نوع الخبر: 
ﺑﯿﺎن اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻤﻌﺎﻟﻢ واﻟﻤﻮاﻗﻊ (اﯾﻜﻮﻣﻮس) ﺑﺸﺄن ﻗﻀﯿﺔ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ واﻷﺣﺪاث اﻟﺪاﺋﺮة ﺣﺎﻟﯿًﺎ ﻓﻲ ﻗﻄﺎع ﻏﺰة
التاريخ: 
16/01/2024

تنشر مؤسسة الدراسات الفلسطينية "ﺑﯿﺎن اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻤﻌﺎﻟﻢ واﻟﻤﻮاﻗﻊ (اﯾﻜﻮﻣﻮس) ﺑﺸﺄن ﻗﻀﯿﺔ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ واﻷﺣﺪاث اﻟﺪاﺋﺮة ﺣﺎﻟﯿًﺎ ﻓﻲ ﻗﻄﺎع ﻏﺰة" - ﺗﺎرﯾﺦ 9 ﻛﺎﻧﻮن اﻟﺜﺎﻧﻲ 2024. 

تُمثل المجموعة العربية اللجان الوطنية العربية في ايكوموس وأعضاء عرب من دول عربية أخرى، وتضع هذه المجموعة نصب عينيها دعم التمثيل العربي وفاعليته في منظمة الايكوموس الدولية لصالح القضايا العربية في مجال التراث الثقافي، تعمل المجموعة من اجل خدمة قضايا التراث الثقافي في الوطن العربي بشكل عادل.

 

في مطلع عام ميلادي جديد، وبعد ما يزيد عن اثنان وتسعون يوماً من العدوان المستمر والقصف المكثف على قطاع غزة-فلسطين، متسبباً بأكثر من 1750 مجزرة نتج عنها استشهاد ما يفوق 23 ألف فلسطيني من السكان 70% منهم من الأطفال والنساء؛ بالإضافة إلى سبعة آلاف من المفقودين تحت الأنقاض أي ما نسبته 1.3 ٪ من أهل غزة بين شهيد ومفقود؛ كذلك نتج عن هذا العدوان ما يزيد عن 58 ألف جريح بنسبة 2.5٪ من أهل غزة دون علاج؛ بسبب استهداف المستشفيات والعيادات بالقصف المباشر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتهجير القسري للسكان تحت وطأة التهديد بالقصف (بلغت نسبة النازحين أكثر من 85% من سكان القطاع)، وكم هائل من القتل والدمار لم تعهده المنطقة من قبل، فقد استُهدفت المربعات السكنية ومخيمات اللاجئين والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس ومنشآت المياه والمخابز والمكتبات والمتاحف بأكثر من 65 الف طن منها القنابل الغبية والفسفور الأبيض المحرمة دوليًا منذ الحرب العالمية الثانية، وحتى المقابر لم تسلم من الاعتداءات والتدنيس من قبل جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة.

في خضم القصف المركز الذي لا يميز بين أهداف عسكرية ومدنية وتراث إنساني وثقافي، تعرض للهدم أو الضرر الكبير أكثر من 200 موقع من أصل 325 موقع مسجل في قطاع غزة ذو أهمية تاريخية ودينية وأثرية وطبيعية ووطنية وإنسانية عالمية، أي بنسبة تدمير تجاوزت 60% من تراث غزة الحضاري، تاريخ طويل ومتنوع، شهد مرور الكثير من الحضارات التي تعود إلى نهايات العصر الحجري الحديث حيث تطورت الحياة في فلسطين ونشأت حضارة وادي غزة وخاصة منطقة تل العجول النواة الأولى لبداية السكن في مدينة غزة والتي يسمى القطاع نسبة إليها.

من هذه المواقع والمعالم الأثرية البارزة التي تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي، موقع تل العجول الأثري (الألف الثالثة قبل الميلاد) الواقع على الضفة الشمالية لوادي غزة، وموقع المقبرة الرومانية الأثري (القرن الأول قبل الميلاد)، وموقع تل أم عامر الأثري والمعروف أيضاً بدير القديس هيلاريون (القرن الرابع الميلادي) وهو موقع مرشح للتراث العالمي وعلى لائحة اليونسكو للحماية المعززة منذ 14 كانون الأول 2023، والموقع الأثري لكنيسة جباليا البيزنطية (القرن الخامس الميلادي). ومن المعالم التاريخية الحية ذات التراث المعماري والأهمية الدينية والاجتماعية التي تعرضت للهدم والضرر كنيسة برفيريوس (القرن الخامس الميلادي)، والجامع العمري الكبير (القرن السابع الميلادي) الذي يندرج ضمن أهم المواقع الأثرية نظراً لجذوره التاريخية الممتدة حتى القرن الأول قبل الميلاد. أما موقع "الأراضي الرطبة الساحلية في وادي غزة" والذي يُعتبر محمية ذات قيمة استثنائية عالمية غنية بالتنوع البيولوجي (النباتي والحيواني) هو موقع مرشح للتراث العالمي، ويجري تخريبه بطرق عدة منها إجبار جيش الاحتلال السكان في شمال القطاع في بداية الحرب على النزوح الى جنوب الوادي مما يهدد التوازن البيئي للوادي.

وتتعرض المواقع الشاهدة على عمارة العصر المملوكي (من القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشر) كالمساجد والقصور والأسواق التاريخية ذات القيمة الاجتماعية والاقتصادية، مثل: قصر الباشا (1260م) وسوق القيسارية (1329م) وسوق الزاوية اللذان يشكلّا امتدادًا تاريخيًا لبعضهما تعرّضا لدمارٍ كبير، وجامع ابن عثمان (1394م) وحمام السمرة (القرن الخامس عشر الميلادي) وهو الحمام الأثري الوحيد الذي كان متبقياً وفعّالاً لغاية اندلاع الحرب، ومن مباني العصر العثماني التي تعرضت للدمار والهدم جامع السيد هاشم (1850م) ومن أوائل القرن العشرين مبنى بلدية غزة القديم (1928م).

بالإضافة إلى التراث الثقافي المعماري والنسيج العمراني والطبيعي، فقد طال الدمار تراث غزة غير المادي وتسبب العدوان بتدمير معظم المتاحف وقتل العديد من الصحافيين والمثقفين والفنانين ونسف مساهماتهم في التراث الثقافي والحياة الثقافية في غزة. وعلى صعيد التراث المادي تسبب العدوان في تحطيم العديد من المراكز الحيوية العاملة في مجال الحفاظ على التراث الثقافي وورشات الحرف اليدوية التي تعتبر حاملة للمعارف والمهارات التراثية التي تشكل جزءاً من الهوية الوطنية ومصدر الرزق الوحيد للعديد من سكان غزة.

وفي الضفة الغربية تتعرض مواقع التراث الفلسطينية المسجلة على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، لاعتداءات ممنهجة ومستمرة من قبل المستوطنين الاسرائيليين المسلحين وبحماية جيش الاحتلال الاسرائيلي. من هذه المواقع مدينة القدس القديمة وأسوارها (المسجلة عام 1981)؛ مثال ذلك الاعتداءات المباشرة التي قام بها المستوطنون على ممتلكات سكان الحي الأرمني تحت حماية جيش الاحتلال ، أما قرية "بتير" الواقعة في محافظة بيت لحم (المسجلة عام 2014)، فقد استولى المستوطنون على بقعة جغرافية واسعة المساحة منها ووضعوا عليها بيوت متنقلة، كذلك الأمر بالنسبة لموقع بلدة الخليل القديمة والحرم الابراهيمي (المسجل عام 2017)، يعاني سكانه من إجراءات عسكرية إسرائيلية مشددة تُقيد حرية الحركة بالتزامن مع بدء الحرب على غزة وتمنع أداء الصلاة في المسجد الإبراهيمي.

في خضم الحديث عن جرائم الاحتلال، ننوه إلى أن نية ارتكاب الإبادة الجماعية واضحة وتلقى تأييداً واسعاً من كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية ضمن مخططهم المسمى “الحل النهائي” والمعد للشعب الفلسطيني في محاولة لتصفية قضيته العادلة؛ ومثال على تصريحات التحريض العديدة الرسمية وغير الرسمية والموثقة، دعوة وزير التراث الإسرائيلي عميحاي بن إلياهو بتاريخ 5 نوفمبر 2023 علناً إلى شن هجوم نووي على غزة، والتصريح الذي صدر عن وزيرة المرأة مي جولان بتاريخ 21 ديسمبر 2023 التي دعت إلى القتل الجماعي لأبناء غزة وإلقائهم في البحر. وتعد هذه التصريحات وغيرها انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية بما في ذلك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948) واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وخاصة الفقرتين 1 و2 من المادة 20 ("تحظر بالقانون أية دعاية للحرب" و"تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف").

يُعد القتل والتهجير المتعمد للسكان حاملي وناقلي التراث الثقافي الانساني بشقيه المادي واللامادي استهدافاً مباشراً لكل أشكال الوجود، إذ تستخدم إسرائيل أسلحة واستراتيجيات حرب محظورة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة 1949، وجميع الاتفاقيات الأخرى ذات الصلة، وتبعاً لذلك يجب أن نأخذ في الاعتبار استهداف الأنظمة والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ذات الأهمية الحيوية التي تشكل أساساً لاستمرار الحياة المدنية في قطاع غزة. وفي غياب التطبيق الفعلي لاتفاقيات السلام، فإن الأرض الفلسطينية المحتلة لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإن إسرائيل ملزمة بالاتفاقيات والبروتوكولات الدولية لحماية التراث الثقافي والطبيعي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

ويُعد هذا التدمير المتعمد للتراث الثقافي الإنساني في غزة والمثبت بالأدلة على الأرض، جريمة حرب مكتملة الأركان وخرقاً واضحاً للمواثيق والاتفاقيات والقانون الدولي لحماية التراث خاصة الاتفاقية الدولية لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لسنة 1972، واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، واتفاقية لاهاي لسنة 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح، وإعلان اليونسكو العالمي لعام 2001.

وبناء على ذلك، فإن المجموعة الاقليمية العربية تُدين بقوة الاعتداءات الوحشية والهمجية غير المسبوقة في التاريخ المعاصر التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وتؤكد على أن ما تشهده الأرض المقدسة من قتل وتدمير وتخريب وتهجير لا يجب أن يمر دون إدانة دولية جادّة، وتحرك فوري للدفاع عن الحقوق الإنسانية والقيّم الثقافية؛ فالسكوت عن هذه الجرائم يعني الموافقة على استمرارها وفي هذا الإطار تدعو المجموعة الاقليمية العربية المجتمع الدولي عامة، والمنظمات الدولية وكل المؤسسات الثقافية والتراثية والانسانية والحقوقية والدول الراغبة في السلام والعدالة:

  • إدانة هذا الاعتداء الوحشي المستمر،

  • ضرورة حماية الانسان والأرض والتراث الفلسطيني،

  • الوقف الفوري للعمليات العسكرية والتحرك السريع لاتخاذ التدابير الفورية لوقف الفظائع وعمليات إبادة التراث والحضارة والبيئة في فلسطين وخاصة غزة،

  • تقديم المساعدة الإنسانية العاجلة لضحايا هذا العدوان،

  • فرض عقوبات جادّة على الكيان الإسرائيلي ومن يدعم ممارساته الوحشية،

  • مقاطعة الشركات والمؤسسات التي تدعم هذا الكيان المحتل والمعتدي،

  • توجيه بعثات علمية مشتركة لمعاينة وتقييم أضرار التراث الثقافي والمنشآت الثقافية والطبيعية،

  • تقديم المساعدة الفنية والمادية وتدعيم الخبرات المحلية لتوثيق وترميم وتدعيم وإعادة تأهيل التراث الثقافي والممتلكات الثقافية.

 

وفي هذا الصدد، تؤكد المجموعة الاقليمية العربية إرادتها في المشاركة في أية مساهمة ممكنة في حماية التراث الثقافي في فلسطين عموما وفي غزة خصوصاً.

ونستشهد بمقولة تاريخية لمارتن لوثر كينغ: "أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة".

اللجنة الإقليمية العربية

news Image: