أيّ تداعيات لحكومة اليمين الديني-القومي على مسار التطبيع والعلاقات مع الدول العربية؟
التاريخ: 
30/01/2023
المؤلف: 

أثار إعلان تأليف الحكومة اليمينية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو صدمة وسط الفلسطينيين خصوصاً، والدول العربية عموماً، ولا سيما بعد تولّي شخصيات قومية دينية متطرفة، معروفة بعدائها للفلسطينيين والعرب عموماً، مناصب حساسة فيها. وفاقمت القلق والخوف الزيارة الخاطفة التي قام بها زعيم حزب قوة يهودية وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى الحرم القدسي الشريف، مباشرةً بعد أداء الحكومة الجديدة القسم، في خطوة اعتبرتها أكثر من جهة فلسطينية وعربية استفزازاً صريحاً وعنواناً للقادم من الأيام. 

كما أدت هذه الزيارة إلى ردات فعل عربية غاضبة، وجاءت ردة الفعل الأشد من جانب الأردن الذي استدعى السفير الإسرائيلي في عمّان إلى جلسة توبيخية.[1] وبدا أن عودة نتنياهو إلى الحكم، وهو الذي أنهى ولايته السابقة للحكومة بسوء فهم عميق مع الأردن ومع الملك عبد الله، وتصريحات الوزراء ممثلي التيار الديني القومي الاستفزازية بشأن تغيُّر الوضع في الحرم القدسي الشريف، ساهمتا في تسريع عودة التوتر إلى العلاقات بين الأردن وإسرائيل.

نتنياهو يحاول تبديد المخاوف الأردنية :

خلال ولاية حكومة نتنياهو السابقة، شهدت العلاقات الأردنية الإسرائيلية توتراً ملحوظاً بلغ ذروته عندما رفض الأردن السماح لطائرة نتنياهو بعبور أجوائه، وهو في طريقه إلى أبو ظبي في آذار/مارس 2021، الأمر الذي أثار غضب نتنياهو ودفعه إلى رفض طلب الأردن تزويده بالمياه من إسرائيل. وبذلك تحول نتنياهو إلى "شخصية غير مرغوب فيها في القصر الأردني"، بحسب وصف عضو الكنيست السابقة كسينيا سفيتلوفا.[2] وطوال فترة ولايته، راكم نتنياهو كماً من الحوادث وسوء التفاهمات مع الأردن، بالإضافة إلى تعمُّده سياسة التجاهل له، الأمر الذي ألحق ضرراً بمنظومة العلاقات بين البلدين.

 بعد تأليف حكومة بينت- لبيد، عملت الحكومة الجديدة على ترميم العلاقات مع الأردن، تجلى ذلك في زيارات بني غانتس إلى الأردن أكثر من مرة، وزيارة يائير لبيد، عندما كان وزيراً للخارجية، إلى الأردن والاتفاق مع نظيره الأردني على تزويد الأردن بـ50 مليون متر مكعب إضافية من المياه.

عادت المخاوف الأردنية من جديد مع عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة على رأس حكومة يمينية متشددة. وتركزت هذه المخاوف بصورة خاصة على أمرين أساسيين: الخوف من قيام الوزراء الممثلين لتيار الصهيونية الدينية بتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، والمسّ بالمكانة الخاصة للأردن في الإشراف على الأماكن المقدسة الإسلامية؛ والتخوف من انفجار أمني كبير في الضفة جرّاء خطوات أحادية الجانب تقوم بها الحكومة وتخلّف تداعيات كبيرة على أمن الأردن، و العودة إلى إحياء أفكار قديمة، مثل شعار "الأردن هو فلسطين".

على هذه الخلفية، جاءت الزيارة التي قام بها بنيامين نتنياهو إلى الأردن في 24 كانون الثاني/يناير الحالي، واللقاء الذي أجراه مع الملك عبد الله، والذي استغرق ساعات. ووفقاً لِما نشرته الصحف الإسرائيلية، فإن نتنياهو وعد الملك عبد الله بعدم تغيُّر الوضع القائم في الحرم القدسي، وتبديد المخاوف التي أثارتها زيارة الوزير إيتمار بن غفير إلى الحرم، وسوء التفاهم الذي تسببت به حادثة منع السفير الأردني في إسرائيل من زيارة المسجد الأقصى. من جهة أُخرى، حاول نتنياهو إقناع الملك عبد الله بمساعدته في تهدئة الأوضاع في أراضي السلطة الفلسطينية قبل حلول شهر رمضان، الذي تتوقع الاستخبارات الإسرائيلية أن يشهد تصعيداً في العمليات الفلسطينية ضد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وفي مقابل الأهداف التي وضعها نتنياهو لزيارته إلى الأردن، طُرح السؤال عن ماهية الأسباب التي جعلت الملك عبد الله يستقبله في هذا الوقت بالذات.

وفقاً للموقع الإخباري "N12"، هناك 4 أسباب دفعت الملك عبد الله إلى استقبال نتنياهو: الحصول على تعهُّد بالحفاظ على الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف؛ وتعزيز مكانة ودور الوقف الإسلامي هناك؛ الوضع الفوضوي في جنوب سورية وتداعياته على أمن الأردن؛ الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعانيها الأردن ورغبته في الحصول على دعم مالي من الدول الغربية، إذ يمكن أن يساعد نتنياهو في الحصول على هذا الدعم للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الأردن. [3]

العلاقات بدول "اتفاقات أبراهام" Business as usual

من اللافت أنه على الرغم من تنديد الدول العربية، التي وقّعت "اتفاقات أبراهام"، بالزيارة التي قام بها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى الحرم القدسي الشريف، وتأجيل الزيارة التي كان رئيس الحكومة نتنياهو يعتزم القيام بها إلى الإمارات في الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير، والتي فسّرها البعض بأنها احتجاج على خطوة بن غفير الاستفزازية، لكن هذا لم يمنع مثلاً اجتماع مجموعات العمل للتحضير لـ"منتدى النقب" الذي عُقد في العاصمة الإماراتية في 11/1/2023 ، والذي شارك فيه 150 مسؤولاً من إسرائيل ومصر والبحرين والإمارات والمغرب، وبحثوا خلاله سبل تعزيز التعاون في مجالات عدة، ولا سيما التعاون الأمني وتبادُل المعلومات. وبحسب بيان وزارة الخارجية الإماراتية، كان هذا الاجتماع الأكبر من نوعه، الذي يُعقد بين إسرائيل ودول عربية منذ عقود، منذ مؤتمر مدريد للسلام في سنة 1991.[4]

 لكن على الرغم من هذا، فإن بعض المحللين الإسرائيليين حذّر من عواقب سوء فهم الحكومة الإسرائيلية الجديدة لمواقف الدول العربية منها. ففي رأي السفير السابق لإسرائيل في قبرص، أن التساؤلات والقلق اللذين يسودان الدول العربية بشأن توجهات الحكومة الجديدة، سيكون لها تداعيات على العلاقات مع الدول الموقّعة لـ "اتفاقات أبراهام"، وعلى المصالح المشتركة التي برزت مؤخراً بين هذه الدول وإسرائيل، سواء على صعيد منع إيران من الحصول على سلاح نووي، أو الحؤول دون حدوث تصعيد كبير في المناطق الفلسطينية يمكن أن ينزلق إلى ساحاتها الداخلية ويهدد بزعزعة استقرارها الداخلي.

والأكيد أن أي خطوات أحادية الجانب يمكن أن تتخذها الحكومة الجديدة ضد الفلسطينيين، مثل استئناف البناء في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، أو القيام بخطوات يمكن تفسيرها بأنها جزء من "ضمّ زاحف" تدريجي، والقيام بعمليات أمنية إسرائيلية كبيرة ضد الفلسطينيين، يمكن أن تشكل تهديداً جدياً لشبكة العلاقات مع الدول الموقّعة لـ"اتفاقات أبراهام"، ولا سيما المغرب، نظراً إلى أن ملك المغرب هو رئيس "لجنة القدس" في منظمة التعاون الإسلامي، ولديه مسؤوليات تجاه المواقع الإسلامية المقدسة، ناهيك بالتزام العائلة المالكة المغربية بالقضية الفلسطينية وحقوق المسلمين في القدس، بالإضافة إلى التأييد الشعبي العارم للفلسطينيين، الذي برز بوضوح خلال مباريات المونديال في قطر في الشهر الماضي.

 التطبيع مع السعودية: حلم نتنياهو الصعب

 لا يخفي بنيامين نتنياهو رغبته الشديدة في التقرب من السعودية وتوقيع اتفاق سلام معها. وهو يصرّح علناً بأن العلاقات مع السعودية تشكل هدفاً أساسياً يطمح إلى تحقيقه في فترة ولايته الحالية للحكومة، وبحثه مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان خلال الزيارة التي قام بها هذا الأخير إلى إسرائيل في 20/1/2023، كما برز في المقابلة غير المسبوقة التي أجرتها معه قناة "العربية" التابعة للسعودية.

وبحسب الخبير الاستراتيجي يوئيل غوزنسكي، في نظر بنيامين نتنياهو، التطبيع مع السعودية سيمنح الدول العربية والإسلامية شرعية إقامة علاقات مع إسرائيل. ناهيك بأن الاقتصاد السعودي هو من أكبر الاقتصادات في الشرق الأوسط، والسوق السعودية تنطوي على إمكانات كبيرة ومهمة بالنسبة إلى الشركات الإسرائيلية في شتى المجالات. [5]

لكن من ناحية أُخرى، يدرك نتنياهو أن الهدف الذي يصبو إليه صعب المنال، وربما صار أصعب بعد زيارة بن غفير إلى الحرم القدسي الشريف، وهو يعي أنه لن ينجح في التقرب من السعودية قبل أن تختبر هذه الأخيرة قدرته على السيطرة على العناصر المتشددة والمتطرفة في حكومته، وكيفية تصرُّفه حيال الفلسطينين والوضع في القدس الشرقية، وخصوصاً في الحرم، وقبل أن ترى موقفاً مؤيداً من الحكومة الإسرائيلية الجديدة لحل الدولتين لشعبين.

في رأي غوزنسكي: "الرياض ليست أبو ظبي. والتطبيع مع المملكة سيكون مختلفاً عن اتفاقات أبراهام، وأكثر تواضعاً وأكثر بطئاً. فالمجتمع السعودي هو مجتمع شديد المحافظة، ومن الصعب عليه استيعاب اتفاق مع إسرائيل. وبحسب استفتاء عام نُشر مؤخراً، فإن 90% من السعوديين يعتقدون أنه سيكون للحكومة الجديدة تداعيات سلبية على المنطقة، و80% يعارضون التطبيع مع إسرائيل على شاكلة اتفاقات أبراهام." [6]

 لكن رغبة نتنياهو الشديدة في التوصل إلى تفاهُم مع السعودية جعلته عرضة لهجوم اليمين القومي المتشدد. فتساءل الكاتب في صحيفة "يسرائيل هَيوم" عن الثمن الذي ينوي نتنياهو تقديمه إلى السعودية لقاء التقارب معها، وكتب: "مَن لا يعرف الأسلوب التاريخي لنتنياهو بعدم الوفاء بتعهداته، لا يعرف شيئاً. هذا الأسلوب الذي يبرز جيداً في السعي للسلام مع السعودية والوعود للملك الأردني... نتنياهو سعى خلال سنوات حكمه لإقامة دولة فلسطينية يطالب بها السعوديون كشرط لإعلان علاقاتهم مع إسرائيل. وربما حان الوقت في قيادة الليكود للإعلان أن إسرائيل لن تدفع شيئاً في مقابل اتفاقات سلام مع الدول العربية، لا من أراضيها، ولا من أمنها."[7]

في الخلاصة، على الرغم من المدة الزمنية القصيرة لعمل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فإن الخطوات القليلة التي اتخذتها حتى الآن حيال الفلسطينيين، وخصوصاً العملية العسكرية التي شنتها في مخيم اللاجئين في جنين، وإعلان السلطة الفلسطينية توقُّف التنسيق الأمني مع إسرائيل، والأجواء الملبدة التي تحوم فوق المنطقة، تبعث على التشاؤم بشأن مستقبل عملية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، كما تشكل تحدياً مهماً للمصالح المشتركة بين هذه الدول وبين إسرائيل، ولا سيما إذا استمر التصعيد الحالي في الضفة الغربية، واستمر ازدياد عدد الضحايا.

 

 

[1] للاطلاع على ردات الفعل العربية على زيارة بن غفير إلى الحرم االقدسي، يمكن العودة إلى الرابط التالي.

[2] يمكن مراجعة المقال المذكور على الرابط التالي.

[3] للاطّلاع على المقال كاملاً، يمكن استخدام الرابط التالي.

[4] https://digitalprojects.palestine-studies.org/ar/daily/mukhtarat-view/255018

[5] يوئيل غوزنسكي، "الشروط السعودية"، "يديعوت أحرونوت"، 1/1/2023.

[6] المصدر نفسه.

[7] نداف هعتسني، "الوعود للسعودية مثيرة أكثر للقلق من التراجع حيال الأردن"، "يسرائيل هَيوم"، 26/1/2023.