حوارية مع ميشيل خليفي في مؤسسة الدراسات الفلسطينية-بيروت
التاريخ: 
13/03/2023
المؤلف: 

حين تقابل المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي، تقابل حكّاءً يبرع في سرد القصص، كما يبرع في التقاط اللحظات الأساسية المكوِّنة للذاكرة، والمكوِّنة بدورها لحكاية الفيلم، فليس سهلاً أن تمرّ أمامه قصة من غير أن تنسج لديه فكرة، أو تعيده إلى فكرة وحكاية سمعها، أو عاشها، خلال صناعة أحد أفلامه، وهو ما يحيل المتابع إلى أمر أساسي، أن أفلام خليفي تعكس، بطريقته الخصبة، الواقع الفلسطيني-العربي.

اتخذ خليفة في تجربته السينمائية مدرسة "سينما المؤلف"، وبالاستماع إليه، يبدو منسجماً مع تجربته السينمائية، فـ "سينماه" يعيشها قبل أن يصورها، بأشخاصها وحكاياتها، وبعد أن تصبح فيلماً، تتكفل بنقل الجمهور إلى اللحظات التي عاشها ويعيشها المعنيون وغير المعنيين بالفيلم، ربما بقصد التوريط الكامل في الرواية التي ينقلها، رواية الوطن المحتل.

كانت هذه الانطباعات خلال لقاء جمع خليفي بجمهور واسع اجتمع في "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" في بيروت مساء 9 آذار/مارس، ضمن ندوة حوارية نظّمتها المؤسسة، بالتعاون مع "نادي لكل الناس"، افتتحها مدير مكتب بيروت رامي الريس بالترحيب بخليفي والحضور.

حاور خليفي المخرج والناقد اللبناني هادي زكّاك والكاتب والناقد ربيع الشامي، وتلت الحوارية أسئلة وجّهها الجمهور إلى المخرج الفلسطيني المقيم ببلجيكا، لتُختتم الأمسية بعرض سينمائي لفيلم "معلول تحتفل بدمارها" (1984).

حرية بالتحرر

"لا تحرير من دون خيال ولا تحرُّر،" بهذه الجملة استهل الشامي افتتاحه الحوار، الذي سلّم دفته إلى زكّاك الذي بدأ حديثه عن شخص صاحب "نشيد الحجر" (1990)، الذي عرفه في بروكسل في سنة 1999، حيث تلقّى خليفي تعليمه السينمائي في معهد السينما، ليعلّم فيه لاحقاً، ويترأسه سنة 1987. وتابع زكّاك، متناولاً تجربة خليفي في بيروت، حيث علّم في معهد السينما في الجامعة اليسوعية، وتخرجت باسمه سنة 2002 إحدى دفعات هذا المعهد، متتلمذةً على يديه، ومتأثرةً بأسلوبه. 

سينما خليفي

السينما لدى صانع "حكاية الجواهر الثلاث المفقودة" (1994) ليست صورة وصوتاً فقط، هي كل شيء، فلسفة وسياسة وخيال وواقع، وهذا هو الدرس الذي تعلمه زكّاك من المخرج الفلسطيني كما ذكر. وأضاف زكّاك أن سينما خليفي حملت لواء "سينما الفقير"، كما أنها شكلت نقلة في تاريخ السينما الفلسطينية: "إن فيلم الذاكرة الخصبة (1980) يشكل نقطة محورية، بعد السينما الفلسطينية التي عرفناها من خلال السينما النضالية التي أنتجتها مؤسسة السينما الفلسطينية ووحدة أفلام فلسطين، ففيلم خليفي المذكور حمل تركيبة مختلفة، إذ استعادت كاميرته فلسطين من الداخل، أي استرجعت الأرض مع شخصياتها،" موضحاً أن: "السينما التي بدأ خليفي بتأسيسها  أشارت إلى التحرر الداخلي، وليس فقط العدو الخارجي، وهذا التحرر طرحه المخرج من خلال اختيار شخصيات نسائية، وشخصيات متمسكة بالأرض، وفي الوقت نفسه، تصارع ضمن مجتمع ذكوري، يحمل ثقل التقاليد."

البحث في الخيال

طوّر خليفي "سينماه" من خلال المزج بين الحالة الروائية والوثائقية، إذ إنه يرى السينما مزيجاً من الواقع والخيال، فلا يموت هذا الخيال بوجود الاحتلال، وأوضح خليفي في مداخلته وإجاباته عن الأسئلة التي تلقاها من المحاورين والجمهور، أن "الإبداع هو الالتقاء بين العالم الداخلي والخارجي،" وأضاف، مسترجعاً أفكاراً فلسفية بشأن الواقع والخيال، أن "الطفل بحاجة إلى خطين أساسييْن ليكون متوازناً، خط الواقع وخط التخيّل، وفي حال وجود أحدهما، فإن الطفل سيعاني."

صاحب "عرس الجليل" (1987) ربط بين الحيّز الذي عاش فيه طفولته في الناصرة، حيث وُلد في سنة 1950، وبين اللعب الذي قال إنه "يخلق عالماً مختلفاً عن العالم المحيط المحكوم بوجود الاحتلال،" واعتبر أن الطفولة هي "الكنز الرائع الذي يمكن للإنسان أن يأخذ منه، ويبدع من خلاله، فالطفل الذي فيَّ، هو الذي يقويني."

أسئلة وخلق وإبداع

الاستماع إلى صاحب "زنديق" (2009)، يحتاج إلى استعداد لتلقّي مقولات عميقة، ليست مرتبطة بالسينما مباشرة، إنما بالحياة التي لا تنفصل لديه عن مقولات السينما، فذكر خليفي أن التحرر، بالنسبة إليه، "هو رجوع الإنسان إلى إنسانيته، وكلما تمكن الإنسان من العودة إلى إنسانيته، كلما تحرر أكثر،" هذه المقولة وغيرها من المقولات التي يوردها تصل بوضوح إلى الجمهور، لأنها تبدو منسجمة مع كل ما يقوله وينتجه من أفلام، لتخلق بدورها العديد من الأسئلة والآفاق الجديدة للمستقبل. 

هجرة وعودة

إنتاج خليفي السينمائي، في أغلبيته، ينطلق من فلسطين إلى فلسطين، ومن الإنسان إلى الإنسان، وفي فيلمه "معلول تحتفل بدمارها" تتجلى هذه الحكاية، فلسطين ما بين الذاكرة والتاريخ، واللحظة التي يتكلم فيها أهالي القرية المهجّرة سنة 1948.

يظهر في المشاهد معلِّم من معلول، يسرد لطلابه تاريخ الأرض (فلسطين) في الرواية المدعاة من إسرائيل، ليصل إلى "يوم الاستقلال"، بحسب التعبير الإسرائيلي عن يوم نكبة فلسطين. وفي مشاهد أُخرى، يظهر رجال ونساء من قرية معلول، يتحدثون عن قريتهم التي هُجِّروا منها، بينما يحددون أماكن منازلهم ومنازل غيرهم في لوحة مرسومة على جدار المنزل، أما في لقطات أُخرى من الفيلم، أو انتقالة أُخرى، نرى أهالي معلول يزورون قريتهم في "يوم الاستقلال"، ويشرح أحدهم أنه لا يُسمح لهم بزيارتها إلا في هذا اليوم، ويبيّن حرصهم على هذه الزيارة لتعريف أولادهم على حياة أجدادهم، وكأن الفيلم يحكي عن حياتهم لاحقاً، بعد تحريرها، كما يظهر شخص آخر يريد العودة إلى قريته، ولو سكن في خيمة، لينتهي الفيلم بخلاصة تاريخية تردّ على الرواية التي كان الأستاذ يدرّسها في المدرسة مضطراً، حين يتحدث عن الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، وعن تمسُّكه بحقه، ومن هنا، يمكن فهم سياق  خليفي في لقاء "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، حين قال: "الاستعمار الصهيوني، استمرار للكولونيالية العالمية،" مضيفاً، بقناعة تامة، أن هذا الاستعمار "سيختفي، كما اختفى في باقي العالم،" ليوضح جزئية مهمة تبدو من صلب قناعاته وممارساته التي يمكن لمسها في أفلامه العديدة، وهي أن "الاستعمار لا يمكن التعامل معه عاطفياً، فهو حقيقة موجودة، ويجب أن نناضل جميعنا ضدها."

ما هو النضال؟

في حوار الناقد ربيع الشامي مع خليفي، عاد معه إلى السؤال عن النضال الذي وجّهه المخرج الفلسطيني إلى الأديبة الفلسطينية سحر خليفة في فيلم "الذاكرة الخصبة"، ليعيد طرحه هذه المرة على خليفي نفسه، كان هذا السؤال في فيلم "الذاكرة الخصبة"، فأجاب: "النضال أمر أساسي في حياة أيّ إنسان، فكلّ عمل موجّه وتسخّره من أجل هدفك الأساسي، وهو التحرر، ولا أفرّق بين التحرر الفردي والتحرر الجماعي، وبالتالي تحرّر فلسطين، فالصمود في الأرض نضال، والصمود في الشارع نضال."

انظر