إزالة الغموض عن الاستخدامات في مسألة المرأة
التاريخ: 
02/10/2023

استحوذت النساء على الاهتمام الوحيد في جدول أعمال المؤتمر "العلمي" الدَعوي الذي عُقد في غزة في أوائل أيلول/سبتمبر الجاري تحت شعار (المكائد الدولية لهدم الأسرة المسلمة). شاركت في المؤتمر مؤسسات دينية وسياسية من أعلى المستويات، في إشارة إلى وضع مهمة السيطرة على النساء في مركز الأهمية. في فلسطين المحتلة، يتكرر التصدي لمحاولة إزالة الغبن والتمييز الظالم الذي تتعرض له النساء الفلسطينيات، وغالباً ما يتم رفض أي مشاركة فلسطينية مع منظمات حقوقية وإنسانية، ومع اتفاقيات عالمية للعمل من أجل الحقوق الأساسية المشروعة للنساء. يأتي الرفض والاعتراض من القوى المحافظة والمتعصبة على خلفية دينية، والتي ترفض منظومة القوانين العالمية المتقدمة المناهضة للتمييز والغبن، على الرغم من أنها، مبدئياً، لا تتناقض مع مصلحة الشعب الفلسطيني في التحرر الوطني وفي التحرر الاجتماعي على حد سواء. التقاء المصالح ومنظومة القوانين وأشكال التضامن والتعاون من أجل تطبيقها، يتعارض مع أجندات لها مصالح سياسية تتجاهل التحرر من الاحتلال، حيث لا يمكن فصل دعم إزالة التمييز ضد النساء ودعم تطور المجتمع المدني، وفي الوقت نفسه، التهاون في دعم إنهاء الاحتلال الاستعماري ودعم تحرُّر الشعب من براثن الأبارتهايد الذي يشكل العائق الأكبر أمام تطوّره، بل يلاحظ تواطؤ أجندات سياسية للداعمين مع عمليات تثبيت الاحتلال والاستيطان الاستعماريين.

 لا يمكن دعم العدالة لنصف المجتمع، وفي الوقت نفسه، التواطؤ مع نفي العدالة عن كل الشعب الفلسطيني والتنكر لحقه المشروع في تقرير مصيره، فضلاً عن وجود بنود فرعية وتفاصيل لا تتوافق مع الثقافة الدينية السائدة، من وجهة نظر الأحزاب والمؤسسات الدينية. إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقات جنيف وبروتوكولاتها، واتفاقية عدم تقادُم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، واتفاقية سيداو لإزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، وغيرها من الاتفاقات، هي أسلحة في غاية الأهمية، يمكن للشعب الفلسطيني الاستقواء بها واستخدامها في مواجهة عملية التهديد الوجودي التي تتضمن الإقصاء والتطهير العرقي  وتفكيك بنية المجتمع وعزل مكوناته عن بعضها البعض، ونهب الأرض والموارد، والقمع والتمييز العنصري والتنكر للحقوق الوطنية والمدنية لعموم الشعب.

 كما أن الاتفاقات الخاصة بالمرأة والطفل تستجيب في الجوهر لقيم العدالة والمساواة حين تدعو بنودها إلى الالتزام بحقوق المرأة في العمل والأجر المتساوي للعمل المتساوي، والحق في الانتخاب والترشح لكل المراكز السياسية والمهنية والمشاركة في القرارات، والمساواة أمام القانون، والحق في الحماية من العنف، والحق في التعليم والرعاية الصحية وإجازات الأمومة، والحق في الملكية والإرث، والحق في الحصول على الجنسية ومنح جنسية الأم للأبناء والزوج. والحق في المشاركة في الولاية، والحق في السفر واستصدار الأوراق الثبوتية لها ولأبنائها، والحق المشترك في قبول أو رفض الزواج - ضمن السن القانونية (18 سنة) - والحق في الانفصال عند الفشل، وحرية السكن والإقامة. باختصار، لا يوجد تناقُض بين البنود الأساسية في الاتفاقات المذكورة وبين المبادئ التي طرحتها وثيقة إعلان الاستقلال المعتمدة من المجلس الوطني في دورة الانتفاضة سنة 1988. السؤال، لماذا يتم تجاهُل الجوهر والمضمون وتضخيم الاختلافات الجزئية واعتمادها كسبب لرفض الاتفاقات ومناصبتها العداء وإعلان الحرب عليها؟

 يجوز القول إن المحرضين لم يقرأوا الاتفاقات بتمحيص ورويّة، وتسرّعوا في اتخاذ مواقف عدمية، وحولوها إلى قضية رأي عام، مستخدمين خطاب التهييج الشعبوي. مخالفين بذلك "مواقف 189 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة وقّعت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة."[1]  ويجوز القول إن المؤتمِرين الذين يشكلون جزءاً أساسياً من السلطة الذكورية الأبوية، يرفضون انعتاق نصف المجتمع وتحرُّره من سطوتهم، ويرفضون المساواة والعدالة، ويُمعنون في ذلك باستخدام التعصب الديني. لذلك، نجدهم يقاومون إزالة التمييز ضد النساء. وقد عارضوا كل محاولة للتحرر، باستخدام المنابر الدينية والاحتجاجات والبيانات التي تضمنت أشكالاً من التهديد والتخويف والتكفير، ورفضوا وجود أكثر من رأي، ولم يستخدموا الأسلوب الديمقراطي من خلال تقديم الحجج واحترام الحق في الاختلاف، وفي التعدد الثقافي، والأهم أنهم لم يحتكموا إلى مصلحة المجتمع وحاجته إلى التجديد، في ضوء التطور المادي والاجتماعي الواسعين.

مناهضة التحرر الاجتماعي لا تقتصر على الاتجاهات الدينية المحافظة الملتزمة بالمدرسة الدينية المتزمتة والمنغلقة أمام المراجعات التي تدور رحاها في العديد من الدول العربية. تتشارك السلطة الفلسطينية التي تملك القرار وتستطيع، افتراضياً، دعم التجديد والتطوير، ولا سيما أنها وقّعت المعاهدات والاتفاقات السابقة الذكر، وبصورة خاصة اتفاقية سيداو، بلا تحفّظات. لكن السلطة لا تدافع عن موقفها أمام أي معارضة إلا شكلياً، وتستجيب للضغوط الداخلية بسرعة. وعملياً، تتبنى موقفاً مزدوجاً؛ فتتبنى موقفاً خارجياً لإرضاء الدول المانحة، وموقفاً داخلياً لإرضاء القوى الرجعية في المجتمع.

لم تنشر السلطة اتفاقية سيداو في الجريدة الرسمية، ولم تشرح بنودها في وسائل الإعلام الرسمية، وفي الوقت نفسه، يقدم بعض مرجعياتها وعوداً قاطعة بعدم تمرير كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية من دون تحديد التعارض. يقول قاضي القضاة محمود الهباش: حتى لو وقّعت دولة فلسطين اتفاقية سيداو... فالشريعة الإسلامية فوق القانون، وفوق المعاهدات والاتفاقات.[2]  وعندما تقول القراءة الدينية المتزمتة المتغلغلة في المؤسسة الرسمية وغير الرسمية وفي المجتمع، إن الاتفاقية متناقضة مع الشريعة بالكامل، يصبح توقيعها بلا معنى.

صحيح أن السلطة استجابت لضغوط نسوية بادر إليها الائتلاف النسوي للعدالة والمساواة –إرادة –ومنظمات نسوية ومجتمعية وإعلاميات وإعلاميون، وقامت بتغيير بعض القوانين المجحفة بحقوق المرأة، كإلغاء قانون العذر المخفف الذي يمنحه قانون العقوبات لمرتكبي جرائم قتل النساء على خلفية ما يسمى "جرائم الشرف"، وكان يؤدي إلى الإفراج عن القتلة، وكأنه يكافئهم على جريمتهم. ولكن للأسف، يجرى الالتفاف على هذا القانون الجديد الذي يتعامل مع القتل كجريمة، من خلال العفو العشائري والعائلي. وحدث تطوُّر قانوني آخر هو قانون رفع سن الزواج إلى 18 سنة للحيلولة دون زواج الطفلات والفتيات القاصرات. لكن تضمين القانون "استثناءات" تجعله قابلاً للخرق والاستثناء، وهو ما جعل التطور غير ناجز. وصدر قانون يسمح للنساء باستصدار جوازات سفر لأبنائهن الذكور والإناث، ويسمح بفتح حسابات بنكية لهم، ونقلهم من مدرسة إلى أُخرى. هذه التغييرات الجزئية لم ترقَ إلى تغيير قانونيْ الأحوال الشخصية والعقوبات اللذين يكرسان السلطة الذكورية، ويجسدان التمييز ضد نصف المجتمع، قانونان يعودان إلى ستينيات القرن العشرين، وما زالا ساريَيْ المفعول في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى يومنا هذا، على الرغم من تغييرهما في بلديْ المنشأ، الأردن ومصر.

يتنازع قضايا المرأة اتجاهان داخل المجتمع؛ اتجاه محافظ له قاعدة اجتماعية وتنظيمية ويملك ثقافة-أفكار وتقاليد وعادات-وأيديولوجية دينية، ويجسّد في محصلته الأخيرة سلطة ذكورية مهيمنة عابرة للسلطتين في الضفة وغزة، وللتنظيمات من كل ألوان الطيف السياسي، وله قاعدة داخل العشائر والعائلات، وفي المؤسسات الدينية ومؤسسات التعليم والإعلام ووسط الجمهور، وبصورة خاصة وسط جمهور النساء. يساهم هذا الاتجاه في صوغ وضع النساء والتفرقة بينهن وبين الذكور، ويفرض علاقات سيطرة ذكورية بموافقة النساء. يقول عالم الاجتماع بورديو: إن قوة النظام الذكوري تكمن في كونه غني عن التبرير، والاستغناء عن الكثير من التبرير ناتج من العنف الرمزي المرتبط بالهيمنة الذكورية، عنف هادئ غير مرئي يجعل المهيمِن والمهيمَن عليه يشتركان معاً في اللغة نفسها، وفي المقولات التصنيفية نفسها، ويجعل المُهيمَن عليه يرتاح إلى قيده وينجذب اليه، وكأنه واقع تحت مفعول السحر."[3]

الاتجاه الثاني علماني يساري، يطرح التحرر والمساواة والعدالة، ولكن من دون امتلاك فكر تحرّري اجتماعي، وتحديداً من دون فكر نسوي، وتحصيل حاصل، افتقد هذا الاتجاه رؤية اجتماعية منسجمة مع الحريات الفردية والعامة، والتي تطرح مساواة في الحقوق. المنظمات النسوية في مرحلة صعود اليسار "ركزت على الحاجات العملية للنساء، فساهمت في فتح مشاغل ورياض أطفال"، وشجعت صناعات منزلية، واستقطبت أعداداً كبيرة من النساء، لكنها لم تطرح عليهن مهمات تعزز حريتهن وحقوقهن، وترفع الظلم، وتحقق أشكالاً من المساواة. صحيح أن عمل النساء ومشاركتهن في النضال ضد الاحتلال، عبر التنظيمات السياسية والمنظمات النسوية، ودخولهن في حقل التعليم الجامعي بأعداد كبيرة، يضع أساساً مادياً ضرورياً للتحرر الاجتماعي، وفي الواقع، وبالتجربة، ثبت أنه من السهل تحييد تلك العوامل، في غياب وعي وثقافة التحرر.  وعندما يغيب الوعي الاجتماعي التحرري لدى الكادر النسوي الأول والوسيط، وقد غاب فعلاً، يكون من السهل خضوع قواعد المنظمات النسوية لتقاليد الهيمنة الذكورية، وقد خضعت فعلاً. في مرحلة الصعود النسوي، لم تتجاوز الروابط بين نساء المدن والقرى والمخيمات مستويات من الأنشطة والمشاركة في التظاهرات والمهمات النضالية ضد الاحتلال، هي الروابط التي أسستها التنظيمات السياسية، وكانت محصورة في التحرر الوطني. فشلت التنظيمات اليسارية، التي بادرت إلى تكوين ودعم المنظمات النسوية، في ربط النضال الوطني بالنضال الاجتماعي من خلال سياسات ومهمات محددة.

 إن أيّ تدقيق في الفكر السياسي الاجتماعي المنتج- الأدبيات والكتب والدراسات ومنشورات المنابر الإعلامية، سيجد القليل من النقد المتناثر في أوراق وتقارير تستعرض الحقوق والمطالب، وتشير إلى الظلم، من دون أن يرقى العرض إلى سياسة يتم البناء فوقها، والأهم من دون أن تصل إلى الفئة المستهدفة. يجوز القول إن القيادة النسوية لا تملك فكراً نسوياً تحررياً، ولم تحرص على امتلاك الفكر المنتج من مفكرات تونسيات ومصريات ومغربيات وعالميات، ونقاشه وتعميمه ومحاولة محاكاته. حذت القيادة النسوية حذو القيادة السياسية الوطنية واليسارية بتغليب الوطني وتهميش الاجتماعي. لتكون النتيجة بعد السنة الأولى من الانتفاضة الشعبية الكبرى (87- 93)، تماهي القاعدة النسوية والتنظيمية مع الفكر اليميني الديني السائد، وتماهي قيادات وكوادر نسوية على أعلى المستويات مع الفكر اليميني المحافظ، وفي أحسن الأحوال، جرى الخلط بين النسويات التحرريات والنساء المحافظات في حقول الفكر والممارسة، وحدث مستوى من التعايش بينهما في ظل سيطرة الاتجاه المحافظ على المجتمع.

بعد اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة، حدثت تحولات كبيرة، أبرزها: انتقال مركز الاهتمام من المنظمات النسوية التابعة للتنظيمات السياسية إلى منظمات نسوية غير حكومية من جهة، وتحوّل منظمات نسوية تابعة لأحزاب إلى منظمات غير حكومية، استناداً إلى استئثار مسؤوليها في مواجهة إرادة الأحزاب. و"التحاق قيادات في الحركة النسوية التاريخية، وتحديداً من فتح، كوفد في وزارة شؤون المرأة التي قدمت الاستراتيجيات المرتبطة ببناء الدولة والآلية الوطنية لدمج وتعميم النوع الاجتماعي، والتي ركزت على التدريب المهني والتقني للشابات ووصول المرأة إلى مراكز صُنع القرار ومحاربة العنف ضد النساء."[4]  وانتقل الدعم الخارجي الموجِّه للمنظمات النسوية إلى السلطة والمنظمات غير الحكومية، والمترافق مع عجز التنظيمات السياسية عن مواصلة الدعم المالي لمنظماتها النسوية، وهو ما أدى إلى إضعاف الأخيرة وتراجُع مشاريعها نوعياً، وبصورة خاصة بعد انتقال كادر عدد من المنظمات من المستوى الأول للعمل في مؤسسات السلطة.

تصدّرت المشهد وزارة شؤون المرأة ومنظمات نسوية غير حكومية بدعم من المانحين، وأوضحت تجربة البرلمان الصوري مستوى التحول في قضايا المرأة لمصلحة القوى المحافظة، ظهر التنازع بين رؤية ليبرالية نسوية ممولة بغطاء سياسي من السلطة، وتحديداً من داخل المجلس التشريعي المنتخب في سنة 1996، لكنها سرعان ما رُفضت وهُزمت من جانب الاتجاهات المحافظة في المجتمع والتنظيمات السياسية، حدث ذلك في وقت غاب صوت المنظمات النسوية وصوت تنظيمات اليسار التي أخفقت في التدخل بموقف يلبّي مصالح النساء، ويدعم التحرر الاجتماعي على أرض الواقع. توزّع موقف المنظمات النسوية وتنظيمات اليسار بين الاتجاهين المذكورين، كتعبير عن الخلل البنيوي الفكري التاريخي في المسألة الاجتماعية.

بعد ذلك، طرحت وزارة شؤون المرأة مشاريع واستراتيجيات بناء الدولة، وبرامج تدريب وتمكين النساء، والكوتا النسوية، والمشاركة في مركز القرار، والديمقراطية ومناهضة العنف ضد النساء. وكلها بتنسيق مع المانحين ومتفقة مع أجنداتهم وأولوياتهم، وقد جرى تقديمها بشكل فوقي بيروقراطي منعزل عن القاعدة الجماهيرية العريضة للنساء والقوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير. على سبيل المثال، جرى تطبيق الكوتا النسوية شكلياً، من دون إشراك فعليّ للنساء، باستثناء حالات قليلة، وفي معظم الحالات، تعززت السيطرة الذكورية وثقافتها الأبوية بالكوتا النسوية. كانت المنظمات النسوية والمهنية الأُخرى غير الحكومية أكثر انسجاماً في طرح قضايا النساء المتلائمة مع أجندات المانحين. لكن الطرفين المذكورين انعزلا عن الأجسام التي لها مصلحة في التغيير. وتركز دورهما على العمل الدعوي الخارجي "المنعزل عن التعبئة والتنظيم الجماهيري الداخلي الهادف إلى تحقيق تغيير اجتماعي لمصلحة النساء.

شعارات وأهداف المانحين المضمنة في أجنداتهم، كسياسات التنمية، والحكم الرشيد، وإصلاح قوانين الأسرة والمساواة، ومناهضة العنف، لا تتناقض مع حاجة المجتمعات إلى التغيير، لكنها تتلاشى في التطبيق والممارسة. حيث تقتصر على نخبة منفصلة عن القاعدة العريضة، نسويات يشاركن في الندوات والمؤتمرات الدولية ويعرضن معاناة النساء من خلال تجاربهن الخاصة، وبمعزل عن إشراك النساء. وفي المحصلة، تحجز المنظمات غير الحكومية المحلية مقعداً في الشبكات الدولية، وتحصل على شرعية تمثيل النساء والنطق باسمهن. لا شك في أن هناك فوائد من نوع تلقّي عدد من النساء تدريباً مهنياً، ودعم مشاريع خاصة فردية لا ترقى إلى تعاونيات، ولا تتجاوز الفئات المستفيدة حدود عينات قليلة جداً. العنصر الأهم هو تقديم وعي بحقوق النساء، وخاصة في مجال الأحوال الشخصية ومنظومة القوانين، وفي مجال الحق في العمل والمشاركة في الانتخابات، والصحة الإنجابية. ومن المشكوك فيه وصول هذا النوع من الوعي إلى الفئات العريضة من النساء في غياب الصلة الفاعلة بين المنظمات والنساء على الأرض، وفي غياب وسائل الإعلام والمنابر الخاصة بالنساء، حتى مواقع الإنترنت الخاصة بالمنظمات فهي محدودة التفاعل والانتشار، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي تحتفظ بطابع فردي. حيث لا يتم توطين ما هو في مصلحة النساء في غياب فكر ورؤى تحررية. اعتمد العديد من المنظمات خصخصة النضال النسوي، عبر نسويات يملكن اللغة والمهارات، وأيضاً امتيازات، ويبقين على رأس عملهن إلى ما لا نهاية، وفي أحسن الأحوال، يتوفر طاقم محدود متفرغ، وقد أصبح "دفع الأجر هو القاعدة، على حساب اختفاء الناشطين والمتطوعين، لنكون أمام "منظمات أقل نشاطاً، وذات توجّه إداري أكثر،"[5]  كما تقول داليا متري في مقال بعنوان "من الفضاء العام إلى المكاتب".

في ميزان القوى بين الاتجاهين، ترجّح كفة الاتجاه المحافظ. وفي فلسطين، البلد الذي يشهد أعلى نسبة تدخّل سياسي واقتصادي وإعلامي في القضايا الاجتماعية. ثمة حاجة إلى استقطاب داعم للتحرر الوطني والاجتماعي، يقوم على فكر ورؤى وسياسات تكشف الاستخدام والتوظيف الخارجي، ويحول دون استدامة الاضطهاد والتمييز من أصحاب الأيديولوجيات المحافظة، ويقطع الطريق أمام التحولات الرجعية، وفي مقدمتها فرض القيود على العقول. ولا أسمى من حرية نصف المجتمع التي تكتمل حرية المجتمع بها.

 

[1]https://www.ohchr.org/ar/treaty-bodies/cedaw

[2]https://www.dooz.ps/p/136210

[3]رجاء بن سلامة/ بنيان الفحولة / أبحاث في المذكر والمؤنث / دار المعرفة للنشر تونس 2006 صفحة 92

[4]إصلاح جاد / الحركة النسوية بعد أوسلو حصاد مر في تمكين الذات وتحرير الوطن / موقع جدلية 24-3-2014.

[5] https://civilsociety-centre.org/article/gender-equity-bulletin-issue-5-september-2015

عن المؤلف: 

مهند عبد الحميد: كاتب وصحافي فلسطيني، رام الله.

انظر