد والملازم ويؤدون التحية العسكرية التي يرافقها موسيقى النشيد الوطني، ثم يُسمع صوت امرأة "تهاهي":
امرأة (1):
آه هيْ يا عميد الأسرى
آه هيْ يلي ماتت إمك وهي تستنى عليك حسره
آه هيْ لو خيروك بين الذل (وتشير نحو طاولة العقيد والملازم) وسنين الحَشْره
آه هيْ لخترت السجن ودخلتو بجريك من بكره.
لو.. لو لو له.
امرأة (2):
آه هيْ يا عميدنا يا جنرال الصبر
آه هيْ بنظل في هالوطن أسرى وإنت في الصدر
آه هيْ بالهيئة الوطنية بنسند الظهر
آه هيْ وقرارات سلطتنا بتتنفذ قبل ما يجف الحبر.
لو.. لو لو له.
العقيد: هدوء.. هدوء، بكفي يا إم شادي.. سمّعونا يا إخوان.. أهلين سيادة اللواء، شرفتنا والله.. أهلين بعميد عمداء الأسرى.. أهلين بعملاق عمالقة الصبر، إتفضل بنتشرف بخدمتك والله.
عميد الأسرى: إستغفر الله، إحنا اللي بنتشرف، بس جيت أفهم قانون الأسرى الجديد.
العقيد: مش غلط، شو إللي بدك تفهمو بالزبط؟
عميد الأسرى: القانون.. مش في قانون جديد للأسرى؟ بدي إياك تشرح لي إياه.
امرأة (1): مش لما يفهمو هو بالأول!
العقيد (موجهاً حديثه إلى المرأة): لو سمحتي لما يجي دورك بتحكي.. بلا منها هلفوضى هاي. (ثم يوجه حديثه إلى عميد الأسرى) زي ما حضرتك عارف كنا وزارة (ويشير بيده إلى حجم قليل) ثم صرنا هيئة (يشير إلى حجم أكبر) والآن الحمد لله وبفضل حكمة قيادتنا وصلابتها صرنا هيئة وطنية (ويفتح ذراعيه على وسعهما) بدل ما نكون هيئة للأسرى والمحررين، صرنا الهيئة الوطنية.. وخذ بالك من وطنية في ظل الانقسام، فهاي إلها دلالاتها.. شايف كيف.. الهيئة الوطنية لهيكلة وتوظيف الأسرى والشهداء وتأهليهم.. فشو ممكن نخدمك في واحدة من هظول.. هيكلة.. توظيف.. تأهيل؟ هيكلة ما شاء الله (ويشير إلى جسد عميد الأسرى) واضح إنك مش بحاجة إلها، بعد أربعين سنة في السجن طالع يخزي العين، إمقسم خالص.
مواطن (1): والتأهيل في هذا الجيل صعب، بظل إيوظفوك.. وظفوا في دائرة الآثار والمتاحف.
العقيد: بصفة شو؟
مواطن (2): والله فكرة.. ممكن إتشغلوه أيقونة.. مومياء، أو أي حاجة أثرية.
مواطن (3): وإيش بتكتبوا تحتو؟ لازمو يافطة إتعرّف فيه، هذي الكائنات إنقرضت.
امرأة (1): يكتبوا.. هيك كان المناضل لما كنا حركة تحرر (وتشير نحو عميد الأسرى) وهيك صرنا لما صرنا سلطة (وتشير نحو العقيد).
مواطن (1): ليش مش شهيد.. والله يتسجل على قيد الشهداء أحسن له. سجِّل شهيد عمي، سجِّل.
العقيد: شو إمفكرين الدنيا فوضى، ليكون شهيد لازمو أوراق رسمية خير الله.. لا يمكن أسجلو شهيد.. بعدين هياتو ما شاء الله حي يُرزق.
امرأة (1): حي آه.. بس يُرزق!؟
مواطن (1): ليش شو أفرقت.. أسير شهيد وإلّا شهيد أسير؟!
عميد الأسرى يضرب كفاً بكف ويغادر المسرح.
العقيد (بأعلى صوته): اللي بعدو.
الفصل الثاني - المشهد الأول
مشهد شارع في مدينة رام الله خلال ساعات النهار. في زاوية الشارع يجلس رجل أربعيني على صندوق بلاستيكي، وأمامه ببُّور فتلة يصنع لنفسه قهوة، وإلى جانبه مقبرة. يدخل كمال وأنيس وبسام الشارع وهم يتلفتون حولهم، ويتأملون المباني والمارة الذين يتحدثون في هواتفهم النقالة.
أنيس (موجهاً كلامه إلى كمال أبو وعر): إنت متأكد إنَّا في رام الله؟ الناس مش شايفينَّا، وبتحكي مع حالها.
كمال: آه يا رجل، أكيد.
بسام: ولا تقول نيويورك.. شوف.. شوف هذيك العمارة إللي بتلف.. يا سلام، عمار والله يا بلدنا عمار.
كمال: فرحان يا بسام في بلدنا؟
بسام: وإلّا يا رجل، أكيد فرحان.
أنيس: بقدر ما أنا فرحان في بقلبي غصة وحزن.
كمال: وليش حزين؟
أنيس: كل هالعمار وما إلنا مكان نندفن فيه.. وبدك إياني ما أحزن؟
يقفون ثلاثتهم بالقرب من جدار المقبرة، فيقرأون الفاتحة.
أنيس: اللهم لا حسد.
بسام: حسد مين؟ في حد بحسد أهلو؟!
أنيس: إفهمتني غلط، ما بقصد العمران والمباني.. بقصد القبور.
كمال: يا الله شو صار فينا، صار القبر أمنية.
أنيس: تراب القبر ضروري، التراب بحلل الجسد وبحرر الروح من أعبائه.
كمال: شفتو الناس على الطريق.. مجندة إمعطّلي حياتهم على الحواجز.
بسام: إمعطّلي حركة شعب وتقدمه.. الحداثة هي الانتقال بسرعة من محيط مكاني لآخر.. وبدهم إيانا إنكون مرهونين بسرعة أقدامنا أو بسرعة الحمار.
أنيس: ليش هُمّه إمخليين الحمار إيمر على الحواجز؟ حتى هو إمعطلينو عن حداثتو.
بسام: وإيش هيه حداثة الحمار؟.. كيف يعني إمعطلينو عن حداثتو؟
أنيس: في البلدان إللي إتحررت الحمار تعزَّز وإتكرَّم، والناس بيجوا يتعلموا من مرحلة العبودية اللي عاشها.
يستوقف كمال أحد المارة ويسأله: مرحبا، إذا سمحت ممكن إدِّلني على مقر هيئة الأسرى؟
مواطن (4) (يتفحصهم بنظراته بتشكك): فكرتكم مستعربين. واضح إنو إلكم فترة غايبين عن البلد.
كمال: صحيح.
مواطن (4): لهسبب سألتوا سؤالكم بطريقة غلط.. لو في حد غيري سمعكم لسلَّمكم للأجهزة الأمنية.. أو على الأقل لفزَّع أهل البلد عليكم.
كمال: ليش شو الغلط في سؤالنا؟
مواطن (4): من يوم ما كثرت إقتحامات المستوطنين لبيوت الناس، وزادت إقتحامات القوات الخاصة، وإعتقال الشباب، صدر مرسوم رئاسي للحديث بالعربية الفلسطينية الجديدة.
كمال: وشو الهدف؟
مواطن (4): الهدف التمويه.. حتى ما يفهموا علينا عند ما إنحذر بعضنا البعض على أجهزة الاتصال.
بسام: يا سلام.. لهسبب كل الناس حاملي أجهزة وبتحكي فيها لتحذر بعضها البعض.. والله أمان البلد، أمان.
أنيس: كيف يعني العربية الجديدة.. شو الناس صارت تحكي تركي!!
مواطن (4): زي التركي. مثلاً ما بتقول رئيس السلطة، بتقول سلطة الرئيس. وبدل وزير الأسرى، أسرى الوزير. وبدل وزير المواصلات، مواصلات الوزير. المهم إنك تعرّف الوزير مش الوزارة.. بس في حالة جيش الإحتلال بتقول إحتلال الجيش بدون ألـ التعريف، والأفضل إتقول الطرف الآخر. باختصار، المرحلة فرضت قواعد لغة جديدة.
كمال: والمقر.. مقر أسرى الهيئة، وينو، في أي شارع؟
مواطن (4): ما في مقر، وهذه من الإجراءات الجديدة حتى يموهوا على الأمريكان والملاحقات الإسرائيلية لمخصصات الأسرى وأُسرهم.. كل يوم بفتحوا مكتبهم بمكان مختلف.. آخر مرة كان في سوق الخضار.
كمال: وكيف بدنا نجتمع في الوزير؟ عنَّا مشكلة ولازم نلتقي فيه.
مواطن (4): شايفكم محرمين، شو عندكم مشكلة بمنحة الحج؟
أنيس: لا والله، المشكلة في الرخصة.. رخصة الدفن!
مواطن (4): على كل الأحوال لازم تشوفوا حدا من أهالي الأسرى والشهداء، هُمّه بعرفوا وين رح تفتح الهيئة هذه المرة.
كمال: شكرا إلك.. تعالوا شباب نسأل هالرجَّال هناك.
يتوجهون نحو مواطن (5) الجالس على الصندوق البلاستيكي.
كمال: مساء الخير..
مواطن (5): مساء النور..
كمال: يمكن تقلنا حضرتك وين.. (يتوقف كمال عن طرح السؤال، ويصيح): أبو العز (ينهض أبو العز ويعانق كمال).
أبو العز: أهلين أخي كمال، إتوقعت إنك تيجي عالبلد، اللي مثلك ما بطيق الحشرة.. من يوم ما إسشتهدت وأنا بتفحص وجوه المارة، بدوِّر عليك بينهم، وبقول لحالي هذا بشبهه وهذا ما بشبهه.
كمال: آه يا أبو العز، وينك وين أخبارك، بعدين وين بارودتك؟
أبو العز: والله يا كمال كثرت البواريد في البلد، وضاعت الطاسة، زمان كانت البارودي رخيصة وصاحبها غالي، اليوم بسعر البارودي بتشتري بيت، واللي حاملها سعره بسعر فشكة.. البواريد كثرت عالفاضي، والأخطر إنها صارت إتقوِّس لَوَرا.
كمال: بارودي ما في، وبيت كمان ما في.. ليش قاعد في الشارع؟
أبو العز: أنا مش في الشارع، أنا حارس المقبرة، وساكن فيها.
كمال: وين راحوا الكتب والشهادات، أمضيت حبستك بالقراءة والكتابة، كنت كل الوقت تحثّ الشباب على التعليم.. إتوقعت صرت أستاذ جامعة.
أبو العز: أنا عارف يا كمال (ويتنهد) لا الكتب والدراسة نفعت، ولا حتى تاريخك النضالي بنفعك هالأيام. إنت متت وإرتحت.. إقعدو يا شباب إشربولكم فنجان قهوة.
كمال: متت صحيح بس ما إرتحت.. يبدو إنك يا أبو العز مش فاهم، ولهسبب بتعزمنا على قهوة ما بنقدر نشربها.
أبو العز: ليش يا لطيف؟
كمال: إللي قدامك هذا طيفنا، جثامينا بعدها في الثلاجة. عموماً خلِّيني بالأول أعرّفك على الشباب: الشهيد أنيس دولة والشهيد بسام السايح.
أبو العز: والنعم أهلين شباب.
أنيس: قهوتك يا أبو العز مشروبة، بس الطيف لا باكل ولا بشرب، بظل هيك ليندفن جثمانه، والتراب إيحللو.. عندها بتتحرر روحه من أعباء بدنه، حتى توكل وتشرب عند ربها بعد الحساب.. والله أعلم.
بسام: طيب إحنا مش جايين زيارة للبلد، جايين نندفن فيها.
أبو العز: اللي بقدر أعملو إني أدبّرلكم قبر في مقبرة آل شروف.. قبر جماعي مش أكثر.
كمال: هذا مستحيل. جثامينا بعدها في الثلاجة، ولنندفن لازم إيحرروها.. بعدين ليش نندفن في مقبرة آل شروف، ما في مقبرة للشهداء؟
أبو العز: مين إحررها؟ يبدو إنكم إنتو إللي مش فاهمين. البلد يا كمال بعد ما عملنا سلام ولعت فيها حرب.. معارك بين العشائر وإتقسمت البلد.
بسام: وين الفصائل والقوى الوطنية؟
أبو العز: أي فصائل وأي قوى، بقلَّك عشائر وقبائل سياسية بتتحارب.
صوت إطلاق نار، ثم نحيب إمرأة تقول: "يا حبيبي يمّه، قتلوك يمّه قتلوك."
كمال: لا حول ولا قوة إلّا بالله.. يبدو إستشهد حدا من الشباب.
أبو العز: إستشهد!! هاي طوشة بين الرشايفة والشرابين، كل يوم بنقتل حدا من الطرفين.
بسام: هُمّه عاملين حواجز وأسوار وشوارع إلتفافية وإمقسمين جغرافيا البلد وإمعطلين حداثتنا، وإحنا إتكفلنا بالباقي وعاملين حواجز داخلية وإمقسمين هويتنا.
أنيس: الحواجز الداخلية أخطر.. هيك بصير لما بتقسّم الوطن، بتتقسم الهوية، وعند ما بصير إقتصاد الانقسام، بصير برضو ثقافة الإنقسام، فما حدا يستغرب إنو الإنقسام صار هوية.
بسام: والعمل؟
كمال: لازم نرجع نشتغل زي زمان.. ما في بديل للنضال حتى إنراكم القيم الوطنية ونوحِّد الناس.
أنيس: لازمنا بوصلة.
بسام: ورح نكتب شعارات؟
كمال: لازمنا هوية.
أنيس: لازمنا بويه لنخط شعارتنا بالبنط العريض.
أبو العز (وهو يوزع عليهم علب بويه للرش): لازمنا إرادة.. إرادة حديدية.. كنت عارف إنكم راجعين على رام الله، وجهزت كل شي لهللحظة.
كمال: والإرادة موجودة.
يندفعون كل واحد في اتجاه آخر ليخطّوا الشعارات على الجدران.
صوت: وقِّف جيش، إنتو محاصرين.
يهرولون في عدة اتجاهات، ويظهر كمال وقد أمسك به جنديان، يكبِّلانه بيديه ويقتادانه نحو مركز المسرح، ويعتم المشهد.
الفصل الثاني - المشهد الثاني
يضاء المسرح ويظهر كمال ويداه مقيدتان إلى الخلف، أمامه طاولة وخلفها محقق.
المحقق: إعترف.. إعترف وإلَّا..
كمال: وإلّا شو؟ بدك تقتلني، أنا ميت يا حمار.
المحقق: إعترف بقلَّك.
كمال: بإيش بدك أعترف؟ بإسرائيل، ما إعترفوا فيكم، وشو صار؟
المحقق: إعترف بإنك مش كمال أبو وعر.
كمال: وبإيش بدو إيفيدك هذا الاعتراف؟
المحقق: رايح إيخفف من حالة الفوضى والاحتقان اللي خلقها ظهورك.
كمال: وبتعتقد إنو الناس هيك رايحة إتصدق ورقة موقّعة وإتكذب اللي شافتو بنفسها؟
المحقق: إترك مسألة إقناع الناس إلي.
كمال: بدك تقنعهم إني أنا مش أنا وإني ما متت؟
المحقق: موتك مش هوه المشكلة وإنما طيفك.. رايح أقنعهم إنك متت، وإللي شافوه هذا مش طيفك.
كمال: هناك ستة وستون [جثماناً] موجودة في ثلاجاتكم، ومئتان وخمسون شهيداً في مقابر الأرقام. إن إتخلصت من طيفي، شو بدك تعمل مع أطيافهم؟! عموماً أنا رايح، إنت ما بتقدر تحتجزني (يتخلَّص من القيود بسهولة).. أنا وأمثالي طيف.. فكرة.. غيمة.. فهل ستقبض على الغيم؟!
[....]
الفصل الثالث - المشهد الأول
ساعات الصباح الباكر، مع طلوع الشمس، يظهر على المسرح بجانب المقبرة، من المشهد الأول في الفصل الثاني، بسام وأنيس وأبو العز. الجدران في الشارع كُتب عليها شعارات "حرروا الأسرى الشهداء"، "حرروا الشهداء الأسرى". بوصول كمال يقفون ثلاثتهم.
أبو العز: الحمد لله على سلامتك.
كمال: الله يسلمكم.
بسام: شو صار معك؟
كمال: ولا إيشي، بسيطة.
أبو العز: وعرفت تفلت من بين إيديهم؟
كمال: إعرفت.. ما تنسى يا أبو العز إني طيف.. والطيف بتحرك بخفة بدون أعباء الجسد.
أنيس: طيب.. وهسا أيش بدنا نعمل؟
كمال: من تجربتنا الغريبة مع الموت إتعلمت بإنو الموت ممكن إيكون حصان.
بسام: حصان!؟
كمال: حصان. حصان حتى إيجر عربة الحياة، الميت ما بخشى شيء سوى سمعته وإسمه وذكراه كشهيد.. ما إلنا مصالح ولا أملاك.. إحنا أكثر ناس ممكن نتمتع بالحرية رغم الموت، ويمكن بفضله.. ما في إيشي إنخاف عليه، لا رتبة ولا راتب، ولا حتى في حالتنا قبر ممكن يلوي إذراعنا، حتى نلوي عنق الحقيقة.
أبو العز: اللي بفهمو من كلامك اللي مثلي ممكن يلوي عنق الحقيقة.
كمال: مش بالضرورة، بعدين إنت يا أبو العز شهيد مع وقف التنفيذ.. هياتك تارك بيتك وعيالك وعايش في المقبرة.
بسام: وإيش هي الحقيقة؟
كمال: الموت حقيقة، لكن طبيعة الموت بتتعلق بالطريقة اللي بنعيش فيها حياتنا.
بسام: بس الموت ممكن إيكون كابوس، خصوصاً إذا كان موت زي موتنا.
كمال: ويمكن إيكون نعيم، بإيدينا إنحولوا من أفظع لحظات السقوط إلى أمتع لحظات العلو، خصوصاً وإنو صار تحقيق الموت أصعب من ممارسة الحياة.. الموت إللي زي موتنا نسبي والحياة حقيقة مطلقة. بعد موتنا صارت مهمتنا دعوة الناس ليتمسكوا في الحياة، وكلما صنعوا حياة، كلما كان حقهم في نيل الموت المطلق، الموت الكريم، ممكناً. الحياة ومش الموت هي المقدسة، وهذا بخلي الناس أقرب لطمس التناقض، أو فهم العلاقة بين الوطن والدولة، وما بظلوا ضايعين بين قيم الحرية وأهداف التحرر، أو بين حركة التحرر والسلطة.. وهذه الأخيرة زومبي، سلطة بدون سيادة مثل الميت بدون دفن.. لهسبب موتنا كان على شاكلتها موت دون دفن. عموماً يا أبو العز، الحي أبقى من الميت، إتركك من القعدة في المقبرة، الناس بحاجة إلك، بحاجة لعلمك وتجربتك، أولادك وبيتك أولى فيك.
أبو العز: بس أنا بدي أظل معكم.
كمال: لما بنحتاجك إبنجيك، رايح إتظل همزة وصلنا وصوتنا بين الناس (يفتح كمال كيس الأمانات الذي يرافقه): بس بدي منك، يا أبو العز، إتوصِّل هالأمانات لأصحابها.
أبو العز: عيوني إلك..
كمال: تسلم يا أبو العز. هذه اللعبة عملتها من حشوة المخدات في السجن، كنت حابب أوصلها بإيدي لرشا، رشا بنت صديق عمري عماد، كان نفسو إيشوفها قبل ما يموت. تخيل ما سمحولوا إيشوفها حتى وهوَّ على فراش الموت.. مات عماد وما عرف بنتو إلّا في الصور. نفسي أعرف وين محتجزين جثمانه بعد ما إستشهد.
أبو العز (يتناول من يد كمال اللعبة): بعرفها رشا.. مين ما بعرف قصتها، بشوفها مع إمها في الاعتصامات ووقفات إحتجاج أهالي الأسرى، أو إللي بقي منها، حاملة صورة أبوها.
كمال: رشا ولدت من نطفة محررة... يا الله قديش هذول لولاد أدخلوا الفرحة في قلوبنا في السجن.. بقدر ما في موت وعذاب وحرمان وقهر في السجن، الأسرى عرفوا يصنعوا حياة وأمل.. عشرات الأطفال ولدوا بهذه الطريقة.
صمت.. يداعب خلاله كمال بأصابعه عدداً من السناسل.
أبو العز: وهذه السناسل؟ شو حكايتها؟
كمال: هذه السناسل كنت أتسلى في صناعتها، أمنحها أسماء، أسماء كنت أتخيل وجوه أصحابها.. كنت حابب إيكونوا أولادي.. وبما إنو ما صار نصيب، بدِّي إيَّاك تاخذهم لبناتك وأولادك هدية من عمهم كمال.. وهذه مسبحة إعملتها من عجم الزيتون.
أبو العز: لمين؟
كمال (بعد صمت): لأبوي.. قبلّي راسو وقول له يدعينَّا.. قل له كمال رجع إيعيش زي زمان، زي ما بحب، بتنقّل بين القرى والمدن، من إعتصام لإعتصام.. رح إتشوفو بين المتظاهرين وأمام بوابات السجون مع أمهات الأسرى والشهداء.
يدخل إلى نفس الشارع عسكري وضابط فلسطيني، يحمل العسكري دلو بويه وفرشاة.. يهمّ كمال ليقف من مجلسه كي ينادي على الضابط. يضع أبو العز كفه على فم كمال بسرعة ويُسكته، ثم يشير له بإصبعه أن يحافظ على الصمت.
الضابط: بدِّي إيَّاك تمسح كل الشعارات قبل طلوع الفجر.
العسكري: حاضر سيدي (ثم يعود بعد بضع خطوات كأنه يتذكر أمراً ما): بس سيدي هاي الشعارات بتطالب بتحرير الأسرى وجثامين الشهداء.
الضابط: شو يعني.. حتى ولو. وأنا كمان بطالب بتحرير الأسرى وجثامين الشهداء.. كل واحد إجا على بالو شعار إيروح بكتبو، شو بدو إيصير بمظهر البلد لما الكل بدو إيخربش على الحيطان!
العسكري: طيب سيدنا، ليش ما إنخصصلهم أماكن لكتابة الشعارات؟
الضابط: ولك يا حبيبي، المشكلة مش في المكتوب وبإيش بطالب، المشكلة مين كتب الشعارات، شو قصدو من إثارة هالموضوع في هالتوقيت بالذات، وليش عم بكتبو في السر وما حدا عارفو.. شو الحكاية، ما في قيادة ولا مسؤولين في هلبلد.. لما حضرتو برمي الحجر في البير، مين بدو يتحمل عواقبو إحنا ولا هو؟ ولك وصلت فيهم الوقاحة يكتبوا شعارات جوا في مكاتب الأجهزة الأمنية.
العسكري: أف! وما بيّنوا على كميرات المراقبة؟
الضابط: ولك هذا هوَّ إللي إمجنني.. تقول أرواح بتتحرك بينا.
العسكري: يا لطيف.
الضابط: إمسح إنت، بس إمسح هلشعارات.
أبو العز: إفهمت ليش ما بدي إياك إتنادي عليه؟
كمال: إنت عارف مين الضابط؟ هذا يوسف.
أبو العز: بعرف.. وبعرف إنو صديق الزنزانة.
كمال: ولاو يا يوسف.. شو اللي صار في الدنيا!
أبو العز: وحياتك قلتها.. شو صار في الدنيا.. إللي صار إنو الدنيا إتغيرت وخلقت ناسها، ويوسف إتغير، بس يوسف مش من ناسها، يوسف وأمثالو عايشين على هامشها، أو بحاولوا إيعيشوا.
بسام: زي إللي شايفك بتحاول إتبرر لصاحبك مسح الشعارات؟
أبو العز: بالعكس، مش ببرر، إللي عملو غلط.. بس يوسف صغير، والقضية كبيرة، المشكلة في الكبار اللي ورا يوسف.
بسام: وهوَّ ما بتحمل مسؤولية؟ وين عقلو؟ وين ضميرو؟
كمال: أنا بفهمو وما ببرر مثل هيك عمل.. أكيد بتحمل مسؤولية، وبصراحة بمثل هيك مواقف بقول لحالي الحمد لله إني استشهدت. يا بسام لقمة العيش بتكسر الإنسان خصوصاً عند ما يكون عندو كوم لحم بستنّاه في البيت.. مسح الشعارات بصير إيشي صغير أمام جوع إبنك.
أنيس: لما الوطن بحمل همك، بصير الهم الوطني ثقيل.
أبو العز: بالتأكيد. ولما ما في بديل حقيقي وعملي ومقنع للناس، بصير الحفاظ على الموجود قمة العمل الوطني.
يقف بائع يجر عربة محملة بكعك وبيض مسلوق بجانب الحائط ويقرأ الشعارات المكتوبة.
البائع (يقرأ): "حرروا الأسرى الشهداء"، "حرروا الشهداء الأسرى" (ويحدث نفسه قائلاً:) بدنا حدا إيحررلو شيك بمبلغ محترم، بلكي ربنا تاب علينا من هلشقاء.
[الفصل الثالث-المشهد الثاني]
بعد أن يقرأ بائع الكعك الشعارات "حرروا الأسرى الشهداء"، "حرروا الشهداء الأسرى"، والبائع بحدِّث نفسه... يتقدم من العربة مواطن [6] لشراء الكعك. يفتح البائع الراديو، بعد أن يقدّم البيض والكعك للمواطن. يبثّ الراديو موسيقى عسكرية، ثم يُسمع المذيع وهو يقرأ رسائل مشفَّرة كما كان "صوت فلسطين" من بغداد.
المذيع: إلى س. ع.، رسالتكم وصلت، وأرسلنا الهدية، والتسليم في النقطة المتفق عليها مسبقاً مع الرسول. وفقكم الله. وإلى ط. ط.، أبو الجماجم، حياكم الله، وثبت خطاكم. أوراقكم غير مكتملة. تحتاجون إلى المزيد منها لإثبات وجودكم في الأسر، خصوصاً "توفس شهياه" [إثبات إقامة] من إدارة السجون الفاشية. سيروا والله معكم، فلم يتبقَّ لكم من حكمكم إلّا القليل.
تواصل الموسيقي العسكرية العزف.
مواطن [6] (يسأل البائع): شو، مبين إنه رجعنا لبيانات الثورة من بغداد؟ وتحولنا لحركة تحرر؟
البائع: يعني، لا. بتهيأ لك إنه رجعنا لبيانات، وأنه صرنا حركة تحرر. واللي سامعه إنت هي توجيهات لأهالي الأسرى والشهداء إنهم يروحوا يتسلموا مخصصاتهم الشهرية بعد ما أصبحت محظورة كلياً في نقاط ميتة، وفي أماكن بس هم بعرفوها من خلال الرسائل المشفرة.
[***]
[يكتشف كمال أبو وعر أن الحرية أسمى من التحرر، وأن التحرر وسيلة... وإلى آخره. يبدأ كمال بتوزيع المعونات على أهالي الأسرى، ويتابع قضاياهم وقضايا الفقراء، ويوحِّد الناس حول فكرة الحرية والتحرر في جميع أبعادهما عبر الشباب والصبايا، وتندلع انتفاضة شعبية جديدة مركزها فكرة الحرية. تتحرك أطياف الشهداء بين النهر والبحر خلال الانتفاضة، ويتفاجأ كمال من المشاهد الناتجة من حركة الأطياف بصحبة المنتفضين. ينخرط الناس في الانتفاضة ويحتضنون المقاومين من الأحياء وأطياف الشهداء، وذلك بعد اكتشاف الناس، عبر تكهُّنات وتأويلات كثيرة، أن الطيف الذي يقود الانتفاضة ويزود المنتفضين بمواد المقاومة هو كمال أبو وعر الذي يكمل النضال من أجل التحرر والحرية].
* نُشر هذا النص بإذن خاص من عائلة الأسير وليد دقة، وجميع الحقوق بما فيها الترجمة محفوظة ومحصورة بالعائلة. وقد حرره وطابق نسخ مخطوطته، وشذراته، وتسجيلاته الصوتية الأخيرة عبد الرحيم الشيخ. ويلي النص مباشرة قائمة لشرح المفردات العامية الفلسطينية بالفصحى.
قائمة مفردات بالعامية الفلسطينية - لهجة المثلث، ورديفاتها بالفصحى بحسب ورودها في المسرحية
أشناڤ: كلمة عبرية تعني طاقة.
التهليلة: أغنية لتنويم الطفل.
إتـمهَّلوا: تمهلوا.
مِشْ إلوْ: ليس له.
فيُّوْ: فيه.
إمقيديني: مقيدني
سوهير: كلمة عبرية تعني حارس.
حالك: نفسك.
على الفاضي: دون جدوى.
بتعوّدوا: تتعود.
لحاله: لوحده.
زَي: مثل.
ينعرف: يُعرف.
هذول: هؤلاء.
اُموت: مت.
إنكنَّك: إن كنت.
قدَّيش: كم.
لهسبب: لهذا السبب.
إتعرّفنا: تعرّفنا.
تسعطعش: تسعة عشر.
ولاوو: ولو.
يا زلمي: يا رجل.
أُخرى: آخرين.
فيهم: بهم.
ما بنسكَت: لا يُسكت عليه.
نطلع: نخرج.
هياتك: ها أنت.
هلسنين: هذه السنين.
هياتها: ها هي.
إطّلوع: الخروج.
بحصوا: يحصون.
زبطت معنا: نجحنا.
حزرية: أحجية.
نُصها: نصفها.
هدُّوا بالكم: هدئوا من روعكم.
رايحين: سوف.
أسلسلها: أرتبها.
يخوي: يا أخي.
ملطوعين: مهملين.
إمعبِّرنا: مهتم بأمرنا.
بزَنْكُم: بإلحاحكم.
ميكلينوا: آكلينه.
طنيب على عَرْضِك: أتوسل إليك.
إتجيبي: تأتي بـ.
من تحت راسكم: بسببكم.
تنزّل كرشك: تنحف.
نظمونَّا: نظموا لنا.
إنقبضوا: نعطيه مرتبه.
الدبّاسة: المكبسة.
إدّبسونا: تورطوننا.
هلعمر: هذا العمر.
يلطش: يسرق.
ستي: سيدتي.
إتهيكلوني: تدرجونني على الهيكلية.
يطجّ: يختم.
دخيل عرضك: أتوسل إليك.
بلا صغرة: بلا مؤاخذة.
شُفلي: ابحث لي.
هياتني: ها أنا.
إمشورب: له شارب.
يجيك طلق: تصيبك طلقة.
أتروح فيها: تموت.
بتريِّح حالك: تريح نفسك.
هلبهدلة: الإذلال.
كاين: سبق أن كان.
على كيفك: كما تريد.
بعرفَك: أعرّفك.
والنعم: نِعْمَ.
حظَّرتي: حضَّرتي.
رح تندل: سوف تهتدي.
شدّلي همتك: تنشَّط.
فرجينا: أطلعنا على.
هلبهيم: هذا البهيم.
هلأمّة: هذه الأمّة.
خربطات: فوضى.
طوَّل روحك: كن صبوراً.
شوفلنا: ابحث لنا.
هلموضوع: هذا الموضوع.
إللي بعدو: التالي.
لخترت: لاخترت.
بجريك: برجليك.
بنسند: يسند.
بالزبط: بالضبط.
هظول: هذه / هؤلاء.
يخزي العين: بلا حد.
إمقسّم خالص: نحيل تلقائياً.
إمفكرين: تعتقدون.
هياتو: ها هو.
هذيك: تلك.
إمعطّلي: معطلة.
هُمّه: هم.
إمخليين: يسمحون.
إمعطلينو: يعطلونه.
إدِّلني: تدلني.
فكّرتكم: اعتقدت أنكم.
مستعربين: فرقة اغتيال صهيونية.
فزَّع أهل البلد عليكم: فضحكم.
الحشرة: السجن.
بدوِّر: أبحث.
ضاعت الطاسة: اختلطت الأمور.
فشكة: رصاصة فارغة.
إتقوِّس لَوَرا: تُطلق إلى الخلف.
طوشة: عراك.
برضو: أيضاً.
بالبنط: الخط.
لهللحظة: لهذه اللحظة.
رايح: سوف.
إيشي: شيء.
هياتك: ها أنت.
بخلي: يجعل.
إبنجيك: نجيء إليك.
نِفْسو: أمنيته.
يدعينَّا: يدعو لنا.
إجا على بالو: خطر له.