تجربتي مع الكتب والمكتبات
التاريخ: 
06/02/2023
المؤلف: 

وُلدتُ في مدينة القدس لوالدين مقدسيين قبل نكبة فلسطين، ولي أخ وأخت. كانت العائلة تعيش في حي البقعة التحتا بجوار خط سكة الحديد. كنت ألعب مع أخوتي بوضع قطعة من النقود على خط السكة وننتظر القطار حتى يمر على المليم ويبسطه. كنت أذهب إلى مدرسة كلية القدس للبنات ابتداء من صف البستان إلى الصف الثالث الابتدائي. وفي نهاية كل سنة، كان والداي يستلمان شهادة تُخبر عن إنجازي. وكان أهم تعليق، بالنسبة إليّ، عبارة "تلتذ لسماع القصص"، ومن هنا ابتدأ مشواري بمحبة الكتب وقراءة القصص. وعندما أصبح عمري 9 أعوام، بدأ إطلاق النار والانفجارات بين الفلسطينيين واليهود. كانت أمي تخفف خوفي بقولها: إنه صوت الرعد. انتقلت العائلة إلى أريحا، موقتاً، وبعد فترة قصيرة، رجعت إلى رام الله، حين التحقت بمدرسة الفرندز للبنات في الصف الرابع الابتدائي، وتخرجت منها سنة 1956. عملت في المدرسة كمعلمة وسكرتيرة لغاية سنة 1965، بالإضافة إلى العناية بالمكتبة المدرسية. من الجدير ذكره، أن المكتبة كانت بلا ميزانية. فطلبت من المديرة السماح لي ببيع الكعك بالسمسم والفلافل للطالبات خلال الاستراحة. قبلَت، وصرت أبيع لجمع النقود من أجل شراء الكتب. استطعت شراء مئة كتاب. أيضاً، كنت آخذ من الأطفال شيكلاً كضريبة على تأخير إرجاع الكتاب، ليس عقاباً، بل كي أشتري كتباً جديدة.

في سنة 1965، حصلت على بعثة من جامعة "ويسترن كولدج للنساء" في ولاية أوهايو الأميركية، وتخرجت منها سنة 1969، حائزةً شهادة البكالوريوس. ثم التحقت بجامعة "نورث كارولاينا" ونلت منها شهادة الماجستير في عِلم المكتبات.

رجعت إلى رام الله، وعملت مباشرةً في مركز فتيات رام الله (الطيرة) التابع لوكالة الغوث. بدأت من الصفر.  صنّفت الكتب وفهرستها، وطبعت بطاقات الفهرسة، وتم تجهيزها بالكامل في مدة سنة. تعرفت إلى خبيرة المكتبات الفنلندية التي كانت تعمل في رئاسة وكالة الغوث في بيروت. طلبت مني أن أتقدم إلى وظيفة مساعدة/ خبيرة، لمساعدتها في العمل في لبنان. تم قبولي بصعوبة في لبنان، لأنني غير لبنانية، لكن بإصرار من الخبيرة، حصلت على الوظيفة وانتقلت إلى بيروت. ثم بدأت الحرب الأهلية وانتقلت الرئاسة إلى العاصمة الأردنية عمّان في سنة 1975. وبعد انتهاء عمل الخبيرة، حللت محلها، وعملت حتى سنة 1993، لأن الأونروا أغلقت وظائف خبراء الفن والرياضة والتدبير المنزلي ووظيفتي، مدّعيةً العجز المالي. من إنجازاتي في الأونروا: (1) زيارات ميدانية إلى المناطق التابعة لها: لبنان، سورية، الأردن، الضفة الغربية، قطاع غزة. (2) تدريب المعلمين/ات الذين يُطلب منهم العمل في المكتبة، من خلال دورات قصيرة أو تدريب في أثناء الخدمة لمدة عام؛ أو من خلال التدريب بالمراسلة؛ (3) إنشاء مكتبات مركزية في المخيمات لخدمة المدارس الإعدادية والابتدائية للبنين والبنات؛ (4) إنشاء وظائف للمكتبات في المناطق الخمس، تضم أمناء متفرغين في مراكز التطوير التربوي؛ مساعد أمين مكتبة في معاهد تدريب المعلمين والمعلمات والمراكز المهنية؛ ومسؤول التوثيق والمكتبة في رئاسة الأونروا في الأردن؛ وموجّهاً للمكتبات المدرسية. (5) رفع ميزانية المكتبة المدرسية من عشرة سنتات أميركية إلى دولار واحد للطالب في المدارس الإعدادية؛ و85 سنتاً للطالب الابتدائي.

رجعت سنة 1994 إلى فلسطين وعملت في مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي كمتطوعة في البداية، ثم موظفة تحت عنوان "منسقة برنامج تنمية المكتبات وتفعيلها". تضمّن العمل عقد دورات لأمناء المكتبات، بالإضافة إلى دورات للأطفال (9-13 عاماً) تتعلق بالمهارات المكتبية؛ إجراء مسح لمعرفة أوضاع مكتبات الأطفال في فلسطين؛ مسابقة "كتابي الأول" في كتابة الأطفال قصصاً من حياتهم؛ تأسيس "دارة الطفولة" التي ملأناها بالكتب الجيدة، لمساعدة الأهالي في شراء الكتب لأطفالهم"؛ "تأسيس مركز موارد أدب الأطفال الفلسطيني"، لتشجيع الأطفال على القراءة؛ الاشتراك في أنشطة المؤسسة وبيعي الكتب خلال النشاطات. أيضاً، تم إعداد ونشر أربعة كتب "الببليوغرافيا الفلسطينية لكتب الأطفال"، صدرت في السنوات 1997، 2003، 2011، 2016 ، ولا أزال أعدّ الكتاب الخامس.

أيضاً، أسست مكتبة متخصصة بالاقتصاد لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) في القدس. أحياناً، كان من الصعب أن أصل إليه، لأن الجيش الإسرائيلي كان يضع الحواجز ويعيدنا إلى رام الله. وبما أن عدداً كبيراً من الموظفين كان يسكن في رام الله، انتقل المعهد إلى رام الله، مستأجراً طبقة كاملة. ثم انتقل مرة ثانية إلى بناء يملكه المعهد في رام الله. كان من واجباتي شراء الكتب والدوريات وتجهيزها للإعارة للموظفين وطلاب الجامعات المتخصصين بالاقتصاد؛ إعداد قوائم بالمواد الجديدة وإعلام الاقتصاديين في المعهد: بيع إصدارات ماس؛ إعداد تقارير شهرية وسنوية عن المكتبة؛ إدخال بيانات الكتب إلى الكومبيوتر. وبسبب الأزمة المالية، خُفِّض دوامي إلى النصف، لكن الإدارة طلبت مني العمل بعض الساعات في سلطة النقد الفلسطينية كمستشارة للمكتبة. كانت الكتب والدوريات مكدسة غير منظمة، فقمت بترتيبها، بمساعدة موظفة في سلطة النقد، وسوياً، بدأنا نصنّف الكتب ونجهزها للإعارة، وبإدخال البيانات إلى الكومبيوتر، مع تدريبها على عِلم المكتبات. وعندما تم ترتيب المكتبة، تركت العمل.

كما تعاملت مع وزارتيْ الثقافة والتربية والتعليم الفلسطينيتين من خلال الندوات وورشات العمل. وعملت في تصنيف الكتب في المكتبة الخالدية- القدس خلال الفترة 1995 – 1996، وكنت سعيدة بالتعامل مع الكتب القديمة القيّمة، لكن في الوقت نفسه، كنت حزينة لرؤية بعض الكتب وقد اخترقت الحشرات صفحاتها وتركت آثاراً عليها. وعندما أصبح الذهاب إلى القدس صعباً بسبب الحواجز العسكرية، أنهيت العمل فيها.

وعلّمت في كلية فلسطين التقنية في الفترة 1995-1996 مساقاً واحداً للطالبات، هو "المكتبة ورسالتها"، والذي تضمّن المواضيع التالية: التعريف بالمكتبة، وأنواعها، ومصادر المعلومات، والخدمات المكتبية، والتعاون بين المكتبات، ونُظُم المعلومات، وأدب الأطفال. وتمثّل عملي في مكتبة رام الله العامة (2013-2014) في التحقّق من صحة تصنيف الكتب التي صُنِّفت مسبقاً، وإعادة تصنيفها من جديد، وتدوين البيانات على نماذج خاصة، وتسليمها لآخرين لإدخال البيانات إلى الحاسوب.

أيضاً، زودت ثلاث مكتبات في الولايات المتحدة بالكتب الفلسطينية، وهي: مكتبة الكونغرس الأميركية (1995- 2016)؛ مكتبة جامعة هارفارد (1997 – 2016)؛ مكتبة جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (1997 – 2016).

وكنت عضواً في كلّ من: جمعية المكتبات الأردنية في الفترة 1974 – 1994؛ جمعية المكتبات والمعلومات الفلسطينية في الفترة 1984-1998؛ جمعية المكتبات المدرسية الدولية في الفترة 1981- 1998، والتي كنت أشارك في مؤتمراتها العالمية، وحملت لقب "المدير الإقليمي لشمال أفريقيا والشرق الأوسط" ستة أعوام. كما كنت عضواً في المجلس العالمي لكتب اليافعين/ فرع فلسطين منذ سنة 2003 ولغاية الآن. ومن نشاطاتنا أننا أنشأنا مكتبتين، واحدة في بيت حانون، والثانية في رفح في قطاع غزة، من خلال مشروع "أطفال في ظل الأزمات". وعقدنا لقاءات شهرية ندعو إليها الكتّاب والرســامين العرب والأجانب للحديث عن تجاربهم.

شاركت أيضاً مع مجموعة "مكتبيون وموثِّقون إلى فلسطين" لدعم المكتبيين والمكتبات في فلسطين. فحضر  ستة عشر شخصاً من أميركا وأوروبا إلى فلسطين في سنة 2013، وزاروا بعض المكتبات العامة والجامعية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الداخل. من أهم نشاطاتهم "كتاب واحد... عدة مجتمعات". يجري اختيار كتاب واحد من فلسطين وتتم قراءته ونقاشه في عدة مدن في العالم. ومن هذه الكتب التي نوقشت وشاركت فيها: "بينما ينام العالم" لسوزان أبو الهوى؛ "شارون وحماتي" لسعاد العامري؛ "اسمي الحركي فراشة" لأحلام بشارات؛ و"عائد إلى حيفا" لغسان كنفاني.

بالإضافة إلى ما سبق، حضرتُ عدة مؤتمرات عالمية وإقليمية بشأن الكتب والمكتبات، في برشلونة، والبحرين، وشرم الشيخ، وصفاقس. كما أعددت عدداً من المؤلفات التي تتعلق بإنشاء المكتبات.

عن المؤلف: 

ماري فاشة: كاتبة وخبيرة مكتبات من فلسطين.