استضافت مؤسسة الدراسات الفلسطينية الأستاذ الجامعي والباحث والمشرف على ملحق "القوس" الذي يصدر أسبوعياً مع جريدة "الأخبار" اللبنانية والمعني بقضايا العدالة والقانون الدكتور عمر نشابة، في ندوة بعنوان "أين القانون الدولي الإنساني من العدوان على غزة؟"، وحاورته الباحثة في المؤسسة برلا عيسى، وذلك في الحلقة الثالثة من الندوات الأسبوعية التي تقيمها مؤسسة الدراسات الفلسطينية لمواكبة العدوان القائم على غزة.
وقال نشابة في سياق الرد على سؤال بشأن تقييم الوضع القانوني للحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ شهر: "إن الجرائم مستمرة، من قتل آلاف المدنيين واستهداف المستشفيات وغير ذلك من الأمور التي تتخطى القانون، وعدم وجود إمكانات لانتشال الأشخاص من تحت الأنقاض، يعيدنا إلى مسائل أساسية ترتبط بقيمة البشر والعلاقات الإنسانية. والعالم نجده تارة عاجزاً عن حل المشكلة، وتارة أُخرى لا يتدخل لمنع وقف إطلاق النار والدمار. والدول التي ترفض وقف إطلاق النار هي الدول نفسها التي من المفترض أنها راعية لنظام عادل في العالم."
أضاف: "نحن نشهد إبادة شعب بأسره، بصورة واضحة وصريحة ومن دون أي تردد." لافتاً إلى "أن القانون هو توافق بين القوى الكبرى في بعض الأمور الأساسية، وأن قرارات مجلس الأمن الدولي تشكل جزءاً أساسياً من القانون الدولي. والمشكلة تكمن في أن الدول الراعية لحقوق الإنسان تعترض على وقف هذه الوحشية وقتل الأطفال وتدمير المستشفيات، وبالإضافة إلى ذلك، تسعى للبحث عن تبريرات لها"، وقال أنه وغيره يسعون للتوثيق اليومي لهذه الجرائم. كما تطرق إلى الحديث عن إطلاق إعلان روما سنة 1998، والذي كانت نتيجته تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، لتنظيم آلية للمحاسبة على الجرائم التي تعجز عنها المحاكم المحلية.
وفصّل الجرائم بحسب قانون روما إلى: جرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، وهي الجرائم الثلاث التي تشكل أساس عمل المحكمة الجنائية الدولية، بحسب تعبيره، وكلها تحدث في ضرب قطاع غزة، الذي تبلغ مساحته 360 كيلومتراً مربعاً تقريباً، ويعيش فيه 2,275,000 مدنياً، أغلبهم تحت سن الـ15. هنا يفترض بالمحكمة الجنائية أن تتدخل، ويتم تفعيل عملها وفق المادة 13 عبر إحدى الطريقتين؛ أن يحيل مجلس الأمن الدولي القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي بدورها تباشر التحقيق والمتابعة، أو أن تتقدم الدولة العضو الموقعة نظام روما بشكوى وطلب فتح تحقيق في جريمة معينة. حين تقدمت فلسطين بشكوى سنة 2008، قال المدعي العام وقتها، لويس مورينو، أنه لا يستطيع المباشرة في أي شيء لأن فلسطين ليست دولة، لكن حين تم الاعتراف بفلسطين كدولة في 2014 و2015 وتقدمت بشكوى، كانت فاتو بنسودا قد حلت محل مورينو، ومن سنة 2015 حتى سنة 2021، لم تحدث تغييرات ملموسة، وفُتح التحقيق سنة 2021. هذا ما يسمى بالإفلات من العقاب والمساءلة.
ورداً على سؤال: "لماذا حدث هذا الإفلات خلال كل هذه السنوات؟"، أجاب بأن هناك شبهات عنصرية؛ إذ قدمت أوكرانيا شكواها وفُتح التحقيق سنة 2022، وصدرت سنة 2023 مذكرة توقيف بحق بوتين، وهذا على عكس الحالة الفلسطينية. وفي مقارنة بين ضحايا أوكرانيا وفلسطين، نجد ضحايا فلسطين أكثر. كما أنه عندما وصل كريم خان، المدعي العام، إلى رفح، ووجد أن الجنود يمنعون إدخال المساعدات، قال إن هذا ربما يشكل جريمة حرب، لكنه ليس قاضياً كي يبقى على الحياد، وإنما وظيفته كمدعٍ عام التحقيق وتوجيه التهمة، وعلى الرغم من رؤيته الحقيقة، فقد قال إن الفلسطينيين يجب أن يحاكَموا على جرائم ارتكبوها ربما أيضاً تشكل جرائم حرب. لقد حاول "الاتزان" في الكلام والرأي لأنه يحتاج إلى تمويل لإكمال التحقيق، وهذا التمويل يأتي من الجمعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، والتي هذه الدول الرافضة لإيقاف العنف المفرط هي من أعضائها، وهذا النوع من الاتزان وصفه نشابة بأنه "توازن خبيث".
بالإضافة إلى ذلك، ذكر نشابة أنه في ظل هذه الإبادة الواضحة، كتب مدير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بعد استقالة أن هناك جريمة إبادة ممنهجة تنفَّذ في فلسطين. وقد عرّف نشابة الإبادة وفق المادة 6 بأنها إهلاك جماعة قومية أو دينية أو عرقية كلياً أو جزئياً، وهذا ما يتجلى في الصور الجوية وتشديد نتنياهو على منع دخول الوقود إلى مستشفى الشفاء، وإصراره على أنه مركز عسكري، وهو الأمر الذي نفاه ماكس غيلبرغ، الطبيب النرويجي الذي عمل هناك 16 عاماً، ويتضح ذلك لعدم وجود أي آثار عسكرية في المستشفى بعد الهجوم.
واستهجن كذلك نفي الدول "المتحضرة" ودول "الحرية والعدالة" كألمانيا وكندا وبريطانيا وغيرها كون إسرائيل هي التي قصفت المستشفى المعمداني، بل أخذت تبرر لها أيضاً. كما قال إن بايدن لم يقل أنه لا يعلم الفاعل، وإنما نفى مباشرة قيام إسرائيل بذلك، وهو ما يدل على معرفته بأنها الفاعل. وتطرق إلى حجة الدفاع عن النفس التي ذكرها المعسكر الغربي قائلاً إن هذا معقول في حال تمت المهاجمة من جانب دولة عضو في الأمم المتحدة، لكن الفلسطينيين يعيشون بؤساً ووضعاً معيشياً مزرياً، ومع قيام حفلة لأشخاص مرفهين، بنوا رفاهيتهم على أنقاض القرى القديمة المغتصَبة، إلى جانب أكبر سجن في العالم، كلها أمور تدفع الفلسطينيين إلى القيام بأمر بديهي يمكن لأي أحد يعيش أوضاعهم أن يقوم به.
ورداً على سؤال عن الخيارات المستقبلية لمقاضاة إسرائيل، قال إنهم ينتظرون تقدُّماً من جانب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، بيد أنه لا يوجد أمل كبير في هذا المجال. أمّا بالنسبة إلى الخيارات الأُخرى، فيمكن تقديم شكوى إلى لجنة حقوق الإنسان، وهناك تحقيق في هذا المجال. لكن الأهم من هذا كله، وقبل الدخول في العمل على مقاضاة إسرائيل على المدى الأبعد، يجب وقف إطلاق النار أو القيام بهدنة إنسانية. كما قال إنه من المفترض، عندما يتدخل مجلس الأمن، الذي تُعد قراراته ملزمة، أن يتوقف النزاع، حتى من جانب القائم بالدفاع عن النفس، لكن في ظل مجلس أمن عاجز، فإن هناك تهديداً للسلم العالمي. وختم بقوله إن الكيان اغتصب ولا يزال يغتصب كثيراً من قرارات مجلس الأمن.
وعن إمكان وجود بصيص أمل بمحاسبة إسرائيل، بعدما اعتدناه منها من خرق للقوانين الدولية وانتهاك حقوق الإنسان، أجاب بأن الأمل في صمود الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانبه، أمّا من الناحية القانونية، فليس تماماً.