تجربتي كأمينة مكتبة
التاريخ: 
17/02/2023
المؤلف: 

عشقت الكتب والقصص منذ الطفولة، وكان أجمل شيء أن نجتمع حول كانون النار، وتبدأ ضيفتنا أم محمد برواية القصص ونحن نستمع إليها بآذان صاغية وبكل تركيز وانتباه. وبذلك نمضي معها أحلى وأجمل الأوقات، لدرجة أنها كلما كانت تهم بالرجوع إلى بيتها في بلدها بيت دقو، كنا نطلب منها، بإلحاح، أن تبقى معنا في البيت لفترة أطول.

بدأت دراستي الابتدائية في مدرسة بنات بيتونيا حتى الصف السادس الابتدائي، وقد درّستنا مديرة المدرسة سميرة المهتدي، رحمها الله، اللغة العربية، فكان لها الأثر الكبير فينا بقراءة القصص. كانت المدرسة حتى الصف السادس الابتدائي، فانتقلت بعدها إلى مدرسة بنات رام الله الثانوية، وكانت مديرة المدرسة في ذلك الحين جميلة حنا، رحمها الله. تميزت المدرسة بوجود مكتبة كبيرة مجهزة بالرفوف والطاولات والكراسي. كانت أمينة المكتبة معلمة اللغة العربية حلوة قسيس، رحمها الله، تهتم بالقراءة والكتب، لذلك، شجعتنا على قراءة أكبر عدد من القصص ومناقشتها، وهو ما زاد في حبي للقراءة. كنت أنتظر حصة المكتبة بفارغ الصبر، لكي أستعير القصص. 

ومن الظروف التي ساعدتني على القراءة، أنه كان لنا جارة قدِمت من الكويت سنة 1967، وأحضرت معها كتباً وقصصاً كثيرة، فقرأت لنجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، وعبد الحليم عبدالله، وغيرهم، بالإضافة إلى الكتب المترجمة، مثل رواية "الشيخ والبحر" وقصة "بائعة الكبريت".

أنهيت الثانوية العامة وحصلت على دبلوم من معهد المعلمات الحكومي في رام الله، وبدأت بالتدريس في المدارس الحكومية. كنت أشعر دائماً بأنه يجب أن أعمل في مكتبة، الأمر الذي دفعني إلى دراسة علم المكتبات والمعلومات في الاتحاد السوفياتي سابقاً في سنة 1983، حيث درست السنة الأولى في موسكو، وانتقلت بعد ذلك إلى مدينة مينسك في روسيا البيضاء، وتخرجت بامتياز سنة 1988 من جامعتها التي تحمل اسم المدينة مينسك، ورجعت إلى أرض الوطن، أبحث عن عمل في هذا المجال.

شاركت في دورة عُقدت في المركز الثقافي البريطاني بشأن "إدارة المكتبات الجامعية" في القدس، ثم التحقت بدورات مختلفة في التصنيف والفهرسة والأرشيف ما بين سنتيْ 1988- 2010، في المركز الثقافي البريطاني. وفي سنة 1995 أقيمت دورة مشتركة ما بين "مركز معاً" و"المركز الثقافي البريطاني"، بشأن "توثيق وإدارة الملفات"، وقامت مديرة المركز سهير خوري، التي كان لها دور كبير في عقد دورات في علم المكتبات، باستدعاء مختصين في علوم المكتبات من الخارج لتدريب أمناء المكتبات، وعقد ورشات بشأن رواية القصة وكيفية تنظيم أنشطة مختلفة من مختصين في رواية القصة من بريطانيا. وأسهم حسين غيث، الذي كان يعمل في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) في التدريب في مجال التصنيف والفهرسة في المكتبات.

شعرت بالحاجة إلى مواكبة التطورات الرقمية في علم المكتبات، فذهبت إلى عمّان، حيث تدربت في مكتبة عبد الحميد شومان على أحد أهم البرامجWinisis) ) الذي استخدمته لاحقاً في مكتبة مركز التطوير التربوي، وفي بعض المكتبات المدرسية الأُخرى.

بدأت العمل في مدرسة الفرندز للبنات في رام الله كأمينة مكتبة سنة 1988، وكنت استمتع كثيراً بالعمل مع الطلاب وتقديم المعلومات لهم واقتراح قصص وروايات لقراءتها. انتقلت بعدها للعمل مع الأونروا كمديرة لمكتبة مركز التطوير التربوي، في القدس – الشيخ جرّاح.

كانت لي تجربة في الفترة 1996-1998 في تدريس مادة علم المكتبات والمعلومات في كلية مجتمع المرأة في رام الله، وفي سنة 2003، عملت في مجال الإشراف التربوي مسؤولة عن مكتبات الوكالة المدرسية في الضفة الغربية، وعددها 96 مكتبة، تمكنت خلالها من تدريب أمناء المكتبات المدرسية على تصنيف الكتب وتنظيمها على الرفوف، بالإضافة الى عقد ورشات مدتها سنة كاملة لتدريس مادة علم المكتبات لأمناء المكتبات.

وخلال السنوات الماضية، عملت في الكثير من المؤسسات والمراكز في مجال المكتبات، منها في سنة 1994، في مكتبة مركز المناهج الفلسطينية، حين ترأس إبراهيم أبو لغد، رحمه الله، قسم المناهج. وعملت من سنة 1995 إلى سنة 1994 عملاً إضافياً كمستشارة لمكتبة مركز الدراسات النسوية في ضاحية البريد في مكتبة مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، وشاركت مع مجموعة من المكتبيين في تأسيس جمعية المكتبات الفلسطينية.

في سنة 1998، اهتمت وزارة الثقافة في غزة بأدب الأطفال كثيراً، بالتعاون مع مؤسسة دياكونيا السويدية، إذ بدأت بمشروع دراسة أدب الأطفال، والذي أعدّته الديكونيا ووزارة الثقافة وجامعةLinkoping university، ومدته سنة كاملة، حضره العديد من المهتمين بأدب الطفل من قطاعات مختلفة، وأنا من بينهم. بعد مرور عام، اهتمت وزارة التربية والتعليم بتنفيذ مشروع أدب الأطفال في المدارس الحكومية، وبوشر العمل على استخدام أدب الأطفال في المدارس، أي التعلّم عن طريق القصص. كُلفت تقييم العمل بعد انتهاء ورشات العمل جميعها في الضفة الغربية كلها، وشاركت في إعداد الدليل الأول لكتاب أدب الأطفال.

تميزت تلك الفترة بحراك في أدب الأطفال، إذ تم إعداد مجموعة من الدراسات تتعلق بالمكتبات، وأنشأت وزارة الثقافة الفلسطينية 15 مكتبة طفل جديدة في الضفة الغربية.

عملت منسّقة لأدب الأطفال في مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى لتطبيق استخدام أدب الأطفال في التعليم "التعليم من خلال القصص". كان هناك اهتمام عربي بعلم المكتبات في تلك الأعوام، فعُقدت عدة مؤتمرات في الأردن والعراق ودمشق. وكان هناك اهتمام بحثي بواقع المكتبات في العالم العربي، وفلسطين، والنشر وأدب الأطفال.

خلال الأعوام الطويلة التي أمضيتها في العمل في مجال المكتبات، عشت تجربة غنية، رافقها حب للعمل وإيمان به، والإصرارعلى النهوض ومحاوله التغيير، وإظهار دور المكتبة المهم في مساعدة الطلبة على التقدم العلمي والثقافي، بالإضافة إلى الترفيه والتسلية.

من الصعوبات التي تواجه العمل المكتبي في المدارس عدم وجود أمين مكتبة متفرغ، وكذلك عدم وجود حصة مكتبية يتمكن فيها الطلاب من القراءة واستعارة الكتب والقصص، بالإضافة إلى استخدام المكتبة كغرفة اجتماعات، ولدورات تُعقد في المدرسة، باعتبارها مكاناً ثانوياً. كما أنه في كثير من الأحيان يكون أمين المكتبة هو المتطوع، أو المتطوعة، الذي يعمل في المكتبة من دون أي خلفية عن طبيعة العمل، بالإضافة إلى عدم وجود ميزانيات لشراء الكتب والنهوض بالمكتبات.

لا بد من أن تكون المكتبات جزءاً من السياسات الثقافية وتطويرها، ويتطلب ذلك وجود ثقافة مكتبية عبر وجود تخصصات في علم المكتبات في الجامعات الفلسطينية، ومن هناك، في الإمكان تعيين أمناء مكتبات وتدريبهم على العمل في المدارس وغيرها من المؤسسات، والنظر إلى دور المكتبة، ليس فقط كمكان يحوي كتباً، وإنما كفضاء تعليمي يلتقي فيه الجمهور للحوار والنقاش وتبادُل الأفكار وتنظيم الفعاليات والأنشطة التي تربط ما بين المكتبة والمجتمع. قطاع المكتبات بحاجة إلى دعم سياسي، وخاصة في ظل منع الاحتلال الكثير من الكتب ومصادرتها.

هذا ملخص لتجربتي في مجال المكتبات، راجيةً أن تكون هذه التجربة مفيدة لمن يعمل في هذا المجال، والمساهمة في التشجيع على القراءة وتقدّم المكتبات وانتشارها في كل أرجاء الوطن.

عن المؤلف: 

فاطمة بدوان: أخصائية مكتبات من فلسطين.