تَعتبر هذه الورقة الشعر الشعبي المغنّى والمرتجل شكلاً من أشكال الصمود والمقاومة الثقافية المتجذرة في تراث الفلسطينيين الثقافي الشفوي، كما أنها وبصورة خاصة، تبحث في أدوار الزجّالة أو الحدّائين أو الشعراء الشعبيين أو البدّاعة (البداعة هن النساء اللواتي أُطلقت عليهن صفة البدّاعة. والبَدْع عند الفلسطينيين يعني قول الشعر مرتجلاً) كوكلاء للصمود الثقافي، والأغاني كأدوات، وحفلات الزفاف كمواقع لصمود ومقاومة الفلسطينيين في إسرائيل الذين عاشوا في ظل الحكم العسكري الإسرائيلي (1948 - 1966).
المقدمة
الشعر الشعبي عند الفلسطينيين هو تقليد حي يعبَّر عنه بالعربية العامية ويتسم بالعفوية. ومع أن الشعر الشعبي الفلسطيني لا يتّبع القواعد النحوية للغة العربية الفصحى، إلّا إن له أعرافه الخاصة.
ستركز هذه الدراسة بصورة أساسية على الشاعرة بدرية يونس (انظر الصورة رقم 1)، والشاعر عوني سبيت (انظر الصورة رقم 2).
ولد عوني سبيت في سنة 1929 في قرية إقرث في الجليل الأعلى قرب الحدود اللبنانية، وتوفي في بلدة الرامة في الجليل في سنة 2008. وإقرث هي قرية فلسطينية عربية مسيحية احتلها الجيش الإسرائيلي في سنة 1948، وأُجلي سكانها إلى قرية فسوطة المجاورة.[1] أمّا بدرية يونس فهي المرأة الفلسطينية الوحيدة المعروفة على نطاق واسع بأنها شاعرة شعبية شاركت في حفلات الزفاف والمناسبات العامة خلال فترة الحكم العسكري. وقد ولدت بدرية في قرية عارة الواقعة في منطقة المثلث في سنة 1915، وتوفيت في سنة 2001. والقرية، كبقية منطقة المثلث، سلّمتها القوات الأردنية في سنة 1949 إلى إسرائيل. وكانت بدرية التي تنحدر من عائلة عريقة في القرية، كفيفة مذ كانت في الرابعة من عمرها، لكنها تعلمت الغناء منذ صغرها وتعلمت تلاوة القرآن والأناشيد الدينية، واشتُهرت بأغنيتها العاطفية "حيِّد عن الجيشِ يا غبيشِ".[2]
في تلك الفترة، تم تقسيم المناطق الفلسطينية إلى ثلاث مناطق رئيسية: الجليل والمثلث والنقب، وكانت كل منطقة من هذه المناطق تُدار بشكل مباشر من طرف حاكمها العسكري الإسرائيلي، وكانت أغلبية الفلسطينيين في إسرائيل تقيم في مناطق ريفية في قرى صغيرة تعتاش على الزراعة، أو من خلال توفير العمالة الرخيصة في الاقتصاد الإسرائيلي.
الشاعرة بدرية يونس
الشاعر عوني سبيت
ركزت أغلبية الأبحاث العلمية المتعلقة بالفلسطينيين في إسرائيل في أثناء الحكم العسكري على الطبيعة الاستعمارية لتلك الفترة وآليات السيطرة التي فرضتها الدولة، أكثر من التركيز على مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التي اعتمدها الفلسطينيون رداً عليها.[3] ومع ذلك، فإن هناك بعض الاستثناءات الملحوظة التي مثلت العلاقة المعقدة على مستويات متعددة بين إسرائيل والأقلية الفلسطينية، وفي هذا السياق تتحدى روبنسون ودلّاشة ثنائية المقاومة / التعاون، وتجادلان بأن الفلسطينيين داخل إسرائيل حافظوا على هويتهم، وتفاوضوا على حقوقهم المدنية والسياسية.[4] ومن خلال التمعن في كتابات الفلسطينيين في إسرائيل خلال فترة الحكم العسكري، وخصوصاً الشعر ودور الثقافة، تحدد مها نصار أن "مقاومتهم لسياسات الدولة والمنطق الصهيوني الذي قامت عليه، هي من ضمن السياق الأوسع للنضالات الفلسطينية والعربية والدولية من أجل إنهاء الاستعمار."[5]
الفلسطينيون تحت الحكم العسكري الإسرائيلي
تشير التقديرات إلى أنه في سنة 1948 بقي ما بين 80,000 و160,000 فلسطيني في إسرائيل مثلوا نحو 10% من السكان الأصليين. لقد تحولوا إلى أقلية داخل وطنهم، وشعروا بالارتباك والعزلة عن بقية الشعب الفلسطيني. وأوضح أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، وهو في الأصل من قرية مسكة [المثلث]، أن "الناس أصيبوا بالفزع والصدمة بعد سنة 1948، وكانوا مرعوبين وسيطر عليهم الخوف وشعروا بالعجز عندما هزمت إسرائيل جميع الدول العربية."[6]
فُرضت قيود على أفراد الأقلية العربية في إسرائيل، وكان يُطلب منهم الحصول على تصريح من الحاكم العسكري الإسرائيلي للسفر من أجل أي غرض خارج حدود القرية. ويتذكر أحد العمال قائلاً: "كنا نذهب إلى المقر العسكري في شفا عمرو لتقديم طلب تصريح عمل، وكان الناس من القرى المجاورة يأتون ويصطفون للسبب نفسه، وكان المئات منا يصطفون معاً. ويحدد التصريح طريق الذهاب إلى العمل والعودة منه."[7]
كانت إسرائيل تقوم بشكل منهجي بنزع الشرعية عن التاريخ والثقافة الفلسطينية، إذ "هدفت سياستها إلى تدمير هوية الفلسطينيين الوطنية وخلق هويات جماعية بديلة منهم" كأقليات مسلمة ومسيحية ودرزية وبدوية. وللسيطرة على الفلسطينيين في إسرائيل، أنشأت الدولة شبكة من المتعاونين والمخبرين الذين عملوا بشكل وثيق مع السلطات العسكرية، كما استولت على الهياكل القيادية التقليدية للفلسطينيين، وعلى نظام التعليم ووسائل الإعلام، وعملت بنظام مراقبة معقد. وتَفاقَم عدم تعزيز قدرة الفلسطينيين تحت الحكم العسكري بسبب ندرة المؤسسات الثقافية ومحدودية قدرة الناس على إنتاج ونشر المعرفة الثقافية، وفي ظل هذه الظروف، أدى الشعر الشعبي والزجل دوراً حاسماً في تعزيز الهوية الوطنية.[8]
يستند هذا البحث إلى 25 مقابلة وجهاً لوجه أُجريت خلال الفترة 2017 – 2019، مع زجّالة فلسطينيين من عدة مناطق في إسرائيل، وكذلك مع أبناء الزجالة المتوفين. وركزت المقابلات بصورة خاصة على بدرية يونس وعوني سبيت لأن هذين الزجّالَين كانا صريحَين بشكل غير عادي بنضالهما ضد الحكم العسكري. وقد راجعنا وثائق الزجّالَين ومذكراتهما وملاحظاتهما، وقمنا بتحليل أغانٍ مسجلة.
في مثل هذه الظروف، يمكن للحياة اليومية للأشخاص الواقعين تحت الاحتلال تفعيل التعاون والتعايش والصمود والمقاومة في آنٍ واحد، ويمكن اعتبار الناس فاعلين تابعين وناشطين. وفي الواقع، يمكن اعتبار عدم التعاون مع أبعاد متعددة للسلطة بمثابة تحديات لتلك السلطة بما يتماشى مع مبادىء المقاومة الشعبية، بل كثيراً ما تكون الفاعلية اليومية متنوعة ودقيقة ومرتبطة بالسياق المحلي. لقد أصبح الصمود خلال هذه الفترة شكلاً بنّاء من أشكال البقاء والتحمل للحفاظ على الثقافة والتاريخ وقيم المجتمع الفلسطيني وحمايتها، وأضحى هذا الصمود إحدى آليات البقاء والتأقلم التي ساعدت في الحفاظ على الإحساس بالحياة الطبيعية والاستقرار، على الرغم من مشقة الحكم العسكري. لذلك، غالباً ما توصف أي أعمال معارضة صغيرة تتعارض مع الهياكل القمعية التي تفرضها إسرائيل في سياق علاقات القوة غير المتكافئة، بأنها أشكال للمقاومة.[9]
إن الشعر الشعبي يمكّننا من فهم آمال الناس ومخاوفهم في فترة تاريخية محددة، وخصوصاً عندما يكون السكان تحت الاحتلال، ولهذا فإن الأغاني الفلسطينية، وبالتأكيد، عكست تاريخ الفلسطينيين ونضالهم. إن غناء الشعر الشعبي الفلسطيني الناقد هو نتيجة "العلاقة بين تراث طويل متأصل وتاريخ طويل من الاحتلال والقهر"،[10] إذ يصبح غناء الشعر والموسيقى في هذا السياق وسيلة للمقاومة الصامدة عندما تكون هوية المحتل وتاريخه تحت التهديد.
ثقافة أداء الشعر الشعبي الفلسطيني
بمرور الوقت، سيجمع الزجّالة والبداعة مخزوناً من الشعر المغنَّى الذي يرتجلونه ويتذكرونه ويعيدون تنظيمه خلال حفل زفاف، وأحياناً تكون الأغاني غامضة عن عمد وتستخدم الاستعارة، الأمر الذي يسمح لها بنقل آراء نقدية خفية مع تجنّب المواجهة، كما أن المعنى المزدوج يوفر طريقاً جيداً لهروب الزجّال في حال تحديه. وعادة ما يتم تناقل غناء الشعر الشعبي عبر الأجيال في الأسرة، مثلما كانت الحال مع عوني سبيت الذي يقول: "كان أول عهدي بالشعر عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، إذ عثرتُ بين أوراق المرحوم والدي على مقطوعات وقصائد، وكانت أمي تحدثني أيضاً أن والدي وجدي كانا من الزجّالين"،[11] ولذلك قرر عوني أن يصبح زجّالاً، وأن يحافظ على هذا التقليد العائلي.
كانت الأوضاع المعيشية صعبة في ظل الحكم العسكري، ولم يتمكن سوى عدد قليل من العائلات من إقامة حفلات الزفاف ودفع المال إلى الزجّال لحضور الحفل. وكانت حفلات الزفاف تقام عادة خلال فصل الصيف، ولذلك كان على الشعراء البحث عن عمل آخر كي يؤمّنوا دخلاً إضافياً. وأوضح خليل ابن عوني سبيت أن والده كان يعمل كعامل في مصنع طوب محلي، لكن حتى وظيفة كهذه كان من الصعب العثور عليها لأن "الاستخبارات الإسرائيلية مارست ضغوطاً على صاحب المصنع لطرد والدي من وظيفته بسبب معارضته الحكم العسكري."[12]
كان التركيز الأساسي في أغانيه على القضايا الاجتماعية والسياسية والتواصل مع الوطن وحب الوطن، فقد كانت قريته مركزية في غنائه، وكان يُعرف باسم "شاعر المهجّرين" داخل إسرائيل. ويصف سبيت في أغنيته "ثأر" كفاحه من أجل البقاء بكل فخر واحترام، ورفضه الخنوع للقمع:[13]
أنا مِن إقرث الأحرار أصلي
المروءة نهدها لبّى خِصالي.
بَرْضى بالفخر لو سمّ أكلي
وما برضى أكل الشَّهد بنذالة
وما أرضى أرتدي ثياب المذلّة
عَ جِسمي إن رَصَّعوها باللَّآلي
هتف سبيت للعمال والفلاحين والنساء والفقراء وغيرهم من الفئات المهمشة، وأغنيته "عاش العمال والفلاحون" التي لا تزال تحظى بشعبية، تعكس منظور العدالة الاجتماعية. وكونه شخصاً قومياً فقد عبّر عن تضامنه مع حركات التحرر الوطني المناهضة للاستعمار، وكذلك رؤيته القائمة على المساواة والاحترام للفلسطينيين واليهود الإسرائيليين. لقد أوضح العلاقة المستقبلية بين المسلمين والمسيحيين واليهود في فلسطين، مستخدماً أغنية لحثّ القادة الإسرائيليين على
التوسُّع اتركوا والعنصرية
وخلّوا أحمد وحاييم وحنّا
بْسِلِم يتعايشوا ما حد بِخسَر[14]
كانت بدرية شجاعة وذكية وعنيدة، واستخدمت نظاماً غذائياً صارماً ومشروبات من أعشاب خاصة لحماية صوتها: "كان لديها حضور قوي ودور قيادي بين الناس من حولها. وكانت تحظى بشعبية كبيرة، وكثيراً ما كان يتم الاتفاق معها قبل وقت طويل لأداء الغناء في حفل الزفاف." غير أن بدرية رفضت الغناء في حفلات زفاف للعائلات التي اشتُبه في تعاونها مع الجيش الإسرائيلي، وهو أمر نادر بالنسبة إلى المرأة في أي مجتمع هرمي تقليدي، ولا سيما شعب يرزح تحت نير الاحتلال، وقد "أعربت صراحة عن رفضها الحكم العسكري من دون خوف، وعبّرت عن وجهات نظرها الوطنية ورؤيتها إلى فلسطين الحرة"،[15] كما كتبت ولحنت أغاني تدعو إلى الوحدة العربية، واشتهرت بأغانيها عن جمال عبد الناصر:[16]
والدِّنيا تْلالي مِن قِبلي وْشَمالي
وِالْعالَم يِهْتِفلَك يا جمال يا غالي
مصر والجزائر تِهتِف عبد الناصر
رَدّ العدُوّ خاسر بنى السَّد الْعالي
العرس مناسبة اجتماعية للتحشيد والمقاومة
استمد الزجّالة من مخزون التراث الثقافي الفلسطيني الألحان الشعبية المتعلقة بحفلات الزفاف، والتي تركز على العديد من جوانب الحياة بما في ذلك الحب والشوق والاحتفال بالعروس والعريس والإشادة بأُسرهم وضيوفهم. وكان الضيوف يُحضرون أكياساً من الأرز والسكر والأغنام لذبحها خلال حفل الزفاف، كما أن بعضهم كان يساهم بالمال كهدية لعائلة العريس. ومن أجل الاحتفال بالزفاف، فإن الناس، وعلى مدى ثلاثة أيام، كانوا يجتمعون ويمضون وقتهم في الغناء والأكل والشرب.
كانت القرى العربية في خمسينيات القرن الماضي صغيرة يبلغ عدد سكان كل منها بضعة آلاف من السكان، ولم يكن لديها مواصلات أو كهرباء أو مياه جارية. وكان الجيران يستضيفون ضيوفاً من خارج القرية طوال فترة الزفاف، ويقدمون الدعم غالباً من خلال توفير أواني الطبخ والأطباق بحيث يمكن تقديم الطعام إلى الضيوف وسكان القرية.
كانت الأعراس عبارة عن تجمعات اجتماعية مسموح بها خلال فترة الحكم العسكري مع وجود القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين. ويُعتبر حفل الزفاف دائماً مناسبة اجتماعية مهمة جداً في حياة المجتمع الفلسطيني، وكان الاحتفال الذي يقام في الساحة الرئيسية (البيدر) في القرية مهماً بصورة خاصة لأنه "لم يكن هناك مقاهٍ أو نوادٍ أو أشكال أُخرى من التجمعات الاجتماعية في القرية."[17]
استخدم عوني سبيت وبدرية يونس حفلات الزفاف للتعبير عن الارتباط بالأرض ومعارضة الحكم العسكري، وعززت أغانيهما التضامن القومي العربي الوحدوي والهوية الوطنية الفلسطينية، بل إنهما على عكس العديد من الزجّالة، رفضا التعاون السافر مع النظام الجديد. وأوضح نجل عوني سبيت ذلك قائلاً: "رفض والدي أن يكون جزءاً من النظام الإسرائيلي، ولم يرغب قط في الغناء أو الثناء على الحاكم العسكري أو القادة العرب المرتبطين بالسلطات الإسرائيلية" (انظر الصورتين رقم 3 و4).[18] وعندما كانت الاحتفالات تجوب شوارع القرية، فإن البداعة كانت تقود النساء، بينما كان الزجّال يقود الرجال الذين كانوا يشيدون بكرم العائلات التي كانوا يمرون ببيوتها، وفي بعض الأحيان كان لديهم الشجاعة لإدانة أولئك الذين تعاونوا مع الحكم العسكري الإسرائيلي.
لقد دفع الزجّالة الذين تحدثوا علناً ضد الحكم العسكري ثمناً باهظاً من خلال منعهم من الحصول على تصاريح السفر، أو على وظيفة، وهي القضية التي سيتم بحثها بمزيد من التفصيل في القسم التالي.
البداعة بدرية يونس من أعلى جهة اليمين خلال عرس في قرية عارة
الزجّال الفلسطيني عوني سبيت من جهة اليمين، في سنة 1965
تحدي الظالم بالحقيقة
كان التباين في القوة بين الفلسطينيين وإسرائيل خلال فترة الحكم العسكري صارخاً، وهو ما انعكس في مشاعر الخوف والعجز بين الفلسطينيين. وكان التعاون مع السلطات ضرورياً في كثير من الأحيان، غير أن قليلين جداً من الناس اختاروا المواجهة. ففي كتاب عوني سبيت "غربة في الوطن"، يروي قصته عن المقاومة في قرية فسوطة في سنة 1950، عندما تمت دعوة كاهن الكنيسة والحاكم العسكري وأهالي القرية إلى الاحتفال بانتهاء العام الدراسي، إذ قام أحد المعلمين، وهو ابن عم سبيت، بإخراج مسرحية يمثلها التلاميذ. وطلب سبيت الذي كان حينذاك قد بلغ 21 عاماً من العمر، بلا خوف، من مدير المدرسة أن يسمح له بالغناء في الحفل، إلّا إن المدير كان متردداً لأنه كان على دراية بآراء الشاب السياسية. وأوضح خليل، نجل سبيت، قائلاً: "والدي قال لمدير المدرسة، إذا لم تدعني أغني، فسأطلب من ابن عمي المعلم عدم التمثيل مع الأطفال وإحداث فوضى." سأل المدير عوني عن النص فأجاب: "أنا أغني بشكل عفوي، إنها أغانٍ شعبية."[19] وبعد موافقة المدير، رحّب سبيت بالأهالي والمعلمين والكاهن وتجاهل الحاكم وطلب من الكاهن أن يخبر الحاكم كيف تم إجلاء أهالي إقرث من منازلهم، وكيف خسروا أراضيهم، وكيف دُمّرت الكنيسة ودُنّس الإنجيل.
وصدح صوت الشاعر الشعبي:[20]
بَقول الحقيقة يا راعي من الشَّنق ما بْهاب
لما كلمتي بَطْلُب حَق بَعَلّيها
وبعد هذا الأداء، اعتُقل سبيت وسُجن ثلاثة أيام، وبُلّغ أنه سيُطرد إلى لبنان، لكن زعيماً مسيحياً محلياً توسط وأقنع السلطات العسكرية بالتراجع عن قرارها.
كتب عِرفان أبو حمد، منتج ومقدم في الإذاعة العربية الإسرائيلية، إلى عوني لدعوته إلى المشاركة في برنامج إذاعي عن الزجل الشعبي للاحتفال بعيد استقلال إسرائيل في سنة 1974، قائلاً: "أود أن أسألك، فهل تتكرم بنظم زجل لهذه المناسبة، أكون شاكراً إذا أعلمتني بحيث أستطيع زيارتكم في الرامة لتسجيل هذا الزجل." غضب عوني من هذه الدعوة والجهل الذي أظهرته، وأجابه:[21]
أخي عرفان، بَبْعَثلك شْعاري
وعن نكبة أمتي زايد مراري
بْرُمحُه المُعتدي بْقَلبي طَعَنّي
رُبِع قَرْن انتهى والدم جاري
ويتابع عوني ليصف معاناة أهل إقرث ورفض الحكومة الإسرائيلية تنفيذ قرار المحكمة العليا بالسماح لهم بالعودة إلى ديارهم: "ما بدي احتفل مع اللي سرق أرضي... ها ياللي بَقُلَّك الحقيقة. يا أخي عرفان خذ الصدق مني.... لجلّادي ضميري ما بَبيعوا... إن أعطوني قصور من أثمن دراري." كان هذا النوع من التعبير البسيط الصريح والمباشر من المقاومة من طرف الزجّالين نادراً.
لقد ابتعد الزجّالون، في معظمهم، عن معارضة الدولة، بل إن بعضهم اختارته السلطات وغنى للحكام وشارك في الاحتفالات الرسمية للدولة. وأوضح أحد الزجّالين أنه من خلال اتخاذ القرار "بعدم القيام بذلك، فإنك تتخذ موقفاً سياسياً، وإذا كنت تنتقد مثل عوني، فإنك تدفع الثمن."[22]
كانت بدرية يونس حالة استثنائية عندما قادت جوقة الغناء ضد الحكم العسكري، كما أن قدرتها على التحدث علانية، وثقتها بنفسها، تدينان كثيراً لموقعها الخاص المعقد كامرأة معاقة من عائلة معروفة. وفي سنة 1961، دعتها دائرة المرأة في الحزب الشيوعي الإسرائيلي إلى لقاء عام في سينما ديانا في الناصرة، احتفاء باستقبال وفد نسائي من الاتحاد السوفياتي، حيث غنت ضد الحكم العسكري والقمع الذي يواجهه مجتمعها.
كانت بدرية امرأة قوية وحازمة ومسيَّسة وذات منظور أممي، وقد عملت على دعم النضال ضد الاستعمار، ومع ذلك، فإن الضغوطات والتحديات التي واجهتها من طرف سلطات الحكم العسكري تميل إلى الاعتدال من خلال التعاطف الذي تثيره إصابتها بالعمى. فقد منحَتْها إعاقتها فهماً للحاجة إلى تحدي الأعراف الاجتماعية، وقدراً معيناً من الحرية للتعبير عن المقاومة. علاوة على ذلك، تعززت ثقة بدرية بالتحدث علانية، كونها درست على يد مدرّسين خاصين، لأن المدارس لم تكن متاحة إلّا لعدد قليل من الفلسطينيين، ولعدد أقل من النساء الفلسطينيات في ذلك الوقت. وهكذا، عندما ظهرت بدرية في سينما ديانا للتعبير عن المقاومة أمام جمهور دولي، تمكنت من إيصال الرسالة التي تريدها، وهو أمر لم يكن متاحاً لبدّاعات أُخريات، كُنّ أُميات.
الوطنية الفلسطينية ومناهضة الاستعمار
شهدت خمسينيات القرن الماضي دعماً متزايداً بين الشعوب العربية للحركة العربية في النضال ضد التدخل الأجنبي في الشرق الأوسط، وقاد تلك الحركة الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي تحدى تدخّل إسرائيل والقوى الاستعمارية، الأمر الذي أكسبه دعماً واسعاً بين الشعوب العربية، بمَن في ذلك الفلسطينيون. وأعرب بعض الزجّالين الشعبيين، بمَن فيهم يونس وسبيت، عن دعمهم لجمال عبد الناصر الذي أصبح رمزاً لرفض الحكم العسكري والقمع الإسرائيلي، كما عبّرت يونس في أغنيتها "العالم يحتفل" عن دعم الشعوب العربية لجمال عبد الناصر وتصميمه على بناء سدّ أُسوان، على الرغم من معارضة القوى الاستعمارية وعدوان إسرائيل على سورية:[23]
الدنيا تْلالي مِن قِبلي وشَمالي
والعالَم يِهْتِفلَك يا جمال يا غالي.
وأجوا إسرائيلية تا يسحبوا المَيِّة
شبابِك سوريا ردَّتْهُم طَوّالي.
مصر والجزائر تِهتِف عبد الناصر
رَد الْعَدُوّ خاسر بنى السد العالي
وسعت يونس في أغانيها للحصول على دعم دولي، وخصوصاً من دول عدم الانحياز، لدعم موقف مصر، وأوضحت أن نِهرو الذي كان رئيساً للحكومة الهندية آنذاك، دعم عبد الناصر، كما أنها عملت على أداء الشعر الغنائي المناهض للاستعمار. واحتفلت يونس أيضاً بالوحدة السياسية التي لم تدم طويلاً بين مصر وسورية (1958 - 1961)، وزينت منزلها بصور عبد الناصر، ووضعت اسمه مطرزاً على أوشحتها وفساتينها. وقد احتضن الشعراء والمفكرون الفلسطينيون حركة التحرير الأفريقية - الآسيوية والنضال ضد الاستعمار خلال هذه الفترة.
وغنى سبيت أيضاً لعبد الناصر وغيره من القادة العرب الذين قاوموا الاستعمار البريطاني والفرنسي في المنطقة، وكانت صور قادة القومية العربية معلقة على الحائط في منزله. وفي أغنية بعنوان "في ذكرى جمال عبد الناصر" شبّه سبيت موت عبد الناصر بصلب المسيح، وأشاد باستعداده للتضحية بنفسه من أجل الوطن العربي والعالم:[24]
بلاد الشرق ناصرها رخاها
رحيله عيونها قرًح بُكاها
لما في الإذاعة انذاع نحبو
اهتز الكون واهتزت سماها
ناصر مش خسارة بس شعبو
الدنيا خسرتو بنهضة بناها
تقول نصار إن "المثقفين الفلسطينيين في إسرائيل... يعبّرون عن معارضتهم لسياسات الدولة وعلاقتهم بالروح الثورية لإنهاء الاستعمار في العالم."[25]
حدد بحثنا ستة زجّالين فلسطينيين داخل إسرائيل تحدوا علناً السلطات الإسرائيلية وسياساتها القائمة على الفصل والقمع خلال فترة الحكم العسكري، وأكد العمل الأرشيفي الذي قمنا به مراقبة السلطات الإسرائيلية للزجّالين.[26]
يوسف أحمد مجادلة، شاعر زجّال من باقة الغربية في منطقة المثلث، بُلّغ عنه في 18 كانون الأول / ديسمبر 1962، لغنائه أغنية تندد بالقيود وانعدام الحرية، ولترديد الضيوف بعضاً ممّا جاء فيها ككلمتَي: "بدنا حرية. بدنا حرية". وكان الزجّالون أكثر حذراً في انتقاد دولة إسرائيل صراحة، لكنهم استخدموا الاستعارات والرسائل الخفية للإشارة إلى الوطن الفلسطيني والهوية الوطنية. وقد أوضح أحد الزجّالين الذي سار على خطى والده: "سيغنون عن حبهم للوطن والأرض بدلاً من قول فلسطين مباشرة، والجميع يعلم أننا نقصد فلسطين."[27]
في المقابل غنت يونس لفلسطين والقدس ولقادة فلسطينيين منهم ياسر عرفات وأبو جهاد (خليل الوزير)، فأغنية "زرعنا الميرمية" معروفة منذ عدة قرون، ولها لحن وكلمات بسيطة، ويمكن إضافة كلمات وفقاً للحدث. فعلى سبيل المثال، أضافت يونس سطراً لقريبها الذي كان أسيراً سياسياً في إسرائيل:[28]
زرعنا الميرمية بْقَلْب البُكسي [الصندوق]
فلسطين بِتْنادي وين القُدسِ
زرعنا الميرمية بْقاع الدار
فلسطين بِتنادي وين أبو عمّار
زرعنا الميرمية بالقُوّارة
فلسطين بتنادي شباب عارة
زرعنا الميرمية بكل البلاد
فلسطين بتنادي أبو جهاد
علاوة على ذلك، فإن أغنية بدرية بعنوان "أراضينا"، وهي أغنية عن تأثير تقسيم فلسطين، تحثّ القادة العرب على التدخل لحماية فلسطين وشعبها، كما أنها غنت لعمّها توفيق يونس الذي انضم إلى ثورة 1936 ضد القوات الصهيونية والبريطانية، وقُتل في انفجار لغم:[29]
فلسطين لا تحزني، نحن لكِ ثوار
بين الشقيقات تْباهي وفاخْري بينا
أبو فيصل إسمو توفيق أسد مغوار
بحد سيفو هفى العدوِّينا
من بعدَكْ يا خال ما هِدْيَت لنا أفكار
وإحنا نحارب الأعادي في أراضينا
وفي تسجيل صوتي نادر من لقاء عُقد في الناصرة في سنة 1960، أشادت أغنية عوني سبيت بتجذُّر النضال الوطني الفلسطيني في الأرض:[30]
من أرض إقرث إلَك حامل تحية
بعِطْر أوراقها طابع أوراقو
أنا بِحُب الوطن الله عَجَنّي
وخَمَّرْني بخميرِة فلسطينية
ووصف تهجير وألم أهالي إقرث وفقدان أراضيهم ومنازلهم وطالب بعودتهم، فإقرث هي الوطن، والوطن هو إقرث بالنسبة إلى سبيت. ويصرح في أغنيته "زجلنا" أن إقرث مصدر إلهام لأغانيه، ويربط ما بين إقرث والوطن:[31]
شِعِرنا من إقرث جَمَعْتو
وِبْشَهْد المعرفة فاضوا جِراحي
بَكْتِب عن وطن غالي فَقَدْتو
بَكْتُب عن حكم ظُلْمُه أعاني
إذا شعبي الفلسطيني تَرَكْتو
بْقَصايِد شِعِرْنا أكبر خيانِة
أمّا في أغنيته "بلادي"، فإنه يستخدم مصطلح "الأرض" للإشارة إلى "الوطن وإقرث"، ويغني:[32]
بدون حَق منها رَحَّلوني
بنار الظلم هَدّولي عِمادي
وغُربِة ذُلّ عَالرّامة جابوني
وِبْأرضي سَكَّروا بْواب السّعادِة
وفي تجمّع لقادة الكنيسة والقادة السياسيين في حيفا في سنة 1970، في ذكرى التهجير من إقرث، اتخذ سبيت في قصيدته "الوطن عند الحر غالي"، موقفاً مباشراً أكثر يدعو إلى المقاومة ويرفض الاستسلام:[33]
عَإقرث صَوَّب الغاصِب بَرودِه
وأَمَر تَرْحيلْها بْقُوِّة جُنودُو
واجبنا نْقوم وِنْفَجِّر صيحِتنا
بوجه حكام أعداء العدالِة
قمع الزجّالة
خلقت السلطات العسكرية الإسرائيلية أجواء من الخوف والعقاب للسكان الذين رفضوا النظام، وجرى إنشاء شبكة مراقبة ومتعاونين لجمع المعلومات التي يمكن استخدامها لفرض عقوبات على أولئك الذين تحدوا السلطة العسكرية علانية. ودفع قليلون جداً من الشعراء الزجّالين الذين قاوموا ودعموا النضال الوطني الفلسطيني ثمناً باهظاً، كما أنهم واجهوا عقوبات ورُفضت تصاريح عملهم أو سفرهم، وتعرّض بعضهم للسجن. فعلى سبيل المثال، طُلب من بدرية يونس عدة مرات الخضوع للاستجواب من طرف الحاكم العسكري في قريتها، وفي هذه المقابلات بُلّغت أن عليها التوقف عن غناء الأغاني الوطنية والأغاني التي تنتقد الحكم العسكري. ومارس الحاكم العسكري نفوذه على يونس من خلال أفراد عائلتها، مستخدماً التهديد بالاعتقال لثنيها عن الغناء ضد الحكم العسكري ودعم الحركة القومية العربية. وخلال تلك الفترة، كان استثناء أن تتولى المرأة مثل هذا الدور القيادي والمعارض في مجتمع هرمي يهيمن عليه الذكور، وأن تتحدى الاضطهاد الذي واجهته من مجتمعها ودولة إسرائيل. فقد عاشت يونس في قرية ريفية صغيرة لوحظ فيها أن هناك أدواراً واضحة ومتوقعة للجنسين، وكان إصرارها في التعبير عن المقاومة أمراً استثنائياً، حتى في سياق المزايا التعليمية والاجتماعية التي ميّزتها من العديد من الشاعرات.
أمّا سبيت فاستُجوب عدة مرات، وسُجن نحو ست مرات. وفي إحدى المناسبات، دُعي وزير الشؤون العربية إلى حضور حفل زفاف أقامه زعيم محلي من عيلبون كان ينظر إليه السكان المحليون على أنه متعاون، فطلب المضيفون من سبيت أن يغني، لكن ابنه قال لنا: "رفض والدي الغناء للوزير، وقال: لا أمدحه ولا أمدح كلابه [الخونة]، أي الذين دعوه. أتذكر عندما كنت طفلاً ابن ثمانية أعوام عندما جاءت الشرطة واعتقلته."[34]
وفي مناسبة أُخرى، عندما سُجن سبيت ستة أشهر في سنة 1957، في سجن الدامون بالقرب من حيفا، كتب "رسالة من السجن":[35]
يا قلب زيد الصبر وتْحَمَّل الضَّربات
حتى شْهور الأَسِر تِبْلُغ تَواليها
ويا عين فيضي دْموع الدَّم عَالْوَجْنات
أرض الباطون اللي بالسِّجِن أرويها
أُدخُل عَبيتي بْغُرِبتي وشاهِد الْحالات
وشاهِد شريكِة حياتي شو جرى فيها
وقبِّل بناتي الثلاثِة أطْيَب القُبْلات
وِالأُم قَبِّل عن أشواقي ما فيها
من تراب إقرث إلي كمشِة بْعِبَّك هات
حتى بْسِجْني نْ مُتِت جَنبي أخَلّيها
الثقافة كمقاومة
الزجل الشعبي هو شكل فني من أشكال التعبير الثقافي يُستخدم للاحتفال في حفلات الزفاف وغيرها من الاحتفالات الاجتماعية، ويمكن للزجّالين استخدام السلطة الممنوحة لهم من خلال مكانتهم الاجتماعية المؤثرة واحترامهم لتحويل هذه المناسبات إلى منصات سياسية. وقد أظهرت دراستنا أن هذا الشكل من الغناء كان بالنسبة إلى البعض أحد أشكال معارضة الحكم العسكري الذي فرضته إسرائيل على الفلسطينيين منذ سنة 1948 حتى سنة 1966، الأمر الذي ساهم في زيادة الوعي وتعزيز الهوية الوطنية وبناء الصمود. ومن الجدير بالذكر أن قليلين جداً فقط من الزجّالين الشعبيين تناولوا علناً القضايا الاجتماعية والسياسية في حفلات الزفاف والتجمعات الاجتماعية الأُخرى، وأصبحوا مُحشِّدين سياسيين لتعزيز صمود المجتمع الفلسطيني ومقاومته، بينما عبّر آخرون عن رسائل خفية ومجازية بشأن الارتباط بالأرض ومعارضة الحكم العسكري، الأمر الذي يشير إلى مستوى القمع والعقوبات التي قد يواجهها الزجّالون.
ففي سياق الحكم العسكري، من المنطقي أن تصبح حفلات الزفاف والتجمعات الاجتماعية مساحات يستطيع فيها الفلسطينيون التعبير عن مشاعرهم الوطنية ورفضهم الحكم العسكري القمعي، مع أن قليلين من الزجّالين أفصحوا في الأعراس عن الظلم الذي يواجهه الفلسطينيون في إسرائيل، والمناسبات التي فعلوا فيها ذلك أصبحت، إلى حد ما، مشبعة برسائل سياسية وثقافية مفتوحة ومخفية تتحدى السلطات العسكرية والقيود التي فرضتها. لقد تحدى الزجّالون أعراف الأعراس والسياق القمعي لعلاقات القوة السائدة، وتُظهِر أدبياتنا وتحليلنا للمقابلات أن الزجّالين يتحدون سياسة الدولة في التطهير العرقي والقمع، مستخدمين الأغاني الشعبية والرقص لبناء خطاب وطني - ثقافي ومقاومة وطنية - ثقافية، ويرفضون المشاركة في المناسبات والاحتفالات الرسمية للدولة، الأمر الذي جعلهم عرضة لعقوبات وسجن نتيجة أنشطتهم.[36]
لقد تشابك الصمود والمقاومة وتداخلا مع الأغاني الشعبية ليونس وسبيت، إذ احتفلت أغانيهما بالأرض - الوطن الفلسطيني وأشجاره وأزهاره - وكذلك بالبيئة المبنية للمنازل والمساجد والكنائس التي تحافظ على المجتمع. واختيرت قريتا إقرث وعارة، مكان ولادة الزجّالَين، لتمثيل الوطن الفلسطيني الأوسع. وتقول البدّاعة فدوى يونس: "على الرغم من جميع ما يتعرض له الفلسطينيون من ظلم ومعاناة، فإننا سنستمر في الغناء، فغناؤنا يمثل استمرار مقاومتنا، ويمنحنا القوة."[37]
يكشف تحليل الزجل الشعبي والمقابلات والملاحظات بشأن دور المطربين الشعبيين الفلسطينيين، عن أنواع متنوعة من الصمود وأعمال المقاومة المباشرة. ويمكن أن يوفر الإطار المحدد أدناه تقدماً كبيراً في الدراسة عن المقاومة الثقافية في النزاعات غير المتكافئة.
1 - البقاء في الأرض: اِبقَ في فلسطين. أَصِرَّ على العيش على أرضك وازرعها على الرغم من الظروف القاسية والتهديد بالإجلاء. استمرّ في عيش حياتك، وتكوين أسرة، وبناء منزل. احتفل واستمتع بالحياة على الرغم من المعاناة التي تنشأ من اضطهاد الاحتلال.
2 - تعزيز التماسك الاجتماعي: حافظوا على العلاقات الاجتماعية وبنائها بين الفلسطينيين في إسرائيل وتعزيز الوحدة والصمود والدعم المتبادل. التزموا بالهوية والثقافة الوطنية الفلسطينية، وافتخروا بهويتكم، وعيشوا حياتكم بكرامة.
3 - الوقوف وقول الحقيقة للسلطة: اِرفعوا جهودكم وعززوا صمودكم لتتمكنوا من التحدث علانية عن حقوقكم وضد سياسات التمييز الإسرائيلية. اُرفضوا العلاقة الجائرة بين القائم بالاحتلال والواقع تحت الاحتلال. كونوا على استعداد لدفع ثمن هذه الصراحة، أفراداً وجماعات، وأظهروا التضامن مع الحركة المناهضة للاستعمار.
قد يكون من الغريب أن يشهد بعض المراقبين كيف يتحول حفل زفاف إلى منصة سياسية عامة، ومع ذلك، نجح الزجّالون في هذه الفترة في بناء أسس الصمود بنجاح، وفي تطوير فهمنا للمقاومة الثقافية. فبحلول منتصف السبعينيات، أصبحت المقاومة الثقافية مركزية في نضال الفلسطينيين في إسرائيل، كما انتشر في السبعينيات والثمانينيات عدد المطربين والموسيقيين والفرق الموسيقية والشعراء الجدد، وباتت حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية الأُخرى هي المسارح التي يؤدون فيها أعمالهم. ويمكن القول إن الانتفاضة الأولى في سنة 1987 مثلت ذروة المقاومة الثقافية، وكان الزجّالون والموسيقيون والفنانون في الخطوط الأمامية للمقاومة.
بعد الاحتلال في سنة 1967، تم "لم شمل" الفلسطينيين من جانبَي الخط الأخضر، وأُعيدت العلاقات الاقتصادية والثقافية والعائلية، وحضر الزجّالون من الضفة الغربية حفلات الزفاف الفلسطينية في إسرائيل. كان سبيت ويونس معروفَين لدى مؤسسات التراث الثقافي والمفكرين في الضفة الغربية، وبدرجة أقل، للجمهور الأوسع، وفي مناسبات نادرة تمت دعوتهما إلى حفلات الزفاف في الضفة الغربية وغزة. لكن الزجّال الشعبي أبو ليل لاحظ تجربة مختلفة خلال هذه الفترة: "كنا نذهب أنا وأبي كل أسبوع لحفل زفاف في غزة قبل الانتفاضة الأولى في سنة 1987، وإذا أوقفنا الجيش، كنا نقول أننا لا نغني أغاني سياسية، وإنما أغاني حب فقط."[38]
ملاحظات ختامية
في ظل الحكم العسكري، بات الحفاظ على الثقافة الفلسطينية والعربية وحمايتها والحفاظ على الهوية والثقافة الفلسطينية وسيلة لمقاومة الاحتلال، ذلك بأن إسرائيل، كقوة استعمارية، حرَمَت الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية والسياسية، وفرضت سيطرتها على الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم، وسعت عن عمد لتشتيت ثقافتهم. وفي هذا السياق، فإن الزجل، والتحدث باللغة العربية، واللباس، والاحتفال بالمناسبات الوطنية والدينية، أمور قدّمت طُرقاً لإظهار الصمود الثقافي الفلسطيني. وظل تقليد شعر المقاومة حياً بين الفلسطينيين في إسرائيل من خلال "الشعر الشفوي الذي يُنْظَم خلال الاحتفالات وفي المناسبات"، وكان مستوحى من الشعر الشعبي الذي جرى تأليفه وإلقاؤه بالعربية العامية.[39]
إن حبّ فلسطين، والتجذّر في الأرض، وجمال الوطن، والإشارات إلى الأشجار والتربة والزهور، ليست سوى عدد قليل من مظاهر الارتباط بفلسطين التي عبّر عنها الزجّالون. ومثلت أشجار الزيتون والصبار بصورة خاصة، "رمزاً وطنياً وثقافياً"، و"رمزاً مؤثراً للصمود" والقومية.[40]
لقد نبَّه الزجل الشعبي الناس في الأعراس إلى حماية أراضيهم وإدانة تجار الأراضي، وأصرّ المطربون على ذكر الأسماء العربية للقرى والبلدات التي دُمرت في سنة 1948 للتعبير عن هويتهم وصدمتهم، وكذلك لتحدي السياسة الرسمية الإسرائيلية الهادفة إلى عَبرنة الأسماء العربية. ويؤكد مسعد أن المقاومة الثقافية على شكل الأغاني أصبحت أداة "لتسجيل تغير جغرافي لا رجوع فيه لهدم البلدات والقرى الفلسطينية."[41]
واستُخدمت "الدبكة" لبناء الوطنية الفلسطينية ومقاومة القهر والسلب، وأصبحت "تعبيراً عن الهيمنة المضادة التي جسدت وأكدت المطالب التاريخية والسياسية للسكان الأصليين."[42] وقامت نادية يعقوب بتحليل ممارسة "المبارزة الشعرية" في الأعراس الفلسطينية والسياقات التي تُجرى فيها هذه المبارزات، وقالت إنهم "يؤثّرون ويتأثرون بهذه السياقات بطرق معقدة."[43]
الزجل الشعبي هو شكل يسهل الوصول إليه، فهو يخاطب الجمهور بلغة عربية مباشرة وبسيطة ومحكية. وخلال فترة الحكم العسكري، ربما يكون بعض الألحان المألوفة قد تم تغييره أو تزيينه بكلمات جديدة، غير أنه لا يزال ممكناً التعرف إليه وفهمه. وكان غناء سبيت ويونس بصورة عامة مباشراً وصريحاً، إذ عبّرا عن دعمهما لنضال التحرير الفلسطيني، وكذلك اعتزازهما بهويتهما الفلسطينية ونضالهما ضد الحكم العسكري. ومع ذلك، كان الزجّالون الأكثر حذراً غامضين عن عمد، فقد استخدموا الاستعارات في شعرهم لتجنّب المواجهة والعقوبات من طرف السلطات الإسرائيلية. وفي ظل الحكم العسكري، كشف الزجّالون عن الظلم الاجتماعي، وأظهرت أغانيهم التزاماً بالمساواة الاجتماعية.
لقد خاطَر كل من يونس وسبيت بفضح بعض الزعماء التقليديين لتعاونهم مع السلطات الإسرائيلية، الأمر الذي كان يؤجج الصراع في حفلات الزفاف، وربما يتسبب بمواجهة بين العائلات في القرية. وتمتع الزعماء المحليون التقليديون بمكانة اجتماعية في القرى، غير أنه في ظل النظام العسكري كان يُنظر إلى بعضهم على أنه متعاون، لأنه عمل كوسيط بين السكان المحليين والحاكم العسكري لتسهيل الحصول على التصاريح وإدارة شؤون القرية. ففي سياق علاقات القوة غير المتكافئة والقمع، غالباً ما يكون التعاون مع السلطات أمراً لا مفر منه لأغراض البقاء، لكنه يمكن أن يتزامن في الوقت نفسه مع المقاومة.
وكانت سلطة البثّ العربية في إسرائيل تخضع لسيطرة صارمة من طرف الدولة، إذ استُخدمت الإذاعة كأداة للسيطرة على الرأي العام العربي في إسرائيل وتهدئته. غير أن رفض سبيت المشاركة في برنامج، وخصوصاً بمناسبة عيد استقلال إسرائيل، كان يرمز إلى رفض نظام السيطرة الإسرائيلي وتدجين المجتمع العربي.
وركزت أغلبية الأبحاث التي تناولت تلك الفترة على آليات السيطرة الإسرائيلية، وتكمن أهمية هذا البحث في أنه وثّق جوانب منسية من التراث الثقافي غير المادي، ومن تاريخ الفلسطينيين في إسرائيل، وكشف عن خطاب مغاير لرواية الدولة، هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى، توضح نتائج بحثنا الفاعلية الجماعية للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل خلال فترة الحكم العسكري، كما تُظهر أن الناس في المجتمع الفلسطيني لم يكونوا ضحايا عاجزين، وإنما قاوموا القمع بطرق خفية وعلنية. ويحاجج هوجارد (Haugaard) أيضاً أن "القدرة على الفعل في تناغم هي فعل قوة جماعية، في حين أن فعل المقاومة هو الفاعل الذي يقاوم إعادة إنتاج الهياكل الاجتماعية المهيمنة."[44] لقد طور هذا البحث فهمنا لكيفية استخدام التعبيرات الثقافية من طرف المجموعات المهمشة في علاقات القوة غير المتكافئة وفي ظل أنظمة سيطرة مفروضة، ويتوافق مع النتائج المستمدة من سياقات مثل النضال الكردي، وحركة الحقوق المدنية الأميركية.
فالفلسطينيون الذين يعيشون تحت الحكم العسكري وجدوا وسيلة بنّاءة للتعبير عن بقائهم وصمودهم من خلال ثقافتهم عندما أصبح الزجّالون مثالاً للمقاومة الثقافية التي طبّقوها في حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية الأُخرى. وتدحض هذه النتيجة التصور الشائع أن المجتمع الفلسطيني في إسرائيل كان سلبياً ومستسلماً، كما تشير إلى أن الناس داخل هذا المجتمع أدوا أدواراً أكثر نشاطاً في تغيير حياتهم ممّا كان يُعتقد سابقاً.
عبّر الفلسطينيون في الأعراس عن ارتباطهم بالأرض وهويتهم الوطنية والثقافية، وكان الزجل الشعبي يُستخدم أحياناً "في خدمة المشروع الأكبر لتقرير المصير الفلسطيني."[45] ولم يقتصر دور الأعراس على مجرد وسائل قوية لتعزيز المشاعر الوطنية، بل إنها أيضاً أساس لتشكيل المعنى الثقافي للهوية المشتركة واكتمال حب فلسطين كون حفلات الزفاف وفرت المكان والزمان والتجمع، والديناميات للغناء معاً، وإمكان خلق مجموعة والتضامن بين الناس.[46] وفي وقت لاحق، خلال الثمانينيات، كان حفل الزفاف يعمل على مستويات متعددة كمساحة وممارسة وخطاب يسمح للناس بالتنافس في السياسة والسلطة. وقد تم ملاءمة الغناء والرقص والظروف التي جرى أداؤهما فيها مع الأنشطة السياسية لأنها خلقت مساحة للمقاومة. ومثلما لاحظ ماكدونالد، فإن "الأصوات التي تتجمع من خلال الأغنية، وحركة القدمين اللتين تتجمعان في إيقاع، غالباً ما ينتج منها مشاعر تضامن قوية نحو الهدف والتاريخ والهوية بين المشاركين."[47]
لقد أرسى الصمود الثقافي خلال فترة الحكم العسكري الأساس للتعبئة المدنية، وقدم طريقة للتأثير في الجماهير لتأكيد الهوية الوطنية الفلسطينية وحقّ الفلسطينيين في البقاء على أرضهم. ووصلت هذه العملية إلى ذروتها في السبعينيات عندما ظهرت حركات ومنظمات جديدة سعت لتمثيل الأقلية الفلسطينية. ويخلص أحمد سعدي إلى أنه على الرغم من كون الفلسطينيين "ضعفاء ومهمشين، فإنهم تمكنوا من ممارسة تأثير كبير في تطور ظروفهم الاجتماعية والسياسية من خلال المقاومة الثقافية."[48]
ووفرت حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية الأُخرى نوعاً من المساحات التي تمكّن فيها الزجّالون الفلسطينيون من تأكيد روايتهم المضادة لرواية هيمنة الاستعمار، وتحشيد الحضور للتعبير عن اعتزازهم بهويتهم الفلسطينية ودفعهم إلى مقاومة آليات سيطرة الدولة القمعية. ومن خلال الغناء والدبكة، رووا قصة القمع من وجهة نظر الفلسطينيين، شارحين بالتفصيل المعاناة التي تنتج من الإجراءات الإسرائيلية العنيفة في كثير من الأحيان، كما رووا تاريخ الشعب الفلسطيني، ورفعوا صوت الانتصارات والفشل، وألهموا الشعب بالفخر والمقاومة.
المصادر:
[1] Ilan Pappé, The Forgotten Palestinians: A History of the Palestinians in Israel (New Haven, Connecticut: Yale University Press, 2011).
[2] فدوى يونس، "من الأغاني النسائية الشعبية وقول الست بدرية" (القدس: قسم الثقافة العربية في وزارة العلوم والثقافة والرياضة، 2001).
[3] Ahmad Sa’di, Thorough surveillance: The Genesis of Israeli Policies of Population Management, Surveillance and Political Control towards the Palestinian Minority (Manchester: Manchester University Press, 2014).
[4] Shira Robinson, Citizen Strangers: Palestinians and the Birth of Israel’s Liberal Settler State (Stanford, California: Stanford University Press, 2013); Leena Dallasheh, “Troubled Waters: Citizenship and Colonial Zionism in Nazareth”, International Journal of Middle East Studies, vol. 47, issue 3 (August 2015), pp. 467-487.
[5] Maha Nassar, Brothers Apart: Palestinian Citizens of Israel and the Arab World (Stanford, California: Stanford University Press, 2017), p. 3.
[6] مقابلة مع عبد الرحمن شبيطة، الطيرة، 24 كانون الثاني / يناير 2018.
[7] مقابلة من شفا عمرو، 25 حزيران / يونيو 2013.
[8] Ahmad Sa’di, “Minority Resistance to State Control: Towards a Re-Analysis of Palestinian Political Activity in Israel”, Social Identities: Journal for the Study of Race, Nation and Culture, vol. 2, no. 3 (1996), pp. 395-412.
وانظر أيضاً عن هذا الموضوع:
Nadeem Rouhana and As’ad Ghanem, “The Crisis of Minorities in Ethnic States: The Case of Palestinian Citizens in Israel”, International Journal of Middle East Studies, vol. 30, issue 3 (August 1998), pp. 321-346.
[9] Jacques Sémelin, Claire Andrieu, Sarah Gensburger, eds. Resisting Genocide: The Multiple Forms of Rescue (Colombia/Hurst: Colombia University Press, 2011).
[10] Moslih Kanaaneh, “Do Palestinian Musicians Play Music or Politics?”, in: Palestinian Music and Song: Expression and Resistance since 1900, edited by Moslih Kanaaneh, Stig-Magnus Thorsén, Heather Bursheh, & David A. McDonald (Indianapolis: Indiana University Press, 2013), pp. 1-11, 8.
[11] عوني سبيت، "الجرح الثائر" (الناصرة: دار الناصرة للنشر، 1976)، ص 14.
[12] مقابلة مع خليل سبيت ابن عوني سبيت، حيفا، 4 / 1 / 2019.
[13] عوني سبيت، "الجرح الثائر"، مصدر سبق ذكره، ص 18.
[14] المصدر نفسه، ص 23.
[15] مقابلة مع فدوى يونس، عارة، 18 تشرين الأول / أكتوبر 2018.
[16] فدوى يونس، "من الأغاني النسائية الشعبية وقول الست بدرية"، مصدر سبق ذكره، ص 239.
[17] مقابلة مع شاعر مطرب غير معروف، 5 كانون الثاني / يناير 2019.
[18] مقابلة مع خليل سبيت، مصدر سبق ذكره.
[19] المصدر نفسه.
[20] عوني سبيت، "غربة في الوطن" (شفا عمرو: دار الشرق للنشر، ط 2، 1997)، ص 14.
[21] عوني سبيت، "الجرح الثائر"، مصدر سبق ذكره، ص 20 - 21.
[22] مقابلة مع خليل سبيت، مصدر سبق ذكره.
[23] فدوى يونس، "من الأغاني النسائية الشعبية وقول الست بدرية"، مصدر سبق ذكره، ص 23.
[24] عوني سبيت، "الجرح الثائر"، مصدر سبق ذكره، ص 33.
[25] Nassar, op. cit., p. 111.
[26] Labour Party Archives (1959-1964), The Relationship of Israeli Arabs to the Military Rule, File number 2-926-1957-134, Mosha Sharat Centre (Hebrew).
[27] مقابلة مع بديع شوفاني، عيلبون، 4 كانون الثاني / يناير 2019.
[28] فدوى يونس، "من الأغاني النسائية الشعبية وقول الست بدرية"، مصدر سبق ذكره، ص 245.
[29] المصدر نفسه، ص 247.
[30] "الشاعر عوني سبيت، زجل"، 1960، موقع "يوتيوب"، في الرابط الإلكتروني.
[31] عوني سبيت، "الجرح الثائر"، مصدر سبق ذكره، ص 16 - 17.
[32] المصدر نفسه، ص 24.
[33] المصدر نفسه، ص 61.
[34] مقابلة أُخرى مع خليل سبيت ابن عوني سبيت، حيفا، 18 تشرين الأول / أكتوبر 2018.
[35] عوني سبيت، "الجرح الثائر"، مصدر سبق ذكره، ص 90.
[36] Abdelwahab Elmessiri, The Palestinian Wedding: A Bilingual Anthology of Contemporary Palestinian Resistance Poetry (Washington, D.C.: Three Continents Press, 1982).
[37] مقابلة مع السيدة فدوى يونس، مصدر سبق ذكره.
[38] مقابلة مع السيد صالح أبو ليل، كفر قرع، 5 كانون الثاني / يناير 2019.
[39] Elmessiri, op. cit., p. 78.
ولمزيد من التفصيلات، انظر:
Elke Kaschl, Dance and Authenticity in Israel and Palestine: Performing the Nation (Leiden, Boston: Brill, 2003).
[40] Sky McLaughlin, “Metaphors of the Holy Land: Palestinian Children Re-Conceptualise Paradise”, Journal of Intercultural Studies, vol. 27, no. 4 (2006), p. 443.
[41] Joseph Massad, “Liberating Songs: Palestine Put to Music”, Journal of Palestine Studies, vol. XXXII, issue 3 (Spring 2003), p. 22.
[42] Nicholas Rowe, “Dance and Political Credibility: The Appropriation of Dabkeh by Zionism, Pan-Arabism, and Palestinian Nationalism”, Middle East Journal, vol. 65, no. 3 (Summer 2011), p. 373.
[43] Nadia Yaqub, Pens, Swords, and the Springs of Art: The Oral Poetry Dueling of Palestinian Weddings in the Galilee (Leiden, Boston: Brill, 2007), p. 9.
[44] Mark Haugaard, “The Faces of Power, Resistance and Justification in a Changing World”, Journal of Political Power, vol. 13, issue 1 (2020), p. 4.
[45] David McDonald, My Voice is my Weapon: Music, Nationalism and the Poetics of Palestinian Resistance (Durham and London: Duke University Press, Bloomington, 2013), p. 5.
[46] Lisa Taraki, “The Development of Political Consciousness among Palestinians in the Occupied Territories, 1967-1987”, in: Intifada: Palestine at the crossroads, edited by Jamal R. Nassar & Roger Heacock (New York: Praeger, 1990), pp. 53-71.
[47] McDonald, op. cit., p. 137.
[48] Sa’di, “Minority Resistance to State Control…”, op. cit., p. 408.