
07/02/2025 عربي

06/02/2025 عربي

06/02/2025 عربي

05/02/2025 عربي
31/01/2025 عربي

29/01/2025 عربي

28/01/2025 عربي

هل أزاحت حرب السابع من أكتوبر القناع عن الوجه الحقيقي لمشروع الاستيطان، وكشفت خطورة دوره كمشروع سياسي أمني رديف لقوات الأمن الإسرائيلية لتنفيذ المشاريع الكامنة القديمة الجديدة بتهجير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وتصفية القضية الفلسطينية؟
سؤال يُطرح بقوة هذه الأيام بعد السابع من أكتوبر في ظل اعتداءات المستوطنين النوعية والمتسارعة في الضفة الغربية، وما رافقها من سياسات وإجراءات حكومية تدعم هذه الفرضية في وقت لم تنته الحرب بعد، وفي سياق الحديث المتزايد عن تهجير الفلسطينيين من غزة (أولاً)، ومن ثم الانتقال إلى الضفة الغربية، وما يرافق هذا من مخاوف وتحذيرات محلية وإقليمية ودولية من أن تتواصل الحرب وتزداد شراسة الحكومة الإسرائيلية اليمينية بزعامة نتنياهو المأزوم، وشراهة وزراء حكومته العنصريين، أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ووزير الآثار أفيحاي إلياهو الذي اقترح إلقاء قنبلة نووية على غزة ومحوها عن وجه الأرض، وفي ظل دعم غربي غير مسبوق، وصمت دولي رسمي أمام حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
بناء على ما تقدم، فإن أي محاولة لفصل ما يحدث في الضفة الغربية عما يحدث في قطاع غزة هي محاولة قاصرة، وخصوصاً مع تواصل الحرب واشتدادها وفشل كل المحاولات والمطالبات بوقفها، وفي وقت تتعرض الضفة الغربية ومنذ اليوم الأول للحرب على غزة لمجزرة صامتة متصاعدة لا تتوقف عند حصار شامل يطبق على المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية بحجة أن أحد أهدافه حماية المستوطنين الذين يتنقلون بحرية على الطرق الالتفافية، ومنع الفلسطينيين من الاقتراب من المستوطنات، والحد من سفرهم على الطرق، ولا عند مطالبات بإنشاء مناطق عازلة حول المستوطنات. وكان وزير المالية الإسرائيلية سموتريتش قال قبل أيام، في محاولة خداع مكشوفة لقلب الحقائق وإظهار أن المستوطنين بحاجة إلى حماية الدولة في وجه خطر الفلسطينيين المعادين لوجودهم بديماغوغية عجيبة، أنهم (أي المستوطنين) هم الضحية التالية لـ "الإرهاب الفلسطيني"، على شاكلة ما حدث في مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر. وبهذا فإن حصار الفلسطينيين، وقتل أكثر من 180 فلسطينياً في الضفة الغربية منذ بداية العدوان على غزة، وأكثر من 350 منذ بداية العام، بالإضافة إلى مئات الجرحى، واعتقال أكثر من 2300، قد لا تكفي لمنع الخطر المحدق بالمستوطنين، بل يجب اتحاذ مزيد من الإجراءات لتوفير حماية إضافية تمثلت في تفعيل خطة تسليح المستوطنين، وفي خطة متصاعدة لمنح رخص حمل السلاح إلى أكثر من 400,000 مستوطن من أصل 726,000 يستوطنون 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية تعتلي التلال، من شمال الضفة إلى جنوبها، وتحاصر القدس، وتعمل على تغيير العامل الديموغرافي فيها من خلال جعل اليهود أغلبية في المدينة، وممارسة ضغوط لتهجير المقدسيين خارج مدينتهم.
هذه الديماغوجيا الخادعة تدحضها الحقائق على الأرض، والتي تمثلت في شن المستوطنين المدعومين بقوات الجيش اعتداءات نوعية غير مسبوقة على التجمعات الفلسطينية في مناطق ج وتهديد سكانها بالرحيل، الأمر الذي نتج منه، بحسب توثيق منظمة بيتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان، اضطرار سكان أكثر من 16 تجمعاً فلسطينياً في الضفة الغربية (حتى الآن) إلى هجر مساكنهم وأراضيهم الزراعية، والانتقال إلى أماكن أكثر أمناً في مناطق أ و ب. وقد تم ذلك بطريقة مباشرة وسافرة، إذ حضرت مجموعات من المستوطنين المسلحين برفقة قوات الأمن الإسرائيلية إلى تلك التجمعات، وقاموا بتخريب بنيتها التحتية المتواضعة، كخلايا الطاقة الشمسية التي تزود الخيام والعرائش بالكهرباء، وشبكات المياه، كما أتلفوا كميات كبيرة من الأعلاف، بالإضافة إلى الاعتداء الجسدي على السكان، وبحسب بيتسيلم فقد رحلت 149 عائلة تضم 874 مواطناً، بينهم 320 قاصراً، ويعدّ تجمع خربة زانوتا جنوب الخليل من أكبر التجمعات، إذ ضم 27 عائلة بمجموع 250 مواطناً، بينهم 100 قاصر. ولم يكن لهذا أن يحدث لولا تهديدات وتصريحات مباشرة وواضحة من مسؤولين ومنظمات إسرائيلية تطالب بقتل العرب وتهجيرهم، وذلك من خلال توزيع منشورات باللغة العربية صادرة عن المستوطنين تطالب الفلسطينيين بمغادرة قراهم وبلداتهم والتوجه إلى الأردن قبل أن يتم طردهم بالقوة، ومنشورات أُخرى تهددهم بنكبة مماثلة لنكبة 1948، الأمر الذي كان بمثابة الضوء الأخضر لمجموعات إجرامية من المستوطنين لمواصلة الاعتداءات وتكثيفها مستغلين أجواء الحرب على غزة، والحصار المشدد على الضفة الغربية وغياب الإعلام عنها وتركيزه على ما يحدث في غزة، والتقليل من أهمية ما يحدث في الضفة مقارنة بحرب الإبادة والمجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في القطاع، حتى بدا قتل سبعة مواطنين برصاص المستوطنين في قرية الساوية وقصرة في الأيام الأولى للحرب في محافظة نابلس حادثاً عابراً إذا ما قورن بمقتل أكثر من 180 مواطناً برصاص الجيش الإسرائيلي في مدن الضفة الغربية خلال شهر واحد فقط.
وبحسب صحيفة "الأندبندنت" البريطانية، فقد ازدادت نسبة اعتداءات المستوطنين هذا العام 60% مقارنة بعام 2020، ومعظم هذه الاعتداءات تتم بصمت، وباهتمام إعلامي قليل، وبدون محاسبة المعتدين الخارحين حتى عن القانون الإسرائيلي نفسه، ذلك بأنه لم تُسجل ضدهم أي إدانات تذكر على مر الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، بتواطؤ الجهاز القضائي الإسرائيلي المتمثل في جهاز التحقيقات، والمحاكم الإسرائيلية، وعلى رأسها محكمة العدل العليا التي امتنعت من إنصاف الضحايا الفلسطينيين وتوفير الحماية لهم. وهذا يتوافق مع ما وثقته منظمة ييش دين الإسرائيلية أن 3% فقط من آلاف الاعتداءات التي نفذها المستوطنون انتهت بإدانة المعتدين، بينما أُغلقت الملفات الأُخرى بحجة عدم كفاية الأدلة. كذلك ردت محكمة العدل العليا الإسرائيلية معظم الاستئنافات المقدمة من الفلسطينيين ضد سرقة الأراضي الفلسطينية في مناطق ج من جانب المستوطنين، وأيضاً لم يكن ثمة محاولات جدية من جانب الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن لمنع هذه الاعتداءات، وتوفير الحماية للفلسطينيين العزل. وأكبر دليل على هذا مرافقة الجنود المستوطنين في أثناء اعتداءاتهم، وتلكؤ الإدارة المدنية في منح تصاريح للمزارعين للوصول إلى حقول الزيتون داخل السياج الأمني المستوطنات، الأمر الذي من شأنه أن يحرم كثيراً من العائلات من قطف ثمار الزيتون، وبالتالي تهديد موسم قطف الزيتون لهذا العام، ليضاف هذا إلى سياسة الحصار والضغوط الاقتصادية التي تمارس على السكان في الضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر، وأهمها منع أكثر من 200 ألف عامل فلسطيني من الوصول إلى أعمالهم خلف الخط الأخضر.
تم إعداد هذا التقرير في وقت لم تتوقف الحرب بعد، وفي وقت يستخدم الجيش الإسرائيلي قوة القمع المفرطة في الضفة الغربية، من خلال القتل السهل والاعتقالات، والتي من المتوقع أن تزداد ليصل العدد إلى أكثر من 180 شهيداً و2300 معتقل خلال الحرب والحصار المشدد على الفلسطينيين.
وفي مقابل حرية تنقل المستوطنين على الطرقات، يعيش اليوم أكثر من 3 مليون فلسطيني في الضفة الغربية حالة غير مسبوقة أشبه بحالة انتظار المجهول تخفي في ثناياها مواجهة مفتوحة أكثرها رعباً مع المستوطنين المسلحين، الذين على رأس أجندتهم اغتنام فرصة الحرب لتنفيذ وتصعيد الاعتداءات ضمن مخطط التهجير القديم الجديد الكامن في عقلية قادة الحركة الصهيونية وقادة المستوطنين، ومع تحول المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع يميني متطرف تجلى في وصول الحكومة الإسرائيلية الحالية بزعامة نتنياهو ومشاركة بن غفير وسموترتش إلى سدة الحكم، وسياساتهم العنصرية والفاشية تجاه الفلسطينيين، لا في غزة فحسب، بل أيضاً في جميع أماكن الوجود الفلسطيني، سواء في الداخل، أو في القدس، أو في الضفة الغربية. وما يثير القلق أن الفلسطينيين يراقبون المشهد من دون أن يحظوا بأي شكل من أشكال الحماية، على الرغم من كل المطالبات المتكررة، وعلى أعلى المستويات، ومن منظمات دولية، بتأمين الحماية لهم لدرء المخاطر الجدية القادمة.
لقد كان مشروع الاستيطان، كمشروع سياسي، منذ بدايته، المشروع الأخطر على القضية الفلسطينية، وهَدَف منذ اللحظة الأولى إلى منع الوصول الى أي حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي باعتبار أن الضفة الغربية هي عبارة عن أراض إسرائيلية، وتسمى في أدبيات الحكومات الإسرائيلية يهودا والسامرة. وشكل هذا المشروع مدخلاً لمحاولات ضم الضفة الغربية، وتغيير معالم مدينة القدس الشرقية التي تضاعفت مساحتها بفعل الاستيطان عشرة أضعاف. وضمن محاولات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إحداث تغيير ديموغرافي يجعل من المقدسيين الفلسطينيين أقلية محاصرة، ووضع خطة ممنهجة لتهجيرهم من خلال قوانين عنصرية في مسائل البناء والتوسع العمراني وهدم البيوت وسحب الهويات. وبوعي من الحكومات الإسرائيلية لأهمية مشروع الاستيطان، فقد جرى إنفاق ميزانيات هائلة لتطويره، وتسارعت عمليات التطوير هذه منذ عام 1974 بعد أفول نجم حزب العمل، حين كان عدد المستوطنات في الضفة الغربية والقدس 30 مستوطنة فقط ليصل اليوم الى 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية. ولم تفلح مواقف المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في كبح التسارع الاستيطاني أو تجميده، ليكتشف الفلسطينيون اليوم أنه كان من الخطأ تأجيل موضوع الاستيطان وجعله أحد موضوعات الحل النهائي عند توقيع اتفاق أوسلو، مع أن الحديث عن هذا الأمر اليوم قد يكون متأخراً جداً. وما من مؤشر على مستقبل الاستيطان أوضح من تصريح نتنياهو قبل أيام، والذي قال إن العودة إلى الاستيطان في غوش قطيف في غزة أمر ممكن، كاستدراك لما فعله شارون عام 2005، والذي انسحب من مستوطنات غزة من طرف واحد لعدة أسباب، أهمها أمنية.
إن الحديث المتزايد عن حلول سياسية، كحل الدولتين بعد انتهاء الحرب، لا يتفق مع منطق الأحداث الجارية والهادفة ليس فقط إلى الرد على هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر، بل أيضاً إلى تصفية القضية الفلسطينية بتهجير السكان تحت شعار غزة أولاً.