أجرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية مقابلة مع الدكتور عاصم منصور، الرئيس التنفيذي لمستشفى الحسين للسرطان، بشأن دور المؤسسة والمركز في استقبال مرضى السرطان، ولا سيما الأطفال خلال الحرب الإبادية الجارية على قطاع غزة، وجاء فيه:
ما هو دور مؤسسة ومركز الحسين للسرطان في القطاع الطبي الأردني؟
تعمل مؤسسة ومركز الحسين للسرطان، برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة غيداء طلال، كمؤسسة وطنية مستقلة غير حكومية وغير ربحية، تأسست سنة 2001 بإرادة ملكية سامية، ولها قانون خاص، ويشرف على أعمالها هيئة أمناء تضم نخبة من رجال الأعمال والخبراء في الاقتصاد والسياسة والطب والهندسة.
وتُعنى المؤسسة بالتنمية، وجمع التبرعات، ونشر الوعي، والتأمين ضد السرطان، وكسب التأييد المجتمعي. أمّا المركز، فهو المستشفى الذي يقدم العلاج إلى مرضى السرطان والرعاية الصحية، بالإضافة إلى دوره في مجال البحث العلمي، كما له دور كبير في القطاع الطبي الأردني؛ إذ يقدم الرعاية الطبية الشمولية المتميزة إلى 55% من مجموع حالات السرطان في الأردن، ويستقبل نحو 6000 مريض جديد سنوياً من الأردن والوطن العربي؛ إذ يشكل المرضى الأردنيون 75% من مجموع المرضى، والـ25% المتبقية من المرضى هي من العرب، بمن فيهم اللاجئون من الأشقاء السوريين والمقيمين بالأردن.
هل لك أن تحدثنا عن الموارد البشرية والأجهزة التشخيصية والعلاجية؟
يعمل في المركز 3600 موظف، نصفهم من الكوادر الطبية، ويتوزعون بين أطباء وممرضين وصيادلة وفنيين، أمّا النصف الآخر، فيضم موظفين إداريين يعملون في مختلف الأقسام. ويعمل مركز التعليم والتدريب على عقد دورات تدريبية لكل الموظفين لتعزيز خبراتهم وكفاءاتهم، كلاً في تخصصه، سواء أكانوا من مقدّمي الرعاية الطبية أم إداريين.
ولا شك في أن مركز الحسين للسرطان يسعى دائماً لتوفير أحدث ما توصّل إليه العلم في علاج السرطان باستخدام الأجهزة التشخيصية الدقيقة أو حتى العلاجية، فهو مجهز بأحدث الأجهزة والمعدات الطبية ذات المواصفات والمعايير العالمية؛ فيتوفر لدينا قسم الطب النووي الذي يؤدي دوراً كبيراً في التشخيص الدقيق، بالإضافة إلى أجهزة حديثة في قسم الأشعة التشخيصية، والتي تُعنى بتصوير المرضى بدقة عالية وتضاهي في جودتها تلك المتوفرة في أكثر المستشفيات تقدماً في العالم. هناك قسم العلاج بالإشعاع أيضاً، وهو مجهز بأحدث الأجهزة المخصصة لعلاج الأورام بدقة عالية من دون إحداث أضرار بالخلايا السليمة، وفي وقت أقل، وكفاءة عالية. أمّا قسم الجراحة، فاستحدث الجراحة بالروبوت بجميع أنواعها، لعلاج أورام الجهاز الهضمي والجهاز التناسلي وأورام الرئة، وغيرها من الأجهزة الحديثة المخصصة للتداخلات الجراحية.
ما هي رؤية المؤسسة والمركز بشأن الأوضاع الصحية الكارثية في قطاع غزة، وما هي الخطط والتوجهات بشأن التعاون مع المؤسسات الطبية هناك؟
بتوجيهات واهتمام خاص من الأميرة غيداء طلال، رئيسة هيئة أمناء مؤسسة ومركز الحسين للسرطان، وبدافع الواجب الإنساني الذي نلتزمه تجاه مرضى السرطان، أخذنا على عاتقنا منذ بداية العدوان على غزة أن نبذل كل ما في وسعنا للوقوف إلى جانب مرضى السرطان من غزة بكل ما لدينا من إمكانات.
وللأسف، فإن المعلومات المتوفرة لدينا بشأن الأوضاع الصحية في غزة قليلة جداً قبل الحرب وكذلك بعدها، وهناك غياب للمعلومة الدقيقة، لكن ما نعلمه أنه حتى قبل العدوان على غزة، كان القطاع الصحي يعمل بمقدرات متواضعة ومحدودة في ظل الحصار المفروض على غزة منذ سنة 2007، والذي فرض قيوداً مشددة على دخول الوقود والبضائع والمواد، فكان أثر الحصار ظاهراً على نحو خاص في القطاع الصحي في غزة، إذ لا يتوفر كثير من اللوازم الطبية الأساسية، ويضطر كثيرون من المرضى إلى الانتظار لأشهر لإجراء العمليات الجراحية، بالإضافة إلى نقص شديد في الأدوية والأجهزة الطبية، وحتى في الكفاءات الطبية المؤهلة، والتي تقدم خدماتها إلى 2.3 مليون غزي. ونظراً إلى طبيعة الرعاية الطبية المتوفرة لعلاج مرضى السرطان في غزة، بصورة خاصة، وخدمتهم، نستنتج أن أبسط مقومات علاج السرطان غير متوفرة، علماً بأن علاجه يقوم على عدة محاور: منها العلاج الإشعاعي للأورام، إذ إنه بناء على عدد السكان في القطاع، يجب أن يتوفر على الأقل نحو 6 إلى 8 مسارعات خطية، ونحن نعلم أن ثلث مرضى السرطان في مراحل معينة من رحلة علاجهم سيحتاجون إلى نوع من أنواع العلاج الإشعاعي، وهو أمر غير موجود وغير متاح في غزة، وهذا يعني أن ثلث مرضى السرطان في القطاع لا يتوفر لديهم نوع كهذا من العلاج.
كما أن العلاج النووي، أو ما يُسمى بالمسح الذرّي النووي، غير متوفر أيضاً، وهو أحد أنواع التصوير الدقيق الذي يحتاج إليه نحو 40% إلى 50% من مرضى الأورام السرطانية الصلبة لتقييم علاجهم. ولذلك، فقد كان الحل الوحيد لهؤلاء المرضى الذين يحتاجون إلى هذا النوع من العلاج، هو التوجه إلى القدس إذا كانت لديهم تصاريح تسمح لهم بذلك، أمّا مَن لديه قدرة مالية، فيتوجه إلى مصر أو الأردن أو تركيا أو غيرها. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت نسبة لا تُذكر من سكان غزة الذين تم تحويلهم لأسباب طبية وبعض الحالات الإنسانية الاستثنائية مؤهلة للحصول على تصاريح للسفر وتلقّي العلاج خارج غزة، بسبب الحصار الذي تفاقم جرّاء فرض قيود إضافية على الوصول إلى العلاج الطبي غير المتاح في القطاع، ولذلك يتعذر على معظم المرضى الغزيين الخروج لتلقّي العلاج.
وماذا عن توفُّر الكوادر الطبية؟
لا توجد كوادر في غزة في معظم التخصصات، إذ إن عدد المتخصصين بالأورام في القطاع لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، فهناك فقط اختصاصي واحد بالأورام، أمّا بالنسبة إلى الأطباء المتخصصين بعلوم الأمراض، فكان هناك طبيب واحد فقط قمنا بتدريبه في مركز الحسين للسرطان، وحصل على الزمالة، لكنه استشهد خلال العدوان الأخير، والذي لا يزال مستمراً على قطاع غزة، ولذلك يفتقر القطاع إلى وجود الكوادر البشرية، وتنقصه الأجهزة التشخيصية والعلاجية، بالإضافة إلى نقص مزمن في الأدوية، فمعظم أدوية السرطان لا يمكن الوصول إليها. أمّا المستشفى الوحيد الذي كان يقدم خدمات علاج السرطان، فقد تعرض للقصف ودُمر بالكامل. واليوم، وفي ظل انهيار المنظومة الصحية في القطاع، لا يوجد أي خيار للعلاج لمرضى السرطان الغزيين، والذين يُقدَّر عددهم اليوم بنحو 10,000 مريض، وتُركوا في غزة من دون علاج أو دواء يعانون جرّاء المرض والألم والجوع، ويواجهون الموت كل يوم يمر وحيدين من دون أي فرصة للعلاج.
كم عدد المرضى الغزيين الذين استقبلتهم المؤسسة حتى الآن؟ وهل هناك استعداد لأن تستقبل المؤسسة مزيداً من مرضى السرطان؟
لقد أبدينا في مركز الحسين للسرطان استعدادنا التام وموافقتنا على استقبال عدد كبير من المرضى، وكانت أول مجموعة تضم 41 طفلاً، وتم الحصول على موافقة الحكومة الأردنية على قدومهم، لكن حتى الآن، استطعنا إحضار 16 طفلاً، ومريضَين بالغَين، وبهذا، أصبح مجموعهم 18 مريضاً. وما زلنا ننتظر وصول مزيد من المرضى، لكن هناك عوائق كبيرة أمام خروجهم من قطاع غزة.
ولدينا أيضاً مرضى غزيون قيد العلاج حتى اللحظة، كانوا قد وصلوا إلى المركز قبل العدوان، ليصبح مجموع المرضى من قطاع غزة، سواء قبل العدوان أو بعده، 46 مريضاً، لكننا نؤكد استعدادنا لاستقبال عدد أكبر من ذلك.
حدِّثنا عن التنسيق لإخراج المرضى، وما هي الإجراءات في ظل إغلاق المعابر؟
في الأردن، يتم التنسيق مع وزارتَي الخارجية والداخلية، إذ إن هناك خلية أزمة أو قسم أزمة في وزارة الخارجية نقدم إليهم التقارير الطبية، وموافقتنا على العلاج في المركز، ويقوم هذا القسم بإصدار الموافقات. لكن للأسف، بعد الحصول على هذه الموافقات، يتعذر خروج المرضى من المعبر، لذلك، فإن عدد المرضى الذين نتمكن من إخراجهم قليل جداً، وفي الأغلب هم مرضى متواجدون في مصر قبل العدوان، أو خرجوا في الأسابيع الأولى له، فمنذ نحو شهر ونصف الشهر، لم نستطع إحضار أي مريض من القطاع.
هل يمكن تقييم الوضع الصحي والنفسي للمرضى الذين استقبلهم المركز حتى الآن؟ وما طبيعة العلاج الذي يُقدَّم إليهم؟
إن المنهجية التي نعتمدها لتقديم العلاج هي تقديم الرعاية الشمولية إلى جميع المرضى الأطفال والكبار، من الأردنيين والقادمين من مناطق الحروب والأزمات، ذلك بأن الأطفال والكبار من مناطق الحروب، ولا سيما غزة، لهم خصوصية وحاجات خاصة، لذلك، حرصنا منذ اليوم الأول لوصولهم إلى المركز على تقييمهم من جانب فريق الدعم النفسي الاجتماعي، وتم تعيين اختصاصي نفسي لمتابعة حالاتهم بصورة خاصة ومتابعة جميع النواحي النفسية، بما في ذلك اضطرابات ما بعد الصدمة التي يعاني منها معظمهم، إمّا نتيجة استشهاد بعض أو كل أفراد عائلتهم، وإمّا نتيجة تدمير بيوتهم، وغير ذلك.
هل يتمكن الأهل من مرافقة أطفالهم؟ وهل هناك تغطية مالية لعلاجهم وإقامتهم وذويهم في أثناء العلاج؟
كل المرضى الأطفال وصلو إلينا مع مرافقين، فالمرضى الذين حضروا بعد العدوان، وعددهم 18، كان برفقتهم 25 من ذويهم. أمّا قبل العدوان، فكان هناك 28 مريضاً، معهم 34 مرافقاً، ليصبح المجموع بهذا 46 مريضاً و59 مرافقاً، لكنْ هناك عبء فيما يخص هذا الموضوع، وهو أن عدداً كبيراً منهم قد تشتتت عائلاتهم، فعندما يرافق الطفل المريض والده أو والدته، يبقى هناك أفراد آخرون من العائلة في غزة، ففي الحقيقة هناك مشكلة كبيرة متمثلة في أن العائلات قد قسّمت أفرادها بين البقاء مع أفراد العائلة في غزة، ومرافقة أطفالهم المرضى في المركز في أثناء تلقّي العلاج.
أمّا فيما يتعلق بتكاليف العلاج، فتغطيها صناديق الخير في مؤسسة الحسين للسرطان، إذ هناك صندوق مخصص لمرضى السرطان القادمين من غزة تم تأسيسه منذ نحو سنتين في المؤسسة، وتم تعزيزه الآن بعد العدوان، لأن الحاجات ستكون أكبر. وتأخذ المؤسسة على عاتقها مسؤولية تغطية حاجات ذوي المرضى التي لا تتعلق بالسرطان حتى اللحظة، وذلك إلى أن نجد طريقاً مختلفاً لتزويدهم بهذه الحاجات من جهة معينة، ولأننا، بصورة أساسية، مركز مختص بعلاج السرطان، فإنه يصعب علينا الاستمرار في تغطية هذه الحاجات الصحية لجميع المرافقين لأن عدد هذه الحالات ازداد في المستقبل. ولذلك، فسيتم التنسيق مستقبلاً بين مؤسسة الحسين للسرطان وبعض المؤسسات والجمعيات للتكفُل بعلاج الأهالي في حال كان لديهم أي طارئ صحي غير مرتبط بمرض السرطان.
هل كان هناك، قبل العدوان، أي تعاون بين المؤسسة والمستشفيات التي تعالج السرطان في غزة؟
قبل العدوان، كان للمؤسسة والمركز دور رئيسي متعلق بمحورين؛ المحور الأول هو عن طريق المؤسسة، وهو تغطية تكاليف علاج المرضى، وقد قطعنا في ذلك شوطاً طويلاً، وأنشأنا فريقَين، أحدهما موجود في مؤسسة ومركز الحسين للسرطان، والآخر في غزة، ويتم التواصل بينهما من حيث التقارير ومناقشتها وتحديثها، وإحضار المرضى ومتابعة جميع الأمور اللوجستية عبر الفريقَين. وفعلاً، نجحنا في تقديم العلاج إلى عشرات المرضى في السنتين الماضيتين عبر صناديق الخير.
أمّا المحور الثاني، فقد ركزنا فيه على بناء القدرات في غزة، فعلى مدى السنوات الماضية، قمنا بتدريب عدد كبير يتجاوز 10 أطباء في مختلف التخصصات؛ كالعلاج الإشعاعي، وعلوم الأمراض، وعلاج الأورام في قطاع غزة، ولدينا خطط إن شاء الله للاستمرار بعد نهاية العدوان في تدريب أعداد إضافية في كل التخصصات، إذ لدينا توصيات من هيئة الأمناء بتسخير كل قدراتنا لدعم إخواننا في قطاع غزة.
ما هو شكل التعاون مع المراكز الطبية في الضفة الغربية؟
إن التعاون بيننا وبين القطاع الطبي في الضفة الغربية قديم لأن معظم الكوادر الطبية المتخصصة في علاج الأورام هناك قد تم تدريبها في مركز الحسين للسرطان، ومعظمهم من خريجي المركز، فهناك "كوتا" سنوية من تخصصات العلاج النووي والإشعاعي للكوادر التي تأتي من قطاع غزة والضفة الغربية للتدريب، وقد شاركناهم في البروتوكولات الطبية، وساعدناهم في التحضير للاعتمادات المتعددة، والإعفاءات، والتعاون جارٍ مع عدة مؤسسات في فلسطين، كما نستقبل أعداداً كبيرة من المرضى الذين تم تحويلهم عن طريق وزارة الصحة الفلسطينية.
في لقائكم مع د. غسان أبو ستة، هل بحثتم تعزيز دور مؤسسة الحسين للسرطان في علاج مرضى غزة؟
لقد اتفقنا على أنه عندما يسمح الوضع، سنرسل فريقاً إلى العمل الميداني في قطاع غزة لرفده بالاختصاصات الضرورية جداً بحسب الأولويات. كما سيكون لدينا فريق لإجراء دراسة مسحيّة لحاجات القطاع، من تدريب، وبناء الكفاءات، وتطوير القدرات، وتجهيز الأجهزة، كما حدث في مشروع العلاج الإشعاعي وغيره من المشاريع المماثلة.