زيارة أنتوني بلينكن: لا مبادرات سياسية ودعوة إلى "التهدئة"
التاريخ: 
02/02/2023
المؤلف: 

هدفت زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى مصر وإسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة إلى تحقيق ثلاثة أهداف: الأول، "إنهاء دورة العنف" بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي "أودت بحياة الكثير من الأبرياء"، كما ورد في بيان أصدرته وزارة الخارجية الأميركية عشية هذه الزيارة؛ والثاني إعادة التواصل من جديد مع بنيامين نتنياهو والتعبير عن قلق الإدارة الأميركية من توجهات حكومته، وخصوصاً فيما يتعلق بإصلاح النظام القضائي، وعن حرصها على استمرار إسرائيل "واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"؛ والثالث، تعزيز التعاون السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في مواجهة إيران ومشروعها النووي.

فبخصوص الهدف الثاني، صّرح أنتوني بلينكن، في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع بنيامين نتنياهو، يوم الاثنين في 30 كانون الثاني/يناير الفائت، أن منظومة العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تستند إلى "قيم الديمقراطية"، وعبّر، بحسب صحيفة "هآرتس"، عن "قلق إدارته من أن تؤدي مبادرات حكومة نتنياهو إلى إلحاق الضرر بحرية التعبير، أو بالأقليات"، معتبراً أن الشراكة بين إسرائيل والولايات المتحدة تقوم "على المصالح والقيم المشتركة التي تتضمن دعمنا للمبادئ والمؤسسات الجوهرية الديمقراطية، ومن بينها احترام حقوق الإنسان، ومنظومة القضاء، والمساواة، وضمان حقوق الأقليات وسلطة القانون، وحرية الصحف، ومجتمع مدني قوي"، ومشدداً، في نهاية كلامه، على أن "الحوار بيني وبين نتنياهو سيتواصل، وكذلك مع أعضاء آخرين في الحكومة، ومع المجتمع المدني في إسرائيل، كجزء من عملية مستمرة لتحصين ركائز الديمقراطية التي نلتزم بها"[1].

وبخصوص الهدف الثالث، أكد الوزير الأميركي خلال اللقاءات التي أجراها في إسرائيل على تعزيز التعاون السياسي والعسكري بين الدولتين في مواجهة إيران ومشروعها النووي، وقال: "مثلما دعمت إيران منذ فترة طويلة الإرهابيين الذين يهاجمون الإسرائيليين وغيرهم، فإن النظام (الإيراني) يوفر الآن طائرات بدون طيار تستخدمها روسيا لقتل المدنيين الأوكرانيين الأبرياء، بينما تقدم روسيا، في المقابل، أسلحة متطورة لايران". وكان أنتوني بلينكن قد وصل إلى إسرائيل في الوقت الذي كانت فيه مناورات عسكرية أميركية – إسرائيلية لم يسبق لها مثيل توشك على الانتهاء، كما تزامنت زيارته مع هجوم على مصنع أسلحة إيراني بطائرات مسيرة عسكرية أشارت الصحف، بما فيها الأميركية، إلى إنه من تدبير إسرائيلي.

حث الطرفين على "العودة إلى الهدوء"

أما بشأن الهدف الأول للزيارة، فقد بدأ الوزير الأميركي مساعيه الرامية إلى ما أسماه بـ "وقف دورة العنف" بين الشعب الخاضع للاحتلال وبين محتليه في القاهرة التي تضطلع دبلوماسيتها وأجهزة مخابراتها، منذ سنوات طويلة، بدور "الوسيط" بين الطرفين، وهو ما أكد عليه بيان صدر بعد اللقاء الذي أجراه أنتوني بلينكن مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وجاء فيه "أن مصر بذلت جهوداً في الأيام الأخيرة لمحاولة السيطرة على اندلاع التوترات"، وكذلك تصريح أدلى به المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس وورد فيه إن المسؤولَين "ناقشا الجهود الجارية لتهدئة التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، مشيراً إلى دور القاهرة المهم في "تعزيز الاستقرار الإقليمي".

ولدى وصوله إلى مطار تل أبيب، حث وزير الخارجية الأميركي الإسرائيليين والفلسطينيين "على التحرك بصورة عاجلة لاستعادة الهدوء"، وقال: "تقع على عاتق الجميع مسؤولية اتخاذ إجراءات لتخفيف التوترات بدلاً من تأجيجها، والعمل حتى يتحرر الناس يوماً ما من الخوف في مجتمعاتهم ومنازلهم وأماكن عبادتهم". ثم قال في مؤتمر صحفي إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي: "نحث الآن جميع الأطراف على اتخاذ خطوات عاجلة للعودة إلى الهدوء ووقف التصعيد". كما أكد أهمية الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف واحترام الممارسات الدينية هناك، وأضاف: "جو بايدن ملتزم تماماً بضمان العدالة والحرية والكرامة للجميع، والحفاظ على الأمن وتحقيق رؤية الدولتين". وكانت باربرا ليف المسؤولة البارزة في وزارة الخارجية الأميركية قد صرّحت للصحافيين، تعليقاً على قرار السلطة الفلسطينية بوقف أو تعليق التنسيق الأمني مع إسرائيل: "لا نعتقد أن هذا القرار صائب في هذا الوقت"، مضيفة: "نعتقد، على العكس من ذلك، أنه من المهم للغاية أن يحافظ الطرفان على تنسيقهما الأمني ​​وحتى تعميقه"[2].

وبينما كان الوزير الأميركي يدعو إلى "التهدئة" و "وقف التصعيد"، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تغلق منزل الفتى الفلسطيني الذي أطلق النار على أب وابنه وأصابهما بجراح في القدس الشرقية المحتلة تمهيداً لهدمه، وتقتل شاباً فلسطينياً في السادسة والعشرين من عمره في مدينة الخليل المحتلة بذريعة أنه لم يوقف سيارته عندما طالبه جنود الاحتلال بذلك. وخلال لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مدينة رام الله، عاد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مرة أخرى لتأكيد الحاجة إلى "تخفيف التوترات"، و "إنهاء تصعيد العنف"، معترفاً بأن "آمال الفلسطينيين تتضاءل"، وأنه من الضروري "تعزيز الإجراءات لتغيير هذا الوضع". كما أعرب عن أسفه لمقتل الفلسطينيين "الذين فقدوا أرواحهم في تصعيد العنف خلال العام الماضي"، وكشف عن استعداد واشنطن لـ "تعزيز العلاقات مع السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني"، واستمرار تمسكها بـ "حل الدولتين" للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ووعد السلطة الفلسطينية بتقديم خمسين مليون دولار إضافية إلى وكالة الأونروا والعمل على توفير شبكة اتصالات الجيل الرابع للفلسطينيين[3].

إطفائي من دون مطفأة حريق، يقترح تطوير شبكة الخليوي

في مقال حمل العنوان التالي: "زيارة إلى الشرق الأوسط: أنتوني بلينكن رجل إطفاء بدون مطفأة حريق"، نشرته في صحيفة "ليبراسيون" الباريسية في 30 كانون الثاني/يناير الفائت، رأت الصحافية هالة قضماني أن أنتوني بلينكن وصل إلى الشرق الأوسط "كرجل إطفاء" في مواجهة "اندلاع أعمال عنف دامية بين الإسرائيليين والفلسطينيين عشية زيارته"، ودعا إلى تهدئه الأوضاع، لكن من دون أن يحمل معه "مطفأة حريق"، وبالتالي "لم تُسمع دعوته هذه إلى الهدوء بعد يوم الاثنين على الأرض"، ذلك إنه "في صباح ذلك اليوم نفسه، قتلت القوات الإسرائيلية فلسطينياً يبلغ من العمر 26 عاماً كان يقود سيارته في الخليل، قائلة إنه رفض التوقف"[4].

بيد أن الصحافي الإسرائيلي جاكي خوري اعتبر أن "الإطفائي" الذي نسي أن يحمل معه "مطفأة حريق"، حمل اقتراحاً إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس "بتطوير شبكة الخليوي"، وكتب في مقال نشره في صحيفة "هآرتس"، في 1 شباط/فبراير الجاري، أن الاهتمام الرئيسي في إسرائيل اليوم يتركّز "على خطة ليفين - نتنياهو لإضعاف المنظومة القضائية، وإلى أي حد تستطيع الإدارة الأميركية التأثير فيها، وبالطبع، هناك موضوع إيران، ولولا الهجمات في النبي يعقوب وفي سلوان، ثمة شك في أنه كان سيجري التطرق إلى الموضوع الفلسطيني" خلال زيارة أنتوني بلينكن إلى إسرائيل. وتابع: "يتعين على الإدارة الأميركية أن تفهم أن الفلسطينيين، حتى السذج بينهم، ليسوا أغبياء إلى هذا الحد؛ لا حاجة إلى تكرار عبارات، مثل التزام الولايات المتحدة بهدف تحقيق الاحترام والعدالة والمساواة في الفرص للطرفين، وحل الدولتين، بينما عملياً، تفعل إسرائيل ما تشاء من دون أن تأخذ في حسابها الضغط الدولي من أي طرف جاء، وبالأساس الضغط الأميركي، بينما كل خطوة يقوم بها الجانب الفلسطيني في الساحة الدولية، بما فيها التوجه إلى الأمم المتحدة والمحكمة الدولية، تُعتبر خطوة استفزازية وتؤذي الثقة". وخلص الصحافي نفسه إلى أن وزير الخارجية الأميركي "بدلاً من أن يقدم مساراً فعلياً له مضامين سياسية واستراتيجية، كما هو متوقع من وزير خارجية دولة عظمى مثل الولايات المتحدة، تحدث عن تقديم مساعدة اقتصادية للسلطة وتسهيلات مدنية، بينها تطوير شبكة الخليوي، كـأن سقف توقعات الفلسطيني في رام الله وفي جنين التحدث في الخليوي ورؤية فيديوهات التيك توك".[5]

والواقع أن معظم المحللين يتفق على أن أنتوني بلينكن لم يقدم، فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، شيئاً جديداً، بل اكتفى بترديد الأسطوانة المشروخة عن الالتزام الأميركي بـ "حل الدولتين" ولم يتحدث البتة عن إطلاق "عملية السلام" المتوقفة منذ سنة 2014، بل ظهر بوضوح أن كل ما يريده، هو وإدارته، أن لا يتسبب تصاعد التوتر في اشتعال المنطقة وأن يعود التسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وأن تتحسن الظروف المعيشية للفلسطينيين؛ أما بنيامين نتنياهو، فهو لا يرغب سوى في توسيع نطاق "اتفاقيات أبراهام"، زاعماً أن السلام بين الدول العربية وإسرائيل هو الذي يمهد الطريق أمام التوصل إلى "سلام" مع الفلسطينيين، وهو ما أكده في المؤتمر الصحافي مع أنتوني بلينكن عندما قال: "أنا أؤمن بأن توسيع دائرة السلام ومحاولة إنهاء النزاع العربي - الإسرائيلي بصورة نهائية ودائمة، سيساعداننا على التوصل إلى حل عملي مع جيراننا الفلسطينيين".

 

[1] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/31-1-2023.pdf

[2] https://mondafrique.com/anthony-blinken-une-tournee-au-moyen-orient-sur-la-ligne-de-crete/

[3] https://atalayar.com/fr/content/blinken-reaffirme-le-soutien-des-etats-unis-la-solution-des-deux-etats-lors-de-sa-rencontre

https://www.i24news.tv/fr/actu/international/moyen-orient/1675172563-l-espoir-pour-les-palestiniens-s-amenuise-et-cela-doit-changer-antony-blinken-a-abbas

https://fr.timesofisrael.com/rencontrant-abbas-blinken-deplore-la-mort-de-civils-palestiniens-innocents/

[4] https://www.liberation.fr/international/visite-au-proche-orient-antony-blinken-un-pompier-sans-extincteur-20230130

[5] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/1-2-2023_0.pdf