موقف الاتحاد الأوروبي والموقف الألماني من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر والحرب على غزة التي اندلعت في إثره
سنة النشر: 
اللغة: 
عربي
إنكليزي
عدد الصفحات: 
10

ردات الفعل الأولى: التضامن مع من ولماذا؟

أحدثت هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر على الفور صدمة عميقة في إسرائيل، وبعد فترة وجيزة، صار من الواضح أن هذا التاريخ سيمثل علامة فاصلة في نظر الإسرائيليين والفلسطينيين والمجتمع الدولي، إذ إن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي، معظمهم من المدنيين، وبينهم عدد من العسكريين، واختطاف أكثر من 200 إسرائيلي، والانهيار التام للدفاعات الأمنية الإسرائيلية في الجنوب، لم يصدم الإسرائيليين فحسب، بل أيضاً أثار ردات فعل فورية تعبيراً عن الدعم والتضامن معهم، بما في ذلك من جانب الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء.

عندما زارت أورسولا فون دير لايين، السياسية الألمانية المحافظة ورئيسة المفوضية الأوروبية منذ سنة 2019، إسرائيل بعد أسبوع واحد من الهجمات، قالت: "في مواجهة هذه المأساة التي تفوق كل وصف، هناك رد واحد ممكن فقط: أن تقف أوروبا إلى جانب إسرائيل."[1] وبما أنها امتنعت من الإشارة إلى القانون الدولي في تصريحاتها، فقد فُسِّر ذلك بأنه تفويض مطلق للرد العسكري الإسرائيلي. وردد المستشار الألماني، أولاف شولتس، كمعظم السياسيين الألمان، موقفها بقوله: "لا يوجد سوى مكان واحد تقف فيه ألمانيا في هذا الوقت، وهو إلى جانب إسرائيل. وهذا ما نعنيه عندما نقول إن أمن إسرائيل هو جزء من سبب وجود ألمانيا."[2] 

ومع ذلك، وبعد أن أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، فرض "حصار مُطبق" على قطاع غزة في 9 تشرين الأول/أكتوبر من أجل محاربة "الحيوانات البشرية"،[3] فإن نتائج هذا الخطاب التحريضي تكشفت بسرعة، عبر حملة من القصف ألحقت أضراراً كبيرة بالمدنيين والبنية التحتية المدنية. وسرعان ما ارتفع عدد القتلى، وأُحصي 10,000 قتيل، معظمهم من المدنيين، بعد الشهر الأول، ونزح مئات الآلاف داخلياً، معظمهم من شمال قطاع غزة، إلى وسطه وجنوبه في الأسابيع الأولى.

وبينما معظم دول الاتحاد الأوروبي ما زالت تشدد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، فقد أُضيفت إلى ذلك بالتدريج تصريحات تطالب بالتصرف "بما يتماشى مع القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي." ومع ذلك، فقد ظل هناك غياب صارخ لرسائل التضامن مع الشعب الفلسطيني، وبدلاً من ذلك، أعلنت المفوضية "مراجعة عاجلة للمساعدة التي يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى فلسطين" بعد يومين فقط من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. وعلى الرغم من انتهاء هذه المراجعة في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 وإعلان الاتحاد الأوروبي أنه "لم يُعثر على أي دليل حتى الآن على تحويل الأموال لأغراض غير تلك المقصودة منها"،[4] فإن التمويل المقدّم إلى العديد من المشاريع والمنظمات شهد انخفاضاً حاداً منذ ذلك الحين. وحتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، أدى توجيه إسرائيل اتهامات بالإرهاب ضد 6 فلسطينيين ناشطين في مجال حقوق الإنسان إلى اتخاذ إجراءات مماثلة، على الرغم من أن وزارة الدفاع الإسرائيلية التي وجهت إليهم الاتهامات لم تقدّم أدلة على ذلك. وبالمثل، توقف الدعم للأونروا موقتاً بعد أن وجهت إسرائيل اتهامات لعدد من موظفيها، على الرغم من موافقة الأونروا على أن تتولى جهة مستقلة التحقيق في الأمر.

انتقادات مدروسة ومعايير مزدوجة وفشل الاتحاد الأوروبي في تحديد دوره في أثناء حرب غزة وما بعدها

خلال عدة اجتماعات لمجلس الشؤون الخارجية – وهو المنتدى الرئيسي لمناقشة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي – أطلع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية، جوزيب بوريل، وزراء الخارجية على الكارثة الإنسانية التي تشهدها غزة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2023، حدد أيضاً العناصر الأساسية لمشاركة الاتحاد الأوروبي مستقبلاً على أساس ثلاث "نَعَمَات" وثلاث "لاءات"؛ فوفقاً لهذه المحددات، على الاتحاد الأوروبي المساعدة في منع تهجير الفلسطينيين وإعادة احتلال قطاع غزة، و"فصل غزة عن القضية الفلسطينية ككل." ومن ناحية أُخرى، ينبغي أن تعود السلطة الفلسطينية إلى غزة، وينبغي للدول العربية أن تكثِّف مشاركتها، وأخيراً مشاركة الاتحاد الأوروبي "في العملية السياسية، في بناء الدولة الفلسطينية."[5] لكن في هذه الأثناء، قالت الحكومة الإسرائيلية بوضوح، وفي مناسبات متعددة إن لديها خططاً مغايرة، إذ تباهى نتنياهو بقوله إنه عمل على الدوام ضد إقامة دولة فلسطينية،[6] وأوضح هو وعدة ممثلين في الحكومة أن إسرائيل تطمح إلى الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية على غزة.

وعن طريق حملة القصف الكثيفة لقطاع غزة، والتي وُصِفت بأنها إحدى أكثر الحروب تدميراً في القرن الحادي والعشرين،[7] اتضح في مرحلة مبكرة أن المدنيين هم الذين يدفعون الثمن بصورة رئيسية، بينما بدا هدف "القضاء" على "حماس" بعيد المنال على نحو متزايد. ومنذ البداية، حذرت أغلبية الخبراء من أن فكرة القضاء على قدرات الحركة ونفوذها بالوسائل العسكرية هي فكرة وهمية نظراً إلى تجذُرها في النسيج الاجتماعي والسياسي، وقاعدتها الشعبية، والدعم الذي تحظى به خارج قطاع غزة. وبعد أشهر من الحرب، اتسع نطاق الدمار في غزة على نحو غير مسبوق، مع تدمير ما يبلغ 70% من المساكن، كلياً أو جزئياً، وتحويل البنية التحتية المدنية بالكامل تقريباً إلى ركام، بما في ذلك الجامعات الرئيسية ومعظم المستشفيات وشبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء. ونزح 1,8 مليون شخص من ديارهم، ويعاني 2,2 مليون شخص، يشكلون مجموع السكان، جرّاء مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي أو حتى المجاعة. ومع ذلك، فلم يتصدَّ الاتحاد الأوروبي لسياسة إسرائيل المتمثلة في الحصار وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى حد كبير، لكنه أعرب في آذار/مارس 2024 عن تأييده إنزال المساعدات الإنسانية جواً، وخطط إنشاء ممر بحري، على الرغم من أن العاملين في المجال الإنساني اعتبروا أن آليات كهذه غير كافية، وغير ملائمة مطلقاً.

وعلى الرغم من أن العديد من قادة الاتحاد الأوروبي أطلقوا مزيداً من التحذيرات والانتقادات الصريحة للحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة، فإنهم فشلوا في تنظيم حملة هادفة إلى وقف إطلاق النار واتخاذ إجراءات ملموسة لتغيير المسار ووقف الأعمال العدائية. ودعا برلمان الاتحاد الأوروبي إلى وقف إطلاق النار في 18 كانون الثاني/يناير 2024، لكن بشرط "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن وتفكيك منظمة ’حماس‘ الإرهابية."[8] وفي شباط/فبراير، حالت المجر دون تبنّي موقف مشترك بين الدول الأعضاء كافة، الأمر الذي أدى إلى صدور بيان باسم الدول الـ 26 الأُخرى يحذر من شن هجوم إسرائيلي على رفح، ويطلب من إسرائيل "احترام الأمر الصادر في 26 كانون الثاني/يناير عن محكمة العدل الدولية، الملزم قانوناً. وهذا يستدعي إعلان هدنة إنسانية فورية من شأنها أن تؤدي إلى وقف مستدام لإطلاق النار، والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن وإيصال المساعدات الإنسانية."[9]

وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض الحكومات، بما في ذلك الحكومة الألمانية، ظلت غامضة في انتقاداتها في أحسن الأحوال؛ إذ إنها امتنعت من التصويت على قرارَين للجمعية العامة للأمم المتحدة يطالبان بوقف إطلاق النار، لكنها لم تتبنَ سياسة استباقية لمصلحة وقف إطلاق النار، كما أنها لم تدِن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، إنما بعكس من ذلك، فقد نفى الساسة الألمان في مناسبات متعددة، بالنيابة عن الجيش الإسرائيلي، ارتكاب قواته مخالفات، ورفضوا مزاعم الإبادة الجماعية، التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية في لاهاي، ووصفوها بأنها "لا أساس لها".

وظل الانقسام أحد العناصر الأكثر ثباتاً بين الدول الأعضاء. وعلى النقيض من المستشار الألماني ووزيرة خارجيته، اللذَين عارضا وقف إطلاق النار وألقيا اللوم عن عمد على "حماس" فيما يتعلق بتزايد أعداد الوفيات في غزة، فقد دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى وقف إطلاق النار في وقت مبكر.[10] وفي تشرين الثاني/نوفمبر، وجّه رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، ورئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كرو، انتقادات حادة إلى الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة وشح المساعدات الإنسانية، بينما طلبت الحكومتان، الإسبانية والأيرلندية، في رسالة موجهة إلى مفوضية الاتحاد الأوروبي، "إجراء مراجعة عاجلة بشأن ما إذا كانت إسرائيل تمتثل لالتزاماتها، بما في ذلك بموجب اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل."[11] 

لقد فشل الاتحاد الأوروبي في التصرف وفق ما يتطلبه الوفاء لقيمه الخاصة في الاستجابة لما يجري في إسرائيل وغزة، وإن استمرار تقاعسه هذا عن اتخاذ أي إجراء، بالإضافة إلى موقفه الذي عُدَّ منحازاً، أثارا انتقادات واتهامات بازدواجية المعايير، وهذا ليس فقط بين الفلسطينيين. ومع أن أوروبا تَعُدُّ نفسها جهة عالمية فاعلة تحدد المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي وحل النزاعات، إلاّ إنها لم تتخذ موقفاً واضحاً بشأن وقف إطلاق النار لإنهاء النزاع المسلح في محيطها، كما أنها لم تحدد بوضوح دورها السياسي ومسؤولياتها.

خيارات الاتحاد الأوروبي على مستوى السياسات

يحظى الاتحاد الأوروبي وألمانيا على التوالي بقدر كبير من النفوذ الذي يمكنهما استخدامه؛ فألمانيا هي ثاني أهم شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، وأحد أهم مورديها العسكريين. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي تصرّف بصفته أحد الشركاء الرئيسيين لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين في عملية أوسلو، وكان الداعم الرئيسي للسلطة الفلسطينية منذ ذلك الحين، فإنه بعد عدة أشهر من هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر لم يتمكن من تقديم خطة واضحة لمستقبل قطاع غزة، بما في ذلك مساهماته عبر تقديم مقترحات.

وبينما مصالح الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط تكون في أكثر الأحيان مدفوعة بما يُسمى "السياسة الواقعية"، كالمصالح الاقتصادية أو (منع) الهجرة، فإن العديد من مصالح الاتحاد الأوروبي الأُخرى على المحك في المنطقة فيما يتعلق بدوره في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني؛ كتوفير الأمن والمحافظة عليه في الجوار، وتجنُّب التصعيد الكبير في الأزمة الحالية، وكلاهما يمثل مصلحة رئيسية واضحة. وكانت تطلعاته ومسؤولياته تجاه التوصل إلى حل عادل ودائم للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني أيضا جزءاً من هذا المنظور، ويحدد هذا أيضاً قدرته باعتباره "قوة ناعمة" فاعلة ومؤثرة في مجال حل الصراعات والديمقراطية، وهو ما يتطلب منه تجنُّب المعايير المزدوجة الصارخة فيما يتعلق بالأعراف والقوانين الدولية. وفيما يتعلق بهذه الأهداف، فإن النهج الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي مؤخراً في التعامل مع الحرب على غزة كان شديد الضرر، وقد حان الوقت لاستكشاف الخيارات السياسية المتاحة له إذا كان راغباً في استعادة صدقيّته المفقودة، وصوغ التطورات المستقبلية في المنطقة.

وفيما يتعلق بالصراع الحالي، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى أن يعطي الأولوية إلى وقف إطلاق نار دائم مقترن بأفق سياسي واضح المعالم، وعودة الرهائن الإسرائيليين إلى عائلاتهم، وإعادة تأهيل المدنيين الغزيين الذين تعرضوا لصدمات نفسية عميقة، وإنهاء الحصار على غزة، وهو ما كان ينبغي له أن يفعله منذ البداية. ونظراً إلى أنه الشريك التجاري الأبرز لإسرائيل، فإن ذلك يجب أن يمنحه النفوذ اللازم من أجل التأثير في سير التطورات، أو على الأقل المساهمة في صوغها. لكنه بدلاً من ذلك ردد صدى السياسة الأميركية إلى حد كبير، من دون أن يكون مؤثراً فيها على نحو فعال.

ونظراً إلى مشاركات الاتحاد الأوروبي السابقة وبعثاته، كبعثة المساعدة الحدودية في رفح "يوبام"، أو مكتب تنسيق الاتحاد الأوروبي لدعم الشرطة الفلسطينية "يوبول كوبس"، فإن عليه استكشاف إمكانات تقديم مساهمات ملموسة، بصورة خاصة، لضمان إنهاء الحصار الذي طال أمده، وتأمين فتح قطاع غزة على نحو دائم. وهذا من شأنه أن يكون شرطاً مسبقاً لأي منظور واقعي لجهود "إعادة الإعمار" الحقيقية في المستقبل، بدءاً بإزالة كتل الركام والأنقاض التي بلغت أحجاماً لم يسبق لها مثيل، وضمان دخول ما يكفي من المساعدات الإنسانية، ووضع الأسس الضرورية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي. ومن الناحية السياسية، فإنه ينبغي للاتحاد الأوروبي، باعتباره داعماً مستمراً للسلطة الفلسطينية، أن يوضح ما يمكن أن تعنيه عبارة "تنشيط" السلطة الفلسطينية، والتي صيغت على نحو غامض؛ إذ بدلاً من التركيز على الإصلاح المؤسسي الطويل الأجل، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى المساعدة في استحداث مسار واقعي ومشروع للمضي قُدُماً في عملية السلام بما يتوافق مع التطلعات الفلسطينية.

كما يجدر به أن يضع حداً لسياسة المعايير المزدوجة التي طبقها في الأزمة الأخيرة إذا كان لا يزال راغباً في أن يُنظر إليه باعتباره جهة دولية فاعلة تتمتع بالصدقية. وقد وافقت عدة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل على الرغم من الاتهامات الخطِرة الموجهة إليها بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ولا بد من التعامل مع صادرات الأسلحة إلى إسرائيل على أساس الاعتبارات نفسها، وبصورة خاصة، معاهدة تجارة الأسلحة، كما يحدث مع صادرات الأسلحة إلى بلاد ومناطق أُخرى، وهو الموقف الذي أعرب عنه الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي أيضاً في مناسبات متعددة.[12] ويتعين على الاتحاد الأوروبي أيضاً أن يرحب بالمحاولات الرامية إلى تحقيق قدر أكبر من الشفافية والمساءلة، وأن يدعمها وألاّ يعرقلها، حتى وإن كانت تعني حلفاء له. يمكن أن تكون التحقيقات والإجراءات المتعددة التي تمت مؤخراً في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية على التوالي خطوات مهمة نحو تحقيق هذا الهدف، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يتبنى تحقيقاتها وقراراتها بلا تحفُّظ.

إن ميل الاتحاد الأوروبي إلى الحد من تمويل منظمات المجتمع المدني الفلسطينية، وذلك في أكثر الأحيان بعد حملات تشهير لا تستند إلى أدلة كافية أو لا تقدم حتى أي أدلة، يؤدي إلى نتائج عكسية، ويقوض الثقة المتبادلة التي بُنيت أحياناً على مدار عقود، ويلحق ضرراً شديداً بمنظمات حقوق الإنسان التي تعمل أصلاً في بيئة أكثر من صعبة. وينبغي توفير دعم أكبر من أي وقت مضى لمنظمات حقوق الإنسان البارزة، كالمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أو مؤسسة الضمير، التي توثق الانتهاكات وتستكشف السبل لمزيد من المساءلة والتعويض للضحايا.

وأخيراً، فقد أيَّد الاتحاد الأوروبي دائماً حل الدولتين، وهو الحل الذي ترفضه الحكومة الإسرائيلية الحالية ونتنياهو شخصياً بصورة قاطعة. ولذلك، فإن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى اتخاذ خطوات ملموسة لجعل الاحتلال الإسرائيلي المستمر والانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان أكثر تكلفة، وإذا كان لا يزال يعترف بحل الدولتَين، فإنه يحتاج إلى تعديل تصرفاته واتخاذ خطوات ملموسة، ويمكن أن يكون ذلك أكثر أهمية من تنظيم مؤتمرات سلام جديدة ربما تخرج بنتائج سامية بعيدة المنال.[13] ويتعين عليه أيضاً أن يأخذ التمييز[14] بين إسرائيل والمستوطنات على محمل الجد، وأن ينهي مساهمته الفعلية في مشروع المستوطنات. إن حظر منح تأشيرات دخول للمستوطنين الذين يمارسون العنف الذي تبنّته الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا على سبيل المثال، هو مثال آخر لخطوة صغيرة لكنها ملموسة. لكن الاتحاد الأوروبي يحتاج أيضاً إلى معالجة الصورة الأكبر واتخاذ موقف واضح تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية. إن موقفاً يؤمن بحل الدولتين ولا يمكنه حتى الاعتراف بحق تقرير المصير لكلا الشعبَين، هو موقف لا يتمتع بالصدقيّة، ولا يشكّل أساساً لإعادة فتح الأفق السياسي، مهما تبلغ صعوبته بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر.

 

[1] “Statement by President von der Leyen with Israeli Prime Minister Netanyahu”, European Commission, 14/10/2023.

[2] "Policy statement by Olaf Scholz, Chancellor of the Federal Republic of Germany and Member of the German Bundestag, on the situation in Israel, 12/10/2023".

صار مصطلح "سبب وجود الدولة" شائعاً بعد أن استخدمته المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل في خطاب ألقته أمام الكنيست سنة 2008. وقد نوقش على نحو مثير للجدل، يمكن إلقاء نظرة عامة هنا:

Antje Wiener, “Staatsräson: Empty Signifier or Meaningful Norm? A Fundamental Norm with Unknown Meaning”, verfassungsblog, 12/1/2024.

[3] Emanuel Fabian, “Defense minister announces ‘complete siege’ of Gaza: No power, food or fuel”, The Times of Israel, 9/10/2023.

[4]The Commission finalises the review of EU aid to Palestine”, European Commission, 21/11/2023

[5]Palestine: Press remarks by High Representative/Vice-President Josep Borrell after his meeting with Prime Minister of the Palestinian Authority Mohammad Shtayyeh”, European Union: External Action, 17/11/2023.

[6] Jeremy Sharon & Toi Staff, “Pointing to Hamas’s ‘little state’, Netanyahu touts his role blocking 2-state solution”, The Times of Israel, 17/12/2023.

[7] Evan Hill, Imogen Piper, Meg Kelly & Jarrett Lay “Israel has waged one of the century’s most destructive wars in Gaza”, The Washington Post, December 2023.

[8]European Parliament resolution of 18 January 2024 on the humanitarian situation in Gaza, the need to reach a ceasefire and the risks of regional escalation (2024/2508(RSP))”, European Parliament, 18/1/2024.

[9] “Statement by 26 EU Foreign Ministers on Rafah”, The Luxembourg Government, 21/2/2024.

[10] Katya Adler & Toby Lukhurst, “Macron calls on Israel to stop killing Gaza's women and babies”, BBC, 11/11/2023.

[11] A post for Pedro Sánchez on “X” platform, 14/2/2024.

Marzin Konečný, “The EU’s Response to the Gaza War Is a Tale of Contradiction and Division”, Cairo Review of Global Affairs, Cairo Review No.49 (Winter 2024).

[12] قال جوزيب بوريل في منتصف شباط/فبراير، بعد لقاء وزراء التنمية في بروكسل: "حسناً، إذا كنتم تعتقدون أن عدد الأشخاص الذين يُقتلون كبير جداً، فربما يتعين عليكم إرسال كمية أقل من الأسلحة للحيلولة دون قتل هذا العدد الكبير من الأشخاص."

Andrew Gray, “EU's Borrell suggests US cut military aid to Israel”, reuters, 13/2/2024.

[13] Maria Psara & Jorge Liboreiro, “Revealed: Josep Borrell's 10-point peace roadmap for the Israeli-Palestinian conflict”, euro news, 19/1/2024.

[14]Differentiation Trackers: Germany Bilateral Agreements”, European Council of Foreign Relations.

1
عن المؤلف: 

رينه وايلدانغل: أستاذ محاضر مساعد في تاريخ الشرق الأوسط في الجامعة الهيلينية الدولية في سالونيك، وهو كاتب ومحلل، حاصل على دكتوراه في التاريخ.