نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في الخامس من كانون الثاني/يناير الحالي مقالاً للأمير تركي الفيصل في محرقة غزة هاشم الجارية والقضية الفلسطينية بصورة عامة، وفي مواقف الأطراف الرئيسية منهما، وعلى رأسها الصهيونية وإسرائيل من جهة، والغرب وإعلامه بزعامة الولايات المتحدة من جهة أُخرى.
وينقسم المقال إلى قسمين؛ القسم الأول يتناول دوافع هذه الأطراف على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وحرمة المقدسات الإسلامية في فلسطين، بينما يقدّم القسم الثاني تصوراً لصاحب المقال، لا لمخرج من المأزق الملحمي الغزاوي فحسب، بل أيضاً لحل شامل للقضية الفلسطينية ككل، إذ لا يتردد حتى في تحديد الفترة الزمنية لتحقيقه.
والملفت في المقال، بالإضافة إلى تفاصيله وسعة معالجته لمواضيعه، الروح التي تتخلل سطوره والتي تنم عن مشاعر إيمانية أصيلة عقائدية تذكرنا بمواقف مشرّفة خالصة صادقة لمن سلف من كبار القادة السعوديين الأبرار، والذين اعتقدنا أن القيادة الفتية الجديدة في السعودية قد نبذتها خلال السنين الأخيرة تلهفاً إلى اللحاق بركاب التطبيعيين الإبراهيميين العلمانيين، وسعياً للظفر بصفقات سلاح وخبرات نووية على أنقاض الحقوق الفلسطينية وحرمة المقدسات المقدسية، وبهدف تأليف محور ثلاثي يهيمن على المشرق العربي، أركانه أميركا الصهيونية وإسرائيل التلمودية وتحالف سني هجين يرأسه سدنة الحرمين يقوم في وجه الجارة إيران المسلمة الشيعية وحليفيها المزعومين الصيني والروسي.
أمّا التصور لصاحب المقال الذي أشرنا إليه فعناصره الرئيسية هي:
أولاً، سعي عربي لاستصدار قرار أممي جديد يفرض وقف إطلاق النار الفوري.
ثانياً، فرض هدنة طويلة لمدة 5 سنوات أو أكثر على الطرفين بضمانة عربية للطرف الفلسطيني وضمانة دولية للطرف الإسرائيلي.
ثالثاً، تتوج نهاية هذه الهدنة بقيام دولة فلسطينية بناء على القرارات الدولية (القرار 1948 والقراران 242 و338).
رابعاً، يلي ذلك مفاوضات جدية لحل نهائي للقضية الفلسطينية مبنية على مبادرة اللجنة الرباعية والمبادرة العربية للسلام.
خامساً، إعلان "حماس" التزامها بميثاق م. ت. ف. وخياراتها السياسية.
سادساً، توافق فلسطيني على قيادة سياسية فلسطينية للقطاع تتولى إدارة شؤونه حتى إجراء انتخابات فلسطينية عامة.
سابعاً، انسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من القطاع وتبادل الأسرى.
ثامناً، رفع الحصار عن غزة.
تاسعاً، صندوق دولي لإعادة إعمار القطاع تحت إشراف دولي يموَّل من إسرائيل وداعميها الغربيين وأطراف عربية.
عاشراً، منع القيادات الحالية في "حماس" والسلطة الفلسطينية وإسرائيل من أن تتبوأ منصباً سياسياً إلى الأبد.
صاحــب هـــــــذا المقــــال ليــــــس بالمواطــــن الســـــعودي العـــادي، فهــــــو ثالـــــث أبنـــــــاء الملـــك فيصل بن عبد العزيز رحمـــات الله عليهمـــا، ولــــد عـــام 1945 وتخرج من جامعتي برنســـتون وجورج تاون، وتولى عدة مناصب، منها، بالتسلسل، مستشار في الديوان الملكي (1973 – 1977)، ورئيس للاستخبارات (1977 – 2001)، وسفير لدى بريطانيا (2002 – 2005) والولايات المتحدة (2005 – 2007)، وهو مؤسس ورئيس مجلس أمناء مؤسسة الملك فيصل، ورئيس مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية، فهو الممثل المخضرم لشريحة مهمة من النخبة السياسية السعودية، وقد بلغ العقد الثامن من عمره.
لا نعلم يقيناً إن كان مقال الأمير من عندياته، أو إن كان يعبّر، ولو مواربة، عن تبدل في آراء أُولي الأمر في السعودية، وفي موقفهم، في إثر انكشاف أنياب البيت الأبيض/الأسود في واشنطن تجاه مجزرة غزة هاشم والفلسطينيين والعرب والمسلمين بصورة عامة، وانفضاح حقيقة نوايا الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية في عهدته، فالذي نعلمه أن ثمة مركزية حصرية في القرار السعودي، وأن مقالاً بمحتوى مقال الأمير تركي ومضامينه من غير المحتمل أن يُنشر بدون ضوء أخضر من ديوان الرياض الملكي مهما يكن حائلاً، وعلى كل حال، وأياً يكن الأمر، فواجب المسؤولين عن القرار الفلسطيني والمتولين توجيه الرأي العام في البلاد في السلطة وخارجها، وفي "فتح" و"حماس" وسائر المنظمات، التأمل المطوّل في مشروع الأمير تركي أياً تكن التحفظات على أي من عناصره، وبذل الجهد الجدي الواجب في تقييمه بانتظار ما يليه من قبل الأمير إياه، أو من غيره في المملكة في هذا الصدد في الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
8/1/2024
* يمكنكم الاطلاع على المقال في صحيفة "الشرق الأوسط" على الرابط الإلكتروني.