باربوزا، غوستافو. "أفضل الأيام الصعبة: ذكورية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان" (بالإنجليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

أفضل الأيام الصعبة: ذكورية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان*

The Best of Hard Times: Palestinian Refugee Masculinities in Lebanon.

Gustavo Barbosa

Syracuse, New York: Syracuse University Press, 2022. 328 pages.

 

يسلط هذا الكتاب الضوء على الحياة اليومية للشبان الفلسطينيين في مخيم شاتيلا "المخيم الأيقونة" (ص 57)، بعيداً عن توصيفاتهم كلاجئين، وعن "الحمل الثقيل" كونهم ينتمون إلى شعب يعيش مرحلة تحرر وطني. أمّا اللغة التي يستخدمها الكاتب، وخصوصاً الاستعارات السلسة، فتقود القارئ إلى الانغماس في حياة اللاجئين الفلسطينيين في شاتيلا. غير أن هذا الكتاب ليس محصوراً باللاجئين الفلسطينيين في شاتيلا فقط، فالكاتب، ومن خلال مراقبته حيوات الأفراد المختارين في بحثه، ومشاريعهم وتوقعاتهم، يربط المخيم بمحيطه البيروتي وبلبنان كله من خلال الحقب التاريخية المشتركة بين الفلسطينيين واللبنانيين.

يستهل باربوزا كتابه بمقدمة شاملة تؤطر بنية الكتاب ومحاوره النظرية الرئيسية، ثم ينتقل إلى الفصل الأول فيستكشف مخيم شاتيلا عبر "مدخل" إثنوغرافي ينقله إلى مناقشة العلاقة بين إطار البحث وميدانه، من أجل إعادة تشكيل منهجية إطار البحث. ويصف الكاتب مخيم شاتيلا ويحلله من خلال علاقته بـ "الفدائيين" و"الشباب"، محاججاً أنه "كمجتمع، فإن مخيم شاتيلا يتكون أيضاً [....] من أولئك الذين لم يعودوا موجودين هناك [الشهداء والذين رحلوا عن المخيم]" (ص 55). وتقوده دراسة الخرائط الرمزية والمتخيلة والزمنية والمادية للمكان، والروتين اليومي (في زمن البحث) في المخيم، إلى نتيجة فحواها أن أيام الزخم الثوري ولّت.

يحقق الفصل الثاني في كيفية سيرورة الحياة اليومية بعيداً عن "العلامات التعميمية" (generalizing labels) [يقصد الكاتب هنا الملصقات الثورية التابعة للفصائل والشعارات التي تظهر على جدران المخيم] (ص 88)، مركزاً على مسألتَي العمل والسكن. ويُظهر الكاتب، من خلال نص إثنوغرافي مكثف، أن حالتَي الاستثناء والعيش "في دوامة سلبية" (ص 107) ليستا قدراً لا يمكن الخروج منه، مبيّناً كيف أن "الشباب" يبحثون بحيوية عن حلول، ويوازنون بين النجاح والفشل.

ويستكشف الفصل الثالث المناظرات الجنسانية من خلال سِير ذاتية تتابع نضوج "الشباب"، والتحديات المترافقة مع الهيمنة الذكورية التي يواجهونها على عدة مستويات. ويناقش الكاتب الربط الشائع بين فقدان السلطة في مناخ من القيود الاجتماعية الشديدة والإخصاء [العجز الرجولي]، ويلاحظ من خلال مناظرات بشأن الهيمنة الذكورية بين "الفدائيين" و"الشباب"، ما تعنيه الثورة الفلسطينية، جنباً إلى جنب مع الارتباط المتكرر بين "سلبية" اللاجئين و "أزمة الذكورة" (ص 171)، لشبان غير قادرين على إيجاد روابط مع أسلافهم، ليخلص إلى أن الناس، وإن وُجدت شروط بنيوية تقيّدهم، فإنهم سيبحثون عن طرق مجدية للحياة ولتحقيق أهدافهم.

يحلل الفصل الرابع العلاقات بين الأجيال، فيربط من خلال تمارين موسيقية ومواجهات بين المتناظرين [جمع الكاتب جيلَي الشباب والفدائيين من خلال مقابلات شارك فيها الآباء والأبناء، وفي ورشات عمل مشتركة، وجعلهم يتساجلون مع بعضهم البعض]، بين الثورة والرجال "الأشداء"، و"الشباب" و"الهيمنة الذكورية". وهذا التباين بين الأجيال يولد مشاعر متبادلة من التعارض (لأن "الشباب" يعتقدون أن آباءهم يسيئون فهمهم، أو أنهم يدفعون ثمن أخطاء أهلهم)، ويُبرز مسارات الحياة المرغوب فيها (غياب البريق المرتبط بالمصاعب اليومية للحياة)، والشعور بالذنب (كبار السن يعتقدون أنهم فشلوا في تمرير القيم الثورية [للشباب])، بل والأكثر أهمية من هذا كله، كيف أن الصورة الأيقونية لـ "الفدائيين" لم يعد لها أي تأثير في مسارات الشباب، وإنما تعمّق الهوّة مع الماضي عند التفكير في المستقبل حيث الهجرة هي أكثر شيء مرغوب فيه.

من خلال نص إثنوغرافي يلخص مخرجات ورشة عمل جندرية، يعرض الفصل الخامس دور التصنيفات المفروضة من الخارج في مقابل الاعتماد على المساعدات الإنسانية. وبشكل موازٍ، يخوض باربوزا في مفهوم غريتز لمصارعة الديوك البالية من خلال تربية الحمام، ويطلق عليه اسم "مصارعة الديوك بلا ديوك"، ويلاحظ أن "الشباب" يطلقون الحمام ليقاوموا جمودهم الاجتماعي. وهذا الفصل الأخير يربط التفصيلات كلها بأسلوب شعري.

يعزز هذا الكتاب البحث العلمي عن فلسطين من خلال التركيز على الحياة اليومية، بعيداً عن "الموضوعات النبيلة" مثل محنة اللاجئين أو القضية الوطنية. إن اعتبارات الكاتب المنهجية وكتابته الإثنوغرافية هي أكبر مساهماته وأعظم نقاط قوته. فالكاتب، وبأسلوب كتابه الرائع، يسمح للقارئ بأن يرى السياق من خلال عينَي الإثنوغرافي ومشاعره الخاصة، ومخاوفه، واهتماماته، وصراعاته. وقد ساهمت معرفة القارئ بموقع الباحث في ميدان البحث، في تقديم ملاحظات دقيقة تُضعف الصورة "المثالية" للباحث الميداني.

وبالنسبة إلى الإطار النظري، فبما أن هدف الكاتب هو البحث في معاناة "شباب" مخيم شاتيلا اليومية لنيل حياة ذات مغزى في خضمّ (وإلى جانب) وضعهم البنيوي كلاجئين، فإنه كان يمكن إثراء هذا الإطار عن طريق الخوض أكثر في النقاش بشأن مرحلة الانتظار، والحياة اليومية، والاستياء والمستقبل والأمل في وسط سياقات أُخرى تتعلق بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع أن هذه المفاهيم ذُكرت في الكتاب، فإنني أرى أن النقاش كان يمكن أن يكون موسعاً لو أنه ركز أكثر على التقاطعات بين حالة اللجوء الطويلة والمنفى ومسارات الهجرة المتعددة.

يُعدّ هذا الكتاب مساهمة عظيمة في مجال الأنثروبولوجيا ودراسة الشباب في سياق اللجوء الطويل، والهجرة، والجنسانية، كما أن لغته السهلة ستنال إعجاب طلاب الدراسات العليا والباحثين في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية.

 

* ترجمت آمنة الأشقر هذه المراجعة عن الإنجليزية.

السيرة الشخصية: 

ريتا ربيز: معهد العلوم الاجتماعية – جامعة لشبونة.