تتناول هذه الدراسة تراث أحد أبرز الشعراء الشعبيين في شمال فلسطين في إبان الانتداب البريطاني، شاعر قرية البروة الجليلية، أسعد عطا الله، وذلك من خلال مراجعة ديوانه في الزجل الشعبي الصادر في عكا في سنة 1930.
1) مقدمة
سطع نجم أسعد عطا الله، حادي البروة،[1] في سماء الزجل الشعبي في شمال فلسطين كأحد أبرز الحُداة الشعبيين خلال فترة الانتداب البريطاني. ولهذا فإن المهتمين بالزجل الشعبي الفلسطيني يشيرون إليه بالبنان ضمن كوكبة من أشهر الحُداة في تلك الفترة، وبينهم حسين خطّاب من سخنين؛ سعيد العلي من دير الأسد؛ أحمد العميّا من الطيرة قضاء حيفا.[2] ولا غرابة إذاً في أن الحادي أحمد العميّا، حين سرد في أُحْدُوَّة جميلة من نظمه أسماء وأوصاف أشهر الشعراء الشعبيين في ذلك الوقت، خصّ عطا الله ببيتَين عبّر فيهما عن إعجابه بشاعرنا وبأناقته وبأشعاره الحلوة التي تتردد في الأعراس:
أسعد عطا الله ما شاء الله
لابس حلة ع القياس
من البروة عنّو بيروي
أشعارو الحلوة في الأعراس[3]
لكن على الرغم من هذه الشهرة التي اكتسبها عطا الله، فإن النكبة وويلاتها على الشعب الفلسطيني، وتضاؤل الاهتمام بالزجل الشعبي، كادا يطمسان من الذاكرة اسم هذا الرجل وفنه. ولهذا فقد ارتأيتُ أن أسلط الضوء على هذا الشاعر وأدبه لما في ذلك من أهمية في الحفاظ على موروثنا الشعبي وأعلامه.
2) سيرة حياته
على الرغم من شحّ المعلومات المتوفرة عن سيرة حياة أسعد عطا الله، فإن الاعتماد على بعض الشهادات الشفوية لأهالي البروة، وعلى بعض المصادر المكتوبة، وأهمها مقالة قصيرة عن ديوانه كتبها الأديب يوسف نعمان ناصر من كفر سميع في سنة 2015،[4] يمكّننا من التعرف إلى المعالم الأساسية لسيرة حياته. ووفقاً لهذه الشهادات والمصادر يتضح أن عطا الله وُلد في قرية البروة في مستهل القرن العشرين لأسرة من طائفة الروم الأرثوذكس التي ينتمي إليها جميع مسيحيي البروة. والداه هما يوسف ولطيفة عطا الله، وله شقيق منهما اسمه إلياس. وقد تعلّم مع أترابه في مدرسة القرية، وتزوج من وديعة خوري، ابنة عيسى خوري، نجار القرية، ونورة خوري، وأنجب عدداً من الأبناء والبنات، بينهم ولداه ناصيف وغازي اللذان تعلما في مدرسة القرية.[5]
شغف عطا الله بالزجل الشعبي، فذهب لتعلم هذا الفن مع صديقه يعقوب كنعاني، من قرية جديدة قضاء عكا. ومع أنه كان أجشّ الصوت إلّا إنه كان بارعاً بالزجل.[6] وبعد أن نبغ فيه أخذ يشارك في مختلف الأفراح والمناسبات، وتميز بموهبته الفذة وسرعة بديهته وجزالة ألفاظه ومتانة لغته، الأمر الذي جعل القاصي والداني يشهدان له بعلوّ كعبه بين الشعراء والحُداة الشعبيين المعاصرين له، أكانوا من أبناء الجيل الأول الذين ذكرناهم آنفاً، أم من أبناء الجيل الثاني أمثال توفيق أبي الأمين الريناوي ومحمد أبي سعود الأسدي.[7] كما كان له صولات وجولات في مهرجان عيد المولد النبوي في عكا[8] حيث كان يلتقي ببعض الشعراء اللبنانيين المعروفين، أمثال يوسف حاتم وعبّاس نجم الحوميني[9] اللذين زاراه في منزله في البروة بعد اختتام الاحتفالات في المناسبة المذكورة.
في أواسط أربعينيات القرن الماضي قرر عطا الله الانتقال إلى حيفا حيث عمل خادماً (قندلفت) في كنيسة الروم الأرثوذكس هناك.[10] واستمر في عمله هذا حتى دفعته أحداث النكبة في حيفا إلى العودة إلى قريته.[11] ولم يطل به الأمد في القرية حتى باغتته أهوال النكبة ثانية فارضة عليه التهجير والتشرد والغربة، فاضطر إلى النزوح مع أسرته إلى قرية رميش في الجنوب اللبناني، ثم إلى قرية جلّ الديب قرب بيروت حيث وافته المنية بعد عامين فقط من نزوحه عن فلسطين وهو في نحو الخمسين من عمره.
3) ديوانه "نشأ الفن في أقوال العتابا"[12] الصادر في عكا في سنة 1930
حين عكفتُ على دراسة إرث شاعرنا هذا كجزء من اهتمامي بتاريخ قرية البروة وتراثها، لم يكن لدى أحد من أهالي القرية ديوان عطا الله، بل إنهم لم يذكروا حقيقة وجود ديوان من نظمه. ومن المرجح أن السبب في ذلك يعود إلى كون الديوان قد ضاع وغاب مع غياب صاحبه في الشتات، ومع تشتت شمل أهالي القرية في أثناء النكبة، كما أن علينا ألّا ننسى أن السلطات الإسرائيلية أبادت آلاف الكتب الفلسطينية بعد النكبة بهدف شلّ الحياة الثقافية الوطنية الفلسطينية وشرذمتها.[13]
لكن مع تكرار التلميحات والإشارات والتأكيدات بشأن وجود هذا الديوان،[14] عقدت العزم على الوصول إليه، غير أنني لم أعثر على ضالتي لدى أحد أبناء القرية أو في إحدى المكتبات العربية، وإنما في المكتبة الوطنية الإسرائيلية التي ما زالت تحتفظ بنسخة واحدة منه لم يطّلع عليها، مثلما يبدو، إلّا القلائل، علماً بأن اهتمام القراء والنقاد والباحثين الفلسطينيين بهذا الديوان قد يجمع بين غايتين مهمتين قلما تجتمعان في كتاب واحد هما: المحافظة على الموروث الشعبي الشفوي، من جهة، وعلى المكتبة الأدبية الفلسطينية قبل سنة 1948، من جهة أُخرى.
بعد العثور على الديوان قمت بمراجعته وتمحيصه بعناية آملاً بتعريف القارىء بمكنوناته ومزاياه، وساعياً لتحفيز المهتمين بالتراث على مزيد من الجهود في دراسة الزجل الشعبي الفلسطيني عامة، وإرث هذا الشاعر خاصة. وقد عاينت في البداية غلاف هذا الديوان، إذ يتضح أن عنوانه الكامل هو "كتاب نشأ الفن في أقوال العتابا، وهو الكتاب الأول من منظومات أسعد عطا الله من قرية البروة التابعة عكا 'فلسطين'"،[15] الأمر الذي يشير إلى ثلاثة أمور: الأول هو أن الديوان مكرس في معظمه إلى فنّ العتابا في الزجل الشعبي؛ الثاني هو أن الشاعر خطط لإصدار كتابه الثاني، حتى إنه ذهب في الخاتمة إلى تأكيد أن الكتاب الثاني سيكون بعنوان "محيط الفن". لكنني أميل إلى الاعتقاد أن المؤلف لم يتمكن من إصدار كتابه الثاني، ليس فقط بسبب عدم العثور على كتاب بهذا الاسم، بل أيضاً بسبب عدم ذكره من طرف أي باحث أو ناقد؛ الثالث هو أن الشاعر يقرن اسمه باسم قريته، الأمر الذي يدل على مدى اعتزازه وافتخاره بها.
على غلاف الكتاب ظهرت أيضاً ديباجة باللغة الفصحى ذات طابع تسويقي تهدف، مثلما يبدو، إلى تشجيع القراء والمهتمين على اقتنائه، وذلك من خلال عرض سريع ومختصر لمضمون الديوان الذي سنفصّله لاحقاً، ونؤكد أن زجله الشعبي متعة للسامع والقارىء معاً:
حوى هذا الكتاب من عتابا غزلية ووصف ومعاتبة أسعد إلى الدهر وهوائيه، ومعاتبة عشاق، وتحليل قصيدة المرحوم السيد فؤاد حجازي، وعتابا جبورية، ومدح، وفراقية. وذلك كله بألفاظ رشيقة بهذا الفن الذي يتشوق إلى سماعه ومطالعته كل مَن يرغب في أمور الفن، والسامع يلتذ به، والقارىء ينعش فؤاده.[16]
وظهر على الغلاف أيضاً ثمن النسخة من الديوان وهو 15 ملّاً فلسطينياً، وهذا الثمن يعادل، على حد علمي، ثمن عدد واحد من المجلات التي ظهرت في تلك الفترة، الأمر الذي يعني أن ثمنه زهيد نسبياً.
أمّا في الغلاف الداخلي فقد أثبت المؤلف صورة له،[17] ويبدو في الصورة زيه التقليدي المكون من القنباز / القمباز والدامر. غير أن اللافت للنظر أنه حاسر الرأس، فهو لا يضع على رأسه حطة / كوفية وعقالاً مثلما كان متّبعاً لدى القرويين في ذلك الحين. ولعل السبب في ذلك هو أن التقاط الصورة تم، على الأرجح، في مدينة عكا التي اعتاد رجالها وضع الطرابيش على رؤوسهم وليس الحطة والعقال.[18] كما رصّع الشاعر أعلى الصورة وأسفلها ببيتَين من العتابا من نظمه يعرّف فيهما بنفسه، مفاخراً بفنه، فيقول:[19]
تْهَيّا بالحجا والفكر شكلاي
وسهم الفن وسط الكبد شكلاي
يا طالب صورتي ينبيك شكلاي
النحيف ومبسمي للفن جاب
أنا اسمي سُمّي بالنطق أسعاد
وبرجي بالأسد والشمس أسعاد
يما يمني جذب بالروع أسعاد
المثقف ثم باليسرى العطب
(ص 1)[20]
في قوافي أول ثلاثة أشطر من كل بيت يوظف الشاعر الكلمات المتجانسة لتحمل دلالات متنوعة:[21] الكلمات المتجانسة هي "شكلاي"، وتعني في البيت الأول شك لديّ، وفي البيت الثاني شك بي أو طعنني، وفي البيت الثالث شكلي. ففي هذه الأبيات يشير إلى أن العقل والفكر يخلقان الشك، بينما الفن شكّ وسط كبده (أي أصاب منه مقتلاً)، ويلفت انتباه مَن يرى صورته إلى شكله النحيف ومبسمه الذي عشق الفن. الكلمات المتجانسة "أسعاد" تعني اسمه الشخصي أسعد، ثم سعد، ثم ساعد. وهنا يفاخر الشاعر بأن اسمه، وهو أسعد، بات سامياً، كما أن حظه سعيد لأن برجه هو برج الأسد وشمسه هي سعد (أي يمن وبركة)، ويحذّر أنه عند الروع (أي الحرب) تجذب يده اليمنى ساعد المثقف (أي الرمح أو السلاح) وباليد اليسرى يتم الإعطاب (أي الضرب).
وضع الشاعر لديوانه مقدمة باللغة الفصحى وقّع في نهايتها اسمه الكامل مع ذكر قريته، مؤكداً فيها أن عمره عند إصدار هذا الديوان، ينوف على الثلاثين، الأمر الذي يعني أنه من مواليد مطلع القرن العشرين، مثلما ذكرتُ سابقاً. كما أشار إلى أنه باكورة أعماله، ومع ذلك فقد أبرز طول باعه في أقوال العتابا ورغبته في تعريف الناس في جميع أنحاء البلد إلى فنه:
بسم الله الحي القيوم الذي ملكه لا يحول ولا يزول خالق الكون تاماً من كل المخلوقات ومنهم جنس البشر الذي خُلقت أيضاً أنا منه فله الحمد الوافر والشكر المتواتر. أمّا بعد، فلما بلغ عمري ما ينوف عن ثلاثين سنة تعلقت في أمور الفن في أقوال العتابا ومن زود تجولي في بحرها جاش في فكري أقوالاً في شعر العتابا فعزمت أن أدرج ما تهيأ في فكري من الفنون حتى تسير في أنحاء البلاد. وهذا أول فتوح بدا مني في أقوال العتابا. وسمّيت هذا الكتاب "نشأ الفن". والسلام. أسعد يوسف عطا الله من البروة. (ص 2)
في خاتمة الديوان أكد الشاعر ثانية أنه سيقوم بإصدار كتاب آخر بعنوان "محيط الفن"، كما أشار إلى أنه انتهى من نظم ديوانه الحالي في 20 آب / أغسطس 1930، ومرة أُخرى لم يغفل ذكر اسمه مقروناً باسم قريته (ص 34). وفي نهاية الديوان، في أسفل فهرس الكتاب، وُضع ثمن النسخة مجدداً، علاوة على ذكر المطبعة التي تولت طباعة الديوان: "مطبعة النجاح بعكا: مستعدة لطبع جميع الأشغال التجارية والكتب والمجلات والأسعار متهاودة جداً" (ص 38)، الأمر الذي يشير إلى أنها مطبعة تجارية وليست دار نشر مهنية. ولهذا ليس مستغرباً أنني لم أستطع الوصول إلى كتب أو مؤلفات ذات قيمة من إصدارها، وإنما فقط إلى بعض المنشورات الدعائية والإعلانات التجارية.[22] ولعل هذا ما يفسر أيضاً وجود بعض العيوب والهفوات في إصدار الديوان، والتي كان من الممكن أن تتجنبها دار النشر المهنية. فمن ناحية، كان هناك أخطاء مطبعية عديدة أورد الشاعر بعضها في قائمة من صفحتين بالأخطاء والتصحيحات، مع ذكر رقم الصفحة والسطر (ص 35 - 36)، ومن ناحية أُخرى، لا يوجد تطابق تام بين العناوين الواردة في الفهرس وبين تلك الواردة في متن الديوان.
على أي حال، وعلى الرغم من إصدار هذا الديوان في مطبعة تجارية صغيرة، فإننا نستطيع اعتبار هذا الإصدار عملاً ريادياً، وخصوصاً أننا لا نكاد نعثر في المكتبة الأدبية الفلسطينية خلال فترة الانتداب البريطاني على دواوين مطبوعة في الزجل الشعبي، ذلك بأن هذا الزجل تميز غالباً بكونه شعراً عاميّاً شفوياً ارتجالياً. وفي اعتقادي، فإن أهمية الديوان لا تنبع فقط من حفظه لأشعار هذا الشاعر الموهوب الذي كاد يغيب عن الأذهان، بل أيضاً بسبب ريادته وقيمته التراثية والأدبية والفنية، وتعريفنا إلى بعض المزايا الفنية والأسلوبية لفن الزجل الشعبي الفلسطيني، علاوة على أنه يُعتبر مصدراً غنياً للتعرف إلى جوانب متنوعة من الحياة الاجتماعية في قرية البروة في أثناء فترة الانتداب.
4) مضمون الديوان وأسلوبه ولغته
ما من شك في أن هذا الديوان يستحق دراسة متأنية ومستفيضة للغته وأسلوبه ومضمونه نظراً إلى أهميته وريادته وقيمته، غير أنني في هذه العجالة سأحاول إلقاء الضوء على أهم الظواهر والمزايا والجوانب التي تسترعي الانتباه، آملاً بأن يتسنى لي أو لباحثين آخرين التوسع والاستزادة في دراستها أو في دراسة ظواهر وقضايا أُخرى في هذا الديوان. وفي رأيي، فإنه لا يمكن إيفاء هذا الديوان حقّه من دون التوقف عند ثلاثة أمور مهمة هي: لغة الديوان ومستوياتها؛ الأساليب الزجلية التي اتّبعها وارتباطها بالمضامين؛ كيفية تصوير الشاعر لقريته البروة وأهلها.
بالنسبة إلى لغة الديوان ومستوياتها، فمن اللافت للنظر أنه على الرغم من كون هذا الديوان في الزجل الشعبي الفلسطيني، ومن كونه مكتوباً، في معظمه، باللغة العامية الفلسطينية، فإن من الممكن ملاحظة مدى جزالة ألفاظه وتباين مستوياتها اللغوية وقدرة الشاعر على التلاعب بالدلالات والمعاني، وخصوصاً عند استخدام الجناس. ومن الملاحظ أيضاً أن شاعرنا طعّم نصه بكثير من المفردات والألفاظ الفصيحة، بل حتى الكلاسيكية وغريب الكلام، محاولاً قدر المستطاع إبهار القارىء والسامع بمتانة لغته ورصانتها، مثلما سنلاحظ في الأبيات التي سنتحدث عنها لاحقاً، وكذلك في بيت العتابا التالي:
جعودك حندس الظلماء حلكاي
جديل وما بظني المشط حلكاي
جبينو تحت منو كيف حلكاي
قال البدر من نوري بدا
(ص 5)
الكلمات المتجانسة: "حلكاي" تعني حلكة، ثم حلّك، ثم حالك. فالشاعر هنا يتحدث عن شعر المحبوبة الأسود الذي يشبه الظلام حلكة، وجدائلها التي لا يستطيع المشط حلّها، وجبينها الذي تساءل عن حالته فيجيبه البدر أن نوره منه. ويمكننا أن نلاحظ أن الشاعر استخدم في الشطر الأول ثلاثة مستويات لغوية: فكلمة "جعود" هي عامية، ذات أصل فصيح، بمعنى شَعْر، و"حندس" كلمة فصيحة كلاسيكية بمعنى أظلم، بينما "الظلماء" الفصيحة شائعة باللغة المعيارية.
أمّا فيما يتعلق بالأساليب الزجلية التي اتّبعها وارتباطها بالمضامين، فقد قسّم عطا الله ديوانه إلى تسعة فصول اتّبع في كل فصل أسلوباً شعرياً مغايراً يدور حول موضوع أو غرض واحد. وقد جاءت هذه الفصول في معظمها بأسلوبَي العتابا والميجنا المعروفَين في الزجل الشعبي. وبحسب الشاعر سعود الأسدي فإن العتابا هي على البحر البسيط (أحد عشر مقطعاً في كل شطر) والبيت الواحد فيها مكون من أربعة أشطر تكون ثلاثة منها ذات كلمات متجانسة اللفظ ومتباينة المعنى في خاتمتها، بينما الشطر الأخير يكون مختوماً بباء ساكنة أو ألف. أمّا الميجنا فهي على البحر اليعقوبي (اثنا عشر مقطعاً في كل شطر)، وهي تشبه العتابا من حيث أشطرها، لكنها تُختتم بحرفَي النون والألف (نا).[23]
في أول ثلاثة فصول، جمع عطا الله بين العتابا والميجنا: الفصل الأول الذي سمّاه "في معاتبة أسعد إلى الدهر" فيه عتاب للدهر الذي يرمي المرء بالمصائب والهموم، وتأكيد أن الله سبحانه وتعالى سيفرّج الكروب، مثلما نرى في بيت الميجنا التالي:
يا دهر مالك عالملوح مائلي
ما عدت أوجد في النبوعة مائلي
يا إله العرش غيرك مائلي
يا رب يا معبود فرّج كربنا
(ص 3)
الكلمات المتجانسة "مائلي" تعني مائل، ثم ماء لي، ثم ليس لديّ. فالشاعر هنا يخاطب الدهر ويسائله عن سبب كونه مائلاً، إذ إنه لم يعد يجد في النبع ماء له، ويخاطب إله العرش مؤكداً أنه لا يوجد له أحد سواه، ويطلب من الرب المعبود أن يفرّج كربه.
الفصل الثاني الذي سماه "في العتابا الغزلية والوصف" فيه غزل بمحبوبة متخيلة يتغنى بمفاتنها وجمالها، من دون أن يتحرج أحياناً في وصف هذه المفاتن بصورة جريئة، آملاً ألّا ينقطع حبل الوصال بينهما، مثلما نرى في بيت العتابا التالي:
لا تنسي دخل ربك والفلاك
إن برم حبل العهد برما ولفلاك
لو جزت السما العالي والفلاك
وراكم لامتطي متن السحاب
(ص 7)
الكلمات المتجانسة "والفلاك" تعني وليف لك، ثم لف لك، ثم الأفلاك. فالشاعر هنا يتوجه إلى المحبوبة طالباً منها ألّا تنسى وليفها، مؤكداً أن حبل العهد بينها وبينه أصبح مشدوداً بينهما، وأنها حتى لو تخطت السماء العالية والأفلاك، فإنه سيمتطي السحاب ليصل إليها.
الفصل الثالث المسمى "في العتابا الهوائية" فيه وصف لتباريح الهوى ولوعة الهجر والفراق والجفاء وإعلان عن تمسّك العاشق بمعشوقته، كما في بيت الميجنا التالي:
يا ريمة في البر غرد بلبلك
حتى صخور الصم نطقاً بلبلك
يا خدودي دمع عيني بلبلك
سالت عِنّا دم على فراق المحسّنا
(ص 8)
الكلمات المتجانسة "بلبلك" تعني طائر البلبل، ثم متلبك، ثم بلّلك. فالشاعر هنا يخاطب المحبوبة واصفاً إياها بالغزالة التي غرد بلبلها في البر، حتى إن الصخور الصماء نطقت متلبكة، ويخاطب خدوده التي تبللت بالدموع، مؤكداً أنها سالت دماً نتيجة فراق المحبوب المحسّن.
أمّا الفصل الرابع فهو من نظم عبد المجيد ضاهر [ظاهر] الميعاري من البروة،[24] وعنوانه "في معاتبة العشاق"، وفيه دمج أيضاً بين العتابا والميجنا، وهو مكرس لعتاب المحبوب على هجره وصدوده. وفي الحقيقة لا ندري ما سبب إقحام شاعرنا لشعر ليس من نظمه وتأليفه، ولعله رأى في ذلك ضرباً من الرعاية والتشجيع والدعم لمَن يرى فيه موهبة واعدة في هذا الفن من أهالي القرية. فيقول الميعاري في بيت العتابا التالي في خاتمة زجله:
حبابي بدلون الصدّ بلعود
عادت نغمة الألحان بلعود
بعدما اصلون جسمي ابنار بلعود
صارت ثلج ممزوج ابشراب
(ص 18)
الكلمات المتجانسة "بلعود" تعني العودة أو اللقاء، ثم آلة العود، ثم العيدان. فالشاعر هنا يؤكد أن الأحباب بدّلوا الجفاء باللقاء، الأمر الذي جعل نغمة الألحان تعود إلى آلة العود، وبعد أن أحرقوا الجسم بنار العيدان، أصبحت النار كثلج ممزوج بالشراب.
أمّا في الفصل الخامس الذي سماه "في تحليل قصيدة المرحوم شهيد الوطن السيد فؤاد حجازي من صفد"، فقد انبرى شاعرنا لتخليد ذكرى هذا الشهيد ورفيقيه محمد جمجوم وعطا الزير الذين أعدمتهم حكومة الانتداب البريطاني يوم الثلاثاء الواقع فيه 17 / 6 / 1930، في أعقاب أحداث ثورة البراق في سنة 1929.[25] ومن المرجح أن هذا الإعدام وأصداءه المدوية في عموم فلسطين، وتحول القصيدة المعروفة "يا ظلام السجن / القبر خيم"، التي رددها هؤلاء الشهداء قبل إعدامهم، إلى ما يشبه النشيد الوطني،[26] قد هزّ مشاعر الشاعر الوطنية حين قام بكتابة هذا الديوان بعد شهرين تقريباً على الإعدام وتداعياته. ولهذا، حاول إعادة صوغ القصيدة المذكورة التي نسبها خطأ إلى الشهيد حجازي، بأسلوب العتابا، مثلما نلاحظ في البيت التالي الموازي لمطلع القصيدة:
شعر:
يا ظلام القبر خيّم
إننا نهوى الظلاما
عتابا
خيّم يا ظلام القبر إنّا
نهوى للظلام ابكل آنا
لمّا الحكم عالشهداء آنا
قام النحب في أركان العرب
(ص 19)
الكلمات المتجانسة "انا" تعني نحن، ثم الأنين، ثم آن أو حان. فالشاعر هنا يطلب أن يخيم الظلام لأننا نهوى الظلام في أثناء الأنين، وعندما آن أوان الحكم على الشهداء فإن النحيب انتشر بين العرب.
وقد ختم عطا الله أبيات العتابا التي صاغ فيها من جديد هذه القصيدة بثلاثة أبيات يبيّن فيها ولاءه للحاج أمين الحسيني، الأمر الذي يدل على الأهمية التي أولاها الشاعر والناشر لتأكيد هذا الولاء،[27] ولا سيما في ظل ازدياد التوتر بين مؤيدي الحسيني ومعارضيه في عكا، مثلما أسلفنا في الهوامش. فيقول في أحدها:
ابجوامع والشعوب ابفرض آمّين
ابكنايس والجراس اتدق آمين
يدعوا لحضرتك يا حاج آمين
الحسيني من سليلة المصطفا
(ص 21)
الكلمات المتجانسة "آمين" تعني يؤمّون، ثم إيمان، ثم الاسم الشخصي للحسيني. فالشاعر هنا يبيّن أنه حين يؤمّ الناس الجوامع لأداء الفرائض، وحين تدق الأجراس إيماناً وخشوعاً في الكنائس، فإنها جميعاً تدعو للحاج أمين الحسيني الذي هو من سلالة المصطفى.
ومن اللافت للنظر هنا أن الشاعر يُبرز في هذا البيت، وفي أبيات أُخرى في فصول ديوانه، أجواء الألفة والمودة السائدة بين الطائفتَين الإسلامية والمسيحية في فلسطين. وهذه ليست مرتبطة فقط بالروح الوطنية التي عمّت فلسطين، ولا سيما في أثناء ثورة البراق التي سبقت إصدار الديوان،[28] بل ترتبط أساساً أيضاً بالبيئة الاجتماعية الريفية التي تربى فيها الشاعر في قريته في حالة من التآخي بين الطائفتين، مثلما سنلاحظ لاحقاً. ولهذا نجده في أبيات أُخرى يجمع بين عقيدتَي الديانتين بشكل متساوٍ ومتطابق، مثلما يفعل في بيت العتابا التالي من الفصل الثالث إذ يقول:
داخل عالنبي وداخيل ماسيح
اسعفوني بالوصل من قبل ماسيح
كم كلمة بجسمي صرت ماسيح
وإنت اتصدني بكثر الجفا
(ص 7)
الكلمات المتجانسة "ماسيح" تعني المسيح، ثم أكاد أسيح أو أتلاشى، ثم ممسوح. فالشاعر هنا يتوسل بالنبي وبالمسيح أن يسعفه المحبوب بالوصل قبل أن يتلاشى، متسائلاً كم مسح من الكلوم (أي الجروح) بجسمه والمحبوب يصدّه بكثرة جفائه.
في الفصل السادس المسمى "في العتابا الجبّورية" استخدم عطا الله العتابا الجبّورية، وهي منسوبة إلى عشيرة الجبّور في منطقة الخابور في العراق وترد فيها عادة ألفاظ السقي والري،[29] إلّا إن شاعرنا استخدمها لشعر الحماسة والفروسية والفخر، مثلما نرى في بيت الميجنا التالي:
يا مَن تريدوا بالوغا منا حراب
ما نلتقيكم إلّا تَتْسِلّوا حراب
في أول المضمار لو شخصي حراب
ما يعتني بكثر الصوارم والقنا
(ص 22)
الكلمات المتجانسة "حراب" تعني حرب، ثم جمع حَرْبة أي السلاح، ثم غضب. فالشاعر هنا يخاطب مَن يريدون المحاربة في الوغى قائلاً لهم إننا لن ننازلكم إلّا بعد أن تستلوا حِرابكم، ويؤكد أنه لو حرب (أي غضب) في بداية النزال لما اهتم لكثرة الصوارم (أي السيوف) والقنا (أي الرماح).
الفصل السابع خصصه شاعرنا لمدح قريته وأهلها، إلّا إنني سأتحدث عن هذا الفصل بتوسع لاحقاً. أمّا الفصل الثامن فعنوانه "في العتابا الفراقية" وهو مخصص للرثاء والتفجع والبكاء على فراق الأحبة، مثلما نلاحظ في بيت العتابا التالي من مطلعها:
حبابي شيلون ابليل ونهار
عفقدو هل دمع العين ونهار
بقلبي لو وضعتوا ابحور وأنهار
مطفت نار وجدي والهاب
(ص 28)
الكلمات المتجانسة "ونهار" تعني النهار، ثم انهمر، ثم الأنهار. فالشاعر هنا يصف رحيل الأحباب في الليل والنهار، وبسبب فراقهم انهالت دموع العين، ويؤكد أنه حتى لو وضعوا في القلب البحور والانهار، لما استطاعت إطفاء نار الوجد ولهيبه.
في الفصل التاسع المسمى "في المواويل البغدادية" استخدم شاعرنا المواويل البغدادية التي تُسمى أيضاً المواويل السبعاوية لأنها مكونة من سبعة أشطر،[30] قوافي أول ثلاثة أشطر منها بالكلمات المتجانسة نفسها، وقوافي الأشطر الثلاثة الأُخرى بكلمات متجانسة مغايرة، أمّا الشطر السابع فيكون مطابقاً في قافيته لأول ثلاثة أشطر.[31] وقد كرّس الشاعر هذه المواويل للحكمة والموعظة، فيقول في مطلعها:
إيقظ وخاف الدهر يا غافلاً بؤوسها
واحذر لشرّ الليالي واختشي بؤوسها
إن شفت دنياك عسرة وشددت بؤوسها
اخلي عليها وما عليك من الذي قالو
واستلزم الصمت لو دمعك دفق قالو
الراوين أخبروا وأهل الفهم قالو
يد الذي ما اتنال تعضها بوسها
(ص 32)
الكلمات المتجانسة في أول ثلاثة أشطر: "بؤوسها" تعني مشقتها، ثم ظلمها، ثم فقرها، بينما الكلمات المتجانسة في الأشطر الثلاثة اللاحقة "قالو" تعني استراحوا، ثم حليبه أو شرابه، ثم قالوا. أمّا قافية الشطر الأخير المتجانسة مع قافية أول ثلاثة أشطر: "بوسها" فتعني قبّلها. ففي هذا الموال البغدادي / السبعاوي يخاطب الشاعر الإنسان الغافل عن الدنيا ومشقتها، مطالباً إياه بأن يصحو ويخاف الدهر، وأن يحذر من شر الليالي ويخشى ظلمها، وينصحه إذا شعر بعسر في دنياه واشتد فقره، ألّا يعير مَن استراحوا اهتمامه، وأن يلزم الصمت حتى لو سال دمعه، لأن الرواة وأهل الفهم قالوا واعظين إن اليد التي لا تستطيع عضّها قبّلها.
5) قرية البروة وأهلها في الفصل السابع من الديوان
هذا الفصل وعنوانه "أسعد يمدح بلدته البروة وسكانها"،[32] مخصص لمدح الشاعر لقريته وأهلها، وهو مكتوب كله بأسلوب العتابا. ويمكن القول إن هذا الفصل يمثل شهادة حية لشاعر القرية عن أحوال قريته وبُنيتها الاجتماعية والعائلية والدينية في عشرينيات القرن الماضي. فمن خلال هذا الفصل يمكن التعرف إلى بعض معالم القرية وعاداتها الشعبية وعائلاتها ووجهائها وطوائفها، بل إلى بعض التفصيلات الشخصية المتعلقة بالشاعر نفسه.
ومن الملاحظ أن الشاعر تدرّج في هذا الفصل بشكل متسلسل محكم، إذ بدأ قصيدته بمفاخرة عامة بقريته وأهلها، ثم انتقل إلى الحديث عن عائلات القرية ووجهائها بالترتيب بحسب أعدادها وكبرها ومكان سكناها حتى وصل إلى وجهاء طائفته ثم إلى أهل بيته وبيئته القريبة. وكأني بالشاعر يصوّر القرية تصويراً وثائقياً ينطلق فيه من المشهد العام إلى قطاعات ودوائر ضيقة ليصل أخيراً إلى دائرته الشخصية المصغرة.
يفتتح عطا الله قصيدته بمفاخرة عامة بقريته ذات القدر والجاه، وبكرم أهلها وشجاعة رجالها في أثناء مواجهة الخصوم ورجاحة عقلهم. كما يعبّر عن حبه لقريته وأشواقه لها مبرزاً موقعها المميز على تلة عالية. فيقول في مطلعها:
بلدنا ملجأ القصّاد والجاه
مرفوعا القدر والشان والجاه
تحليل العسر لليسر والجاه
تفكفك لمعاضيل الصعاب
(ص 25)
الكلمات المتجانسة "والجاه" تعني المضطرين، ثم المنزلة والقدر، ثم الجاهة أو الوجهاء. فالشاعر هنا يفاخر بأن بلده هي ملجأ للقاصدين وللمضطرين، وأنها ذات شأن ورفعة وجاه، وبفضلها تُحل الأمور العسيرة فتصبح يسيرة، كما يقوم وجهاؤها بتذليل الصعاب والمعضلات.
ينتقل الشاعر بعد ذلك إلى الحديث عن معلم بارز من معالم القرية يقع في وسطها وهو مقام الشيخ محمد الكيّال الذي يُعتبر الجد الأكبر لكبرى عائلات القرية: آل كيّال. وكان أهل القرية يعتبرونه وليّاً صالحاً ذا كرامات وشفاعات،[33] وكانوا يتباركون به وينذرون له النذور ويضيئون مقامه، كما يحملون الأعلام الموجودة فيه ويطوفون بها في الأفراح والأتراح للتبرك بها، فيقول في البيتين التاليين:
بلدنا عاليه ابراس راباي
وفيك محمد الكيّال راباي
بيدو لو لمس للماء راباي
صبّحْ كاللبن تحويل الميا
من بعدو طلع سْيَاد وأعلام
ابمقامو انوضع رايات وأعلام
بانت من فنوني ارموز وأعلام
تحيي آل كيّال ابهلا
(ص 26)
الكلمات المتجانسة في البيت الأول "راباي" تعني رابية، ثم تربّى، ثم أصبح رائباً. فالشاعر هنا يفاخر بأن بلده عالية على قمة رابية، والشيخ محمد الكيّال تربّى فيها، وهو إن لمس الماء بيده لتحوّل إلى لبن رائب. الكلمات المتجانسة في البيت الثاني "وأعلام" تعني مشاهير، ثم رايات، ثم علامات. وفي هذا البيت يؤكد أنه جاء بعد الشيخ بعض الأسياد والمشاهير، وقد وُضعت في مقامه الأعلام والرايات، وينهي الشاعر بتحية لآل كيال من خلال رموز فنه وعلاماته.
بعدها يعرّج الشاعر على ذكر عائلة كبيرة أُخرى من عائلات البروة وهي آل درويش التي ينتمي إليها الشاعر المعروف محمود درويش (1941 - 2008)، فيقول في البيت التالي:
غرّب عا بني درويش تغريب
يوسف كان يسن أحكام تغريب
وكل منها الشمس بأمس تغريب
أحمد يلتقي اضيوف المسا
(ص 26)
الكلمات المتجانسة "تغريب" تعني غرباً، ثم نفي وإبعاد، ثم الغروب. فالشاعر هنا يطلب التوجه إلى بني درويش غرباً (إذ كانوا يقطنون في الجانب الغربي من القرية)، ومنهم يوسف (درويش) الذي كان يصدر أحكاماً بالتغريب والإبعاد (على مَن أخلّ بالأعراف والقوانين)، وأحمد (درويش) الذي يستقبل ضيوفه كلما غربت الشمس.[34]
ولا يغفل الشاعر العائلات الأُخرى ووجهاءها القاطنين في الجهة الغربية من القرية. إذ يشيد بصالح عبد الله رمضان الذي عُرف عنه أنه كان من معمري القرية،[35] فيُبرز تعبّده وصيامه رمضان، وتوهج فكره وصدق حدسه. كما يذكر في بيت واحد ثلاث عائلات ووجهاءها:
بني هواش مع علي ذيب وسعاد
زهياً وقتهم بالعيش وسعاد
صالح وأحمد والعبد وسعاد
وسليم وقاسم من أهل النخا
(ص 26)
الكلمات المتجانسة "وسعاد" تعني عائلة سعد، ثم السعادة، ثم الاسم الشخصي سعد / أسعد / سعيد. فالشاعر هنا يمدح عائلات هواش، وعلي ذيب وسعد، داعياً لهم بالعيش الهنيء والسعادة، ومادحاً وجهاءهم: صالح وأحمد والعبد وسعد / أسعد / سعيد وسليم وقاسم، الذين يعتبرهم من أهل النخوة.[36]
ثم ينتقل الشاعر إلى مدح العائلات الموجودة في وسط القرية وشمالها، فيمدح أبناء قاسم ميعاري، وهو أحد أجداد عائلة ميعاري في البروة، كما يمدح آل عثمان من عائلة سمري، وكذلك العائلات الأُخرى عامة، ومنها عائلة عيشان:
وباقيت البلد مع دار عيشان
كرام ويطعموا الضيفان عيشان
بذكر كل مَن في البلد عيشان
من كُهّال وأطفال وشباب
(ص 26)
الكلمات المتجانسة "عيشان" تعني عائلة عيشان، ثم العشاء، ثم يعيش. فالشاعر هنا يمدح سائر عائلات القرية وعائلة عيشان، مؤكداً أنهم كرماء ويطعمون الضيوف وقت العشاء، ثم يشيد بكل مَن يعيش في القرية من كهول وأطفال وشباب.
ويمدح الشاعر أيضاً مختار البلد من دون تسميته، ومن المرجح، بحسب شهادات أهل القرية، أن المقصود هو المختار صالح أحمد كيّال الذي كان المختار الوحيد للقرية منذ سنة 1928، بعد أن سبقه في هذا المنصب سليم نقولا خوري (والد الخوري جبران). بعد ذلك يخصص الشاعر أربعة أبيات لمدح عائلة إدلبي التي كانت تُعتبر من كبار الأغنياء والملاكين في القرية والمنطقة، فيقول في الأول منها:
لامدح يا بني إدلب نسلكم
الكريم وبالدجى يلمع نسلكم
ابن يوسف ما ظني نسلكم
حتى يوم دكات الحساب
(ص 27)
الكلمات المتجانسة "نسلكم" تعني أبناءكم، ثم نصلكم، ثم نسيكم. فالشاعر هنا يمدح النسل الكريم لعائلة الإدلبي التي يلمع نصلها في الدجى (أي الظلام)، مؤكداً أن ابن يوسف، أي الشاعر نفسه، لن ينساهم حتى يوم القيامة.
ومع أن أفراد هذه العائلة لم يقيموا جميعاً في القرية، إلّا إنه يذكر ثلاثة من أبناء سليم مصطفى الإدلبي، وهم: الشيخ بشير الإدلبي (1886 - 1957) الذي كان مأذوناً وإماماً وقاضياً شرعياً في عكا؛ أحمد الإدلبي الذي كان من وجهاء عكا الذين وقّعوا وثيقة استسلام المدينة للقوات الإسرائيلية في 16 أيار / مايو 1948؛[37] ناجي الإدلبي الذي كان يقيم في القرية ويدير أملاك العائلة فيها، بما في ذلك معصرة زيتون حديثة ظل بناؤها صامداً فترة طويلة بعد التهجير.
وينهي الشاعر مديح عائلات الطائفة الإسلامية بمدحه لمحمد عبد الحليم الذي لم تسعفنا شهادات الأهالي ولا الوثائق المتوفرة لدينا ولا بيت الشعر في معرفة تفصيلات إضافية عنه،[38] وأغلب الظن أن الرجل كان من ملاكي الأراضي ولم يكن مقيماً بشكل دائم في القرية. وهنا لا بد من التعريج على الوضع الاقتصادي لأهالي القرية، إذ يتضح أنهم، في أغلبيتهم، كانوا فقراء يعملون بالأجرة أو "على الحصة"، بينما كثير من الأراضي الزراعية يملكه كبار الملاكين الذين كانوا موجودين في عكا أو في أماكن أُخرى، أمثال آل بيضون، وآل الزيات، وآل العكي، وغيرهم.[39]
ينتقل الشاعر بعد ذلك إلى مدح الطائفة المسيحية التي ينتمي هو نفسه إليها، مشدداً على صفة التسامح التي تميز الديانة المسيحية:
لامدح للذي تابعين ماسيح
زادو عليّ جنف ورحت ماسيح
كم لخمني لجنبي صرت ماسيح
وأقول أنصارنا إيردوا النوا
(ص 27)
الكلمات المتجانسة "ماسيح" تعني المسيح، ثم أكاد اتلاشى، ثم ممسوح. فالشاعر هنا يؤكد الشاعر أنه يمدح أتباع المسيح، مبيّناً أنه حين يزداد الجنف (أي الظلم والجور) على المرء حتى يكاد يتلاشى، وحين يتلقى الصفعات حتى تصبح أجنابه ممسوحة، فإنه يعلق أمله بالنصارى الذين يمنعون النوى (أي البعد والجفاء).
بعد ذلك يخص الشاعر بالذكر سليم نقولا خوري الذي كان مثلما ذكرتُ مختار القرية، لينتقل بعدها مباشرة لابنه جبران الذي أصبح خوري البروة. وهناك حكاية معروفة تناقلها الناس بشأن تعيين خوري البروة يظهر من خلالها مدى الألفة والمودة اللتين سادتا بين الطائفتين الإسلامية والمسيحية في البروة. وقد روى هذه الحكاية، مثلما رواها آخرون، الأديب حنا إبراهيم (1927 - 2020) على لسان خليل عيسى خوري، من مواليد سنة 1917 في البروة،[40] ويتضح منها أنه بعد موت الخوري جريس في نهاية عشرينيات القرن الماضي أضحت الطائفة من دون كاهن، فأراد بعض مسيحيي القرية تعيين حلاق القرية أبو نجيب حنا بولس الذي كان دمث الأخلاق، صموتاً وطاعناً في السن، في هذا المنصب. غير أن وجهاء الطائفة الإسلامية لم يرضوا بهذا الاختيار إذ كانوا يعتبرون الخوري وجهاً من وجوه البلد، وبالتالي فقد وقع اختيارهم على جبران الذي كان جمّالاً شاباً ومعروفاً بقوة حجته وشجاعته، وأرسلوا عريضة في هذا الشأن إلى البطريرك الذي استغرب تدخّل المسلمين بهذا الأمر، لكنه إزاء إصرارهم وافق على تعيين الخوري جبران في هذا المنصب. ولا غرابة إذاً في أن يمدح الشاعر خوري البروة ولمّا تمرّ بعد مدة طويلة منذ تعيينه في هذا المنصب، فيقول:
لـمْــدحْ حضرتك يا أب جُبران
صرت كاهن عن الدُّشمان جبران
جدّك للخواطر كان جبران
نقولا فكفك أمور الصعاب
الكلمات المتجانسة "جبران" تعني اسمه الشخصي، ثم العافي، ثم المواسي. يقول الشاعر هنا: أنا أمدح الأب جبران بعد أن صار كاهناً يعفو عن الدُّشمان (بالفارسية والتركية وتعني العدو)، وجده نقولا كان يجبر الخواطر ويذلل الصعاب.
ويختتم الشاعر قصيدته عن البروة بمدح الأشخاص المقرّبين منه، فيبدأ بعمه، والد زوجته، عيسى الخوري، أبو وديع، مبرزاً لطفه وكرمه، وينهي بجاره رضوان سكس،[41] أبو توفيق الذي يعتبره نِعْم الجار، فيقول:
أبو توفيق نِعْم الجار جاراي
يصفح للمرء لو كان جاراي
أما تعلم بأن الفكر جاراي
بمدحو ألّف الناظم عتاب
(ص 28)
الكلمات المتجانسة "جاراي" تعني جاري، ثم جائر، ثم الجاري. فالشاعر هنا يمدح جاره أبو توفيق ويعتبره نِعْم الجار، فهو يصفح عن المرء حتى لو كان جائراً (ظالماً)، ويتساءل: ألا تعلم بأن الفكر مشغول، وأن الشاعر ألّف بمدحه العتابا؟
أخيراً، لا بد من القول إن أسعد عطا الله، حادي البروة، فنان شعبي أصيل وموهوب، ظل حاضراً في وجدان سامعيه في الأعراس والمناسبات ردحاً من الزمن، لكنه أبى إلّا أن ينشر زجله في كتاب كي يصبح فنه أيضاً متعة للقراء. وبذلك فإنه حفظ للأجيال اللاحقة بعضاً من مزايا فنه وفن الزجل الشعبي الفلسطيني عامة، علاوة على أنه أثرى المكتبة الأدبية الفلسطينية بإبداع فريد ونادر قلّما نجده في فترة الانتداب البريطاني. كما أنه سطّر اسم قريته البروة في سفر الخلود، على الرغم من المحاولات لطمس معالمها وتجاهل نكبتها، ولذلك حريّ بنا أن نعنى بهذا الشاعر وإرثه الشعري وديوانه، وعسى أن يكون هناك مَن ينبري لإصدار هذا الديوان مجدداً ليكون في متناول الجميع.
المراجع
إبراهيم، حنا (1985). "حكاية خوري البروة". "الاتحاد"، 26 تشرين الثاني / نوفمبر، ص 4.
الأسدي، سعود (1976). "أغاني من الجليل: أشعار زجلية". الناصرة: مطبعة وأوفست الحكيم.
تيسير ابن طيرة حيفا (30 / 6 / 2016). "التراث الشعبي في قرية طيرة حيفا"، موقع "الطيرة".
جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين (9 / 7 / 2015). انظر الرابط الإلكتروني.
"الجوقات الزجلية في لبنان". موقع "يا بيروت"، في الرابط الإلكتروني.
الحوت، بيان نويهض (1984). "القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين، 1917 – 1948". عكا: دار الأسوار، ط 2.
الخالدي، وليد (1997). "كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة ١٩٤٨ وأسماء شهدائها". ترجمة حسني زينة. تدقيق وتحرير سمير الديك. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
خوري، جريس نعيم (2013). "الفولكلور والغناء الشعبي الفلسطيني: دراسة في التاريخ، المصطلح، الفن، والظواهر الخاصة". حيفا: مجمع اللغة العربية.
دبدوب، محمد (2002). "البروة: قرية فلسطينية محفورة في القلب". طرابلس (لبنان): مكتبة الحوار.
درباس، ساهرة (1992). "البروة: وطن عصي على النسيان". د. م.: د. ن.
درويش، أحمد (2006). "حزيران البارد في البروة". جديدة - المكر: مطبعة البلد.
السفري، عيسى (1981). "فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية". القدس: منشورات صلاح الدين، ط 2.
سيلع، رونا (حزيران / يونيو 2017). "على أطلال الأرشيف الكولونيالي". "بتسلئيل – مجلة للثقافة المرئية والمادية" [بالعبرية]، العدد 4. انظر الرابط الإلكتروني.
عاميت، غيش (2007). "بيع الكتب للفائزين بالمزاد العلني لشراء القمامة". "مِطعام: مجلة للأدب والفكر الراديكالي" [بالعبرية]، العدد 12، ص 41 - 52.
عرار، عبد العزيز أمين (2 / 10 / 2020). "الغزو والاختراق الصهيوني، 1897 – 2018". موقع "شبكة البصرة"، في الرابط الإلكتروني.
عطا الله، أسعد يوسف (1930). "كتاب نشأ الفن في أقوال العتابا". عكا: مطبعة النجاح.
قلعه جي، عبد الفتاح رواس (2009). "دراسات ونصوص في الشعر الشعبي الغنائي". دمشق: وزارة الثقافة.
لجنة مهجري البروة (2002). "البروة في القلب: 54 عاماً على الترحيل والاغتراب". د. م.: د. ن.
"مؤتمر الزجل العربي" (1 آب / أغسطس 1945). جريدة "فلسطين"، ص 4.
ميعاري، محمد (خريف 2019). "كيف سقطت البروة مرتين". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 120، ص 174 - 183.
"يا ظلام القبر خيّم" (27 حزيران / يونيو 1930). "النفير"، ص 3.
ياسين، صبحي (1961). "الثورة العربية الكبرى في فلسطين، 1936 – 1939". [القاهرة]: دار الهنا للطباعة.
يوسف ناصر (24 / 12 / 2015). "ديوان شاعر البروة الشعبي أسعد عطا الله (العثور على ديوانه، سيرته، ومضمون الديوان وقيمته). موقع "فرح نيوز أون لاين"، في الرابط الإلكتروني.
المقابلات
عبد الرحمن كيّال، أبو فهيم، في سنة 2013.
محمد علي قاسم كيّال، أبو مصطفى، في سنة 1987.
مصطفى سمري، أبو محمد، في سنة 2013.
ملاحق
صورة غلاف كتاب عطا الله (1930)
صورة الغلاف الداخلي للكتاب وفيه صورة المؤلف وبيتا عتابا من نظمه
الفصل السابع في مدح بلدته وسكانها
المصادر:
[1] تقع قرية البروة على بعد نحو عشرة كيلومترات شرقي مدينة عكا. بلغت مساحة أراضيها 13,542 دونماً، وكان يسكنها 1460 نسمة في سنة 1945. احتلت القوات الإسرائيلية القرية في 11 حزيران / يونيو 1948، لكن مسلحي القرية والقرى المجاورة تمكنوا من استردادها في 23 حزيران / يونيو 1948. وعندما جاءت قوات جيش الإنقاذ إلى القرية بعد استردادها طلبت من المسلحين مغادرتها، غير أن هذه القوات انسحبت في اليوم التالي من دون أي مقاومة تذكر. وبعد تهجير سكان القرية قامت السلطات الإسرائيلية بهدم بيوتها في سنة 1950، ثم أقامت مستعمرتين يهوديتين على أراضيها هما كيبوتس يسعور، وموشاف أحيهود. انظر: درباس (1992)؛ الخالدي (1997)، ص 463 - 465؛ دبدوب (2002)؛ لجنة مهجري البروة (2002)؛ درويش (2006).
[2] انظر، على سبيل المثال: الأسدي (1976)، ص 13 - 18.
[3] المصدر نفسه ص 18 - 19. انظر أيضاً: تيسير ابن طيرة حيفا (2016).
[4] انظر: ناصر (2015).
[5] بحسب شهادة مصطفى سمري، أبو محمد، في مقابلة معه في سنة 2013.
[6] بحسب شهادة عبد الرحمن كيّال، أبو فهيم، في مقابلة معه في سنة 2013.
[7] الأسدي (1976)، ص 20 - 21.
[8] درباس (1992)، ص 25.
[9] كان يوسف حاتم يلقّب بأمير العتابا، مثلما تعرّفه صحيفة "فلسطين" في خبر بتاريخ 1 آب / أغسطس 1945 (مؤتمر الزجل العربي، 1945، ص 4). وقد شارك مع الزجالين الفلسطينيين في عدة مناسبات. انظر ما كتبه الشاعر سعود الأسدي في هذا السياق، ونشره موقع "عكا نت" الإلكتروني، في الرابط الإلكتروني.
أمّا عباس نجم الحوميني فانتمى إلى جوقة "كروان الوادي" اللبنانية التي تألفت في سنة 1931، وكان يرأسها الشاعر كميل خليفة، واستمر نشاطها حتى ستينيات القرن العشرين. انظر: "الجوقات الزجلية في لبنان".
[10] جاء في وثيقة استخباراتية أعدّتها منظمة "الهاغاناه" الصهيونية بتاريخ 10 / 1 / 1943 عن قرية البروة، أن عطا الله هو مختار مسيحيي البروة. كما أن بعض المصادر العربية بشأن القرية يشير أيضاً إلى كونه مختاراً حتى سنة 1941 (انظر، على سبيل المثال: درباس، 1992، ص 13). إلّا إن أهالي القرية، في معظمهم، يفندون هذا الادعاء بتأكيدهم أنه لم يكن مختاراً. ومن الممكن أن يكون هذا التناقض نابعاً عن أحد أمرين: فإمّا أن يكون تعيين عطا الله لهذا المنصب قد تم لفترة وجيزة إلى درجة أن كثيرين من الأهالي لم يعودوا يذكرون أنه كان مختاراً، وإمّا أن يكون الأمر قد التبس على البعض بين كونه حادي القرية، أو مختاراً لها. ولمزيد من التفصيلات بشأن الوثيقة الاستخباراتية ونصّها وسياقها التاريخي وارتباطها بالجهود الاستخباراتية الصهيونية للتمهيد للاستيلاء على القرى الفلسطينية المهمة، انظر ما كتبته أنا عن هذه الوثيقة في إطار مقالة بالعبرية لرونا سيلع (2017). ويمكن كذلك العثور على ترجمة لهذه الوثيقة في صفحة الفيسبوك لـ "جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين" (2015).
[11] سقطت مدينة حيفا في أيدي القوات الإسرائيلية بتاريخ 22 نيسان / أبريل 1948. انظر: الحوت (1984)، ص 627 - 630.
[12] إذا اتّبعنا معايير اللغة العربية الفصحى فإن الأصح لغوياً أن تُكتب "نَشْء" وليس "نشأ". ومع ذلك فقد قررت، هنا ولاحقاً، الإبقاء على النص مثلما ورد في هذا الديوان، من دون تعديل أو تصحيح، وخصوصاً أنه، في معظمه، باللغة العامية، وذلك من أجل الأمانة العلمية في نقل النص الأصلي.
[13] قامت الدائرة العربية في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، ممثلة في مديرها شموئيل سلمون، بإبادة آلاف الكتب الفلسطينية التي جرى الاستيلاء عليها بعد النكبة. انظر: عاميت (2007).
[14] في كتاب ساهرة درباس عن البروة تم تأكيد أن عطا الله نظم في سنة 1931 "كتاب حِدا وأشعار شعبية نشره ووزعه في أنحاء البلاد. كما درسه الطلاب في المدارس. وقد ضم الكتاب مدائح للعائلات، غزلاً، وصفاً لبلده ووطنه" (درباس، 1992، ص 24). لكن الكاتبة، التي اعتمدت في الأغلب على شهادات شفوية، لم توضح ممّن استقت هذه المعلومات، وما إذا كانت قد تأكدت من صحتها من مصادر أُخرى، أو إذا كانت قد شاهدت هذا الديوان بأمّ عينها.
[15] انظر في الملاحق صورة غلاف هذا الديوان.
[16] عطا الله (1930)، الغلاف.
[17] انظر في الملاحق صورة الغلاف الداخلي وفيها صورة المؤلف وبيتان من العتابا من نظمه.
[18] حدثني جدي، محمد علي قاسم كيّال، أبو مصطفى، في مقابلة معه في سنة 1987، أنه حين اغتيل الدكتور أنور الشقيري في عكا في سنة 1939، واتهم باغتياله بعض الثوار القرويين، أمر والده الشيخ أسعد الشقيري (1860 - 1940)، وهو أحد وجهاء عكا، بمنع دخول القرويين إلى المدينة. وكان من السهل تمييز القرويين بسبب وضع الحطّة والعقال على رؤوسهم، الأمر الذي دفع بعض أهالي عكا، على الأغلب بإيعاز من قادة الثورة، إلى استبدال الطربوش بالحطّة والعقال، وبينهم مدرّس القرية عمر كتمتو، أبو عصمان، علماً بأن بعض الباحثين والمؤرخين يشير بإصبع الاتهام في اغتيال الشقيري إلى الانتداب البريطاني وعملائه، وذلك بهدف إجهاض ثورة 1936 - 1939. انظر، على سبيل المثال: عرار (2020).
وجدير بالذكر هنا أن صبحي ياسين في كتابه عن الثورة المذكورة يشير إلى أن قيادة الثورة أصدرت أمراً بتاريخ 27 آب / أغسطس 1938، بارتداء الحطّة والعقال لمنع البوليس الإنجليزي من التعرف إلى رجال الثورة (ياسين، 1961، ص 47 - 48).
[19] لا بد من الإشارة إلى أنه على الرغم من كون أبيات عطا الله باللغة العامية، فإنه ليس من السهل دائماً الوصول إلى المعنى الدقيق لها. ولهذا فقد رأيت من الضروري توضيح معنى الكلمات المتجانسة والألفاظ غير المألوفة وشرح الأبيات من أجل التسهيل على القارىء، علماً بأن من الممكن أن يكون هناك اجتهادات أُخرى في تفسيرها.
[20] ذكرتُ هنا ولاحقاً الإحالات إلى كتاب عطا الله من خلال ذكر الصفحة فقط، وذلك منعاً للتكرار والإطالة.
[21] لمنع تكرار هذه العبارة في المقالة، ولا سيما أن الكلمات المتجانسة تظهر دائماً في قوافي أول ثلاثة أشطر، فسيتم لاحقاً ذكر الكلمات المتجانسة من دون الإشارة مراراً وتكراراً إلى موقعها.
[22] عثرتُ في المكتبة الوطنية الإسرائيلية على بعض المناشير والإعلانات التي طُبعت في تلك المطبعة، وبينها منشور سياسي يحوي قصيدة يهاجم فيها ناظمها، صادق الإيراني، حزب الأحرار الذي ساهم في تأسيسه الشيخ أسعد الشقيري، أحد المعارضين البارزين للحاج أمين الحسيني (1895 - 1974)، في ثلاثينيات القرن العشرين. ولمزيد من التفصيلات عن نشاط الشقيري السياسي المناهض للحسيني، راجع: الحوت (1984)، ص 181، 305. ولعل ذلك يشير إلى ميول صاحب المطبعة الموالية للحسيني، وهي ميول تظهر بوضوح أيضاً في ديوان أسعد عطا الله، مثلما سنلاحظ لاحقاً.
[23] الأسدي (1976)، ص 44 - 45. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن بعض الباحثين يحيل أوزان الشعر الشعبي عامة، والعتابا والميجنا خاصة، إلى الأوزان الشعرية الكلاسيكية. انظر، على سبيل المثال: خوري (2013)، ص 109 - 115.
[24] عبد المجيد ضاهر [ظاهر] الميعاري، من مواليد قرية البروة، نزح بعد النكبة مع أسرته إلى مدينة حماة في سورية وتوفي هناك. وقد نُشر في بعض مواقع التواصل الاجتماعي بعض أشعاره التي تعبّر عن حنينه إلى قريته. راجع ذكريات ابن أخيه المحامي والسياسي محمد ميعاري عن تداعيات النكبة على أسرته: ميعاري (2019).
[25] لمزيد من التفصيلات عن ثورة البراق وإعدام الشهداء الثلاثة، انظر: السفري (1981)، ص 124 - 128، 139 - 140.
[26] القصيدة، ومطلعها "يا ظلام السجن خيّم – إننا نهوى الظلاما"، هي في الأصل للمناضل السوري نجيب الريس (1898 - 1952)، لكنها تحولت في فلسطين، بعد استبدال كلمة "السجن" بكلمة "القبر"، إلى نشيد وطني، مثلما نلاحظ في جريدة "النفير" الحيفاوية التي أوردت نص القصيدة كاملاً بتاريخ 27 / 6 / 1930 (يا ظلام القبر خيّم، 1930، ص 3).
[27] في الوثيقة الاستخباراتية الآنفة الذكر تم التشديد على أن أغلبية عائلات البروة مؤيدة للحسيني.
[28] يصف عيسى السفري أجواء الحزن التي عمّت فلسطين وجسّدت حالة التآلف والتآخي بين الطائفتين بعد إعدام الشهداء الثلاثة بقوله: "بينما كانت الجماهير في عموم أنحاء البلاد تقف خاشعة كلما دقت الساعة الثامنة أو التاسعة أو العاشرة [ساعات إعدام كل واحد من الشهداء] ويملأ الفضاء أصوات المؤذنين وقرعات أجراس الكنائس حزناً على الشهداء الذين ذهبوا ضحية السياسة الغاشمة" (السفري، 1981، ص 140).
[29] خوري (2013)، ص 108.
[30] المصدر نفسه، ص 155 - 156.
[31] قلعه جي (2009)، ص 14.
[32] انظر نص هذا الفصل في الملاحق.
[33] يروي أهالي البروة عن الشيخ محمد الكيّال أنه عندما أقبل بعض التجار لشراء القمح دلّهم أحد الأشخاص المغرضين على بيت الشيخ الذي كان فقيراً معدماً. فلما سألوه عن طلبهم قال لهم أبشروا، فامتلأت الخليّات (جمع خلية لأنها تشبه بيت النحل، ويوضع بها القمح في البيت) الفارغة بالقمح، وأمر الشيخ الصاع بأن يكيل لهم القمح فكاله من دون أن يلمسه. وتبدو هذه الرواية مشابهة لرواية أُخرى تُروى عن جَدٍّ أكثر قدماً لآل كيّال هو الشيخ إسماعيل ابن السيد علي مهذب الدولة الرفاعي وهو المعروف بالكيّال والمتوفى في سنة 1286م، والمدفون في قرية الترنبة من أعمال مدينة حلب، إذ يقال إن الشيخ إسماعيل أراد أن يرفع ظلم مملوك الملك الظاهر عن أهل قريته عندما شاع المَحْل وحلّ الضيق بهم فجعل القمح يتدفق في خليّات القمح والكيل يكتال بنفسه. راجع، على سبيل المثال: مادة "قبيلة الرفاعي" في الرابط الإلكتروني.
كما يقال عن الشيخ محمد الكيّال إنه عندما توفي حاول الناس بناء قبر له، إلّا إنهم في كل مرة كانوا يجدون هذا البناء مهدوماً في الصباح. وقد سُميت المنطقة المحيطة بهذا المقام "دار المزار"، إذ كان آل كيّال يدفنون موتاهم فيها. وعلى الرغم من هدم بيوت قرية البروة ومسجدها فإن المقام ظل قائماً لفترة طويلة بعد النكبة. ويرجح البعض أن القوات الإسرائيلية ظنت أن هذا المقام هو مسجد القرية بسبب وجود قبّة له، لكنه انهار لاحقاً نتيجة الإهمال وعدم الصيانة، فضلاً عن قيام بعض مستوطني أحيهود بإدخال الأبقار إليه.
[34] بحسب شهادات بعض أهالي القرية، فإن أحمد درويش، أبو شفيق، كان الوحيد في القرية الذي يملك عربة خيل، كما أن ابنه شفيق كان من الموظفين القلائل الذين عملوا خارج القرية، إذ كان موظفاً في المحكمة المركزية في حيفا.
[35] في الوثيقة الاستخباراتية الآنفة الذكر تم التشديد على أن صالح عبد الله رمضان ناهز 130 عاماً عند إعداد الوثيقة في سنة 1943، ولا ندري ما مدى صحة ذلك، لكن من المؤكد، بحسب أهالي القرية، أنه كان طاعناً في السن، كما أن ابنه يوسف كان يُعتبر من وجهاء القرية.
[36] يصعب الجزم مَن هم الوجهاء المقصودون في هذا البيت، ولا سيما أن الشاعر أورد الأسماء الشخصية من دون ربطها بأسماء العائلات. ومع ذلك، وبناء على تحليل بنية هذا البيت وترتيب أسماء العائلات والأسماء الشخصية، فمن المرجح أن يكون هؤلاء الوجهاء هم: صالح يوسف هواش؛ أحمد يوسف هواش؛ عبد الله أو عبد الرحمن دمير / ذيب؛ سعيد يوسف ذيب؛ سليم مطلق صالح سعد؛ قاسم محمد سعد.
[37] الحوت (1984)، ص 637.
[38] لعل المقصود هو محمد فهد علي حليمة الذي كان له أراضٍ كثيرة في القرية. راجع سجل ملاكي الأراضي في البروة في كتاب درباس (1992)، ص 47 - 162.
[39] انظر الوثيقة الاستخباراتية الآنفة الذكر.
[40] إبراهيم (1985).
[41] استشهد في البروة بعد أن بقي فيها مع مجموعة من المسنين والعجزة بعد الاحتلال الأول لها في 11 حزيران / يونيو 1948، وكان استشهاده بعد أن اشتكى للضابط المسؤول عن قيام جندي بسرقة الدجاجات الحبشيات لامرأة ضريرة، وعلى الأرجح فإن هذا الجندي قام بقتله وإلقاء جثته في أحد الآبار، وبالتالي لم يُعثر على جثته.