شارع الشهداء وتل ارميدة وطوفان الأقصى
التاريخ: 
07/01/2024
المؤلف: 

تتعرض الضفة الغربية يومياً لهجمة إسرائيلية شرسة تتمثل في شن حملات اعتقالات ومداهمات واقتحامات للمدن والقرى والمخيمات، وازدادت حدتها منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بفرض حصار شامل على معظم المدن والقرى، عبر إغلاق مداخلها، ونَصب الحواجز عليها، ومنع المواطنين من التنقل بحرية.

شارع الشهداء وتل ارميدة... حياة أم موت؟

فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، حظر التجول على سكان شارع الشهداء وتل ارميدة في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، واستمر نحو 10 أيام، منعت خلاله أهالي المنطقة من الخروج من منازلهم بالكامل. وفي 19 تشرين الأول/أكتوبر، أصدرت الإدارة المدنية التابعة للاحتلال الإسرائيلي برنامجاً جديداً يسمح للمواطنين بالدخول إلى المنطقة والخروج منها بين الساعة السابعة والثامنة والنصف صباحاً، أمّا مساءً، فيُسمح لهم بالدخول والخروج بين الساعة السادسة والسابعة مساءً عبر حاجز عسكري، ينكل الاحتلال عن طريقه بالمواطنين، ويضطرون إلى السير مسافات طويلة مشياً على الأقدام وسط إهانات وعمليات تفتيش مستمرة. وقد استمر الاحتلال الإسرائيلي في سياسته هذه مع سكان شارع الشهداء وتل ارميدة نحو 50 يوماً، وسُمح للمواطنين بعد ذلك بالدخول والخروج بين الساعة السابعة والنصف صباحاً والسابعة مساءً.

كما أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على تعزيز تسع نقاط عسكرية في منطقة تل ارميدة وشارع الشهداء، أقامت بعضها على أسطح منازل المواطنين بعد مصادرتها. وفي هذا السياق، يقول عماد أبو شمسية، منسق تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان، وأحد سكان تل ارميدة: "أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على مصادرة سطح منزلي، وإقامة نقطة عسكرية عليه، بالإضافة إلى نقطتين أُخريين تحد منزلي شمالاً وجنوباً، وهذا أشبه بسجن كبير نعيش داخله، إذ لا نستطيع الخروج من المنزل، حتى إلى أرضنا الصغيرة التي تتواجد أمام المنزل، كما نتعرض يومياً لإزعاج من جانب المستوطنين الذين يتعمدون التلفظ بألفاظ بذيئة، والقيام بأعمال استفزازية على مدار يوم كامل بحماية من جيش الاحتلال الإسرائيلي."[1]

يعيش في شارع الشهداء وتل ارميدة نحو 120 عائلة، وقد صعَّد الاحتلال الإسرائيلي من مساعي تهجيرهم بعد معركة طوفان الأقصى، فارتفعت وتيرة عنف المستوطنين بمشاركة جنود الاحتلال ضمن سياسة عنصرية ممنهجة، إذ أدت الإغلاقات المستمرة إلى تراكم النفايات أمام البيوت والحاويات، فضلاً عن عدم السماح لسيارات البلدية بالتصرف بها.

ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن سلطات الاحتلال منعت المواطنين بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر من تعبئة جرة الغاز المنزلية وإدخالها إلى المنازل عبر الحاجز باعتبار أنها تشكل خطراً على جنود الاحتلال.

علاوة على ذلك، فإنه لا يوجد في هذه المنطقة سوى عيادة صحية واحدة، ومنع الاحتلال الطاقم الطبي من تقديم الرعاية الصحية إلى المواطنين سوى يومين في الأسبوع. أمّا بالنسبة إلى المؤسسات التعليمية، فلا يوجد سوى مدرسة واحدة، وهي مدرسة قرطبة، وتتعرض باستمرار لهجمات المستوطنين، بالإضافة إلى روضة تل ارميدة، وروضة الشهداء التي كانت قديماً عبارة عن بيت مهجور استخدمه المستوطنون للدعارة والمخدرات، وأصبحت الروضتان اليوم أشبه بسجن للأطفال كونهما محاطتين بالأسلاك الشائكة من كل جانب لحماية الأطفال من هجمات المستوطنين المتكررة، وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، أُغلقت هذه المؤسسات، واتجه الطلبة إلى نظام التعليم عن بُعد خشية التعرض لاعتداءات المستوطنين وجنود الاحتلال.

شارع الشهداء بين الماضي والحاضر..

سنة 1967، كان شارع الشهداء المركز الذي يربط شمال الخليل بجنوبها، إذ كان يضم محطة الباصات المركزية التي تتوجه نحو قرى محافظة الخليل ومدينة القدس والداخل المحتل، بالإضافة إلى محلات الوقود والسيارات التي جعلت شارع الشهداء شريان القلب لمدينة الخليل وقراها.

وتوالت سيطرة المستوطنين، بحماية جيش الاحتلال، على شارع الشهداء منذ سنة 1980، بعد عملية "الدبويا" الفدائية التي نفذها فدائيون من حركة "فتح"، أدت إلى مقتل 6 مستوطنين، وإصابة أكثر من 16 آخرين،[2]  وبنتيجتها، هدم الاحتلال المحطة المركزية، وأقام في جهتها المقابلة بؤرة استيطانية تُدعى "بيت هداسا". وفي سنة 1994، ارتكب المستوطن باروخ غولدشتاين مجزرة داخل الحرم الإبراهيمي الشريف، أسفرت عن استشهاد 29 مصلياً، وإصابة 150 آخرين، واستغلت سلطات الاحتلال هذه الحادثة لممارسة عمليات التهويد والاستيطان في الخليل ومحيطها،[3]  فأُغلق شارع الشهداء بالبوابات الحديدية والحواجز الأمنية. كما أصدر الاحتلال قرارات عسكرية تمنع المواطنين من الوصول إلى محلاتهم التجارية، وفي إثر ذلك، أُغلق ما يزيد على 500 محل تجاري. وعليه، تحول شارع الشهداء إلى مكان موحش للفلسطينيين بعد أن كان أكثر الشوارع نشاطاً وحيوية في مدينة الخليل.

وفي سنة 1997، وقّعت السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال "بروتوكول الخليل" الذي يقضي بتقسيم المدينة إلى قسمين: منطقة H1 وتشكل 80% من مساحة المدينة، وتخضع لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، ومنطقة H2 ومساحتها 20% تتركز في البلدة القديمة وسط الخليل، وتحتفظ حكومة الاحتلال بجميع مسؤوليات النظام العام والأمن فيها.  [4]ونتيجة ذلك، فإن شارع الشهداء يدخل ضمن منطقة H2.

كيف يتعامل الاحتلال مع سكان شارع الشهداء وتل ارميدة؟

يتعامل الاحتلال مع المواطنين بسياسة الأرقام؛ إذ يوجد لكل مواطن يسكن هذه المنطقة رقم لدى جنود الاحتلال، كما أن الحاجز العسكري والبوابات الإلكترونية مزودة بنظام عالٍ من الكاميرات، ككاميرا "الدب الأزرق" التي تعطي بيانات كاملة عن الشخص الذي ينوي دخول المنطقة. بالإضافة إلى السلاح الذكي المركب على البوابات الحديدية المقامة على مدخل شارع الشهداء، وهو يطلق النار على المواطنين عن بُعد أوتوماتيكياً.

شارع الشهداء... سجن للفلسطيني ورفاهية للإسرائيلي

تحاط معظم منازل المواطنين في شارع الشهداء وتل ارميدة بالأسوار والأسلاك الشائكة من كل جانب للحماية من اعتداءات المستوطنين، كما لا يستطيع المواطنون ترميم منازلهم بسهولة إلاّ بعد تقديم طلب إلى الارتباط الفلسطيني، والتنسيق مع جانب الاحتلال حتى تتم الموافقة على الطلب، وفي كثير من الأحيان، يتعمد المستوطنون منع المواطنين من البناء عبر إتلاف مستلزمات البناء.

وعلاوة على هذا، لا يمكن لسيارة الإطفاء أو الإسعاف دخول المنطقة في أثناء نشوب حريق أو التعرض لحادث معين بسهولة إلاّ بعد التنسيق مع الصليب الأحمر والارتباط الفلسطيني حتى تتم الموافقة من جانب الاحتلال الإسرائيلي على ذلك، وهو الأمر الذي يستغرق عادة ساعات طويلة. وعليه، فإن سكان شارع الشهداء وتل ارميدة يعيشون أوضاعاً معيشية صعبة أشبه بأن تكون سجناً لهم.

وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الاجتماعية، إذ تقضي معظم العائلات المناسبات الاجتماعية خارج المنطقة كي يتسنى لهم مشاركة أصدقائهم وأقاربهم الذين يسكنون خارج المنطقة ولا يستطيعون دخولها بسهولة نتيجة الحواجز الإسرائيلية.

 

[1] حوار أُجري عبر الهاتف مع عماد أبو شمسية، منسق تجمُع المدافعين عن حقوق الإنسان، وأحد سكان تل ارميدة في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية. 

[2] "الذكرى 32 لعملية الدبويا.. تفاصيل موجعة للاحتلال في قلب الخليل"، وكالة معا الإخبارية، 6/5/2012.

[3] "مجزرة الحرم الإبراهيمي.. هكذا قُتلوا أثناء الصلاة"، "الجزيرة"، 18/4/2017.

[4] "ورقة حقائق: القيود الإسرائيلية على حركة الفلسطينيين في المنطقة H2 بمدينة الخليل"، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية – مسارات (تموز/يوليو 2020).

عن المؤلف: 

يمنى حميدي: طالبة حاصلة على منحة شيرين أبو عاقلة في الجامعة الأميركية في بيروت.

A man picks up a Lebanese flag from the rubble after an Israeli airstrike on an apartment block, on October 3, 2024 in Beirut, Lebanon. (Photo by Carl Court/Getty Images)
مايا ك.
حسني صلاح، غزة، من موقع Pexabay
مجد ستوم