غزة... وماذا بعدها؟
نبذة مختصرة: 

على الرغم من فارق ميزان القوة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، فإن صمود الثانية واحتضان الشعب الفلسطيني لها، وتغوّل الأولى وارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية وإبادة جماعية وظهور أمام العالم على حقيقتها الفاشية، أمور لا بد من أن تغيّر تلك الموازين لمصلحة الشعب الفلسطيني.

النص الكامل: 

 -1-

هل بقي للبشرية الظالمة شيء تخاف عليه بعد انهيار قيمها التي حاربت من أجلها، وارتفعت بالإنسان، من خلالها، الى مراتب عليا في المحافظة على الجنس البشري بعد حربين عالميتين مدمرتين، انتهت إحداهما بأول مأساة ابتُذل فيها الوجود البشري ومحيطه الكلي: تجريب استعمال قنبلتين نوويتين واحدة بالبلوتونيوم والثانية باليورانيوم، في مدينتين يابانيتين مختلفتين، هيروشيما وناغازاكي، وكانت محصلتها ليس السلام، وإنما ظهور أميركا "اليانكي" على حساب أميركا "الحامية للقوانين والمواثيق الإنسانية؟" فمنذ ذلك الوقت، وربما قبله كثيراً، تمددت هيمنة "اليانكي" الكلية لا على الحياة الأميركية فحسب، بل على حياة البشرية كلها أيضاً، ولهذا فإننا نحتاج إلى الزهايمر الحاد كي ننسى ما قامت به أميركا من إبادات عالمية تقف على رأسها إبادة السكان الأصليين (الهنود الحمر)، والتي انتهت بهم إلى العيش في محتشدات محرومين من حقّ العيش على أرضهم. ولا يزال حجم الإبادة مخفياً، لكنه سيظهر حتماً ذات زمن، فالمنطق نفسه والعقل نفسه لا يزالان مهيمنَين حتى اليوم. 

-2-

إذاً، نحن أمام وضع بشري من الصعب أن تخفيه السردية الإسرائيلية لـ 7 تشرين الأول / أكتوبر، بعد أن عزلته عن أي سياق تاريخي، مع تلفيق مسبق وواضح في المحتوى عن ذبح النساء والأجنة، قبل أن يتم تكذيب ذلك من طرف المؤسسة الإسرائيلية (établissement). وهذا الوضع البشري في غزة، وجزئياً في الضفة، لا شبيه له إلّا الهولوكوست الذي مارسه هتلر ضد الشعب اليهودي. والهولوكوست مجزرة دانتها البشرية كلياً بلا تردد، مثلما تفعل اليوم الشعوب عبر العالم بإدانتها للهمجية الإسرائيلية، لأنها تحتوي على عناصر الإبادة الجماعية نفسها التي لم نرها في أي حرب اندلعت في زمننا الحديث، هذا إذا استثنينا الحرب العالمية الثانية. غير أن المشكلة هي أن جريمة الهولوكوست والإبادة النازية المستندة إلى أساس ديني، حُوّلت إلى وسيلة لتكميم الأفواه، وأوروبا التي لا تزال تعيش إلى اليوم "عقدة اليهودي" ما زالت تبحث عمّن تُلصق به جريمتها، علماً بأن الخطاب الأوروبي في عمومه، وحتى قبل النازية، كان قد شرع في اضطهاد اليهودي: أولاً، في القرون الوسطى خلال صراع مع الكنيسة الكاثوليكية التي تحمّل اليهود وزر مقتل سيدنا المسيح. وقد أدت الأداة القهرية المتمثلة في "محاكم التفتيش المقدس" دوراً حاسماً في ذلك، عندما حولت "قبلة يهودا الإسخريوطي" مرجعاً لها في مطاردة اليهود انتقاماً لخيانتهم لسيدنا المسيح. وهذه المطاردة لا تُذكر عادة، وتتم تغطيتها، لأن عملية الطرد شملت المسلمين أيضاً؛ ثانياً، خطاب "معاداة السامية" الذي توسع في أوروبا الغربية بصورة عامة، وفي فرنسا تحديداً، وكان من ضحاياها الرمزان "دريفوس"، ورسالة "إميل زولا" العظيمة "إني أتهم" (J'Accuse) في الدفاع من أجل تبرئة الضابط اليهودي "دريفوس" الذي اتهمته المؤسسة العسكرية المنهزمة أمام بروسيا، بتسريب معلومات إلى النمسا، متسبباً بهزيمتها. ومع أنه لا علاقة للعرب في ذلك كله، إلّا إنهم اختيروا لتمزيق خرائطهم واقتطاع أرض منها وتحويلها إلى اليهود وسط سيل من الخرافات التي لا علاقة لها بالتاريخ. فقد تعايشت في أرض فلسطين الديانات كلها من دون صراعات كبيرة تؤثر في وحدة السكان الداخلية، حتى حدثت الحرب العالمية الثانية التي كانت انقلاباً كلياً في المفاهيم والتاريخ والحقوق، إذ جرى تشريد شعب بأكمله من دون أن يكون له أي ذنب فيما حدث لليهود الذين كانوا ضحية الجنون الاستعماري الأوروبي. وما يحدث اليوم في غزة ليس إلّا الصورة المقلوبة لما حدث لليهود في أوروبا، غير أن المجرم هذه المرة هو من صلب المعتدى عليه، إن لم يكن هو عينه، وهو الصهيوني الذي أخذ على عاتقه القيام بما قام به هتلر من عنصرية وتصفية عرقية وإبادة جماعية، بل وصل حقد اليمين الصهيوني المتطرف إلى أقصاه، إلى درجة التفكير في إلقاء قنبلة نووية على الشعب الفلسطيني في غزة من دون أن يعتبر الغرب ذلك خطوة خطرة. 

-3-

بينما نرى ذلك الكم من الدمار الذي لحق بغزة، وذلك التقتيل الهمجي الذي يتخطى أحياناً 200 شهيد في اليوم الواحد إلى 500 أو أكثر، من دون أن يرفّ جفن الأمم المتحدة أو الدول "الحرة" المدافعة عن "الحقّ" الإنساني، نتساءل عمّا إذا كان الفاعلون القتلة بشراً أو "هْوايَش" [بهائم أو مواشي]، لا علاقة لهم بالإنسان مطلقاً. فهذا القصف الأعمى يحمل كماً ثقيلاً من الحقد، ليس فقط ضد الغزّي ومقاومته الجبارة والباسلة، وليس ضد الفلسطيني فحسب، بل ضد كل ما يرمز إلى الحياة أيضاً. فالبشرية لم تشهد شكلاً شبيهاً بهذا التقتيل اليومي والعنيف، وحتى القصف الذي دمر لندن في الحرب العالمية الثانية لم يكن بهذا الحجم، مع أن الحرب هناك كانت ضد دولة ولم تكن ضد مقاطعة، كما أن حمولة القنابل النازية لم تكن بالثقل كله الذي يُلقى على غزة اليوم، فهناك قنابل استُعملت تزن أكثر من 500 كيلوغرام قادرة على تدمير منطقة بأكملها. وبالتالي برز حسّ إنساني تخطى حاجز "عقدة" الهولوكوست و"معاداة السامية" التي لا علاقة لها بمشهدية الجريمة التي تقع في غزة، وتعدى "دولة فوق الكل"، حتى إن بعض الدول راجع علاقاته الاقتصادية والدبلوماسية مع إسرائيل. غير أن إسرائيل، المحمية الأميركية، تقع خارج أي نظام بشري؛ فقد أعطت لنفسها الحقّ في التدمير، منتهجة الطريق الذي سبق أن اختطه بوش، وحلفاؤه الأوروبيون، في صراعهم ضد صدام حسين، إذ قال بوش: "سأعيد العراق إلى العصر البدائي"، وهو ما سار عليه بعد أن دمر الطيران العراقي على الأرض ومنعه أصلاً من الطيران بعد أن شل الرادارات وأعماها. فهو المالك المطلق للتكنولوجيا وللنظم الحديثة التي فطنت لها الصين وروسيا وقامت بتغييرها. وهكذا دُمّر العراق الحديث من خلال أهداف منتقاة، وهي الممارسة العسكرية التي سبق أن جُرّبت في يوغوسلافيا سابقاً قبل الإجهاز عليها وتفكيكها، وهي التدمير الكلي بالطيران من دون توريط الجيش وخسران العتاد والأفراد. والمقولة العسكرية التي أصبحت اليوم دارجة هي: "من دون سماء محمية، حروبك اليوم كلها خاسرة."

وها هي إسرائيل، التلميذ الوفي لأميركا، تطبّق ذلك ميدانياً بشكل مستدام بعد أن جرّبته في حروب محدودة في غزة. غير أن إسرائيل هذه المرة تورطت عسكرياً في حرب همجية أفقدتها أي شرعية دولية، فعلى مدار خمسة أشهر [حتى نهاية شباط / فبراير] لم تُظهر الأهداف الإسرائيلية ميدانياً سوى التقتيل والتدمير الكلي في زمن، لو أن دولة غير إسرائيل فعلت ذلك، لجرى تدميرها في الساعات التي تلي الاعتداءات، ولتحالفت ضدها شعوب الأرض كلها، لكنها إسرائيل الدولة المارقة (L’Etat Voyou) التي تقع خارج أي قانون. 

-4-

اتضح المشهد العربي المأسوي بشكل جلي، على الرغم من كثافة أدخنة الحرب. وكل مَن كان يشك ويربط التحاليل والتصورات المتعلقة بفلسطين، بـ "نظرية المؤامرة" التي خربت الفكر العربي من داخله لأننا "نضخم" الأشياء التي تصنعها أذهاننا المهزومة والمتعبة، ثم نؤمن بها بقوة كأنها حقائق مطلقة، ها هو الدليل القاطع على أن ما تم افتراضه وتحليله لم يكن نتيجة حالة فكرية مرضية، وإنما حقيقة موضوعية: إسرائيل "دولة" عنصرية، ولن تتوانى عن أي شيء لحماية نفسها، بما في ذلك استعمال النووي الذي تتحدث عنه اليوم كما لو أنه مجرد لعبة، وهي تحارب في الوقت نفسه إيران وتخرب أجهزتها فقط كيلا تملك ما تملكه هي وتهدد به. وبالتالي ثمة شيء بدأ يترسخ في العالم كما لو أنه أمر عادي: دول يحقّ لها لأنها ديمقراطية وحضارية، وأُخرى لا يحقّ لها لأنها همجية وتهدد السلم العالمي. وإسرائيل من الفئة الأولى، لكن ما ترتكبه اليوم يجعلها أكثر من دولة مارقة، ويضعها خارج النظم الإنسانية كلها، ويُبرزها كدولة نازية وعنصرية جعلت من الجريمة وسيلتها لفرض شروطها. أمّا أميركا الحامية لها، فليست إلّا إسرائيل الكبرى، ذلك بأن غرس إسرائيل في جسد الشرق الأوسط ليس حاجة استراتيجية فقط، بل حيوية أيضاً بالنسبة إلى أميركا. كما أن ترابط اللوبيهات الإسرائيلية العضوي، وتداخلها وتوغلها في النسيج المؤسساتي الأميركي، جعل إسرائيل مقرراً للسياسات الأميركية الخارجية بشأن الشرق الأوسط، وذلك وفق أجندات تتقدمها المصالح الإسرائيلية. إن الخطاب الأميركي والأوروبي الأجوف الذي يعتبر إسرائيل نموذجاً لـ "الديمقراطية" في شرق "يجيش بالتخلف والإرهاب" والتقتيل المجاني، يجعل من إسرائيل "سوراً" حامياً للمصالح الأميركية الضخمة. غير أننا ننسى أن ما يحدث للعالم العربي من تكسرات وانهيارات تتحملها أنظمته، هو أيضاً، نتيجة اليد الغربية الاستعمارية التي كان لها دور فيه. فالحكام العرب، في أغلبيتهم، واقعون تحت تأثير غربي مصلحي وجودي مشفوع بفشل عسكري كبير، ولهذا من الطبيعي إذاً، ألّا يتحركوا في قضية غزة وإبادة الشعب الفلسطيني، إلّا بالرضى المؤسساتي الأميركي، ولن يتخلفوا عن الاشتراطات الأميركية مهما تكن الجهود المبذولة للخروج من ضيق الدائرة. والمفجع في هذا كله هو أنه لا حل في الأفق، فحتى جامعة الدول العربية بهزالها الدائم، ظهرت مستسلمة لما تشاهده يومياً من جرائم في غزة والضفة، من دون أدنى حراك، كاشفة بشكل واضح الضعف العربي المميت، ليس فقط في عدم قدرته على تحرير الأراضي المحتلة، فهذا لم يعد ممكناً، أو إنشاء "جيش عربي للإنقاذ" على هزاله ومأساته، وهو ما لم يعد ممكناً تصور وجوده اليوم، بل حتى على الأقل الاجتماع والصراخ ومساندة أفريقيا الجنوبية والعمل على جرّ إسرائيل التي كانت دوماً فوق أي عقاب، إلى مجلس الأمن، كأن ما قامت به أفريقيا الجنوبية هو الذي كان يجب أن يقوم به العرب مجتمعين، في مواجهة وضع هو حالة إنسانية تعاطف معها الجميع عبر العالم، قبل أن تكون قضية عربية قومية. فقد كان يمكن مثلاً، حفظاً لماء الوجه، أن يجتمع رؤساء وملوك جامعة الدول العربية، مثلما فعل الأفارقة في أثيوبيا، ويصدروا بياناً صغيراً يشجبون فيه ما تقوم به إسرائيل بشكل جماعي، كنوع من رفع العتب. أو على الأقل كي يردوا على شتيمة نتنياهو ووقاحته وخسّته، وهو الذي لم يتوانَ عن شتم الحكام العرب، وإنما نصحهم بلزوم أمكنتهم إذا ما أرادوا أن يحافظوا على مصالحهم. هل وصل العرب إلى هذه الدرجة من الإذلال؟ وفي المقابل، بإمكان العرب اللجوء إلى البعد الإنساني الأكثر اتساعاً من البعد القومي، والعمل على حماية أنفسهم من استراتيجيات التوسع الإسرائيلي السرطاني في الشرق الجديد، والذي يمزق الدول العربية بما فيها السعودية ومصر والعراق ولبنان وسورية، إذ دون ذلك، نحن نسير حثيثاً نحو الموت والانقراض، لأن ما يحدث اليوم لا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال، فالمخاطر حقيقية وتحتّم على العرب البحث عن خيارات لحماية النفس من تلك المخاطر. 

-5-

خلال المئة عام الأخيرة تغير المجتمع العربي كلياً بدءاً من خرائطه التي لم تعد مثلما كانت، بعد اتفاقية سايكس بيكو، وذلك في عزّ الحرب العالمية الأولى التي محت مساحات كبيرة وحولتها إلى دول وعروش متقاتلة، كما محت أي احتمال لنشوء قوة عربية مهدِّدة للخيارات الاستعمارية. وكأن هذا لم يكن كافياً للهيمنة والسيطرة الكلية، فبدأت التمزيقات الثانية في الخرائط العربية، كالسودان الذي انقسم إلى شمال وجنوب، وتحكّمت به أحقاد تاريخية كبيرة جداً، قبل أن يُدخلوا عساكره في حرب أهلية ربما تنتهي إلى مزيد من التمزقات التي ستشمل سائر الأراضي السودانية الغالية التي كان ثمة صراع طويل بشأنها، علماً بأن العداوات تستمر زمناً طويلاً حتى عندما تتوقف الحروب. وهذا الأمر يجعلنا نتوقع استحالة قيام دولة السودان الجديد مثلما كانت، والتفرغ للتنمية إلّا على رماد التفكك والتميز وأمراء الحروب، وصراع المواقع والمصالح بين مجموعات الظل. أمّا العراق فيحاول أن يرمم نفسه بعد انتزاع جزئه النفطي الحيوي منه، كما أن الجهود لإعادة المقاطعة الكردية إلى الحاضنة الوطنية، مستمرة بمشقة كبيرة، غير أن الأقدار الحالية لم يصنعها العراقيون، وإنما صنعها مَن فكّكوه؛ وهكذا لم يعد العراق مثلما كان، عراق الحياة والاستمرار في النضال والحفاظ على التوازنات عسكرياً واجتماعياً. وإذا نظرنا إلى سورية، فإننا نراها مُزّقت وتتمزق يومياً بين المجموعات الدينية والكردية والنظام والأتراك، وهذا وضع مربك لا يزعج لا إسرائيل ولا أميركا. وحتى التحالف الاستراتيجي مع روسيا ليس حامياً لوحدة البلد، بل إنه غير معني بها، فالإسرائيلي يقصف سورية وقت يشاء، والصواريخ تنزل على مواقع حيوية سورية من دون أن يعترضها صاروخ روسي واحد، وطبعاً لا يمكن لذلك أن يحدث من دون اتفاق مسبق مع إسرائيل.

هذه الوضعيات وغيرها كلها ليست إلّا مقدمات لبشاعة ما سيأتي.

غزة كشفت عن إسرائيل، تلك الآلة المرعبة التي ظهرت على حقيقتها بأنها ليست بالقوة التي نعتقدها، ولا البعبع الأسطوري الذي تصعب هزيمته، فالشعب الفلسطيني يقاوم بلحمه وجسده، والأرقام المرعبة تتسع كل يوم أكثر (نحو 30,000 شهيد) بشكل أثار العالم وبيّن إلى أي حد يمكن أن تصل إليه الجريمة الإسرائيلية. لقد خسرت إسرائيل الحرب بالمعنى العميق والرمزي للحرب، ذلك بأن الآلة الجهنمية ليست هي المحدد في النهاية على الرغم من قسوتها، فهي تهدم وتدمر وتقتل لكنها عاجزة عن أن تصنع انتصاراً كانت إسرائيل تراه في ظرف ساعات، كما أن النَّفَس الطويل الذي أبدته المقاومة أظهر أن زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة انتهى. فخلال المواجهة بين الفلسطيني والإسرائيلي، أظهرت المقاومة قدراً كبيراً من الذكاء في الجانب الإعلامي والعسكري والصبر. فمع أنها مجموعة بشرية لا يضاهي سلاحها في شيء السلاح الإسرائيلي، إلّا إن الخطط الحربية الجديدة وجهت ضربات موجعة إلى الجيش الإسرائيلي "الذي لا يُقهر". نصف عام من المقاومة أمام آلة ثقيلة، وكيفما تكن معطيات الحرب التي ربما تكون قاسية، غير أن المحصلة أنها فتحت القضية الفلسطينية على مصراعيها دولياً، وفي الجامعات وشوارع العالم والدول والمحافل الدولية، وهذا مهم جداً، وهو وحده يشكل انتصاراً كبيراً للقضية التي لا تزال حية عربياً وعالمياً، وهو انتصار يجب أن يستمر عبر تطوير أساليب الحرب.

لقد بات الكذب الإسرائيلي كله مكشوفاً، إذ لا وجود لدولة فلسطين في أجندات عسكرييها ومتطرفيها. وشيء واحد أصبح اليوم يقيناً، وهو أن إسرائيل لن تنعم بالراحة أبداً، بل ستدفع الثمن غالياً في الخمسين عاماً المقبلة. فالذي فقد أهله تحت ردم البنايات، أو الصغيرة التي رأت أمها تموت في مستشفى مهدم بمرض عادي بسبب قلة الخدمات في المستشفيات التي استولت عليها إسرائيل وفجّرتها وسجنت طواقمها، واغتالت جزءاً كبيراً منهم، والصبي الذي رأى جثة أمه تُخرجها الجرافة الإسرائيلية من المقبرة وتعرّيها من التراب لتصبح طعاماً للكلاب الضالة، هؤلاء كلهم سيكبرون بسرعة ولن يظلوا صامتين، وعلى إسرائيل أن تتحمل نعوتها الجديدة كفاشية ونازية تعرت من ألبسة الحداثة الأخيرة، وسُحب منها ومن جرائمها الخطاب الذي حوّل الهولوكوست إلى أيديولوجيا لإخفاء العنصرية ونزعات التقتيل الجماعي لكل مَن يقف، ولو كلامياً، ضد سياستها التوسعية، ولا بد هنا من ذكر كلمة "لولا دا سيلفا" رئيس البرازيل، أمام الصحافيين، خلال القمة السابعة والثلاثين للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، والذي يقول فيها: "ما يحدث في قطاع غزة للشعب الفلسطيني لا مثيل له في لحظات تاريخية أُخرى. وفي الواقع، حدث ذلك حين قرر هتلر قتل اليهود".

السيرة الشخصية: 

واسيني الأعرج: روائي جزائري.