عبر اتخاذها المسرح الروماني (في أبعاده المكانية والزمانية والجسدانية) استعارة معمارية، تحاول هذه المقالة تفكيك بُنى الهيمنة العسكرية الإسرائيلية الرأسية في الحرب على غزة، عبر ثلاثة عناصر في حرب المدن، وهي: الطائرات الحربية المسيّرة في مقابل الطائرات الورقية الحارقة؛ الأنفاق الغزّية؛ الدروع البشرية.
مدخل
إن الحرب الحالية على غزة هي جزء أساسي من سياق تحولات الحداثة وما بعدها، في منطقتنا،[1] ولا يجوز اختصارها بمنطقها الاستراتيجي والحربي والسياسي وحيثيات المواجهة فقط، من دون الوعي بهذا السياق وبُنيته. ففلسطين كفكرة، ومنذ بدايات العصر الإمبريالي في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي،[2] تشكّلت وما زالت تتشكل كاحتمال ضروري للحداثة الأوروبية، والأميركية، ولا تستقيم الحداثتان إلّا بها، ولن تنتهي فلسطين كقضية استعمارية إلّا بتحول تلك الحداثة وبُنيتها إلى شرط / طور مختلف بُنيوياً. وهنا، يمكننا تتبّع البلاغة الإسرائيلية باعتبارها امتداداً لبلاغة التنوير والعقلانية الأوروبية، على تنوعها. فالاستعارة تُعدّ مفهوماً أساسياً في التحليل السياسي، فهي البؤرة[3] التي من خلالها يمكن فهم المباني المعيارية للمنظومات والخطابات، ومدى فاعليتها في المجال السياسي والفكري، وكذلك ممكنات التفاوض معها. كما أن للاستعارة تاريخانية نستطيع من خلالها فهم التطور الفكري لتلك المنظومات، واستنباط مقولاتها الأساسية بشأن الذات والآخر والعالم.
ما تحاول هذه المقاربة النظرية طرحه هو التأمل في الاستعارات المستخدمة في الحالة الاستعمارية الإسرائيلية، وتحولاتها، وموقع ومباني القوى والهيمنة فيها، من موقع المستعمَر، ومن خلال تحليل المكوّن المكاني لتلك الاستعارات باعتباره "علاقة قوى" يجري التفاوض معها وعليها ومن خلالها، بحسب دورين ماسي.[4] وبما أن النسيج الغزّي السياسي والاجتماعي والعمراني في هذه المواجهة الحربية، هو نسيج "تجميعي" يتكون من عناصر متنوعة تتجمع مع بعضها لتشكّل بُنية "الكل" الغزّي المقاوم، فإننا سنوظف نظرية "التجميع" (assemblage)[5] التي تقول إن "الكل" يُبنى من خلال تجميع أجزاء منفصلة ومتفردة، أكانت تجميعات حضرية، أم سياسية، أم اجتماعية، أم غيرها. ويمكن للأجزاء أن تعمل بشكل مستقل، أو أن تصبح جزءاً من الكل الذي يعمل بدوره بشكل مستقل، ويمكن إزالتها منه، ثم تصبح جزءاً من "التجميع" التالي الذي لم يتم تجميعه بعد، وهكذا. وتلفت نظرية التجميع انتباهنا إلى كيفية إعادة صوغ العلاقات بين هذه الأجزاء، ليس فقط من خلال المكونات الداخلية للتجميع، بل أيضاً من خلال الأجزاء الخارجية له والعلاقة معها. وقد تم تطوير المقاربة في البداية من طرف جيل دولوز، وفيليكس غوتاري،[6] وطُبّقت لاحقاً على مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك الأماكن الحضرية، والشبكات السياسية، والعلاقات الدولية، والعلاقات الاجتماعية، والثقافة. وهنا، نستفيد منها لفهم التكوينات الحربية معمارياً ومكانياً، بين جيش نظامي كل تكويناته التجميعية صلبة ومتكتلة، وبين مقاومة مجتمعية هي ليست جيشاً نظامياً.
وللتأسيس للمقولة الأساسية في هذه المقاربة المعنية بفهم بُنية ومكونات العلاقة المكانية الرأسية في الممارسة الحربية الإسرائيلية في حرب الإبادة الجارية الآن في غزة، فإن في إمكاننا أن نشير إلى استعارة مركزية ومؤسِّسة في هذا المخيال الغربي، تعود إلى التراث الروماني، باعتباره نقطة البداية للحداثة والتطور والمدنية (Polis)،[7] وهو المسرح الروماني (The amphitheater)، أو الـ "كولوسيوم"، في بُعده الجسداني والمعماري والمكاني والحيزي (territorial) والحركي، لأن هذا النموذج يمكّننا من فهم استراتيجيا الحرب وجغرافيا الهيمنة الإسرائيلية، حيث "المعالم المكانية للفعل الاستراتيجي"[8] في الحرب أساسية لفهم الدلالات العقلية والفكرية المنطلقة من "التشفير التاريخي والثقافي"[9] للعناصر المادية. كما يمكّن هذا النموذج من فهم عقلية الحرب لدى المنظومة الصهيونية من خلال تحليل ثلاثة نطاقات مواجهة عسكرية تعتمد عنصر المكوّن الرأسي في إنتاج القوة التدميرية، ومقاومتها. وتلك العناصر الثلاثة في حرب المدن (urban warfare)، هي: الطائرات الحربية المسيّرة في مقابل الطائرات الورقية الحارقة؛ الأنفاق الغزّية؛ الدروع البشرية.
استعارة المسرح الروماني
قبل الدخول في تحليل العناصر الثلاثة، يجب الإشارة إلى ركائز السردية الوجودية الإسرائيلية التي تأسس عليها الكيان الاستيطاني، في صورته الحداثية، أي صورة الدولة الحديثة التي تتكثّف في "المسرح الروماني" كاستعارة ومقولة ثلاثية الأبعاد: مكانية (spatial)، كون إسرائيل كياناً استيطانياً إحلالياً أنتج مكاناً يُعدّ تمثيلاً لمقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"[10] على جغرافيا مكانية ما. وبالتالي، فإن الاستحواذ على المكان هو جزء أساسي من أهداف النظام الاستعماري؛ زمانية (temporal) تقدّم إسرائيل نفسها من خلالها بصفتها امتداداً طبيعياً لنسيج المنطقة التاريخي، وتطوّراً طبيعياً زمانياً للجماعات اليهودية التي وُجدت سابقاً، وأنها حالة طبيعية من التطور الاجتماعي المديني في هذه الجغرافيا؛ جسدانية (bodily) تقوم أساساً على أفضلية الجسد الأبيض، ومركزيته في العلاقة المكانية والجغرافية. وبالتالي، فمعاييره هي الأساس في إنتاج الحيّز الجغرافي (territory) لإدامة حالة الاستثناء (state of exception)، بشأن الأجساد المغايرة.
تتحقق هذه الأبعاد بشكل مكثف في نموذج المسرح الروماني الذي في وسعه أن يشرح لنا الحرب على غزة الآن. فالسلطة المتحكمة في المسرح، والتي كانت منوطة بالإمبراطور الروماني، وإشاراته الجسدية المباشرة التي تتحكم في المسرح الروماني مكانياً وزمانياً وجسدياً، كبُنية دينامية متسقة ومتزامنة، تنطلق سلطتها من موقع رأسي يكشف فيه الإمبراطور / الدولة، المجال الدولاني للهيمنة والأجساد فيه، وبإشارة منه تبدأ المقتلة / المسرحة وتنتهي.
وهذا الشكل من السيطرة المكانية لا يستهدف الساحة / المسرح فحسب، بل يستهدف أيضاً أشكال استجابة الجمهور وزمنيتهم. ولو أسقطنا هذا النموذج على الحرب في غزة لأمكننا الربط بين عدد من المشاهد الاستراتيجية، ومنها أربعة أداءات رئيسية، هي: أولاً: الفرجة، إذ من طقوس المستوطنين المتكررة، في مجال "غلاف غزة" مع كل حرب تُشنّ على القطاع، أن يصطفوا على حدود القطاع بكراسيهم وكاميراتهم وأعلامهم لمشاهدة القصف وممارسة طقس التشفي والمتعة الفرجوية، كالمسرح الروماني؛ ثانياً: الإعلان، فالمقتلة لا تبدأ إلّا بإذن الإمبراطور الكولونيالي، وبالتالي، فإن التحكم في الزمن يبدأ منذ لحظة بداية الحدث، وامتلاك تلك اللحظة (الحرب)، وهو امتلاك كامل للزمن؛ ثالثاً: السيطرة، عبر حصار المسرح بما هو فراغ معماري مكاني مسوَّر، له منافذ محددة الاتجاه لدخول "عامل الموت"، لتبدأ المسرحة / المقتلة، والهدف هو ضمان السيطرة على ثلاثة عناصر: "جسد الضحية"، و"زمانها" (وقت المواجهة)، و"مكان" المواجهة (الحلبة)؛ رابعاً: الاستعلاء، جوياً، أو السيطرة من أعلى، أو العنصر الأساسي في المسرحة / المقتلة على غزة، انطلاقاً من المقولة الأساسية للدولة الحديثة المعسكرة، أي استحواذ السيطرة الجوية، أو "العين الإلهية"، الأمر الذي يشبه موقع الإمبراطور الروماني. وفيما يلي، ستتم قراءة "مسرح العمليات الحربية في غزة" من خلال العناصر الثلاثة في حرب المدن التي تستند إليها هذه المقالة، هي: الطائرات الحربية المسيّرة في مقابل الطائرات الورقية الحارقة؛ الأنفاق الغزّية؛ الدروع البشرية.
الطائرات المسيّرة[11] في مقابل الطائرات الورقية والطيران الشراعي
الطائرات المسيّرة هي جزء من مصفوفة عسكرية تقدّم منظوراً يعمل على تذويب المناطق الجغرافية للجماعات التي تُبرز القوة السياسية المضادة، أي المقاومة، لإعادة إنتاج المشهد الجيو-سياسي للهيمنة، والمجال الجغرافي، أي البعد الجماعي لجغرافيا ما لمصلحة إخضاعها بالقوة المميتة.
يعتمد توجيه الطائرات من دون طيار على الأقمار الصناعية لضمان الدقة والسرعة، والتي تضمن اتصالاً فورياً وعملاً يُقلّص سلسلة القتل إلى عمليتين بسيطتين، هما: "التصويب" و"الإطلاق".[12] وتتحدى الوظائف التكنولوجية العالية لتلك الطائرات التضاريس الجغرافية المادية والحدود (borders) والتخوم (boundaries)، التي تقلل من الزمان والمكان لإعادة تشكيل مجالات الحرب إلى ساحة معركة معولمة تقوم على إخراس الجغرافيا الأصلانية وطمسها. وأول عناصر الهيمنة الجغرافية تلك هو المسافة التي يخضع فيها مكون المسافة الجغرافية الرمزي والمادي للتذرير، وذلك من خلال تطوير "الحرب المعتمدة على الشبكة" (network centric warfare)، وجعل الفضاء المادي فائضاً عن الحاجة بسبب الشبكات السيبرانية،[13] الأمر الذي يمكّن من تصوير "العدو" باعتباره متجاوزاً، أو عابراً للمسافات. وهذا كله يؤدي إلى "موت المسافة" للمستعمَر، بصفتها استمرارية استعمارية،[14] وهو ما يغير مفاهيم "خط المواجهة" العسكري الذي يبدو كأنه بلا حدود.
وبما أن الحدود هي موقع يجري منه ترسيم الذات والآخر وإنتاجهما، فإن عملية الترسيم تتم من خلال تواطؤ تقني إسرائيلي مع الشبكة الاستعمارية الغربية، وذلك من خلال إبراز السيادة والسلطة التكنولوجية الإسرائيلية على الجغرافيا الاجتماعية الفلسطينية. ولعل هذا ما يفسر كون منظومة الطائرات الإسرائيلية من دون طيار تعمل من خلال مساهمة دولانية استعمارية غربية تنضغط بين لحظة التصويب والإطلاق.[15]
وكان لتحقيق "موت المسافة" من خلال الطائرات المسيّرة استدعاءاته الضرورية بشأن الآخر في هذا الجزء من العالم فيما سمّاه إيال وايزمان "استشراقاً رأسياً".[16] وفي هذا الاستدعاء الجغرافي لمقاربة إدوارد سعيد،[17] أُنتج آخر خيالي وبدائي وغرائبي وعجيب وحيواني، مثلما وصف وزير الإبادة الجماعية، يوآف غالانت، أهل غزة بأنهم "حيوانات بشرية".[18] وبالتالي، بنى مجالاً استشراقياً "بتسعين درجة لم يعد فيه 'الشرق' المتخيل – هذا الموضوع الغريب للاستعمار- خارج الأفق، وإنما أصبح الآن تحت الطغيان الرأسي للحضارة الغربية المحمولة جواً، والتي أدارت عن بُعد، منصاتها التكنولوجية وأجهزة الاستشعار والذخائر الأكثر تطوراً وتقدماً."[19]
و"لعل أول ما نفعله حينما يقع بصرنا على طائرة ورقية ترفرف عالياً في السماء، هو تتبُّع الخيط المتوهَّم إلى نقطة انطلاقها المتخيلة [....] في مواجهة البُنيتَين الأفقية والرأسية"[20] في المجال. وبواسطة الجسدَين (جسد مَن يمسك طرف خيط الطائرة على الأرض، وجسد مَن يرقب طرف الخيط الذي ينتهي بالطائرة في السماء) تبدأ الجماعية، وينبني مفهوم الذاتية والقرب، ويتأكد ذلك من خلال المعنى الذي يجمع الجسدين. وهكذا، تصبح الطائرة الورقية الحارقة أداة ترسيم لحدود الجماعة المتخيلة وبناء مفهوم القرب بين ذواتها من ناحية، وقرب المواجهة وتحديد العدو من ناحية أُخرى، الأمر الذي يفكك المسافة الميتة، ويعيد إنتاج مجال الحرب. وفي هذا السياق، يُذكر أن إسرائيل سبق أن صنّفت سلاح الطائرات الورقية الحارقة لدى الغزّيين باعتباره سلاحاً استراتيجياً،[21] إذ قال مسؤول عسكري إسرائيلي: "هناك معضلة حقيقية للغاية، فأنت لا تستطيع أن تبدأ حرباً على بعض البالونات، وفي الوقت نفسه، لا يمكنك أن تقف مكتوف اليدين."[22]
وفي المقابل، كان لدى المقاومة وسائلها التي أنتجت مكانية جماعية وجسدية مضادة لموت المسافة والاستشراق الرأسي القائم على تفكيك الذاتية والجماعية الفلسطينية الجغرافية، وهي الطائرات الورقية الحارقة. وفي هذا السياق، ترتكز معادلة "موت المسافة" – "الاستشراق الرأسي" على إخراس التاريخ الفردي والجماعاتي الجغرافي، من خلال القضاء على مفهوم "القرب"، وهو العنصر الذي تؤكده الطائرة الورقية الحارقة.
بحسب الشكل التحليلي، وبالإشارة إلى القدرة الاستعارية والرمزية للطائرات الورقية، فقد أُنتج معادل أُفقي لمفهوم المسافة الاجتماعية للذات الغزّية (القرب) من خلال مفهوم الجسد الممتد، كفاعلية مواجهاتية، وكيان مادي ورمزي، في مقابل موت المسافة التقني. لقد كسرت الطائرات مقولة البعد الذي أسس له المسرح الروماني / الجدار العازل حول غزة. وهنا، يشرح الشكل التحليلي، على نحو مبسّط، فاعلية الطائرات الورقية باعتبارها سلاحاً يعتمد أفقية الجسد الممتد في مقابل رأسية الطائرات المسيّرة، مع تأكيد دينامية الطائرة الورقية باعتبارها "سلاحاً استراتيجياً". فالطائرة الورقية تتحرك ضمن محور رابع بين المحاور المكانية الثلاثة التي تعتمدها منظومات الطيران المسيّر (x, y, z)،[23] وهو خط المواجهة الذي يعيد إنتاج المسافة التي "قتلتها" تقنية الطائرات المسيّرة من خلال التقابل بين العنصر الإنساني الحاضر، وذاك المغيّب بين الطائرتين. كما أن خط الامتداد الجسدي يعطل فاعلية "الحدود" التي رسمتها آلة الاحتلال حول غزة.
شكل تحليلي يوضح إنتاج المجال المواجهاتي والذات الاجتماعية والمجتمعية في الطائرات الورقية الحارقة في غزة
الأنفاق، أو التكوينات المعمارية الجوفية (subterranean) المضادة للكولونيالية
يُطلق الجيش الإسرائيلي على أنفاق غزة تسمية "المترو"، وكان التقدير في سنة 2021 أن طول الشبكة يزيد على 300 ميل (500 كم).[24] وفي مؤتمر جماهيري أقيم في سنة 2021، أعلن القيادي في حركة المقاومة الإسلامية / "حماس"، يحيى السنوار، أن إسرائيل لم تدمّر سوى ما هو أقل من 3% من هذه الأنفاق.[25] وتشكّل الأنفاق نموذجاً معمارياً وتصميمياً عبقرياً في منظومة مقاومة، حتى إن منشورات وزارة الدفاع الأميركية وقيادة الجيش الأميركي بشأن الحروب في المدن (urban warfare) لم تستطع استيعابه، إذ لا يرد ذكره بقدر نماذج أُخرى سابقة عليه كتجارب "داعش" و"القاعدة" وفيتنام وكوريا.[26]
إن "التكنولوجيا والتنظيم الاجتماعي، ومختلف أشكال البيئة المادية، هي الثوابت الأساسية لأي نزاع سياسي مسلح."[27] وبالعودة إلى نظرية التجميع، يمكن فهم الأنفاق الغزّية باعتبارها تركيباً تجميعياً (assembled apparatus)، فهي ليست ثابتة أو مسبقة أو مستقرة في بُنيتها أو موقعها أو مقولتها الأنطولوجية.[28] فالعناصر الاجتماعية واللوجستية والتسليحية والفردية والنفسية، ليست إلّا أجزاء في كلٍّ، لم تفقد استقلاليتها، ولم تهدد فرادتها وبساطتها الكل الدفاعي كاستراتيجيا مقاومة. لقد كانت الأنفاق الغزّية مع مصر سلاحاً اجتماعياً أهلياً مضاداً للحصار، يعيد ترسيم وتأكيد الشبكات الاجتماعية والعائلية لعلاقات المصاهرة والعشيرة والعائلة ضد الدولة الحديثة وسلطتها في تصنيف الذوات والشبكات الاجتماعية ومساحاتها ومجالاتها ضمن الخطاب والفاعلية السياسية وجغرافيا الدولة وطوبوغرافيتها.[29] وبما أن "كل تجميع هو في الأساس إقليمي - فالإقليم يصنع التجمع"،[30] ذلك بأن بُنية الأنفاق، كتكوين، تصوّر العلاقات بين الأجزاء والكل التي تشكّل حياة الناس في غزة بما يعجز عنه الاحتلال كبُنية حداثية تموضع الدولة والسلطة فوق التاريخ والجغرافيا والهوية والجسد، فتهدم المسافات والجغرافيا الاجتماعية، وتستثني أنطولوجيا ما بعينها، وهي التي يُنتج الغزّيون أنفسهم من خلالها. إن التكوين التجميعي لديناميات المقاومة في غزة، هو ما يمنحها الفاعلية في مواجهة البُنية العسكرية الدولانية الإسرائيلية، كون الأولى أكثر مرونة وقدرة على التفكك والذوبان في الاجتماعي كأجزاء مستقلة لم تفقد فرادتها، ويصعب تعقبها، في مقابل صلابة الثانية وثقل حركتها وعدم قدرتها على التفكك إلى أجزاء مستقلة، إلّا بموتها، وموت المقولة الرئيسية وراءها: الحداثة.
بمعنى آخر، إن بُنية الأنفاق باعتبارها تجميعاً تشرح لنا تراكبية وفاعلية مشاهد المقاومين بهيئاتهم وملابسهم ومواقع خروجهم للمواجهة، كأنها الحياة البسيطة في مواجهة التقنية العسكرية الحداثية الكلّيانية. كما أن الأنفاق تفكك مبنى الهيمنة الجغرافية للدولة العسكرية، في مقابل الجماعة المقاومة وجغرافيتها الاجتماعية، وتقدم نموذجاً عصيانياً للمعرفة المعمارية والمكانية.[31] فالأنفاق هي التقنية التي مكَّنت المقاومة من تحطيم مفهوم الرؤية (visibility) الإسرائيلي على مستويين: الأول، هو الرؤية داخل القطاع، أي أن تكون مرئياً كذات مستعمرة ومادة للحرب داخل المسرح / القطاع طوال الوقت، بمعنى أن تكون مرئياً كذات مواجهاتية، خلال الحرب التي لديها القدرة على ردعك أو إفنائك؛ الثاني، الرؤية باعتبارها تحقيقاً لمقولات خطابية حداثية عن التحديق الكولونيالي في موضوع الكولونيالية ومادتها، لتعيد إنتاج الذات والآخر، بمعنى أن غياب التصنيف الحداثي للجيوش الحديثة في المواجهة مع غزة هو جزء أساسي من قوة أساليب المقاومة. فتعبير "الحرب غير المتناظرة" (asymmetrical war)، لا يستطيع تفسير بُنية المواجهة، وحتى لو استطاع فإنه يحمل ضمنياً تصنيفاً خطابياً متحيزاً ضد فعل المقاومة كفعل مضاد للحداثة.
لقد عطلت تقنية الأنفاق مفهوم "الاستشراق الرأسي" حربياً، واعتماده الكولونيالي على "الرؤية". بمعنى أن الأنفاق عطلت أدوات إنتاج الهيمنة على القطاع وعلى مَن وما فيه عن طريق الأقمار الصناعية والحصار والكاميرات وغيرها كموضوعات ما قبل حداثية بحاجة إلى ضبط ورقابة وسيطرة، وكلها أدوات تُنتج المجال الدولاني الحديث للرؤية كممارسة مواجهاتية طوال الوقت (في الحرب أو غيرها). إن الجغرافيا السياسية للأنفاق، بما هي تركيب جغرافي جوفي (subterranean)، في المواجهة العسكرية، مهمة ليس فقط على صعيد المواجهة، بل لفهم الإدارة التكنولوجية لمفهوم المجال الأرضي والحيوي والحيّزي للجماعة المقاومة أيضاً.
تكسر سلطة الأنفاق الجوفية مقولات الدولة الحديثة ومخيالاتها كلها، بشأن مجال سلطة الدولة فوق سطح الأرض وتحته. وبالتالي، فإن الأدبيات الحديثة التي تتناول طبيعة حجم الإقليم كإبستيم (مساحة غزة وخدماتها وبُنيتها التحتية ونطاقات التنمية والسكن فيها) في المواجهة،[32] تصبح غير قادرة على تفسير قدرة الجماعة الغزّية على إنتاج ذاتها ومجالها وتركيباتها وأشكال التجميع، من خلال ممارسات "انعدام الرؤية" أو "ألّا تكون مرئياً" (Invisibility)، وبلعبة لغوية: (in)visibility. وهنا، ربما يكون الاختفاء نفسه، في الواقع، مصدراً أساسياً للفاعلية البصرية، بل شكلاً من أشكال السيادة البصرية. إن "التعقيد تحت السطحي والفاعلية السياسية" التي يُنتِج من خلالهما أهل غزة "خرائط للمجهولين غير المرئيين"، يؤدي فيها "انعدام الرؤية" دوراً أساسياً في حماية الغزّي من الذوبان في أدبيات الهوية الحداثية التي عززتها أنماط الاستهلاك وخطاب العولمة والأنسنة والدولنة. فبقدر ما يرتبط انعدام الرؤية بالعنف والقلق والجريمة، في خطاب الحداثة وعقلها، فإنه مرتبط أيضاً بكل ما هو مقدس وغير مقاس ولا معرّف باللغة. وبالتالي، فإن الأنفاق أنتجت حالات من "الدروع الجسدية والمكانية البصرية" التي حمت أجساد وذوات وهويات أهل غزة الحقيقية من التحول إلى مواطنين جسدانيين موضوعيين للدولة ومجال رؤيتها.
الدروع البشرية
لقد شكّل الادعاء الإسرائيلي والغربي أن حركة "حماس" وقوى المقاومة في غزة تستخدم الأهالي وسكان القطاع كدروع بشرية، جزءاً أساسياً من خطاب الحرب الإسرائيلية على القطاع وأهله. ولفهم هذا الأمر مثلما يجب، فإننا سنستدعي استعارة "المسرح الروماني" بسؤال استنكاري فحواه: ماذا لو فوجىء الإمبراطور الروماني بمَن هم في ساحة المسرح، من المُجالدين و"العبيد"، ينظمون أنفسهم ضمن تشكيلات جماعية، هل كان ذلك يُثنيه عن إعطاء أوامر بالقتل بأي حال؟
إن توصيف / تصنيف أهل غزة باعتبارهم "حيوانات بشرية"، يبدو مبرراً كافياً للإبادة من وجهة نظر إسرائيل. غير أن التوصيف ضروري أيضاً لفهم استهداف المستشفيات باعتباره المرادف الموضوعي "للحيونة" من ناحية، وموقعاً أساسياً لموضعة مقولة "الدروع البشرية"، ولو كان بحجة البحث عن أنفاق.
يشكل هذا التقاطع الرأسي بين الأنفاق والدروع البشرية والمستشفيات أداة تحليل مركبة: فمن ناحية يعكس تاريخ الطب الاستعماري، وكيف أن طب الحروب يواجه صعوبات في الاعتراف الطبي والأكاديمي والإبستيمي وحتى الإجرائي (protocol)، لأنه وليد حروب شنّها الغرب الاستعماري؛ ومن ناحية أُخرى، فإن الخطاب الإسرائيلي بشأن حيونة / نزع إنسانية الغزّيين، ليس فقط التبرير لمقتلة الأجساد في الإبادة، بل لنفي إمكان التشافي لتلك الأجساد، وبالتالي فالمقتلة تامة بالقتل المباشر للجسد، ومنع قدرته على الشفاء، في تحقيق للعنصرية الجسدية تجاه أجساد المُجالدين والعبيد في المسرح الروماني.
"الحيوانات البشرية"، بحسب هذا الخطاب، تبني جحوراً ما قبل حداثية (الأنفاق) تحت المؤسسات الحداثية (الطبية)، لتعطل إمكان تشافي مَن يصنفه هذا الخطاب بشراً، وهي الفكرة الأساسية التي رأيناها جميعاً في مشاهد المتحدث الإسرائيلي من مستشفى الشفاء وغيره، في لعبة خطابية رثة ملؤها الكذب. الجسد اللا - متشافي هنا هو جسد مضاد للحداثة الغربية العنيفة، في درّتها المعقلنة: الطب الإمبريالي.
أمّا التقاطع بين المستشفيات وفكرة الدروع البشرية، في حرب إسرائيل، فيكشف الرابط بين الحداثة والإرهاب، إذ إن المستشفى هي مساحة مقاومة، تتمسك بالحق الأبسط في الحياة الجسدية (المادية) للأجساد العزلاء،[33] في حين أنها هي أيضاً جزء من الكل التجميعي لمفهوم الجماعة الغزّية، حيث الجسد الممتد والألم والفقد والحمل الأخلاقي، وبالتالي فالأجساد هنا ليست ضعيفة رمزياً، على مستوى الجزء والكل.
ينبني مفهوم الدروع البشرية في الأساس على تعاملات متباينة مع مفهوم المسافة. فالدروع البشرية هي المسافة، أي القرب الذي يعطّل خطابية السلاح، منطلقاً من تعزيز عنصر الإبادة لدى السلاح، ذلك بأن أي سلاح تزداد قدرته على الإبادة إذا أصاب درعاً بشرية. غير أن الدروع البشرية هنا هي القرب الذي يعمل من خلال تلك المفارقة على تعطيل عنصر أخلاقية السلاح، الأمر الذي يجعل استهداف المستشفيات أمراً لا أخلاقياً في حالة غزة بما عطّل الخطاب المدَّعى بوجود أنفاق تحتها.
إلّا إن المفهوم المطروح في هذه المقاربة لـ "القرب - المسافة" يختلف عن أدبيات القرب في القانون الدولي. فالقرب بذلك المعنى هو القرب من الصراع. وبالتالي، فإن الدروع البشرية تتحقق في مناطق الصراع كحالة قانونية، وليس كحالة اجتماعية مثلما هي الحال في غزة، إذ إن وضعية الحصار في القطاع تجعل من الوجود البشري دوماً مادة أولية لدروع بشرية، لكن ثمة مكانية وزمانية لمفهوم الدروع البشرية في غزة.
وفي هذا السياق، هناك تمييز بين ثلاثة أنواع رئيسية من الدروع البشرية: الطوعية وغير الطوعية والقائمة على فعل القرب، من حيث العلاقة بموقع الفاعلية أولاً، والعنف ثانياً. الدروع الطوعية هي لأولئك الأشخاص الذين يؤكدون بشكل واضح فاعليتهم الخاصة، من خلال اتخاذ موقف طوعي غير عنفي في محاولة وقف اقتصاد العنف القائم. وعلى النقيض منها، فإن غير الطوعية هي تلك التي تفتقر ظاهرياً إلى الفاعلية وتقوم على الإكراه، وهي جزء لا يتجزأ من اقتصاد العنف القائم.[34] وتختلف الدروع البشرية القائمة على القرب، عن نظيراتها الطوعية وغير الطوعية، في أنها تصبح دروعاً لمجرد أنها "قريبة جداً" من هدف عسكري. فالفاعلية في هذه الحالة غائبة، وبسبب هذا الغياب، تقدم الدروع القريبة أبعاداً عددية ومكانية وزمانية غير موجودة فيما يتعلق بالنوعين الآخرين من الدروع، وهو ما يحدث في السياقات الحضرية / المدينية.
من ناحية التحليل المكاني، فإن وجود أهالي قطاع غزة باعتبارهم دروعاً قائمة على القرب، يسمح للقوات المهاجمة بتأطير المساحات الحضرية الضخمة كأهداف، بما أن الدروع البشرية تحمي أهدافاً عسكرية. إلّا إن هذا الأمر لا يمكن فهمه عبر أدبيات المواجهة فقط، بل ثمة عنصر يرتبط أساساً بحالة الاستثناء ومحمولاتها من السياسات الحيوية في الحالة الإسرائيلية وتصنيف الأجساد، فمن المؤكد أن أجساد الجمهور في المسرح الروماني ليست كتلك الموجودة على أرض المسرح حيث المقتلة.
يساعد تحليل جورجيو أغامبين للسيادة في فهم العملية الخطابية للجيش الإسرائيلي، فهو يعرّف السلطة السيادية بأنها القدرة على تحديد وإدارة العتبة بين الحياة الخاصة والعامة. وعند مناقشة هذه العتبة، نجد أنه منذ انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في سنة 2005، فإنها استخدمت مفهوم "الكيان المعادي" "لانهيار المساحة بين الجسم المدني وساحة المعركة بشكل فاعل"، مع تنفيذ نظام حكم معقد، من خلال الحصار، يدمج السياسة الحيوية لميشيل فوكو،[35] والنيكروبوليتية لأشيل مبيمبي،[36] في التكوين الحضري والمعماري والمكاني للقطاع، وهو العنصر نفسه الذي أفادت منه المقاومة بشكل معاكس. فبالنسبة إلى إسرائيل، فإن الدرع البشرية الغزّية هي الجسد الذي يُخرج مفهوم تحكّمها في المسافة كنظام معياري استعماري عن سيطرتها، وبالتالي يصبح قتل هذا الجسد أدنى من جريمة، بحجة تعطيله لآليتها العسكرية والخطابية. إن الحرب هي استمرار للسياسة، والسياسة هي عمل من أعمال الموت للمستعمَرين في المنظومة الاستعمارية، أي سنّ القوانين التي تشرعن مَن هم جديرون بالحياة ومَن هم محكومون بالموت، والسيادة يُعبَّر عنها بالحقّ في القتل، وبالتالي إنتاج المجال البيولوجي الذي تخضع له مقولة الدروع البشرية في خطابها الحداثي.
ولأن فكرة الدروع البشرية تفترض جدلاً ضعف الجسد على مستوى الرمز، فإن مفهوم التجميع، بما هو ممارسة اجتماعية وتاريخانية للمقاومة في غزة، وما نراه جميعاً من لحمة فلسطينية غزّية مع المقاومة ومجالها الأرضي والجوفي (من دون التقليل من "فاتورة الدم")، يضفي مفهوماً جديداً على الدرع البشرية باعتبارها مصدر قوة، وليست جسداً منزوع القوة، قيمته القانونية تتحدد بمقتلته.
إن المعايير التي من خلالها ندرك الضعف ونؤطره يمكن أن تفترض أو ترفض، بشكل مسبق، الضعف البشري.[37] فتكوين الفضاء الذي تكون فيه الدروع البشرية قابلة للقتل بشكل مشروع يقوم على تأطير حياتهم على أنها حياة ضعيفة. وعليه فإن وجود الغزّي في أرضه هو فعل يفكك مقولات العقل الحداثي بشأن تعريف هذا الجسد وتصنيفه على معيار القوة التدميرية والقانونية. ولعل هذا ما ظهر جلياً في تمسّك أهل غزة بأرضهم ورفضهم الخروج منها، باعتبارها مجالهم الحيوي الجسدي والرمزي، حتى في نظر منظومة تعتبرهم ضعافاً بشكل مسبق. فهذه الأرض ليست أرض معركة فقط، بل هي أساساً وعي تراكمي تاريخي أفقي، يعيد إلى الفلسطيني وجوده الجغرافي والتاريخي.
المصادر:
[1] انظر: إسماعيل ناشف، "العتبة في فتح الإبستيم" (رام الله: المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية / مواطن، 2011)
[2] انظر:
Geoffrey Scammell, The First Imperial Age: European Overseas Expansion, 1400-1715 (New York: Routledge, 2nd ed., 1991).
[3] مفهوم "البؤرة" الذي طرحه الناقد جيرار جينيه، هو الأساس في استراتيجيا "التبئير" كبديل من مصطلحات سردية متعددة في الأدب والنقد الأدبي، منها: المنظور، والحقل، ووجهة النظر، وغيرها. و"التبئير" معناه أن الوقائع والأحداث والأشياء، وحتى الشخصيات، لا تقدم لنا نفسها في "ذاتها" وبصورة شخصية، بل من منظور شخصية معينة، أو أكثر، تختلف من حيث الموقع والرؤية في السرد. انظر:
جيرار جينيه، "خطاب الحكاية: بحث في المنهج"، ترجمة محمد معتصم وآخرين (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ط 2، 1997)، ص 201.
[4] انظر:
Doreen Massey, For Space (London: Sage Publications, 2005).
[5] انظر:
Gilles Deleuze and Félix Guattari, A Thousand Plateaus: Capitalism and Schizophrenia (London: Continuum, 2003).
[6] Ibid.
[7] البدايات، مثلما أشار إليها إدوارد سعيد، في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه، لها دور أساسي في تشكيل التجربة الآنية، وتؤثر كذلك في ممارسة النقد تجاهها. انظر:
Edward Said, Beginnings: Intention and Method (New York: Columbia University Press, 1985).
[8] انظر: أوليفييه زاييك، "المعالم المكانية للفعل الاستراتيجي: الوضعية والمساهمة الجيواستراتيجية"، في: جوزيف هينروتين وآخرون، "حرب واستراتيجية: نهوج ومفاهيم"، ترجمة أيمن منير (الكويت: عالم المعرفة / المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2019)، الجزء الأول، ص 105-121.
[9] المصدر نفسه.
[10] لا نميل إلى موضعة هذه المقولة الدارجة من دون تحليل سردي لتاريخ العلاقة الاستيطانية للحركة الصهيونية مع مفهوم الأرض الفارغة (Terra Nullius) خلال الفترة 1848 – 1948. فكثير من الدراسات يثبت أن الحركة الصهيونية أدركت أن الأرض لم تكن فارغة، ومن هنا اجترحت وسائل وسياسات لتفريغ الأرض، بما هي جزء أساسي من ديناميات التاريخ الكولونيالي. من تلك الدراسات:
Alexandre Keder, Ahmad Amara and Oren Yiftachel, Emptied Lands: A Legal Geography of Bedouin Rights in the Negev (California: Stanford University Press, 2018); Noam Leshem, Life After Ruins: The Struggles over Israel’s Depopulated Arab Spaces (Cambridge: Cambridge University Press, 2016).
[11] كان الخيار الأول في العمل على هذه المادة من الطائرات المسيّرة هو انتقاء النموذج الأساسي للطائرات المسيّرة، وتحديداً المقاتلة Hermes 450 الإسرائيلية الصنع. وللمزيد عن هذه المسيّرة، انظر موقع الشركة المصنعة Elbit Systems، في الرابط الإلكتروني.
[12] Robert Kaplan, “Hunting the Taliban in Las Vegas”, The Atlantic (September, 2006).
“Hermes 450: Tactical Long Endurance UAS”, “Elbit Systems” website.
[13] Richard Clarke and Robart Knake, Cyber War: The Next Threat to National Security and What to Do About It (New York: HarperCollins, 2010), pp. 69-103.
[14] Derek Gregory, The Colonial Present: Afghanistan, Palestine and Iraq (London: Wiley-Blackwell, 2004).
[15] يتم تأمين القوة السياسية للمسيّرات الحربية الإسرائيلية من خلال تشكيل تحالفات بطريقتين: تصنيع الطائرات من دون طيار، والاتصال بين الشبكات التي تفاعل بعضها مع بعض لحظة الإطلاق. فقد تطلبت الهجمات في غزة في كانون الأول / ديسمبر 2008 تبادل المعلومات الاستخباراتية من البريطانيين، واستخدام الأقمار الصناعية الأميركية.
[16] لدى تتبّع الاستعارة الحداثية ودورها، نذكر أن شركة سييرا نيفادا الأميركية صنعت نظاماً سمّته "غورغون ستير" (Gorgon Stare)، وهو اسم الشخصية الأنثوية في الأساطير اليونانية ذات شعر مكوّن من ثعابين حية، والتي ما إن ينظر إليها أحد، حتى يتحول إلى حجر، كأن الأمر في النظر إلى الطائرة المسيّرة فيه مقتلة لصاحبه. ولهذا النظام الحربي شعاره الخاص: "العين الساهرة على الدوام" (Oculus Semper Vigilans).
[17] انظر:
Edward Said, Orientalism (New York: Pantheon Books, 1978).
وسبق أن أشار كاتب هذه المقالة إلى حاجتنا في العالم العربي إلى قراءة جغرافية لإرث إدوارد سعيد، وقد نُشرت المساهمة في مجلة "رُمّان" الثقافية الفلسطينية. وللاطلاع على المقالة انظر: عبد الله البياري، "نحو استعادة جغرافية لإدوارد سعيد"، مجلة "رُمّان" الثقافية، 17 / 9 / 2023، في الرابط الإلكتروني.
[18] انظر:
Halil Ibrahim Medet, “Israel Paints Palestinians as 'Animals' to Legitimize War Crimes: Israeli Scholar”, “Anadolu Agency”, 23/10/2023.
[19] Eyal Weizman, Hollow Land: Israel’s Architecture of Occupation (London: Verso, 2007), p. 237.
[20] سبق أن تناول الباحث ظاهرة الطائرة الورقية الحربية التي استخدمها أهل قطاع غزة، بتحليل البُنية الاقتصادية السياسية المكانية لها، في مادة نُشرت على صفحات "فسحة – ثقافية فلسطينية". انظر: عبد الله البيّاري، "الاقتصاد السياسي للطائرات الورقية وأجسادنا الممتدة"، "فُسحة"، 2 / 5 / 2020، في الرابط الإلكتروني.
[21] Peitro Stefanini, “Incendiary Kites and Balloons: Anti-Colonial Resistance
in Palestine’s Great March of Return”, The Open Journal of Sociopolitical Studies, vol. 14, no. 2 (2021), p. 672.
[22] Mehul Srivastava, “Israeli General Clashes with Cabinet Hardliners over Response to Balloon Threat”, Financial Times, 17/7/2018.
[23] انظر:
John Keller, “Micro Data Centers for Military Drones”, “Military+Aerospace Electronics”, 24/10/2017.
وأيضاً:
Koç Tuğrul, “Drone Technologies and Applications”, in: Drones-Various Applications (on-line book), edited by Dragan Cvetković, 2023.
[24] للمزيد انظر:
John Spencer, “Underground Nightmare: Hamas Tunnels and the Wicked Problem Facing the IDF”, “Modern War Institute”, 17/10/2023.
[25] "يحيى السنوار: زعيم حماس يقول إن إسرائيل أخفقت في تدمير شبكة أنفاق غزة"، "بي. بي. سي." (عربي)، 5 / 6 / 2021، في الرابط الإلكتروني.
[26] انظر دليل "العمليات الجوفية" العسكرية لجنود الجيش الأميركي، في:
"Subterranean Operations”, “Headquarters Department of the Army-Washington, DC” (1 November 2019).
[27] Paul Hirst, Space and Power: Politics, War and Architecture (Cambridge: Polity Press, 2005), p. 52.
[28] عن المبنى الأنطولوجي للـتجميع في الدراسات المكانية، انظر:
Kim Dovey, Becoming Places: Urbanism/Architecture/Identity/Power (New York: Routledge, 2010).
[29] انظر:
Bryan Finoki, “Tunnelling Borders”, “Open Democracy”, 26/11/2013.
[30] Deleuze and Guattari, op. cit., pp. 503–504.
[31] نفّذ الباحث ورشة بعنوان "العمارة المضادة للكولونيالية، وممكنات العصيان المعرفي: القدس نموذجاً"، لطلاب كلية جون دانيالز للعمارة والتصميم ودراسات المساحات، في 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2023، حاول خلالها تفكيك المباني الكولونيالية للمعرفة الأكاديمية المعمارية.
[32] انظر:
Shlomi Eldar, “Is Hamas Working with Wilayat Sinai?”, “Al-Monitor”, 6/7/2015.
وأيضاً:
Stuart Elden, Terror and Territory: The spatial Extent of Sovereignty (Minneapolis: University of Minnesota Press, 2009).
[33] انظر: إلزا دورلين، "فلسفة العنف"، ترجمة جلال بدلة (بيروت: دار الساقي، 2021).
[34] انظر:
Neve Gordon and Nicola Perugini, Human Shields: A History of People in the Line of Fire (Oakland, California: University of California Press, 2020).
[35] انظر:
Jonathan Simons, Foucault and the Political (London: Routledge, 1996).
[36] انظر:
Achille Mbembe, Necropolitics (Durham: Duke University Press, 2019).
[37] انظر:
Judith Butler, Frames of War: When Is Life Grievable? (New York: Verso Books, 2010).