فلسطينيو لبنان في غزة معنوياً
التاريخ: 
28/11/2023
المؤلف: 

يكاد لا يمر يوم على العدوان في قطاع غزة إلاّ وتخرج فيه تظاهرة أو وقفة داعمة ومساندة في لبنان، في هذا المخيم أو ذاك، فالأهالي يشعرون بالذي يحدث في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بسبب ما مروا به في لبنان خلال مراحل متعددة، لم يكن آخرها اجتياح بيروت وحصارها سنة 1982، وكذلك حرب تموز/يوليو 2006 التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على لبنان.

تظاهرات ومقاطعة

قلما يخرج فيديو لتظاهرات في بيروت لا تظهر فيه سيرين نابلسي، اللاجئة الفلسطينية في لبنان، وهي تقود التظاهرة بالهتاف، وهي واحدة من الناشطين في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين يعملون مع الناشئة على تعليم تاريخ فلسطين وجغرافيتها ضمن النادي الثقافي الفلسطيني في مخيم مار الياس ومخيم برج البراجنة، تقول نابلسي: "بسبب الحدود والبعد الجغرافي عن المعركة الفعلية، أول شي فكرت فيه خبّر الشباب والصبايا وحتى عيلتي وأصاحبي فلسطينية ولبنانية عن غزة، عن تاريخها وجغرافيتها، وعن المقاومة بغزة. حاولت وصّل الأسامي والمصطلحات اللي عم نسمعها مع كل خبر لعقول الناس، عشان تعرف فعلاً كيف فاتوا رجال المقاومة عالمستوطنات وقديش العمل بطولي وتاريخي. وعشان تعرف الناس  الدبابة من وين عم تتقدم ووين عم تتدمر."

وتضيف نابلسي، وهي تحمل شهادة في التربية من إحدى الجامعات اللبنانية وتعمل اليوم في مجال الإعلام مع إحدى القنوات اللبنانية: "بالإضافة طبعاً للشغل عالأرض بما يخص المظاهرات بالمخيمات والمناطق اللبنانية، بعمل هالشي لنقول إنو إحنا مع المقاومة وما في سبيل للتحرير إلاّ بالمقاومة والمزيد من المقاومة بكافة أشكالها. عم نوقف أمام سفارات الدول الداعمة للاحتلال، واللي عم تساهم بإبادتنا، لنقول مش خايفين منكم يا دول عظمى، شايفين إجرامكم وكذبة الإنسانية تاعتكم."

تنسق سيرين، مع أفراد آخرين في النادي الثقافي الفلسطيني في بيروت، النشاطات الداعمة لحملات المقاطعة في عموم لبنان وخصوصاً في المخيمات، بالتعاون مع مؤسسات فلسطينية داخلها، وأُخرى لبنانية خارجها. ومن المعروف أن النادي الثقافي الفلسطيني ينشط في المجال التعليمي والتثقيفي الوطني منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، ويرتبط كل المتطوعين فيه بمبادئ موحدة؛ منها الإيمان بالتحرير والعودة، وكذلك المقاطعة كأحد أساليب التهذيب الوطني الفلسطيني.

ويؤكد ما ذهبت إليه سيرين الناشط وعضو اللجنة الشعبية في مخيم مار الياس وليد الأحمد، والذي يؤكد أن الفلسطينيين في المخيمات "يتفاعلون مع أي حدث متعلق بفلسطين، فكيف بالقتل والإبادة الجماعية لأهلنا في قطاع غزة؟"، ويضيف: "وضعنا برنامجاً وخططاً لإسناد شعبنا، منها الوقفات التضامنية والتظاهرات، وفعّلنا المقاطعة في المخيمات، فشكّلنا لجنة تتكلم مع سكان المخيم وتقدم إليهم التوعية، وكذلك تتكلم مع أصحاب المحلات للمساهمة في هذه المقاطعة، باعتبار أن ذلك لا يشكل خسارة مالية، إنما مساهمة معنوية قوية مع شعبنا في الداخل. وفعلاً، كانت هناك استجابة كبيرة، فاستطعنا التأثير، وعقدنا لقاءات عامة وندوات، سواء للتوعية بالمقاطعة وأهميتها، أم حتى للحديث عما يجري." يعمل الأحمد في القطاع الطبي كمخبري، فقام مع بعض المؤسسات في المخيمات بتنظيم فعالية مساندة وداعمة للقطاع الطبي في قطاع غزة، ولا سيما بعد النداءات التي وجهتها وزارة الصحة هناك، للمساهمة في نقل صوتها إلى العالم.

ومثلهما، تنشط غادة عثمان في تنظيم التظاهرات يومياً عند بوابة مخيم مار الياس، أو في الدعوة إلى المشاركة في تظاهرات بيروت، وهي سيدة تعمل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أنها أم لثلاثة شبان، تقضي وقتها في هذه الأيام بين الدعوة إلى التظاهر، و"البحث عن معلومات دقيقة للذين يحتاجون إليها أو يطلبونها مني، ولا سيما ممن ليسوا متعمقين في المسألة الفلسطينية، فأسأل من لديهم فكرة عن مقالات أو كتب، وأقوم بإرسالها، وأعتبر أن هذه مساهمة بسيطة اتجاه أهلنا في قطاع غزة." 

الطلبة في الطليعة: رسم وتثقيف

تنشط تانيا نابلسي في شمال لبنان مع صديقاتها وأصدقائها في مخيمي البداوي والبارد وسكان مدينة طرابلس، وقد قالت: "نشعر بالعجز لعدم القدرة على تقديم العون المباشر إلى أهلنا في فلسطين، من الكبير حتى الطفل الصغير، فنلجأ إلى وقفات تضامنية واعتصامات نقيمها عند محطة سرحان وأمام مكتب مدير خدمات الأونروا في مخيم البداوي، وتشارك في هذه الوقفات مؤسسات وجمعيات أهلية تعمل في المخيم وفي مخيمات أُخرى."

وتانيا فنانة فلسطينية تكاد لا تخلو جدارية في مخيمات لبنان من لمساتها، إمّا برسمها كاملة وإمّا بوضع اللمسات عليها، وهذا ما يجعل لها علاقات واسعة في معظم المخيمات، كالبداوي وغيره، فتساهم مع النادي الثقافي الفلسطيني العربي والقوى الطلابية التابعة للفصائل الفلسطينية بالدعوة إلى "إضرابات وتظاهرات طلابية، وتخصيص أيام وطنية أو نصف دوام تتلوه توعية عما يحدث الآن في فلسطين"، ومن هذه النشاطات ما قامت به الدائرة الطلابية في النادي الثقافي الفلسطيني العربي حين "رشت شعارات على جدران المخيم داعمة لغزة، ونشرت رسائل تؤكد التمسك بكامل التراب الوطني الفلسطيني، والكفاح المسلح والعنف الثوري."

هذه النشاطات الطلابية التي تفاعلت مع الحدث الرئيسي في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، شجعت استعادة نداء قديم كانت عدة قوى طلابية فلسطينية في المخيمات قد نادت به، وهو العودة إلى تدريس تاريخ فلسطين وجغرافيتها في مدارس الأونروا، الأمر الذي استدعى إصدار عدة بيانات في الفترة الماضية، علماً بأنه كما في بيروت، تنشط عدة مؤسسات أهلية وأندية طلابية فلسطينية تطوعية في تدريس هذه المادة للطلبة، وذلك لتلافي الفجوة الكبيرة التي أنتجتها الأونروا منذ أوقفت تدريس فلسطين في مدارسها في لبنان. ومن هذه المؤسسات والأندية، كما ذُكر، النادي الثقافي الفلسطيني ومركز النقب وغيرهما. 

مخيم يئن ويساند

مخيمات جنوب لبنان لا ينسلخ حالها عن حال مخيمات بيروت أو الشمال، فالكل متفاعل بكثافة عالية. وعلى الرغم مما مر به مخيم عين الحلوة في الأشهر الماضية من اشتباكات ضارية أدت إلى نزوح عدد كبير من أهله إلى خارجه، ومع أن هناك عدة منازل للاجئين فيه لم ترمَم بعد، والعديد من المدراس في المخيم خرجت من الخدمة، الأمر الذي أدى إلى إنهاك أهله، فإن هؤلاء ظلوا يتظاهرون، داخل المخيم وخارجه، ويشاركون في الاعتصامات الداعمة لقطاع غزة. هذا فضلاً عن الفعاليات التي تقيمها الفصائل الفلسطينية وبعض المؤسسات والجمعيات العاملة في المخيم؛ منها وقفات إسنادية قام بها الأطفال بتنظيم من بعض روضات المخيم، وذلك لجعل الصغار يشعرون بدورهم، وبغية تعريفهم بالقضية الفلسطينية والحدث الكبير الذي يجري في فلسطين. بالإضافة إلى تحركات عديدة تقوم بها القوى الطلابية التابعة للفصائل هناك، وندوات تقوم بها في الجامعات، ولا سيما بعد أن استشهد أكثر من شاب من المخيم في جنوب لبنان خلال هذا الشهر والشهر الماضي. 

خطط طوارئ

عاش لبنان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أوضاعاً ربما تكون مشابهة للذي يحدث في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومع تصاعد التهديدات ضد لبنان جرّاء العدوان الذي يُشن على قطاع غزة، فقد تداعت الجهات الرسمية في المخيمات المشكَّلة من الفصائل الفلسطينية بالتعاون مع الجمعيات والمؤسسات العاملة فيها إلى وضع خطط الطوارئ في حال شن الاحتلال الإسرائيلي عدواناً على لبنان أيضاً.

وعملت المؤسسات في المخيمات، بالتعاون مع اللجان الشعبية، على وضع خطط طوارئ، في حال حدث شيء في لبنان.. وهم يعملون عبر وسائل التواصل الاجتماعي على نشر الأخبار، وإقامة الحملات، ولو على مستوى محلي للمساهمة في هذه المعركة.

من تلك الاستعدادات، عملت قطاعات الدفاع المدني في المخيمات على التأكد من معداتها، والقيام بدورات طارئة لكوادرها للاستجابة لأوضاع ربما تكون استثنائية بالنسبة إلى البعض. كما عمل الهلال الأحمر الفلسطيني على التأكد من مدى جاهزية مستشفياته وكوادره الطبية في المخيمات ومحيطها.

بالإضافة إلى ذلك، فقد جرت، في بعض المخيمات مناورات اشتركت فيها الجمعيات المحلية الطبية مع الدفاع المدني واللجان الشعبية للتأكد من القدرة على الاستجابة والتنسيق فيما بينها استعداداً لحالة الطوارئ.

عن المؤلف: 

أيهم السهلي: صحافي فلسطيني من مدينة حيفا، ولد في مخيم اليرموك ويقيم ببيروت.

Photo depicts press vests on the ground in Washington, DC with names of martyred Palestinian journalists from Gaza during rally at the White House Correspondents Dinner in April. Photo: Laura Albast.
أسماء بركات
A Palestinian activist holding a national flag towards a bulldozer damaging a street during an Israeli raid in the centre of Jenin in the occupied West Bank on September 2, 2024. (Photo by RONALDO SCHEMIDT/AFP via Getty Images)
نادين صايغ, شمس هنية