محللون فرنسيون يتساءلون: لماذا السابع من أكتوبر وماذا بعده؟
التاريخ: 
13/10/2023
المؤلف: 

إعداد ماهر الشريف

تقديم:

استأثرت عملية المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، والرد الإسرائيلي عليها، باهتمام كبير لدى وسائل الإعلام الفرنسية، ولدى عدد من المحللين والصحافيين الذين توقفوا عند خلفياتها وحاولوا استشراف منحى تطوّر الأحداث في المستقبل في المنطقة وعلى مستوى القضية الفلسطينية.

وفيما يلي ننشر بعض مواقف هؤلاء المحللين والصحافيين كما عرضوها، من دون أن يعني ذلك، بالطيع، تبني موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية لها.

"إسرائيل وفلسطين: الدبلوماسية أمام مأزق وتشققات"[1]    

تحت هذا العنوان، حلّل بنجامان كونيغ في صحيفة "الأومانتيه"، في 10 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، مداولات الجلسة التي عقدها مجلس الأمن في 8 تشرين الأول/أكتوبر الجاري لمناقشة الأحداث الجارية، فكتب:

"الكتلة الغربية تدعم إسرائيل بصورة كاملة. ومن جانبه، يبدو "الجنوب العالمي" عازفاً إلى حد ما عن أن يتبع، بصورة عمياء، استراتيجية أثبتت فشلها ليس فقط في فلسطين. فبعد أزمة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، أصبح الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بمثابة مؤشر جديد على الانقسامات الدبلوماسية العالمية. إن إطلاق عملية “طوفان الأقصى” والرد الإسرائيلي عليها يكشفان هذه الانقسامات، بعد مرور ثلاثين عاماً على توقيع اتفاقيات أوسلو، التي رفضها اليمين الإسرائيلي المتطرف ورفضتها حركة "حماس".

فيوم الأحد في 8 أكتوبر/تشرين الأول، وخلال الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي ترأسه البرازيل حالياً، والذي يضم خمسة عشر عضواً، لم ترغب أي دولة في إصدار بيان مشترك، ولم يرغب العديد من الدول في إدانة الهجوم على إسرائيل من دون قيد أو شرط، وذلك على الرغم من دعوة الولايات المتحدة إلى انتقاد "الأعمال الإرهابية الشنيعة التي ارتكبتها حركة حماس ضد الشعب الإسرائيلي وحكومته". كما حث جلعاد إردان، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، أعضاء المجلس: "على إدانة جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس بشكل لا لبس فيه". وإذا كان نظيره الأميركي روبرت وود قد استهدف روسيا صراحة، فإن الأخيرة ليست الدولة الوحيدة التي لا ترغب في التوافق مع المواقف الغربية، بل رفضت تركيا والبرازيل ومصر والمملكة العربية السعودية والمغرب، لأسباب مختلفة، الانحياز إلى أحد الجانبين، بينما دعت إلى وقف التصعيد. وقال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إنه وزع "رسالة تدعو إلى الوقف الفوري للمعارك، ووقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات هادفة". أما الصين، التي انتقدتها الولايات المتحدة أيضاً، فقد حثت وزارة خارجيتها "الأطراف المعنية على ممارسة ضبط النفس وإنهاء الأعمال العدائية على الفور لحماية المدنيين"، مذكّرة بأنه "على المجتمع الدولي أن يكثف مساهمته في القضية الفلسطينية"...أما البرازيل، فقد "كان موقفها أكثر مصداقية (من روسيا أو الصين أو الغرب)، إذ هي دعمت الكفاح الفلسطيني، لكنها أدانت قتل المدنيين الإسرائيليين".

"الاستبعاد المستحيل للقضية الفلسطينية"[2]

تحت هذا العنوان نشر الصحافي في صحيفة "لوموند"، بنجامان بارت، المختص بالشرق الأوسط وبالقضية الفلسطينية، مقالاً في 10 الشهر الجاري جاء فيه:

"إن الهجوم الذي شنته "حماس" على إسرائيل يوم السبت 7 تشرين الأول/أكتوبر يسلط الضوء على المسؤولية الجسيمة التي يتحملها أولئك الذين راهنوا على ظهور "شرق أوسط جديد"، تُبعد فيه فلسطين إلى الخلفية...

فمن خلال اتخاذ خطوة الاعتراف بإسرائيل في صيف سنة 2020، دفنت الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وأعقبتهما المغرب، في الواقع، "خطة عبد الله" التي صاغها ولي العهد السعودي، والتي اشترطت إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة اليهودية في مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها سنة 1967 (الضفة الغربية، قطاع غزة، هضبة الجولان). لقد حُرمت منظمة التحرير الفلسطينية القديمة بذلك من حقها في الاعتراض على التقارب الإسرائيلي العربي، وهو ما مثّل أحد عوامل قوتها النادرة على طاولة المفاوضات.

وهكذا، بدا أن عصراً جديداً، ما بعد فلسطين، راح يبزغ في الشرق الأوسط، ويمكننا تحديد تاريخ ميلاده في 27 آذار/مارس 2022. ففي ذلك اليوم، جمع يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، في سدي بوكر، على بعد 50 كيلومتراً إلى الجنوب من بئر السبع، نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، ورؤساء الدبلوماسية  في أربع دول عربية (مصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب) للحديث عن إيران والبعبع الإقليمي والحرب في أوكرانيا وبصورة محدودة جداً عن الفلسطينيين...بدت تلك القمة وكأنها حدث محوري، ولحظة تحوّل بين عالمين، ثم عززت اللقاءات السعودية الأميركية التي جرت في الأشهر الأخيرة، بهدف تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، هذا الانطباع. لقد قيل إن فلسطين أصبحت شيئاً من الماضي، وبدا أن سكانها محكوم عليهم بالخروج من الشاشة، وأن يصبحوا غير ذي صلة بالأمر. هذا الوهم هو الذي تحطم يوم السبت في7 تشرين الأول/أكتوبر، في الغارة التي شنتها قوات كوماندوز حماس على جنوب إسرائيل، وشهدت قصفاً وتفجيرات وعمليات خطف، بحيث بدا أن "الشرق الأوسط الجديد" مشابه إلى حد كبير، للأسف، للشرق الأوسط القديم...

بعد كل حرب من الحروب الأربع التي دمرت الشريط الرملي (2008-2009، 2012، 2014 و2021)، رفعت إسرائيل الغطاء قليلاً عن مرجل غزة. تم توزيع بعض التصاريح على العمال للذهاب للعمل في إسرائيل، وتم منح بعض تراخيص التصدير لآخر رجال الأعمال الذين ما زالوا نشطين. ولكن في كل مرة كان يُعاد وضع الغطاء مرة أخرى [على المرجل]، ويبدأ دق الآلة الجهنمية من جديد؛ وفي السابع من تشرين الأول/أكتوبر الكارثي، انفجر المرجل أخيراً...

مثل قنبلة يدوية نُزع صمام أمانها، تعود القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد. وأولئك الذين توقعوا تراجعها يتحملون مسؤولية ثقيلة عن مذبحة السابع والثامن من أكتوبر، وعن حمامات الدم التي تلتها. وبينما تنشر إسرائيل ترسانتها العقابية، قد يعم الغضب شوارع بلدان المغرب العربي وبلاد الشام، وبصورة أكثر تأكيداً، سينتشر على هذه المواقع المعولمة التي تمثلها الشبكات الاجتماعية. وهذا من شأنه أن يكون دليلاً ثانياً على أن القضية الفلسطينية تظل عنصراً بنيوياً للهوية العربية.

ومن المحتمل أن ينتهي الأمر بإعادة حبس شيطان غزة في صندوقه، مع وجود بعض الأشرار الخطيرين. لكن القضية الفلسطينية لن تتوقف أبداً عن الظهور على السطح. يحب المثقف الفلسطيني إلياس صنبر أن يقول إن والده قال له عشية وفاته سنة 1967: "لا تخف، لا تخف أبداً، نحن مثل شوكة في حلق العالم، لن يكون أحد قادراً على ابتلاعنا".

"القضاء على حماس؟ إسرائيل تواجه تحديات العملية البرية في غزة"[3]

تحت هذا العنوان، توقف المحلل في "راديو فرانس" أمام احتمالات قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية واسعة في قطاع غزة، فكتب:

"يقصف الجيش الإسرائيلي غزة، ويفرض حصاراً على القطاع، ويستدعي مئات الآلاف من جنود الاحتياط؛ الهدف هو: القضاء على "حماس"...لكن هل الهدف السياسي، وهو القضاء على الحركة "الإرهابية"، قابل للتحقيق؟

إنه يطرح أسئلة كثيرة على القادة الإسرائيليين الذين ليس أمامهم إلا خيارات سيئة.

الأول يتعلق بالتكلفة البشرية للعملية البرية: ففي ظل الكثافة البشرية والحضرية لقطاع غزة، الذي يسكنه مليونا نسمة، سيكون هناك بلا شك عدد كبير من الضحايا من الجانبين. "حماس" تنتظر الإسرائيليين في كل زقاق، وفي كل نفق، وفي كل قبو؛ ألن يكون هذا الثمن مرتفعاً جداً؟

لا شك أن التفوق العسكري الإسرائيلي سيسمح بتدمير جزء كبير من البنية التحتية لـ "حماس": ورش إنتاج الصواريخ التي تمطر إسرائيل بانتظام، والأنفاق المؤدية إلى مصر أو إلى إسرائيل والتي تتواصل من خلالها حماس مع العالم الخارجي، أو مخزون الأسلحة والذخيرة الذي تمتلكه الجماعة. أما الأمر الأكثر تعقيداً فهو إلقاء القبض على قادة الحركة...

كل هذا يتوقف على ما نعنيه بالقضاء على "حماس"؛ ففي عدة مناسبات في الماضي، تمكنت إسرائيل من قطع رؤوس الجماعات "الإرهابية" من دون أن تنجح في القضاء عليها.

الخطر ذو شقين في غزة. فمن ناحية، الثمن باهظ للغاية، سواء بالنسبة للجيش الإسرائيلي أو بالنسبة للسكان المدنيين الفلسطينيين، وهي نتيجة لن تكون حاسمة بالتأكيد؛ ومن ناحية أخرى، فإن الانتصار في غزة من شأنه أن يطرح مشاكل أخرى.

ماذا سنفعل بغزة بعد القضاء على "حماس"، ولو بشكل مؤقت؟ لقد مرت إسرائيل بالفعل بتجربة احتلال المنطقة، وليس لديها ذكريات جيدة عنها. إن الاحتلال الجديد ليس بالتأكيد ما يريده الجيش. لكن هل يمكننا أن نترك مليوني شخص خلفنا؟ وهذا ينطوي على مخاطرة بإخراج ما هو أسوأ من "حماس" من وجهة نظر إسرائيل.

في سنة 1957، رأى ديفيد بن غوريون، مؤسس الدولة العبرية، كما جاء في مذكرات السفير الفرنسي السابق لدى إسرائيل، آلان بييريه، أن "قطاع غزة يمثل مصيبة لأي نظام، مهما كان، سواء كان نظاماً إسرائيلياً، أو نظاماً إسرائيلياً مرتبطاً بالأمم المتحدة، أو نظاماً أممياً من دون إسرائيل”. كان ذلك قبل 66 عاماً، فهل الأمر مختلف حقاً؟".

"حرب إسرائيل-غزة: نحو منعطف في المنطقة؟"[4]

تحت هذا العنوان، استطلعت الصحافية جوهانا بوكيه في راديو وتلفزيون بلجيكا باللغة الفرنسية، في 11 الشهر الجاري، آراء عدد من الباحثين المختصين بشؤون الشرق الأوسط؛ فرداً عن سؤال عما إذا كانت الأحداث الجارية منذ السابع من أكتوبر تعني نهاية تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، أجاب ديدييه لوروا، الباحث في "المدرسة العسكرية الملكية": "إن توقيع "اتفاقيات إبراهام"، سنة 2020، أطلق عمليات التطبيع بين الدولة العبرية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان. لبعض الوقت، برز السؤال حول من ستكون الدولة العربية التالية التي تقترب من إسرائيل، ولم يكن التالي في القائمة سوى المملكة العربية السعودية. وقبل بضعة أسابيع، أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على قناة فوكس نيوز أن السعودية وإسرائيل تقتربان كل يوم من تطبيع العلاقات بينهما، ولا بد من القول إن الهدف الأساسي للمملكة العربية السعودية هو تحقيق استراتيجيتها لسنة 2030 لضمان التحول الاقتصادي للمملكة. ولهذا السبب، صرّح الأمير: نحتاج إلى شرق أوسط ينعم بالسلام قدر الإمكان ويمكنه جذب المستثمرين الأجانب"،

ولكن هجوم "حماس"، الذي شوّه سمعتها على الصعيد الدولي، تسبب على الأقل في تباطؤ دينامية التقارب بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وفي الحد الأقصى تسبب في شللها، بحيث سيكون الأمر الآن أكثر تعقيداً بالنسبة للمملكة السعودية لمواصلة مفاوضاتها مع الدولة اليهودية، وقد زادت التكلفة السياسية لمثل هذا التقارب أكثر من اللازم...

ويعلّق الأستاذ الفخري في معهد العلوم السياسية في باريس برتران باري على هذا الموضوع، فيقول: "في رأيي، كانت لعبة اتفاقات أبراهام لعبة خطيرة، بل ومنحرفة، لأنها كانت لعبة تتمثل قواعدها في إنكار القضية الفلسطينية ووضعها تحت الطاولة... ومن وجهة نظر معينة، فإن ما فعلته "حماس" بطريقة رهيبة هو تذكيرنا بأن المشكلة الفلسطينية لا تزال قائمة". وفي رده عن سؤال عما إذا كانت المواجهة ستتوسع وأن تشهد مشاركة "حزب الله" فيها، أجاب برتران باري نفسه: "في الوقت الحالي، يظل "حزب الله" حذراً إلى حد ما، إذ ليس لديه مصلحة في الاندفاع إلى النار، وذلك لسبب وجيه، هو أن لبنان يغرق في أزمة اقتصادية خطيرة؛ إن دفع البلاد إلى حرب مع إسرائيل علاوة على ذلك يبدو مكلفاً للغاية، وقد لا يغفر الشعب اللبناني للجماعة المسلحة هذا الأمر. وفي قلب الأزمة السياسية اللبنانية، يعتمد حزب الله بصورة أساسية على اندماجه في اللعبة السياسية اللبنانية، وربما، غداً، على استيلائه الكلي أو الجزئي على السلطة في بيروت. وبالتالي، فإنه بدخوله بقوة، وبشكل مباشر أكثر من اللازم، في المواجهة مع إسرائيل سيخاطر بتأخير وحتى تدمير خططه.

لكن مهما كان موقف "حزب الله"، فإن برتران بادي، يعتبر أن هجوم حماس سيكون له انعكاسات على إعادة هيكلة الإقليم، ولبنان سيتأثر بالضرورة بإعادة التركيب هذه".

وبشأن خطر اشتعال الضفة الغربية، يجيب ديدييه لوروا: "إن ما يمكن أن يغيّر الوضع، وما يراقبه "حزب الله" عن كثب، هو كيفية رد فعل الضفة الغربية على الرد الإسرائيلي، وكذلك، وبشكل عام، طريقة تفاعل الرأي العام في الدول العربية... هناك سيناريوهان يمكن أن يتبلورا: الأول هو أن تتمكن الشرطة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية من الحفاظ على الهدوء في شوارع جنين أو طولكرم أو حتى رام الله: في هذه الحالة، سيكون من الخطير بالنسبة لجهة فاعلة مثل "حزب الله" أن تقفز إلى المعركة وتخاطر برد فعل إسرائيلي من شأنه أن يدمر لبنان؛ أما السيناريو الثاني، فيتمثل في اتباع الدعوة لبدء الانتفاضة الثالثة التي أطلقتها "حماس" بشكل واضح للغاية في بداية العملية؛ فإذا شهدنا انتفاضة مناهضة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وموجة من العنف السياسي في المدن المختلطة من شأنها أن تؤدي إلى استقطاب قوي للغاية لمدن معينة في إسرائيل، عندها  ستكون إسرائيل أكثر ضعفاً، وقد يكون في هذا فرصة لحزب الله".

 

[1] https://www.humanite.fr/monde/attaque-du-hamas/israel-palestine-pour-la-diplomatie-une-impasse-et-des-fractures

[2] https://www.lemonde.fr/idees/article/2023/10/10/l-impossible-refoulement-de-la-question-palestinienne_6193549_3232.html

[3] https://www.radiofrance.fr/franceinter/podcasts/geopolitique/geopolitique-du-mardi-10-octobre-2023-5498231

 [4] https://www.rtbf.be/article/guerre-israel-gaza-vers-un-tournant-dans-la-region-11269539