
13/02/2025 عربي

13/02/2025 عربي

13/02/2025 إنكليزي

12/02/2025 إنكليزي

12/02/2025 عربي

11/02/2025 عربي

07/02/2025 عربي

06/02/2025 عربي

لا يخفى على أحد أننا نحن العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر أو ما يسمى بـ "عرب 48" قد سلبوا منا حقنا في الكلام والتعبير، وخصوصاً في ظل الأوضاع الأخيرة التي تشهدها البلاد. لا أعلم – صدقاً – لماذا أطلقتُ على هذه الحرب الطاحنة التي تدور في الخارج على بعد 40 كيلومتراً فقط من ضمائرنا مفردة "أوضاع"، وأنا أعلم يقيناً، والكل يعلم، والأطراف المتنازعة تعلم بأنها حرب لا تذر وراءها إلاّ الدماء والركام وأشلاء أطفال من جانب واحد.
إن العيش داخل الخط الأخضر، الذي يزداد احمراراً في كل مرة تُباح فيها دماؤنا بذريعة العنف والجريمة وغيرها من الذرائع الواهية، أصبح مأسوياً قمعياً لا متنفس فيه ولا راحة. إن حرية التعبير المكفولة لنا كـ "مواطنين" عرب في هذه الدولة استناداً إلى قانون أساسي: حرية الإنسان وكرامته، ما عادت حرية، وإنما استحالت سلاسلَ حديدية ثقيلة تكبّل ألسنتنا قبل أيدينا. ففي الحرب تسقط القوانين والحريات، وتسقط الديمقراطية الشكلية والجوهرية، وتسقط قيم التعددية، كما تسقط الأجساد ومعها الإنسانية، وبسقوط الإنسانية يسقط بعدها كل شيء! مَنْ تكلم هلك، ومن سكت نجا؛ هذه هي العبارة التي أصف بها واقع حالنا في غمار هذه الحرب التي حتى اسمها صار مثار شبهات وشكوك: هل اسم الحرب "طوفان الأقصى"، كما يدعي الطرف الأول؟ أم اسمها "السيوف الحديدية" كما يدعي الطرف الآخر؟ صار الواحد منا في الداخل المحتل إذا أراد أن يكتب شيئاً عن الحرب يفكر ملياً ويسأل نفسه للحظات: هل سأرى النور مجدداً إذا استخدمت في حديثي المسمى الأول للحرب؟
في الحرب لا شيء ثابت، كل شيء متغير، إذ ليس هناك أمر مسلّم به ومفهوم ضمناً، فكل ما هو مفهوم يصير مشوشاً في هنيهة، وكل ما هو معقول ينقلب جنوناً بين النفس والآخر. فضاء حرية التعبير – الضيق أساساً – الذي يُمنح لنا في السلم قبل الحرب، يصير كثقب الإبرة، بل أصغر، في أثناء الحرب، ويستمر في الانكماش إلى أن يُمسح، بالتدريج، من دفتر القوانين، ومن داخل الخط الأخضر نهائياً. ولا غرابة، في حال طالت هذه الحرب، أن يُضاف بند جديد صريح يتماهى مع السياسة الحاكمة وينص على أنه: في حال تضاربت الحريات، فإن حرية رأي اليهودي تفوق حرية رأي العربي.
وفي تقرير لشرطة إسرائيل[1] نشرته صحيفة "معاريف" قالت فيه أنها ألقت القبض في الأيام الأولى للحرب على مواطنة من سكان أم الرشراش (ليست إيلات) بتهم عديدة، منها إبداء الفرح تجاه أحداث السابع من أكتوبر. ليس بغريب أن يكون الفرح سبباً للاعتقال، فقد أعتدنا على هذا، وليس بغريب أيضاً أن يكون تبرير هذا الاعتقال والتضييق على حرية التعبير هو المس بأمن الدولة وبأمن الملايين الذين يعيشون داخل الدولة، فقد ألفنا هذا أيضاً. لكن المريب في الأمر هو التهمة الجديدة الأُخرى التي تم اختلاقها في ضوء الحرب القائمة وهي تهمة: "التعاطف مع سكان غزة". وإن دل هذا الجنون على شيء فهو يدل على رغبة هذا الكيان الصهيوني في صناعة عرب فلسطينيين جدد لا ولاء لهم، ولا علاقة لهم بكل ما يحدث خارج الخط الأخضر! فتصير المسألة أولاً عملية تفريغ ومسح للوعي الجمعي الداعي إلى الوحدة الوطنية والتعاضد بين أبناء الشعب الواحد، تمارسها السلطات الإسرائيلية علينا نحن أهل الداخل. والمرحلة الثانية التي تأتي بعد عملية التفريغ هي عملية سكب وعي جديد مغاير في رؤوسنا مبني، في الأساس وبصورة كاملة، على انقطاع الصلة بين فلسطينيي الداخل والخارج.
الكل يتحدث عن أحداث ضحمة تجري من حولنا وبالقرب منا؛ القنوات التلفزيونية لا تنفك عن بث الأخبار العاجلة والتحليلات العسكرية والسياسية عن التحولات غير المسبوقة التي يشهدها الشرق الأوسط وأهل غزة. كما أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد كما هي قبل الحرب، حتى الحياة لم تعد هي الحياة التي تعودنا عليها قبل الحرب؛ أشياء كثيرة تغيرت في الخارج وفي دواخلنا أيضاً؛ مشاعر متضاربة تتبدل بين الحنق والغضب، وبين الحزن والضيق، وبين الأمل والرجاء، وبين الخوف والفزع، وتتدافع في رؤوسنا كتدافع الجنود بالقرب من خط الحدود لمواجهة العدو. هذه المشاعر التي تحتلنا منذ السابع من أكتوبر كيف نفر منها أو كيف تفر هي منا؟ وأين نذهب بها إذا ما تزاحمت في صدورنا وكممت الأفواه وصفدت الشفاه؟
حتى هذه السطور التي بين أيديكم لا أعلم ما إذا كان من المسموح كتابتها أم لا، ولا أعلم ماذا سينتظرني من اعتقال أو قمع أو تنكيل بعد أن أنشر هذه الكلمات، لا لجهلي بالقانون (فأنا خريجة كلية حقوق)، وإنما لأن القانون الإسرائيلي يصبح بلا قيمة إذا كان "أمن الدولة" في الكفة الأُخرى من الميزان. فحتى الدعاء لأهل غزة – كما رأينا – بات جرماً بين ليلة وضحاها يحاسب عليه من يُمسك متلبساً بجريمة قول: "حسبنا الله ونعم الوكيل" أو "لا غالب إلاّ الله" أو "ألا إن نصر الله لقريب"، بالإضافة إلى كثير من العبارات الدينية التي يعتبر مجرد ترديدها محظوراً وبمثابة تماهٍ مع المنظمات الإرهابية – بحسب قولهم. وفي الختام، لسان حالنا في الداخل كما قال محمد الماغوط: "ما من جريمة كاملة في هذا العصر سوى أن يولد الإنسان عربياً."